همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 مقدمات غزوة تبوك

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

مقدمات غزوة تبوك Empty
مُساهمةموضوع: مقدمات غزوة تبوك   مقدمات غزوة تبوك Emptyالسبت فبراير 27, 2016 10:51 am

مقدمات غزوة تبوك
نظرة الدولة الرومانية للمسلمين
غزوة تبوكبعد فتح مكة وانتصار حُنين دانت قبائل عربية كثيرة للمسلمين، وأصبحت الجزيرة العربية دولة إسلامية لها وضعها وكيانها، ولا شك أن ذلك لفت أنظار الدولة الرومانية العظمى التي تقع في شمال الجزيرة العربية، في الشام وما فوقها، ولنحلل الوضع في نظر الرومان:

أولاً: الدولة الإسلامية تتنامى قوتها بشكل لافت للنظر، وتتحول من كونها حركة مضطهدة إلى دولة، وستحاصَر الدولة الرومانية بالفرس شرقًا، وبالمسلمين جنوبًا.

يفسر لنا ذلك رعب الدولة الكبرى في العالم من الحركات الإسلامية؛ لأن هذه الحركات عندها القابلية ليس لحكم بلادها فقط، ولكن لحكم العالم.

ثانيًا: الرومان يعرفون القوة الذاتية العظيمة في داخل الدولة الإسلامية؛ لأنهم يتبعون نبيًّا، ويدينون بدين سماوي صحيح غير محرف، وقد أدرك ذلك هرقل بوضوح في حواره مع أبي سفيان قبل فتح مكة، فلو تُرك لهذا الدين العنان، فسوف يملك ما تحت أقدام هرقل، كما قال ذلك بنفسه.

ثالثًا: الحدود الرومانية المتاخمة للجزيرة العربية هي الشام من الشمال، ومصر من الغرب، ولو تُرك لهذه الدولة الإسلامية أن تُقوّي نفسها، فإنه لا يستبعد أن تضم إليها هاتين المستعمرتين الرومانيتين بما فيهما من خيرات.

رابعًا: منطقة الشام تمتلئ بعملاء الدولة الرومانية، وخاصةً من نصارى الشام، ولو تركوهم للمسلمين، فليس من المستبعد أن يُسلموا، فإن هرقل نفسه كان يفكر في ذلك، أو على الأقل ربما يدينون بالولاء لهم، وفي هذا خسارة كبيرة للرومان، وإهدار لمصالحها في هذه المناطق.

خامسًا: ذكريات مُؤتة لم يمضِ عليها وقت طويل، وثبات ثلاثة آلاف أمام مائتي ألف أمرٌ يستحق النظر.

سادسًا: جدية الرسول في التعامل مع الإمبراطوريات والممالك المحيطة توحي بأن الأمر لن يكون سهلاً، فالرسول أرسل رسالة دعوة إلى الإسلام إلى هرقل عظيم الروم، ولم يتردد في مراسلته، ودعوته إلى ترك دينه ودين آبائه لاعتناق الدين الجديد، والرسالة وإن كانت في لهجتها لطيفة، وأعطت هرقل وضعًا ومكانة، إلا أنه لا يخفى عليه التهديد غير المباشر الذي فيها حين قال: "فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ".

فهو يحمله ذنب أتباعه، ولا يستبعد أن يسعى الدين الجديد لاكتساب الأتباع الرومانيين المقهورين على طاعة هرقل وحاشيته.

سابعًا: وهو أمر في غاية الأهمية، وهو أن من طبيعة الأديان الأخرى أنهم لا يرضون عن دين الإسلام أبدًا، وأنه بعد أن يتبين لهم الحق الذي في الإسلام، فهم بين أمرين: إما أن يكيدوا له، وإما أن يدخلوا فيه. قال الله : {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة:120].

فالدولة الرومانية بدون أي مصالح أو أسباب لن ترضى عن الدولة الإسلامية، إلا عندما تترك الدولة الإسلامية دينها، وتتحول إلى النصرانية، فإذا لم يحدث ذلك، فالقتال سيظل وشيكًا، والنزال لن يتوقف.. {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].

ثامنًا: غرور القوة، فالقوي المتكبر لا يقبل بوجود قوي آخر إلى جواره، وتنشأ سنة التدافع والتنافر بين القوى المتشابهة، وهرقل لم يكن ليرضى بوجود عظيم إلى جواره، وكما كان يقاتل عظيم الفرس كسرى قبل ذلك، فلا شك أنه سيقاتل عظيم المسلمين رسول الله الآن.

لهذه الأسباب مجتمعة، وقد يكون لغيرها تجمّع الرومان، ومن شايعهم من قبائل العرب النصرانية أمثال (لخم، وجذام، وعاملة، وغسان) في منطقة البلقاء (الأردن حاليًا) يريدون دولة الإسلام.

الرسول كان يتوقع المواجهة
كل هذا السيناريو كان يتوقعه الرسول ، وكان يخبر به أصحابه، بدليل أن عمر بن الخطاب حين جاءه جاره يخبره أن النبي آلَ من نسائه، طرق عليه طرقًا شديدًا، ففزع عمر وقال له: أجاءت غسان؟

فكان إحساس عمر بن الخطاب هو أن قدوم غسان لغزو المدينة المنورة أمر متوقع، بل قريب الحدوث.

فلا شك أن الرسول كان قد أعدّ الناس لهذا الاحتمال، الأمر الذي جعل الجميع يتوقع حرب قوية مع الدولة الرومانية في الفترة القادمة.

دور المخابرات الإسلامية

بمجرد أن حدث هذا التجمع على بعد مئات الكيلو مترات من المدينة، عرفه رسول الله ، وبدأ يأخذ القرار في ضوء هذه المعرفة المبكرة، وهو بين أمرين:

- إما أن ينتظر الرومان في المدينة.

- وإما أن يذهب إليهم في شمال الجزيرة العربية.

ومع أن انتظار الرومان بالمدينة كان أسهلَ بكثير؛ لأن المسافة طويلة وشاقة، وقد تكون هناك فائدة عسكرية بهلاك الرومان في الصحراء، وهم غير معتادين على الحرب فيها، إلا أن الرسول قرر الخروج إلى شمال الجزيرة العربية، وبالتحديد إلى تبوك، وذلك لعدة أمور:

أولاً: ليأخذ عنصر المبادأة، ويختار بنفسه مكان وزمان الحرب.

ثانيًا: ليظهر عزة الإسلام وقوته وعدم جبنه، أو رهبته من القتال، ولهذا الثبات والإقدام أكبر الأثر على قلوب الأعداء.

ثالثًا: أن الرسول له دور مهم تجاه المسلمين في شمال الجزيرة العربية، وهو كزعيم مسئول لا يترك شعبه هكذا دون حماية، ولا يفعل مثلما يفعل كثير من الزعماء بتأمين حدود عاصمته، ويترك الشعب يعاني ويلات العدو، ثم الفرار بعد ذلك من العاصمة إن حوصرت.

خرج الرسول بنفسه على رأس أعظم جيوشه، وأقرب خاصته؛ ليلقى أعتى قوة في العالم، ويحفظ دماء شعبه، ولو كانوا فقراء بسطاء يعيشون في أطراف الصحراء.

قرار الحرب.. ولماذا كان عسيرًا؟
لكن هذا القرار ليس سهلاً، بل هو قرار عسير بمعنى الكلمة، ولسنا نحن الذين نقيِّم هذا القرار بأنه عسير، بل قال ذلك رب العالمين: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117].

و(تَبُوك) موضع بين وادي القرى والشام، بينه وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة، وبينه وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، وكانت هذه الغزوة في (رجب سنة تسع من الهجرة/ سبتمبر- أكتوبر سنة 630م)، وهي آخر غزواته .

وقد كان رسول الله قَلّمَا يخرج في غزوة إلا كَنّى عنها إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بَيَّنها للناس وأمرهم بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم.

لقد تغلب المؤمنون على أزمات كثيرة كانت كل أزمة منها كفيلة بتثبيط الجيش عن الخروج، ولكنهم بإيمانهم نجحوا بينما فشل المنافقون، وبذلك خرج الجيش المسلم طاهرًا من النفاق، خاليًا من الفساد، ومن كانت هذه حاله فالنصر حليفه إن شاء الله.

جيش العسرة
وإذا أردنا توضيحًا مفصلاً لأسباب هذه العُسْرة، فأستطيع أن أجمل أهم الملابسات والأسباب التي من أجلها كان اسم: "جيش العُسْرة" و"ساعة العُسْرة"، فهي ما يلي:

1- الجَهد وقلة الزاد:

فقد تزامنت أحداث هذه الغزوة مع جدب وقحط في البلاد، وكانت الثمار لم تنضج بعدُ، الأمر الذي يجعل من تجهيز الجيش، وإعداد نفقة تكفيه للسفر البعيد، وتجهيز العدة الحربية لملاقاة أكبر قوة آنذاك أمرًا في غاية الصعوبة، وقد قال مجاهد في تفسير (العُسْرة): أصابهم جهد شديد، حتى إن الرجلين ليشقان التمرة بينهما، وإنهم ليمصون التمرة الواحدة ويشربون عليها الماء.

وقال قتادة: خرجوا على ما يعلم الله من الجهد أصابهم فيها جهد شديد، حتى لقد ذُكِر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتناولون التمرة بينهم، يمصها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها[1].

وقال الحسن: كان زادهم التمر المتسوس، والشعير المتغير، والإهالة المنتنة، وكان النفر يخرجون ما معهم إلا التمرات، فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة، فلاكها حتى يجد طعمها، ثم يعطيها صاحبه، حتى يشرب عليها جرعة من ماء، كذلك حتى تأتي على آخرهم، فلا يبقى من التمرة إلا النواة[2].

كل ذلك يعني أن المسلمين قبل الغزوة كانوا أكثر من أن يوصفوا بأنهم (تحت خط الفقر)، وكان يجب عليهم الخروج سمعًا وطاعة، ومن ثَمَّ تجهيز الجيش الذي لا يقل تعداده عن ثلاثين ألف مقاتل.

2- شدة الحر:

الله قدّر أن تكون الأحوال المناخية أيضًا في غير صالح المسلمين، فبالإضافة إلى الجَهد وقلة الزاد؛ كان الحر الشديد والصحراء القاتلة، وكان لا بد لهم أن يتقووا على هذا الحر ولو بالماء، ذلك أيضا الذي لم يكن متوافرًا معهم، فيُروى عن ابن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العُسْرة فقال: خرجنا مع رسول الله إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء، فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده[3].

وقد استغل المنافقون ذلك وقال قوم منهم زهادة في الجهاد، وشكًّا في الحق، وإرجافًا برسول الله : لا تنفروا في الحر.

فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81][4].

3- العدو الكاسر:

إضافةً إلى العامليْن السابقيْن لم يكن المسلمون خارجين لمقاتلة قبيلة، أو دولة ضعيفة، أو حتى دولة محدودة العدد والعدة، بل كانت الروم وما أدراك ما الروم آنذاك، إنها أكبر قوة على الساحة، إنها الدولة التي "تبسط سلطانها على جملة قارات، إنها الدولة التي تملك موارد ثَرَّة من الرجال والأموال"[5].

ذلك العامل الذي لم يغفله المنافقون ليثبطوا همم المسلمين ويرجفوا بهم ويرهبوهم، وذلك في قولهم: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضًا، والله لكأنا بكم غدًا مقرنين في الحبال[6]. وإن كان هذا العامل على هذا النحو، فهو هيّن على الذين لا يقاتلون بعدد ولا عدة.

4- المفازة البعيدة:

وذلك عامل آخر من عوامل الطبوغرافيا، فبالإضافة إلى الحر الشديد والصحراء القاتلة كانت المسافة البعيدة؛ إذ كانت تبوك بين وادي القرى والشام، وكان بينها وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة، كيف من جدبهم وقحطهم سيعدون جيشًا يخوض تلك المفازة المهلكة البعيدة؟!

نعم، {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 42]. إنها رحلة في غاية الخطورة، ووالله إنها لحرب في حد ذاتها.

5- اقتراب نضج الثمار وطيب الظلال:

من الطبيعي ومن السليقة أن الفلاح -وكان المسلمون في المدينة يعتمدون على الزراعة خاصة التمر وإلى الآن- يظل يكدّ ويجهد وهو متناسٍ ومتجاهلٍ تمامًا لكل آلامه التي يبذلها لحرثه في سبيل أمله في قطف وجني الثمار، وإن كان بعد زمن بعيد، ويشاء الله أيضًا أن تأتي هذه الغزوة والمسلمون -من قحطهم وجدبهم- ينتظرون بفارغ الصبر جني الثمار، وطيب الظلال، وابتياع الثمرة، وكان قد آن، فكان عاملاً صعبًا، ومؤثرًا بكل المقاييس؛ إذ النفس البشرية جُبلت على هذا.

ومن جرّاء هذه العوامل وتلك الأسباب التي بان وكأنها تعاهدت على أن تكون منعة، وحصانة ضد المسلمين في الخروج، أو الاستعداد للخروج إلى الغزو، كان أن انقسم المسلمون إزاءها إلى أصناف شتى، كشفت عن الغثّ من الثمين، وعن المعدن النفيس من المعدن الخبيث؛ ولذا "كانت تبوك تسمى في زمان النبي وبعده (المبعثرة)؛ لما كشفت من السرائر وخبايا القلوب"[7]، فظهر هذا العامل السادس.

6- الدعاية الكاذبة من المنافقين:

ذلك الداء العضال، وذاك الثعبان الأسود الأملس الذي ينفس سمومه في الظلام ومن وراء الحجب، وهذا السبب من أشد وأقوى الأسباب التي عملت في نفوس المسلمين، كيف لا وقد قال الله : {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47]. فلم يكن تأثيرهم قاصرًا عليهم وحدهم، بل امتد ليطول كثيرًا من المسلمين من أصحاب النفوس الضعيفة والمريضة، وبالفعل كان هناك سماعون لهم فبخلوا وضنوا، وكان منهم من تخلف عن الخروج بالمرة.

ولقد كان لهم دعايتهم الخاصة بهم، فنرى القرآن الكريم يحكي عنهم قولهم: {وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 90]. فكانت اعتذاراتهم واهية غير صادقة: {سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95، 96].

وكان منهم كذلك من يقول: {ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي} [التوبة: 49].

ويرد الله عليهم بقوله : {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49].

وقد خرج مع رسول الله عبد الله بن أُبَيّ رأس النفاق، ثم رجع من أثناء الطريق، وتخلف منافقون كفرًا وعنادًا، وكانوا نحو الثمانين رجلاً، قال ابن إسحاق: وضرب عبد الله بن أُبيّ معه على حدة عسكره أسفل منه نحو ذباب، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين[8].

وقد صدق الله فيهم إذ يقول: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: 47].

ولم يقف أمرهم عند هذا الحد، بل وصل بهم إلى أن يستهزءوا ويسخروا من فقراء المسلمين الذين يتصدقون بالعطايا البسيطة القليلة، فأنزل الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79].

وقد كان من نتائج دعايتهم الخبيثة أن ظهر ما يمكن أن نطلق عليهم: (العصاة المرجئون) وهم الذين ضعفت عزيمتهم، وفتر حماسهم، وقل استعدادهم، فلم يكن أثر المنافقين فيهم بقليل، وهم: مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية، ولكن لإخلاصهم وصدق إيمانهم تاب الله عليهم بعد قدومه بخمسين ليلة.

لقد كانت عدة أزمات طاحنة فعلاً، وكان من الممكن أن تعطل جيش المسلمين عن الخروج، وبالتالي تعرّض المدينة للخطر الشديد إذا غزاها جيش الروم وحلفاؤهم، لقد كان الخروج فعلاً عسيرًا لولا أن الله منَّ على المسلمين برجال صادقين، ثابتين، مؤمنين، مغيّرين.

لماذا العسرة؟
ولكن لماذا يعسر الله الامتحان على المسلمين إلى هذه الدرجة؟

هذا لتمييز المؤمن من المنافق، وكلما زاد تمكين الدولة صعب الامتحان؛ لإظهار المنافقين الذين يكثرون عند تمكين الدولة.

فالدولة الضعيفة لا ينافقها إلا القليل، والدولة الإسلامية وصلت إلى قمة مجدها في هذه اللحظة، فليكن الامتحان في قمة صعوبته؛ لكي لا ينجح فيه إلا الصادق حقيقة.

الدعوة إلى الجهاد
كيف كانت الدعوة إلى مثل هذا الامتحان الصعب؟ الرسول يريد أن يحقق هدفين رئيسيين من هذا الامتحان:

أولاً: مساعدة المؤمنين على النجاح في هذا الاختبار، وتقليل نسبة التخلف قدر المستطاع، وإعانة المؤمنين على شياطينهم.

ثانيًا: كشف أوراق المنافقين، ومعرفتهم بكاملهم.

ولتحقيق هاتين الغايتين قرر الرسول القيام بعمل يحقق المصلحتين، وهو فتح باب الجهاد عَلانيَةً، ودعوة الجميع للجهاد في سبيل الله بالمال والنفس.

وحدث ما توقعه الرسول ، وتمايز الصف تمايزًا واضحًا، وهذا ما يحدث دائمًا عند الأزمات الخطيرة التي تمر بالأمة، فالمؤمن سيتحمس للجهاد برؤية أقرانه يجاهدون، والمنافق سيضطر للاعتذار عن الجهاد علنًا، لعدم قدرته على الإنفاق أو الجهاد بالنفس.



[1] تفسير الطبري 6/501.

[2] تفسير القرطبي 8/253.

[3] تفسير الطبري 6/501.

[4] انظر: سيرة ابن هشام 5/196.

[5] الغزالي: فقه السيرة، بتصرف.

[6] سيرة ابن هشام 5/205.

[7] محمد بن عبد الوهاب: مختصر سيرة الرسول 1/174.

[8] سيرة ابن هشام 5/199.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
مقدمات غزوة تبوك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مقدمات غزوة حنين
» وقفات مع غزوة تبوك
» غزوة تبوك فضح المنافقين
»  غزوة ودان وهي غزوة الأبواء
» غزوة الخندق (غزوة الأحزاب)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: