فضل الإطعام عبدالله بن عبده نعمان العواضي : الخطبة الثانية
كاتب الموضوع
رسالة
ابو شنب المدير العام
عدد المساهمات : 10023 نقاط : 26544 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/12/2015
موضوع: فضل الإطعام عبدالله بن عبده نعمان العواضي : الخطبة الثانية الثلاثاء فبراير 28, 2017 8:07 pm
الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها المسلمون، إن المطلوب في ظل الأزمة الغذائية أن يصبر المبتلى بها صبراً جميلاً لا ضجر فيه ولا شكوى، والصابرون يوفون أجرهم بغير حساب. وليعلم المبتلى بضيق العيش أنه ليس على الطريق وحده؛ فقد سبقه عليه أقوام إثر أقوام بُلوا أشد مما بُلي، وجاعوا أكثر مما جاع، و "في كلِّ وادٍ بنو سعد"، كما قيل. وفي واقعه لو فتش سيجد من هو أشد منه ضرراً ومسغبة، ولكن بعض الناس لا يظهرون حاجتهم تعززاً وتعففًا وتكرمًا. ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾[البقرة:273]. ومما تواجه به الأزمة الخانقة-معشر الفضلاء-؛ حتى يخف وقعها، ويقرب ارتفاعها: حسن التدبير للمعيشة على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص، على الحكومات، وعلى أفراد الشعوب. فعلى المستوى العام: أن يكون هناك استعداد غذائي ومالي تسد به الحاجات إذا طرأت، وتعالج به هذه المشكلات إذا نزلت. كما فعل نبي الله يوسف عليه السلام لما تولى خزائن مصر للعزيز، فإنه لما عبر للملك رؤيا السبع البقرات السمان، والسبع السنبلات الخضر بسبع سنين مخصبات، والسبع البقر الأخريات، والسبع السنبلات اليابسات بسبع سنين مجدبات، وعرف الملك فضل عقله، وجودة رأيه، وعرف يوسفُ أهمية حسن التدبير الغذائي فيما سيأتي من السنوات؛ فإنه طلب من الملك أن يوليه أمر خزائن الدولة؛ ليحسن مدافعة هجوم السنوات المجدبات بحسن التدبير في السنوات المخصبات، قال تعالى: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾[يوسف:55]. وقد كان تدبيره المالي: أنه زرع أرض مصر في السنوات السبع المخصبات زروعًا كثيرة، وجبى من الأطعمة شيئًا كثيراً، وأودع تلك الأغذية في مخازن أُعدِت لذلك، فلما جاءت السنوات السبع المجدبات صرف ذلك المخزون على الناس، وأذهب بحسن تدبيره الجوعَ عن الناس. وأما التدبير الخاص فيكون على مستوى الأسرة بالتخفيف من الكماليات، والنظر إلى الضروريات، وعلى مستوى الأقارب والجيران وذلك بالاشتراك الغذائي واقتسام لقمة العيش بين الجميع؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو- أي: افتقروا -، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم )[15]. أيها المسلمون، ومما تواجه به الأزمة الغذائية: إحياء التعاون الاجتماعي بين المسلمين، فالأغنياء فتح لهم اليوم باب عظيم من أبواب البر، الذي تضاعف به الحسنات، وترفع به الدرجات، وتكفر به السيئات؛ فإن الصدقة في أيام المجاعات ليست كالصدقة في غيرها، بل لعلها-والله أعلم- أفضل منها في رمضان أيام الكفاية؛ لأن فيها إحياء لنفوس كاد الجوع أن يسوقها إلى المقابر. وهذا العمل من صفات أهل الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم، وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)[16]. وإنه ليس من الإيمان أن يشبع المسلم وأخوه المسلم من قريب أو جار أو بعيد يتلمَّض جوعًا لا يجد ما يسد به رمقه. قال الشاعر: فلو كنتَ جاراً يا ابن قيسٍ لعاصمٍ ♦♦♦ لما بِتَ شبعانًا وجارُك ساغبا[17]. فيا أيها الأغنياء، هذه فرصتكم، وهذا خير عظيم سيق إليكم، فلا تضيعوا هذه الغنيمة الباردة، فإن ضاقت بكم القدرة اليوم عن الصدقة فأخرجوا من الزكاة، وإن لم يحن وقتها؛ لأنه يجوز إخراج الزكاة قبل وجوبها على القول الصحيح؛ كما فعل رسول الله صلى الله عليه في زكاة العباس رضي الله عنه[18]. ونقول لكم اليوم:
ألا أيها القومُ الكرامُ لقد أتتْ على الناسِ أيامٌ شديدٌ سعيرُها
وساءتْ بها الأحوالُ حتى تتابعتْ مصائبُ قد شقَّ الزمانَ زئيرُها
فكشَّرَ فيها الجوعُ عن نابِ شِدَّةٍ تُمزِّقُ أحشاءَ الورى وتُضيرُها
فأظلمتِ الأرجاءُ في وجهِ مُقترٍ وضاقتْ به الدنيا وقَلَّ سرورُها
على صدرِه أطوادُ غمٍّ تربَّعتْ وفي عينه دنيا تَغيبُ بدورُها
تحيطُ به الحاجاتُ من كلِّ جانبٍ وتَنبحُه الضَّرَّاْ ويعلو هريرُها
على وجهِه بؤسٌ يقولُ لمن يَرى هنا تُكتَبُ الشكوى وتُقراْ سطورُها
ولا يُعلِنُ الأحرارُ حاجاتِ دهرِهم ولكنْ بصمتِ البِشْرِ يبدو ضميرُها
فجودوا -فما في الجودِ خُسْرٌ- بِمِنَّةٍ فربُّكمُ المولى الكريمُ شكورُها
فما أجملَ المعروفَ والدهرُ مُمحِلٌ وبَطنُ ذوي الَّلأواْ يَصرُّ صَريرُها
فهذا زمانُ السغْبِ يا قومُ فاطردوا جحافَله الّلاتي تمادتْ شرورُها
لتهطلَ هذا اليومَ كفٌّ كريمةٌ فيضحكَ في أرضِ الكرامِ فقيرُها
هذا وصلوا وسلموا على الرسول الرؤوف الرحيم... [1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في: 4/ 2/ 1438هـ، 4/ 11/2016م [2] البداية والنهاية (7/ 90). [3] المصدر السابق (11/ 213). [4] المصدر السابق (12/ 99). [5] المصدر السابق(12/ 157). [6] ينظر: الأغاني، للأصفهاني (1/ 381). [7] رواه مسلم. [8] البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (1/ 470). [9] رواه أحمد والترمذي وابن حبان، وهو حسن. [10] رواه ابن شاهين، وأبو نعيم في أخبار أصبهان، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني. [11] تفسير الرازي: مفاتيح الغيب (31/ 169). [12] أي: فضة مموهة بذهب، كناية عن الصفاء والاستنارة. [13] رواه مسلم. [14] أدب الدنيا والدين (ص: 245). [15] متفق عليه. [16] متفق عليه. [17] تفسير القرطبي (20/ 69). [18] جاء في الحديث: (إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام)، رواه الترمذي، وهو حسن.
فضل الإطعام عبدالله بن عبده نعمان العواضي : الخطبة الثانية