صناعة السكر في الحضارة الإسلامية
لم تعرف أوروبا المذاق الحلو إلا من عسل النحل أو السكر الذي تحتوي عليه ثمار الفواكه كالعنب والتفاح وغيرها، وكان استخدام العسل قاصرا على الطبقة المترفة لارتفاع سعره وقلة الكميات المنتجة منه!
وكان السكر الذي يعرف باسمه العربي في لغات العلم- بالإنجليزية "Sugar" وبالفرنسية "Suere"- مأثرة أخرى من مآثر المسلمين على دنيا الحضارة. "ومع أنه ليس اختراعا عربيا .. إلا أن أياديهم البيضاء في تطوير صناعته ونشره لا يمكن أن تنكر".
صناعة السكر في العالم الإسلامي:
يعتقد أن الموطن الأصلي لنبات قصب السكر هو الهند ثم نقله الفرس أول مصنع له في "جُند بسابور"، وانتشرت زراعة السكر ومعامل تكريره في سورية ومصر وفلسطين وقبرص وبحر قزوين وصقلية وإسبانيا، وكانت مصر الأسبق في تحسين هذه الصناعة، وصنعوا من السكر نوعا من الحلوى سميت "قنده" حرفت باللغات الأوروبية إلى "Candy" وظلت هذه المناطق العربية والإسلامية المصدر الأساس للسكر في العالم الإسلامي وأوروبا -حتى القرن السادس عشر الميلادي.
وكانت الأندلس (إسبانيا) وصقلية من أهم المعابر التي عبرت منها صناعة السكر الى أوروبا! فقد ذكرت المصادر أن الإغريق في غزوهم لفارس والهند عرفوا نبات قصب السكر ووصفوه بأنه "ضرب من القصب المدهش ينتج نوعا من العسل بدول تدخل النحل".
قصب السكر من صقلية إلى أوروبا:
نقل البحار -الملاح- دون أنريك زراعة قصب السكر من صقلية إلى جزر ماديرا عام 1420م (823هـ) ثم تبعه كريستوفر كولومبس مكتشف العالم الجديد (أميركا) فأدخل زراعة قصب السكر إلى جزر الدمينكان في رحلته الثانية إلى هناك عام 1493م (899هـ) ثم انتشرت زراعته في وسط أميركا (كوبا خصوصًا وجنوبها البرازيل)، وأصبح السكر تجارة دولية رائجة، وكان أول مصنع لتكرير السكر في أوروبا قد أسس في عام 1573م (981هـ) في مدينة "أوجسبرج" وتلاه مصنع آخر في "درسدن" بألمانيا عام 1597م (1006هـ).
صناعة الحلوى في العالم الإسلامي:
وقد ارتبطت بصناعة السكر صناعات أخرى كثيرة أهمها صناعة الحلوى في العالم الإسلامي خصوصًا عصر الدولة العباسية وعصر الدولة الفاطمية التي كانت توزع الحلوى في عيد الفطر وعيد الأضحى وكانت توزع "قراطيس سكر القند" على العامة إذا ما رزق الخليفة بغلام وليا للعهد، ومن أنواع الحلوى التي كثر الحديث عنها وكتبت فيها الأشعار للخلفاء: الفالوزج واللوزينج والخشاف والجلاب والفطير والهريسة، وكانت جميعها أساسها السكر والدقيق والسمن.
العسل الأسود:
كما عرف المسلمون "دبس القصب" المولاس Moulase ويطلق عليه في مصر العسل الأسود "دبس العنب" و"دبس الخرنوب" و"دبس الرمان" وهي مواد أساسية في عشاء ليالي الشتاء البارد في بعض المناطق.
صناعة البنجر وتمرالنخيل:
ولما قام نابليون بونابرت بحملته الشهيرة على مصر عام 1798م كان من أهدافه قطع الطريق بين بريطانيا العظمى في ذلك الوقت ومستعمراتها في الشرق خصوصا جوهرة التاج البريطاني (الهند) وصنع السكر من نبات آخر هو البنجر "Beets" وحسنت أنواعه، ورفعت نسبة السكر فيه.
وتمكنت العراق أثناء الحرب العالمية الأولى (1914م – 1918م) من استخلاص السكر من "تمر النخيل" إلا أنه كان "يتميأ" بسرعة ويصبح لزجا سريع العطب إذا تعرض لرطوبة الجو لذا بقي استخدام سكر التمر قاصرًا على صناعة الحلويات والمياه الغازية هناك.
وبعد، لا ينكر فضل الحضارة الإسلامية على أوروبا إلا جاحد أو لئيم، ففي كل جانب من جوانب الحضارة الإسلامية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والفنية وغيرها نجد مآثره للمسلمين.