صناعة النسيج في الحضارة الإسلامية
قديما وقبل الإسلام:
لما كانت حاجات الإنسان قديما وقبل الإسلام تكاد تنحصر في مطلبين أساسيين هما المأكل والملبس فقامت شعوب هذه المنطقة بصناعة حاجتها من الملبس مما توافر لها من مواد خام لهذه الصناعة، فقد عرف المصريون زراعة الكتان الذي صنعوا من سيقانه ملابسهم واستخدموا زيت بذرة الكتان في طعامهم ووجدت كميات كبيرة من أنسجة الكتان في مقابر ملوكهم ملفوف بها "مومياءات" فراعنتهم، وعرف العرب وبر الجمل وصوف الغنم وكانت ملابسهم خشنة غير دقيقة الصنع.
وعرف الفرس القطن وكذلك بلاد ما بين النهرين وكرمان ومناطق آسيا الوسطى في خوزستان وطبرستان وأفغانستان عرفت خيوط الحرير لقربها من الصين، وكانت تصنع فيها أقمشة الديباج وخيوط الإبريسم في مدينة "مرو" في طبرستان ولما أصبحت هذه المناطق تستظل بمظلة الإسلام ازدهرت صناعة النسيج واعتبرت من أهم الصناعات، بحيث إن أغلب حكومات الإسلام جعلته احتكارا لها وعرفت مصانعه باسم الطراز، وهي كلمة فارسية تعني التطريز أو الملابس، لقد أصبح لهذه الصناعة هيئة كبيرة من العمال والموظفين ووسائل نقل كثيرة خاصة به من مراكب ودواب..
حضارة نسيج:
لقد أطلق "موريس لومبار" في كتاب "الإسلام في عظمته الأولى" على الحضارة الإسلامية حضارة نسيج .. لأجل اللباس ولأجل الأثاث، وينسج معه السجادة أهم قطعة في المنقولات المنزلية ونسيج للخيام والجيوش.
صناعة السجاد:
لقد بلغت صناعة السجاد في الدولة الإسلامية درجة عالية من الإتقان ومازال السجاد العجمي (الفارسي) (Persian) يتصدر أفخر أنواع السجاد المصنوع من الصوف والحرير والقطن والجوت، وحملت أنواع السجاد أسماء المدن التي صنعت فيها برسومها ونقوشها الخاصة بها فهذا النقش "الشيرازي" و"التبريزي" و"الأصفهاني" وكان ينافسه السجاد التركي عموما وسجاد بورصة عاصمة بني عثمان الأولى ومثوى رفات عثمان وابنه أورخان. كانت مدينة بورصة في البر الآسيوي تمثل نهاية الطريق الشهير "طريق الحرير" silk way الذي يبدأ من الصين حيث اكتسب اسمه من أهم بضاعة حملتها القوافل وهي الحرير والسجاد والبخور والعطور والأحجار الكريمة والتوابل وغيرها، يمر عبر سلاسل جبلية معقدة في "هيمالايا" وسليمان و"قرة قورم".
يقول الدكتور فيليب حتى في كتابه "تاريخ العرب": لم يكن هذا النشاط التجاري ليبلغ مداه لولا أن وراءه صناعة وطنية متقنة ومهمة وزراعة واسعة ومتنوعة. ويضيف كان لأم الخليفة المستعين في عصر الرخاء العباسي سجادة حيكت لها خصيصا بلغت أكلافها مائة وثلاثين مليون درهم عليها صور لكثير من أنواع الطيور مصنوعة من خيوط الذهب وعيونها من الياقوت وسواه من الأحجار الكريمة.
أقمشة الملابس:
أما أقمشة الملابس فأمرها عجيب عظيم، فقد اتخذت لها أسماء حسب المادة الخام المصنوعة منها التيل Linen الذي انتقلت صناعته من مصر حيث أتقن القبط صناعته، والبز أو النسيج القطني والخز الذي أدخلت صناعته من الصين عن طريق الفرس و"الديباج" وهو قماش ملون رقيق، و"السقلاطون" وهو نوع من الحرير الموشى بخيوط الذهب و"القطف" وعرف فيما بعد بـ"القطيفة" يصنع من الحرير المخلوط بوبر ذكر الأرانب، والسندس وقد ورد ذكره في القرآن الكريم. وهو نوع من القماش الشفاف رقيق كالديباج حرف في اللغات الأوروبية إلى "Chifon".
كما حملت الأقمشة أسماء المدن الإسلامية التي صنعت فيها؛ الدمقس Damascus نسبة إلى دمشق، والموسلين Mousseline نسبة إلى الموصل بالعراق اليوم، والكوفية لباس الرأس نسبة إلى مدينة الكوفة، والديبقي ينسب إلى مدينة دابق قرب مدينة دمياط بمصر، والقباطي نسبة إلى الأقباط في مصر، والتنيسي في مصر التي صنع فيها أجود أنواع الكتان.
كما اكتسب صناع هذه الحرفة أسماء الصناعات التي يصنعونها مثل: البزاز (بائع البز)، والخزاز، والقطان، والحائك، و"الطرزي" صاحب دار الطراز.
ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وظهور التمايز الطبقي صار لكل طبقة لباس وزي تعرف به، بل إن المناصب والرتب الحكومية كان لكل موظف فيها زي يعرف به، بل إن ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع اعتبر الزي من مظاهر الحضارة الإسلامية وفنونها.
فعرفت "الجبة" زي رجال الدين والأردية والسراويل والعمائم والقلانس والجلاليب وهو ثوب غليظ لعامة الناس، وسترة وقفطان، ورجال القضاء يلبسون "الطيالس" ومفردها "طيلسان"، أما الجند فكانوا يرتدون "بزة" تزينها شرائط حسب رتبة الجندي ومنها عرف بالشرطي، كما لبس بعضهم "الإزار" حول وسطه، وكان يصنع من الحرير أو القطن حسب المنزلة الاجتماعية لصاحبه.
ولبست النساء الرداء، والمطرف (رداء طويل له طرف) ودراعة، وملاية، والنقاب والذي اقتصر لبسه على الطبقة الأرستقراطية في بداية الأمر تأسيا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، والسراويل التي عرفتها نساء العرب قبل الإسلام والذي عرفه الأوروبيون فيما بعد باسم "Pantalon".
وفي فارس اشتهرت مدينة فستان "Vistan" بصناعة نسيج يتلون بألوان الشمس، فكان يقال زوجة الخليفة ترتدي رداء من "فستان" ثم حذف حرف الجر (من) فصارت ترتدي المرأة "فستان"، وهذه الكلمة مازالت في المشرق الإسلامي -بلاد الشام ومصر وغيرها.
الصباغة:
ونحن بهذا الصدد لن ننسى الصناعات المرتبطة بالنسيج ومنها الصباغة، فقد كانت النيلة القرمزية التي تستعمل للتلوين بالأزرق فهي نبات أدخل من الهند إلى ما بين النهرين واليمن والمناطق المنخفضة في أغوار فلسطين وسورية، كما استخدم الزعفران في التلوين بالأصفر وورد النيل أو العظام للتلوين بالأحمر، ويعرف صاحب هذه الحرفة بـ"الصباغ".
وصاحب تكاثر وتنوع الخامات والمواد الأولية النسيجية ومواد الصناعة تقدم في تقنيات الصناعة فعرفت أنوال ذات سدى أفقي، وأخرى ذات سدى عمودي ثم النول ذو الدواسة نقلوه عن الصين، واستخدم النول مع المكوك الطيار في صناعة السجاد.