همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 موقف الأنصار من توزيع غنائم حنين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

موقف الأنصار من توزيع غنائم حنين Empty
مُساهمةموضوع: موقف الأنصار من توزيع غنائم حنين   موقف الأنصار من توزيع غنائم حنين Emptyالسبت فبراير 27, 2016 10:47 am

موقف الأنصار من توزيع غنائم حنين
غنائم حنين والأنصار
غزوة حنينتكلمنا عن توزيع غنائم حُنَيْن، وتقسيم أربعة أخماس الغنائم على الجيش بكامله، ثم توزيع الخمس المتبقي على المُؤَلّفة قلوبهم من طلقاء مكة وزعمائها، وكذلك زعماء القبائل العربية المختلفة، وكان توزيعًا سخيًّا، فقد بلغ نصيب البعض مائةً من الإبل، وتجاوز هذا الرقم للبعض الآخر، وكانت العلة في ذلك هو عمل النبي على استقرار الدولة الإسلامية، ووازن بين مصلحة هذا الاستقرار وبين مفسدة حرمان المجاهدين الذين بذلوا الجهد، وكانوا سببًا مباشرًا في النصر يوم حُنَيْن، فوجد بعد الموازنة أن استقرار الدولة الإسلامية أثقل؛ لذا أعطى المؤلفة قلوبهم ومنع السابقين الأولين.

فَهِم كثير من الصحابة هذا الموقف، ولكن هذا الفهم لم يكن من الجميع، بل غضبت مجموعة من الصحابة لهذا الفعل، فقد شعرت هذه المجموعة أنها حرمت ما تستحقه، وكانت هذه المجموعة من الأنصار، وغضب كثير منهم؛ لأن النبي لم يعطهم من الخمس المملوك للدولة مع أنه أعطى بسخاء مجموعةً حديثة العهد بالإسلام، مع أنهم ما قدموا شيئًا للإسلام، وما شاركوا في تأسيس الدولة الإسلامية.

حقائق تاريخية
قبل أن نلقي اللوم على أحدٍ لا بد من مراجعة بعض الحقائق التاريخية المهمة:

أولاً: على أكتاف الأنصار قامت الدولة الإسلامية الأولى، وقبل ظهور الأنصار لم يكن للمسلمين وطن يجمعهم بل كانوا مشتتين في الأرض، فالبعض في مكة، والبعض الآخر في الحبشة، ومجموعة في القبائل، جعل الله الأنصار سببًا في جمع شمل المسلمين، وفي إقامة الدولة الإسلامية، وذلك عندما استضافوا الرسول والمسلمين في مدينتهم.

ثانيًا: أخذ الأنصار منذ اللحظة الأولى في دخولهم الإسلام القرار في مواجهة الأحمر والأسود من الناس، فكانوا على علم أن إسلامهم يعني مفارقة العرب قاطبة، ومنه قطع الحبال التي بينهم وبين اليهود، ومواجهة العالم، وقد فعلوا ذلك بمنتهى التجرد.

ثالثًا: صغر حجم المال في أعين الأنصار، بل لعله كان منعدمًا، لدرجة أنهم لا يرون لأنفسهم حقًّا في أموالهم الشخصية، ويعطونها للآخرين بطيب نفس قلّ أن يوجد مثله في البشر، وذكرنا مقاسمتهم لأموالهم بينهم وبين المهاجرين أجمعين، بصرف النظر عن حالة الأنصاري الذي ينفق، وقدّر الله ذلك وذكره في كتابه واصفًا الأنصار بصفة الإيثار، قال I: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

حتى الفقير من الأنصار كان ينفق في سبيل الله، ويؤثر غيره على نفسه، وهو محتاج، وهذا ما طُبع عليه الأنصار بشهادة رب العالمين لهم.

رابعًا: اشترك الأنصار في كل غزوات الرسول ، بل كانوا الجانب الأعظم من الجيش في بدر أول مواقع المسلمين، وكان عدد المجاهدين في بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، كان الثلثان من الأنصار، واستمر الأمر على ذلك في باقي الغزوات المتأخرة التي ازداد فيها عدد المسلمين جدًّا، لكن في الغزوات الأولى كان معظم الجيش من الأنصار وأرضاهم، ولهم من المواقف المشرفة في التاريخ ما لا يحصى، ومن أشهر المواقف موقف أُحُد لما فرّ بعض المسلمين وأحبط بعضهم، لكن ظل الأنصار ثابتين مدافعين عن النبي وعن دين الله ، وفي الغزوة نفسها استشهد سبعة من شباب الأنصار تحت أقدام النبي دفاعًا عنه، وضربوا في غزوة أُحُد أمثلة البطولة والفداء كسعد بن الربيع، وحنظلة، وأنس بن النضر، وعبد الله بن حرام، وخيثمة، وعمرو بن الجموح، وغيرهم -رضي الله عنهم جميعًا- ممن قدموا أنفسهم فداء للنبي من الأنصار، وبلغ شهداء الأنصار في غزوة أُحُد ستّةً وستين شهيدًا، وكان عدد الشهداء سبعين شهيدًا.

خامسًا: كانت حالة الأنصار فقيرة على خلاف ما يتوقع الكثيرون، وذكرنا ذلك في حديثنا عند بداية العهد المدني، والقارئ للسيرة يظن أن الأنصار كانوا أغنياء لكثرة عطاء الأنصار وكرمهم، مع أن حالة المدينة الاقتصادية كانت منخفضة جدًّا، وليس أدل من ذلك مواقف الجوع الكثيرة التي مرت بها المدينة المنورة، ومن أشهرها حصار الأحزاب في أواخر العام الخامس الهجري، وقبل هذه الواقعة بثلاث سنوات، كانت المدينة في حالة فقر شديد، فكان معظم الأنصار فقراء.

سادسًا: هذه النقطة من الأهمية بمكان ولا بد من وضعها في أذهاننا كخلفية رئيسية لغضب وحزن الأنصار بعد تقسيم غنائم حُنَيْن، فبعد أن حدثت الغزوة في حُنَيْن وفر معظم الجيش، نادى النبي في البداية على أصحاب الحديبية، ثم نادى على الأنصار، فقال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ".

فالأنصار هم رجال الأزمات، وفرسان المواقف الصعبة، فقالوا دون تردد: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك يا رسول الله، يا لبيكاه.

ثم عادوا ووقفوا حول النبي يدافعون عنه، وقادوا حملة مضادة على المشركين، فغيّر الله من حال إلى حال، وانقلبت الهزيمة إلى نصر بعد أن جعل الله الأنصار سببًا في ذلك.

هذا تاريخ الأنصار منذ إسلامهم وحتى هذه اللحظة، ومكانتهم في الإسلام لا ينكرها أحد، وكان يفتخر بالأنصار ، وكان يقول : "الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي".

وكرش الرجل أي: خاصته، وعيبة الرجل: موضع سره، ثم قال: "وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ".

هذه خلفية لا بد منها قبل التحدث عن موقف الأنصار من غنائم حُنَيْن، وضَعْ نفسك مكان الأنصار، فبعد هذه المواقف التي حدثت منهم، والانتصارات التي حققوها واقعًا وتاريخًا، إذا بثمرات النصر الصعب، والتضحية المتكررة توزع على الآخرين.

موقف الأنصار
ووجد الأنصار في أنفسهم وَجْدًا عظيمًا إلى أن قال بعضهم: إذا كانت الشدة فنحن نُدْعى، وتُعطى الغنائم غيرنا.

وقد ورد ذلك في الصحيحين عن أنس ، وفي بعض الروايات قال بعضهم: يغفر الله لرسول الله ، يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم.

وكان موقفًا في غاية الصعوبة ولافتًا للنظر، وقال بعض الأنصار: إن كان من أمر الله صبرنا، وإن كان من أمر الرسول استعتبناه.

ففي قولهم الالتزام بالحكم للشرعي، فلا بد من السمع والطاعة إذا صدر الأمر من الله، ولو كان اختيارًا بشريًّا من رسول الله عاتبناه على هذا الاختيار.

مثل تقريبي

وقبل أن نلوم الأنصار على معاتبتهم لرسول الله ، نضرب مثلاً يقرب موقف الأنصار ويضعك في داخل هذا الموقف، هب أنك عملت في شركة، وهذه الشركة عملت فيها منذ بدايتها، ووهبت لها عمرك ووقتك، وأعطيتها كل ما تملك من وقت وجهد، وغير ذلك، وظللت هكذا عشر سنوات، وعظم أمر هذه الشركة بعد ذلك بأعمالك، وخلال هذه الفترة لم تطلب لنفسك في كل تاريخ الشركة أي شيء زائد عن الحد، مع كونك تعمل أكثر مما يطلب منك، وبمرور الأيام جاء من يعمل في الشركة إلى جوارك فإذا به سيئ الخُلق، غير منضبط في عمله، ويتحدث بالسوء عن صاحب الشركة، وحققت الشركة نجاحًا كبيرًا في آخر السنوات العشر، وكنت سببًا في هذا النجاح، والموظف الجديد كان معوقًا لهذا النجاح، وبعد هذا النجاح الكبير، أعطى صاحب الشركة كلاًّ منكما راتبه، ثم إذا به يعطي الموظف الجديد نصف مليون جنيه مكافأة زائدة عن المرتب، وكن صادقًا مع نفسك فيما تفعله، وهذا المبلغ ليس عشوائيًّا، فثمن الناقة خمسة آلاف جنيه في زماننا، فمائة من الإبل تساوي نصف مليون جنيه، ولم يأخذ الأنصاري غير راتبه ونصيبه الشرعي، وكذلك المؤلفة قلوبهم أخذوا نصيبهم الشرعي، مع الزيادة التي نفلت لهم، ونفهم من ذلك قول سيدنا أنس بن مالك في صحيح البخاري وسلم قال: "ولم يعط الأنصار شيئًا".

فكأنهم لم يأخذوا شيئًا مقارنة بينهم وبين المؤلفة قلوبهم، أو لم يعط الأنصار شيئًا من الخمس المتبقي من الغنيمة، فظاهر الأمر أن الأنصار لم يأخذوا كالمؤلفة قلوبهم، وكان الموقف في غاية الصعوبة، ونعذر الأنصار فيه تمامًا، بل كان الأنصار في غاية الأدب فيما دار بينهم وبين رسول الله من حوار، وكان يعذر الأنصار، ويقدر موقفهم.

موقف سعد بن عبادة

وعلى الرغم من كل ما ذكرناه، وعلى الرغم من المثل الذي أوضحنا به الصورة، فهذا الموقف لم يكن من عامة الأنصار، بل كان من بعض شباب الأنصار، وما يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك ، أن رسول الله سأل عن الذي قال هذا الكلام معلنًا اعتراضه، قال فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا، وأما أناس حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لِرَسُولِ اللَّهِ ، يُعْطِي قُرَيْشًا، وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ.

وكان سعد بن عبادة موافقًا لهذا الرأي إلا أنه لم يبدِ ذلك، وهذا الكلام واضحٌ في رواية الإمام أحمد رحمه الله، عندما قال سعد بن عبادة لرسول الله : يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، فقد قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيئًا.

فقال له النبي : "وَأَيْنَ أَنْتَ يَا سَعْدُ؟".

فقال: ما أنا إلا امرؤ من قومي.

فأنا أشعر بما يشعرون به، وإن لم أُبْدِ ذلك. ونضع في حسباننا أن الأنصار بشر، وجُبِل البشر على حب المال، فإذا كان هذا المال حلالاً صرفًا، فما المانع من طلبه؟ خاصة إذا كنت سببًا في هذا المال، وهناك أمر آخر في غاية الأهمية، كان الأنصار يخشون أن يتركهم النبي ، ويعيش في مكة المكرمة خير بقاع الأرض، وأحبّ بلاد الله إلى قلب الرسول ، وفيها الأهل والعشيرة، وفيها الطفولة والشباب والذكريات، وفيها أعز قبائل العرب قريش، وأهم مركز من مراكز التجارة في الجزيرة العربية، ويفد إليها الناس جميعًا من كل مكان، وفيها من المقومات الكثيرة ما يجعل اختيارها كعاصمة للدولة الإسلامية أمرًا مقبولاً جدًّا ومتوقعًا، وثارت الأنصار لما قسم النبي ، ومن قبل شهرين قال الأنصار ذلك الكلام في فتح مكة، وطمأنهم النبي أنه لن يبقى في مكة، وسيعود معهم إلى المدينة، وقال لهم : "الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ".

فقد خافوا من تغير الأحداث، وأن النبي اتخذ رأيًا جديدًا، وأنه سيعود إلى مكة المكرمة، ولن يعود معهم إلى المدينة المنورة، وشعر النبي بما يدور في خَلَد الأنصار، فقد أكد النبي في حواره معهم على أنه سيعود إلى المدينة المنورة.

ومن الأمور المهمة التي ينبغي ذكرها عظمة سعد بن عبادة والأنصار جميعًا في صراحتهم إلى أبعد درجة، وهذه الصراحة التي ساعدت على حل الأزمة، أما لو أخذ الأنصار بمثاليات غير واقعية، وأنكروا وجود مشكلة لتفاقمت هذه المشكلة، وحينها يصعب الحل أو يستحيل.

علاج الرسول لهذه الأزمة
هذه بوادر أزمة خطيرة، فسريان مثل هذا الشعور في نفس هذه الطائفة المهمة من الجيش قد يؤدي إلى كوارث مستقبلية، وقد تعصف هذه الكوارث بالدولة الإسلامية، وما الحل إذا بدأت مجموعة من الجنود بالانسلاخ عن جيش المسلمين؟ وبنظرة إلى منهج النبي الفريد نجده قد وضع حلولاً عملية تجمع بين إقناع العقل وإرضاء العاطفة.

أولاً: عدم التغافل عن النار التي تحت الرماد، وكان الموقف الشرعي والعقلي لرسول الله في توزيع الغنائم سليمًا تمامًا، وهو الأولى بلا جدال، بدليل أن الوحي لم ينزل بخلاف ذلك، ومع ذلك حرص النبي على حل الموقف من بدايته، ولم يقل كغيره من الناس: إذا كان رأيي صوابًا فلا يضرني كلام الناس، ولم يقل: إن الله راضٍ ومطلع على الأمر فليس هناك داعٍ إلى توضيح الأمر، ولم يقل: إن الأنصار شديدو الإيمان، وهذا كلام عارض لن يؤثر في مستقبل الدولة الإسلامية، ولم يقل: إن الأيام كفيلة بحل هذه القضايا، ولم يقل: إني رسول الله وواجب عليهم طاعتي؛ لكنه أخذ في حل هذه القضية، ولم يؤجل هذه القضية، ولو ليوم واحد، أو حتى لساعة واحدة، كان حاسمًا في قراره، وسريعًا في حل الأزمة، فقال لسعد بن عبادة: "فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ".

ولم يتغافل النبي عن الأزمة في بدايتها.

ثانيًا: أراد النبي ألا ينتشر هذا الأمر في عموم المسلمين، فكان الاجتماع مقتصرًا على الأنصار؛ لئلا يفتن بعضهم بالشبهة التي أثيرت، وحتى لا يأخذ المسلمون موقفًا سلبيًّا من الأنصار إذا تبين خطأ الأنصار، ولتبقى صورة الأنصار كما هي عند عامة الناس، فجاء رجال فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، وسمح بدخول الأنصار فقط، وبهذا حصر المشكلة في نطاق محدود، وفي بعض الروايات كما يُروى عن أنس أنه سألهم تصريحًا: "أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟".

فقالوا: لا، إلا ابن أخت لنا.

فقال لهم: "ابْنُ أَخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ".

فالشاهد في ذلك أن كل الحاضرين من الأنصار.

ثالثًا: مما ساعد على حل المشكلة حرصه على لقاء أصحاب المشكلة بنفسه ؛ ليسمع منهم، ويسمعوا منه دون واسطة، وقد لا تنقل الواسطة الكلام كما قيل، وليس هذا تقليلاً من شأن الواسطة، بل إن شعور الجنود بالقرب من قائدهم يساعد في حل الكثير من المشاكل، ويساعد الحوار بين القائد والجنود على إخراج بعض القضايا التي يكتمها الجنود عادة، وهذا يساعد على احتواء الأزمة في بدايتها.

رابعًا: علل النبي بوضوح وصراحة الأمر الذي فعله أو تقسيمه للغنائم، ذكر لهم السبب الذي من ورائه أعطى هؤلاء وترك الأنصار، فقال رسول الله : "إِنِّي لَأُعْطِي رِجَالاً حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ لأَتَأَلَّفَهُمْ بِذَلِكَ".

ولم يعطهم لأدائهم المتميز، أو كفاءتهم في القتال، أو لأنهم أهله وقبيلته وعشيرته، بل يعلم النبي أن قلوبهم مترددة، وأن أقدامهم ليست راسخة بعدُ في الإسلام، ولذلك أعطاهم النبي ، وكانت هذه الكلمات في منتهى الوضوح، وبدون تورية لتحل المشكلة حلاًّ جذريًّا.

خامسًا: لفت النبي نظر الأنصار إلى النصف المملوء من الكوب، فليس من الصواب النظر إلى النصف الفارغ فتتشاءم، أو النظر إلى النصف المملوء فقط فتتفاءل، بل لا بد من النظر إلى كل الكوب لتتوازن النظرة، فوضح لهم النبي أنهم وإن لم يأخذوا شيئًا من الغنائم ومن العطايا السخية، فقد استفادوا أشياء أخرى، ما قدمه النبي لهم، وما استفادوه من اعتناقهم لهذا الدين، وانضمامهم إلى هذا الكيان الجديد (الدولة الإسلامية).

فلا بد من النظرة المتوازنة، حتى لا يشعروا بالغبن أو الظلم، ولم يترك النبي هذا الكلام دون توثيق، فقد ذكر طرفًا مما حصله الأنصار في الإسلام، وكان صريحًا في منتهى الوضوح، ولم يشعر بالحرج وهو يعدد النعم على الأنصار، وكان مباشرًا في حديثه ليفهم الناس حديثه ، فقال : "مَا مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا عَلَيَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالاً، فَهَدَاكُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ، وَأَعَدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟".

فهو يعدِّد نعمًا من نعم كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، وهل هذه النعم أثقل أم المائة الناقة التي أخذها هذا أو ذاك؟ وقد بدأ النبي بنعمة لا يُعدَلُ بها شيءٌ، ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بعد عبادتكم للأصنام التي صنعتموها بأيديكم؟ ونسيتم كيف كانت حياتكم، وكيف كانت نظراتكم للحياة بصفة عامة؟ وهل نسيتم الجاهلية وانتقالكم بالإسلام من الظلمات إلى النور؟ وكيف صار لكم ذكر وشأن، ليس في الجزيرة فقط، بل في العالم أجمع، وليس في زمانكم فقط، بل إلى يوم القيامة؟ أليست هذه مكاسب واقعية، وبجانب ربحكم للآخرة، فقد غمرتكم النعم أيضًا في الدنيا؟ ألم آتكم عالة فأغناكم الله؟ وأصبحتم دولة لها كيان ومركز ومكانة، لكم جيوش هنا وهناك، ولكم معاملات مع جميع العرب، ولكم سفارات مع دول العالم، لكم تجارة هنا وهناك، لكم صولات وجولات وغنائم وانتصارات، أهكذا كان وضعكم قبل الإسلام؟ كانت يثرب قبل الإسلام مدينة في غاية البساطة، ليس لها تأثير على حياة العرب فضلاً عن حياة العالم. ثم ألم آتكم أعداءً فألف الله بين قلوبكم؟ أنسيتم حروبكم الدامية، ودماء الأوس والخزرج التي سالت أعوامًا على أرض يثرب يوم بُعاث، والكراهية والحقد والضغينة التي كانت تملأ قلوبكم قبل الإسلام؟

من المؤكد أن الجميع لم ينسوا هذا الأمر، وكانت الكلمات ثقيلة جدًّا وقعت كالصخر على أسماع الأنصار وأرضاهم، ولم يجد الأنصار ما يقولوه غير أن قالوا: لله ولرسوله المَنّ والفضل.

بعد هذا العلاج الذي قدمه النبي لحل هذا القضية التي كادت أن تعصف بهذا المجتمع الذي قام على الحب والألفة، صمت الأنصار ومنعهم أدبهم أن يعددوا أفضالهم على الدولة الإسلامية، ومنعهم اقتناعهم أن الإسلام نعمة لا يعدلها شيء، لكن النبي كان مشفقًا عليهم، فقال لهم : "أَلاَ تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ؟".

فقال الأنصار في أدب جم: وبماذا نجيب يا رسول الله؟ ولله ولرسوله المن والفضل، وما أخذناه كان أكثر بكثير مما منع منا.

فعالج النبي الأمر بوسيلة أخرى، وهي وسيلة رفع الروح المعنوية لصاحب الأزمة، وإشعاره بقيمته، وإقناعه بتقدير القائد لموقفه وجهده، ولا يجحد فضله، فقال وهو يرفع من قيمة الأنصار: "أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدِّقْتُمْ: جِئْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلاً فَوَاسَيْنَاكَ، وَخاَئِفًا فَأَمَّنَّاكَ، وَمَخذُولًا فَنَصَرْناَكَ، وَمُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ".

وإن كان أدب الأنصار منعهم من ذكر فضلهم على النبي فهو لا ينكره ولا يجحده، بل اعترف به وقدره، فبغيركم ما كانت هناك دولة، وبدونكم ما كانت هناك نصرة، صدقتموني ونصرتموني وآويتموني وأغنيتموني، فلم ينطق الأنصار بكلمة واحدة مما أصابهم من حرج شديد، فاستغل النبي هذا الصمت واستخدم وسيلة أخرى، وهي تهوين حجم الخسارة في عيون الناس، فقال في رقة شديدة: "أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا (اللعاعة: شيء يسير جدًّا) تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟".

ثم استخدم رسول الله وسيلة أخرى لعلاج هذه القضية، وحرَّك عواطف الأنصار ومشاعرهم المرهفة التي تميز بها الأنصار فقال: "أَلاََ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ فِي رِحَالِكُمْ؟".

إن كانوا هم قد رجعوا بالنوق والشياه، فقد رجعتكم برسول الله ، فأي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديًّا؟! ثم أقسم فقال: "فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ".

ثم بدأ في الدعاء فقال: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ".

فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا.

ثم كانت الوسيلة الأخيرة وهي التذكير بالآخرة، فقال : "إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ".

قد نعطش في حياتنا لنُروى من الحوض، قد يُؤْثر علينا غيرنا فنقبل طمعًا في ما عند الله، وقد نبيع الدنيا بكاملها لنشتري الآخرة، "ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".

وبعد هذه الكلمات التي لامست أسماع الأنصار، قالوا وبمنتهى الصدق: رضينا بالله ورسوله حظًّا وقسمًا.

وخرج المسلمون من الأزمة، ونجح النبي بهذا الأسلوب التربوي في معالجة قضية من أخطر القضايا في المجتمع الإسلامي، ورضي الأنصار أن تُعرَّف كل هذه الغنائم الهائلة بكلمة لُعاعة، وإنها لكذلك.

منهج النبي في علاج هذه الأزمة
بمراجعة منهج النبي التربوي في علاج هذه القضية الشائكة، نجد أنه احتوى على عشر نقاط:

1- حل الأزمة بسرعة وعدم التغافل عن النار تحت الرماد وعدم التسويف.

2- الحيلولة ضد انتشار الأزمة، وحل الأزمة مع أهلها فقط.

3- لقاء أصحاب الأزمة بصورة مباشرة دون وساطة.

4- الصراحة والوضوح وراء الفعل الذي أغضب أصحاب الأزمة، وما هو السبب الحقيقي وراء إحداث الأزمة.

5- النظر بتوازن إلى الموقف، ولفت أنظار أصحاب الأزمة إلى ما حصلوه من إيجابيات.

6- الاعتراف بقيمة أصحاب الأزمة، وفضل أصحاب الأزمة، ورفع معنوياتهم.

7- تهوين حجم الخسارة التي خسرها أصحاب الأزمة إن كانت هينة فعلاً.

8- تحريك عواطف ومشاعر أصحاب الأزمة، إلى جوار إقناع عقولهم.

9- الدعاء المخلص لهم أن يرحمهم الله ويثبت أقدامهم.

10- التذكير بالآخرة، وأن المرء في الدنيا لا يعدم أن يخسر شيئًا ليكسب الجنة.

فتلك عشرة كاملة، وبهذا يتضح لنا أن السيرة النبوية هي منهج عملي للخروج من كل أزمة تواجهنا في حياتنا مهما تفاقمت، وصدق الرسول الكريم حيث قال: "تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي".

وما كانت هذه الوسائل تجدي في حل الأزمة لولا أن قلوب الأنصار مخلصة، وأن درجة إيمانهم عالية، وأن هدفهم فعلاً الجنة، وأن حياتهم بكاملها كانت في سبيل الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
موقف الأنصار من توزيع غنائم حنين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وقفات مع توزيع غنائم حنين 1-2
» وقفات مع توزيع غنائم حنين (2-2)
» وجاء الأنصار لرسول الله
» عودة الأنصار إلى المدينة بعد البيعة
» موقف أهل مكة من الإسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: