همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 من يحيي الأوقاف الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

من يحيي الأوقاف الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: من يحيي الأوقاف الإسلامية   من يحيي الأوقاف الإسلامية Emptyالثلاثاء مارس 29, 2016 6:27 pm

من يحيي الأوقاف الإسلامية
"والوقفُ قُربة مندوبٌ إليه، ولا يصحُّ إلا ممن يجوز تصرّفُهُ في ماله، ولا يصحُّ إلا في عينٍ مُعينة؛ فإن وقفَ شيئًا في الذمة بأن قال وقفتُ فرسًا أو عبدًا لم يصح، ولا يصحُّ إلا في عين يمكنُ الانتفاع بها مع بقائها على الدوام كالعقار والحيوان والأثاث؛ فإن وقفَ مالاً يُنتفع به مع بقائه؛ كالأثمانِ والطعام، أو مالاً ينتفع به على الدوام؛ كالمشموم لم يجُز، ولا يجوز إلا على معروف وبرٍّ؛ كالوقفِ على الأقاربِ والفقراء والقناطر وسُبل الخير، فإن وقفَ على قاطعِ الطريق أو على حربي أو مرتدٍّ لم يجز، وإن وقفَ على ذمي جاز" [*].

"ومن أطرف المؤسسات الخيرية؛ وقفُ الزبادي (الآنية) للأولاد الذين يكسرون الزبادي وهم في طريقهم إلى البيت فيأتون إلى هذه المؤسسة ليأخذوا زبادي جديدة بدلاً من المكسورة، ثم يرجعوا إلى أهليهم وكأنهم لم يصنعوا شيئًا" [**].

الإطار التشريعي للأوقاف
الوقف في اللغة هو الحبس. وفي اصطلاح الفقهاء: حبس الأصل وتسبيل المنفعة أو الثمرة [1]. فهو في مضمونه الواقعي: وضع أموال وأصول منتجة في معزل عن التصرف الشخصي بأعيانها وتخصيص خيراتها أو منافعها لأهداف خيرية محددة شخصية أو اجتماعية أو دينية أو غيرها على الوجه المشروع، والشروط التي استنبطها الفقهاء من الشارع الحكيم.

وأول من أوقف الأوقاف ودعا المسلمين إلى الاقتداء به هو نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد أوقف / حبس سبعة حوائط "بساتين" في المدينة المنورة على الفقراء من بني هاشم [2]. وسار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من خلفه على دربه، وأشهر من أوقف من بعده عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما اشترى بئر رومية من اليهودي وجعلها حبسًا / وقفًا لعامة المسلمين.

من هنا نرى أن الوقف عمل من أعمال البر والخير يريد من ورائه الواقف ابتغاء الأجر والمثوبة من الله تعالى بتحبيس الأصل / العين الموقوفة والانتفاع بالريع أو الثمرة أو المنفعة. ونتيجة لأهمية قضية الأوقاف منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا، لم يخلُ مصنف من المصنفات الجامعة الفقهية على المذاهب المختلفة من باب كامل يتناول قضية الوقف بكل ما عنَّ فيها من مستجدات حضارية، ونوازل طارئة تستدعي مزيدًا من البحث والتعليق والتكييف والإجابة.

وإننا بحق نملك تراثًا فقهيًا ناضجًا يكشف لنا كيف أبدع العقل الإسلامي في هذه المسألة، وأخضعها لمقدار الأهمية، من حيث التعريف والتهيئة والإدارة والمسئولية الفردية والاجتماعية، واحترام شروط الواقف بل وجعلها كنص الشارع ما لم تُخالف شرعًا، وكيف أعمل الفقهاء مبدأ المصلحة العامة بنقل الوقف أو استثماره أو إيجاره والبحث عن أفضل العناصر لإدارة هذه المنشآت الوقفية.

ونتيجة لهذه الصرامة واليقظة والحنكة من جمهرة الفقهاء بمختلف مشاربهم المذهبية في مسألة الأوقاف، تعددت أنواع الأوقاف إلى الوقف الأهلي أو الخيري والوقف الذُّري ووقف الإرصاد. فالوقف الخيري هو الذي يعود نفعه على فئة أو فئات من المجتمع الإسلامي، والوقف الذُّري هو الذي ينحصر على أبناء وذُريّة الواقف بحسب وصيته / وقفيته، ووقف الإرصاد، هو الوقف الذي تُرصده الدولة من بيت مالها على فئة ترى أن الأوقاف الأهلية والذرية لم تصل إليها أو تشملها [3].

إن الوقف الخيري كان عبقرية من عبقريات الحضارة الإسلامية؛ ذلك أنه فتح المجال للمجتمع الإسلامي كي يخدم نفسه بطريق فذَّة متجددة، فأبدع في هذا المضمار، وتنوعت الأوقاف الخيرية من وقف على المساجد والمدارس والرباطات والمستشفيات والأسبلة وطلبة العلم والفقراء والأيتام والمعوزين.

ذلك أن بنية الدولة الإسلامية قد فتحت المجال أمام الرأي العام بخلاف الدولة الحديثة التي سيطرت على الفضاء والمجال العام من خلال الإعلام والاقتصاد المركزي والسيطرة على الأوقاف وغير ذلك، وغالبًا ما كانت الأمة متقدمة على الدولة / النظام السياسي / الفئة الحاكمة في الحضارة الإسلامية؛ تتمظهر هذه الحقيقة في امتزاج شعوب العالم الإسلامي فيما بينها دون عائق يعوقها، وفي احتفاظ الأمة بذمتها المالية مستقلة من خلال الأوقاف ومصارف الصدقات الأخرى، كما تتجلى في وحدة المرجعية الدينية والشرعية.

المنجز الحضاري للأوقاف الإسلامية
إن أبرز المنجزات الحضارية التي قامت بها الأوقاف الإسلامية أنها لم تحصر المؤسسات الخدمية على الطبقة الحاكمة / الدولة كما نرى اليوم، ما قدَّم للأمة فيضًا من المؤسسات على كافة المناحي الاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية والعسكرية كما في الأوقاف على المجاهدين ورباطات الثغور وغير ذلك.

وأدى هذا بدوره إلى نهضة ملموسة على المستويات الاجتماعية بوجود مؤسسات التضامن الخيرية الوقفية، وعلى المستويات العلمية بوجود الأوقاف على طلبة العلم بمختلف تخصصاتهم، وخزائن الكتب وعلى المستويات الاقتصادية بوجود الأوقاف التي تُعين الفلاحين والمزارعين والصُنّاع، والتجّار مثل الخانات والفنادق الموقوفة!

ولا يمكن في هذا المقام الضيق أن نكشف ولو عن شطر ضئيل من آثار هذا المنجز الحضاري الكبير، بيد أنه يكفينا أن تأثير الأوقاف قد تجلى في أشد اللحظات خطورة في تاريخ الدولة الإسلامية، ففي اللحظة التي كان صلاح الدين الأيوبي (ت589هـ) يجابه فيها القوى الصليبية في بلاد الشام وفلسطين، وهي اللحظة التي من المفترض أن المجهود العسكري والحربي يستنزف كافة موارد البلاد، فإنه على الرغم من ذلك لم تتأثر الأوقاف الخدمية بذلك، ولا جرؤ صلاح الدين ولا غيره على الاقتراب من هذه الأوقاف.

بل على العكس؛ فإن الرحالة الأندلسي ابن جبير البلنسي (ت614هـ) كان في إحدى رحلاته المشرقية سنة 581هـ في ظل جهاد صلاح الدين، ورأى أثر هذه الأوقاف على المستويين الاجتماعي والعلمي في دمشق، فكتب لأبناء جلدته من المغاربة والأندلسيين قائلاً:

"ومرافقُ الغرباء بهذه البلدة (دمشق) أكثر من أن يأخذها الإحصاء، ولا سيما لحفاظ كتاب الله، عز وجل، والمنتمين للطلب. فالشأن بهذه البلدة لهم عجيب جدا. وهذه البلاد المشرقية كلها على هذا الرسم، لكن الاحتفال بهذه البلدة أكثر والاتساع أوجد. فمن شاء الفلاح من نشأة مغربنا فليرحل إلى هذه البلاد ويتغرب في طلب العلم فيجد الأمور المعينات كثيرة؛ فأولها فراغ البال من أمر المعيشة، وهو أكبر الأعوان وأهمها، فإذا كانت الهمة فقد وجد السبيل إلى الاجتهاد، ولا عذر للمقصر إلا من يدين بالعجز والتسويف، فذلك من لا يتوجه هذا الخطاب عليه، وإنما المخاطب كل ذي همة يحول طلب المعيشة بينه وبين مقصده في وطنه من الطلب العلمي، فهذا المشرق بابه مفتوح لذلك، فادخل أيها المجتهد بسلام، وتغنم الفراغ والانفراد قبل علَق الأهل والأولاد، وتقرع سن الندم على زمن التضييع" [4].

ومن الإسهامات الحضارية التي قامت على الأوقاف حصرًا المستشفيات الكبرى مثل المستشفى النوري الذي بناه نور الدين محمود بن زنكي (ت569هـ) في دمشق، والبيمارستان أو المستشفى المنصوري الذي بناه المنصور سيف الدين قلاوون (ت689هـ) في القاهرة، وأوقف عليه وقفًا هائلاً عدة قرى وأرض ومتاجر وغيرها كثير، ولا تزال آثار هذا المستشفى المملوكي في شارع المعز بوسط القاهرة شاهدًا على عظمة المنشأة والمُنشئ.

وإن مجرد الرجوع إلى نص وقفية السلطان قلاوون عند النويري في "نهاية الأرب" والتفاصيل الدقيقة التي ذُكرت فيها تُبين كيف أن النظام الوقفي كان خير معين لإنشاء أعظم صرح طبي في العصور الوسطى كما أكد على ذلك كافة الرحالة الباحثين، قال المؤرخ شهاب الدين النويري (ت721هـ) وقد كان أحد الموظفين الكبار في ذلك البيمارستان:

"أوقفه السلطانُ على الملك والمملوك، والجندي والأمير والوزير، والكبير والصغير، والحر والعبد، والذكر والأنثى. وجعل لمن يخرج منه، من المرضى عند برَئِه كسوة، ومن مات جَهَّزه، وكُفِّن ودُفن. ورتَّب فيه الحكماء الطبائعية (الطبيب العام) والكحالين (أطباء العيون) والجرائحية (أطباء الجراحة) والمجبِّرين (أطباء العظام)، لمعالجة الرمدى والمرضى والمجرحين والمكسورين من الرجال والنساء.

ورتب (عيَّن ووظَّف) به الفراشين والفراشات، والقَوَمة لخدمة المرضى، وإصلاح أماكنهم وتنظيفها، وغسل ثيابهم، وخدمتهم في الحمام. وقرَّر لهم على ذلك الجامكيات (المرتبات الجزيلة) الوافرة. وعُملت النخوت والفرش والطراريح والأنطاع والمخدات واللحف والملاوات لكل مريض فرش كامل. وأُفرد لكل طائفة من المرضى أمكنة تختصُّ بهم. فجعلت الأواوين الأربعة المتقابلة للمرضى بالحميات وغيرها، وجُعلت قاعة للرمدى، وقاعة للجرحاء، وقاعة لمن أفرط به الإسهال، وقاعة للنساء، ومكان حسن للممرورين (المصابون بالمرارة وأمراض الكبد) من الرجال ومثله للنساء، والمياه تجرى في أكثر هذه الأماكن.

وأُفردت أماكن لطبخ الطعام، والأشربة والأدوية، والمعاجين وتركيب الأكحال .. وعمل المراهم والأدهان، وتركيب الترياقات (الأمصال التي تعالج السموم)، وأماكن لحواصل العقاقير، وغيرها من هذه الأصناف المذكورة، ومكان يفرق منه الشراب، وغير ذلك من جميع ما يحتاج إليه. ورتب فيه مكان يجلس فيه رئيس الأطباء، لإلقاء درس طب، ينتفع به الطلبة، ولم يحصر السلطان، أثابه الله، هذا المكان المبارك بعده في المرضى يقف عندها المباشر (الموظف) ويمنع من عداها، بل جعله سبيلاً لكل من يصل إليه في سائر الأوقات من غنى وفقير. ولم يقتصر أيضا فيه على من يقيم به للمرضى، بل يرتب لمن يطلب وهو في منزله ما يحتاج إليه من الأشربة والأغذية والأدوية، حتى أن هؤلاء زادوا في وقت من الأوقات، على ما تبين، غير من هو مقيم بالبيمارستان" [5].

ودخلت الأوقاف في جوانب أخرى طريفة ولافتة بلا شك، مثل أوقاف إمداد الأمهات بالحليب والسكر في عصر صلاح الدين الأيوبي، وهي أسبق في الوجود من جمعيات نقطة الحليب، مع تمحُّضها للخير الخالص لله عز وجل، وثمة مؤسسات وقفية إسلامية أُقيمت لعلاج الحيوانات المريضة أو لإطعامها أو لرعيها حين عجزها، وشاهد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله أحد هذه الأوقاف في دمشق وهو وقف المرج الأخضر للخيول والحيوانات العاجزة المسنة "ترعى منه حتى تُلاقي حتفها" [6]!

هذه مجرد أمثلة عابرة للأوقاف الإسلامية، ودورها الحضاري في مسيرة الدولة الإسلامية، ولم يكن الحُكّام يجرؤن على الاستيلاء على هذه الأوقاف في ظل الرقابة الصارمة من مؤسسة العلماء الذين أُنيط بهم المراقبة والمحافظة على هذه الأوقاف، عملاً بوصية الواقفين، وفصلاً بين المتخاصمين فيما يتعلق بالإدارة، وإصدار الفتاوى التي تُحقق المصلحة العامة للعين الموقوفة والموقوف عليهم.

[*]أبو إسحاق الشيرازي: التنبيه في الفقه الشافعي، نشرة عالم الكتب، ص136.
[**] مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا، نشرة دار السلام، ص99.
[1] السرخسي: المبسوط، دار المعرفة – بيروت، 12/ 27. وابن قدامة: المغني، نشرة دار القاهرة، 6/ 3.
[2] السهيلي: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1412هـ، 6/ 47.
[3] عكرمة سعيد صبري: الوقف الإسلامي بين النظرية والتطبيق، دار النفائس، الطبعة الأولى - الأردن، 1428هـ، ص80 - 87.
[4] رحلة ابن جبير، دار ومكتبة الهلال – بيروت، ص232 - 233.
[5] النويري: نهاية الأرب، دار الكتب والوثائق القومية – القاهرة، 1432ه،31/ 107، 108.
[6] مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا ص99.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
من يحيي الأوقاف الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : للسياحة والتاريخ :: قسم : الحضارة الإسلامية-
انتقل الى: