القوة في الإسلام
إذا استمسك المسلم بالإيمان وتغلغل في قلبه فإنه يُضفي على صاحبه قوَّة تنطبع في سلوكه كلِّه، وقلَّمَا يَعْرِف التردُّدُ سبيلاً إلى نفسه، أو تُزحزِحُه العواصف العاتية عن موقفه؛ فالمسلم الحقُّ رجل مبدأ متميِّز، يعاشِر الناسَ على بصيرة من أمره، ولا يستعبده العُرْفُ الغالب، أو التقاليد السائدة، فهو لا يكترث بأمرٍ ليس له من دين الله سناد، وعليه أن يستخفَّ بما يلقاه من سخرية واستنكار، عندما يشذُّ عن عُرْفِ الجهَّال، ويخطُّ لنفسه نهجًا يلتمس به مثوبة الله عز وجل.
ففضيلة القوَّة ترتكز في نفس المسلم على عقيدة التوحيد، كغيرها من الفضائل التي تجعله يرفض الهوان في الأرض؛ لأنه رفيع القدر بانتسابه إلى السماء.
ومن فضائل القوَّة التي يوجبها الإسلام أنْ تكون وثيقَ العزم، مجتمعَ النيَّة على إدراك هدفك بالوسيلة الصحيحة التي تقرِّبك منه، باذلاً قصارى جهدك في بلوغ مأربك مع التوكل على الله.
والتوكُّل الحقُّ قرين الجهد المضني والإرادة المصمِّمة، ولم ينفرد التوكُّل عن هذه المعاني إلاَّ في العصور التي غَفَل فيها الناس عن فَهْمِ الإسلام فهمًا صحيحًا.
وممَّا يجعل المسلم قويًّا ابتعاده عن حياة الخلاعة والفجور، وإِلْفُه لمسالك النزاهة والاستقامة، وقد نصح الله قوم هود فأرشدهم إلى أسباب القوَّة الصحيحة، وكانوا عمالقة جبَّارين، فقال: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].
ومِنْ عناصر القوَّة أن يكون المسلم صريحًا، يواجه الناسَ بقلب مفتوح ومبادئ معروفة، لا يصانع على حساب الحقِّ، بل يجعل قوَّته من قوَّة العقيدة، التي يمثِّلها ويعيش لها.
ويكره الإسلامُ أن يضعف الرجلُ أمام العصاة من الكُبراء، وأن يناديهم بألفاظ التكريم، قال : «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلْمُنَافِقِ: يَا سَيِّد؛ فَقَدْ أَغْضَبَ رَبَّهُ» [1]. وإنها لجريمة مضاعفة أن ينتهك امرؤ الحرمات المصونة، ثم يستمع إلى مَنْ يبجِّلونه لا إلى مَنْ يحقِّرونه! كما يكره الإسلام أولئك الذين يعيشون في الدنيا أذنابًا تغلب عليهم طبائع الزُّلفى[2]، والتهافت على خيرات الآخرين.
لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بربِّه مِن كلِّ ما يؤدِّي إلى الضعف والهوان، إذ يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ»[3].
فالمؤمن الحقُّ هو من يتحصَّن بالصبر والرجاء، فيتحمل لذلك في ظلِّهما المصائب الفادحة فلا يذلُّ، بل يظلُّ محصَّنًّا من نواحيه كلها، عاليًا علي الأحداث والفتن.