المسلمون بعد غزوة خيبر
الآثار الطيبة لفتح خيبر
غزوة خيبرأولاً: حُيِّدَ جانب قريش، وبدأت الأرض تتناقص حول قريش، وشعرت قريش بعظمة الدولة الإسلامية، وخاصةً بعد فتح خيبر، وكانت قريش تعتبر خيبر من أقوى حصون الجزيرة العربية مطلقًا، وتعتبر اليهود من أشد الناس قتالاً، ومن أقواهم عُدَّة، فكانت هزيمة اليهود في خيبر ضربة كبيرة، ليس لليهود فقط ولكن لقريش في عقر دارها، فما تخيلت قريش أن المسلمين بلغوا من القوة الدرجة التي تمكنهم من فتح خيبر.
ثانيًا: أن المسلمين قد أَمِنُوا جانب اليهود بعد هزيمتهم في خيبر، وأصبح للمسلمين اليد العليا بلا منازع في الصراع الذي بينهم وبين اليهود بصفة عامَّة، ورأينا أن المسلمين بعد ذلك لم يكتفوا بفتح خيبر، ولكنهم فتحوا أيضًا وادي القرى وتيماء وفَدَك، أي أن كل التجمعات اليهودية الموجودة في شمال المدينة المنورة قد دخلت تحت راية الإسلام.
ثالثًا: ازدادت قوة المسلمين بصورة ملحوظة، وارتفعت الروح المعنوية عندهم؛ لأن فتح خيبر كان فيه خير كثير للأمة الإسلامية، ليس من الجانب العسكري فقط ولكن أيضًا من الجانب الاقتصادي، وذكرنا قول السيدة عائشة -رضي الله عنها- عندما قالت: "لما فُتِحت خيبر قلنا الآن نشبعُ من التمر"[1].
ازدياد قوة الإسلام في الجزيرة العربية
تزايدت أعداد المسلمين في المدينة المنورة، فقد انضم عدد من المسلمين في أماكن مختلفة من الجزيرة العربية إلى قوة المدينة المنورة، وجاء جعفر بن أبي طالب والمهاجرون من الحبشة في نفس الوقت الذي فتحت فيه خيبر، حتى إن الرسول أسهم لهم من أسهم خيبر؛ لأنه اعتبرهم مشاركين في الغزوة، وقد جاءوا بهذه النية من المدينة المنورة، فكانوا إضافةً كبيرة للدولة الإسلامية. وقَدِم الأشعريون، وعلى رأسهم أبو موسى الأشعريّ من اليمن، وقدم أيضًا الدوسيون -وهم قبائل كبيرة من اليمن- وعلى رأسهم الطُّفََيْل بن عمرو الدوسي ، وقدم المسلمون من قبائل أخرى كثيرة إلى المدينة المنورة.
أي تزايدت أعداد المسلمين كثيرًا بعد فتح خيبر أو بعد صلح الحديبية، بل إن المسلمين قدموا أيضًا من مكة المكرمة ذاتها بعد أن تنازلت قريش عن بند إعادة المسلمين المهاجرين من مكة إلى المدينة بعد الحرب التي شنها عليهم أبو بَصِير هو وأصحابه.
وبدأت قوة المسلمين تنمو وتكبر، وفي الوقت نفسه بدأت قوة قريش تتناقص. ثم إن هناك عددًا كبيرًا من العرب أسلم، ودخل في صف المسلمين، ولم يكن يَقْوى على إعلان إسلامه قبل صلح الحديبية، ولكن بعد أن وُضِعت الحرب في الجزيرة العربية، وأَمِن الناس جانب قريش دخل في الإسلام من كان مترددًا في ذلك الأمر، وبقي من الأعداء القدامى للمسلمين قبيلة غطفان، وهي مجموعة من القبائل المرتزقة المُؤَجَّرين؛ فقد استأجرهم قبل ذلك اليهود لحرب المسلمين في الأحزاب، وحاصروا المدينة المنورة بستة آلاف مقاتل وأربعة آلاف من قريش، أي كانوا عشرة آلاف، وكانوا يريدون استئصال الدولة الإسلامية تمامًا، ولهم تاريخ معقد مع المسلمين، وأكثر من مرة يحدث منهم نوع من الغدر بالمسلمين، وقتل عدد من المسلمين، وما أحداث بئر معونة وغيرها من الأحداث ببعيد من المسلمين، وأحداث حصار الأحزاب، ثم محاولة معاونة يهود خيبر في حربهم ضد المسلمين، لولا أن فرَّق الرسول هذا التحالف الذي كان بين اليهود وغطفان عن طريق إرسال سرية إلى غطفان.
تخلص المسلمون من قريش عن طريق المصالحة والمهادنة، ومن اليهود عن طريق الحرب وفتح خيبر، وبقي عدو واحد كبير وهو (غطفان).
أهداف الرسول في العام السابع الهجري
كان الرسول يسير بخُطًا ثابتة، وأهداف محددة يسعى إلى تحقيقها، وكان هناك هدفان يسعى الرسول لتحقيقهما في العام السابع من الهجرة بعد فتح خيبر.
كان الهدف الأول: هو فتح خيبر، واستغلال الهدنة التي تمت بينه وبين قريش بعد صلح الحديبية.
أما الهدف الثاني فكان ضرورة إيقاف خطورة قبيلة غطفان، وتأمين جانب المسلمين من قبيلة غطفان، والانتقام لكرامة الأمة الإسلامية، وتسيير القوات الإسلامية إليهم.
ومن اللافت للنظر أن الرسول سلك لتحقيق هذين الهدفين مسلكًا واحدًا، وهو إظهار القوة والعظمة والعزة للإسلام والمسلمين. وكما أن الإسلام كدين وشريعة، وكقرآن يُتلى يؤثر في قلوب الكثير من الناس، إلا أن هناك كثيرًا من الناس لا يتأثرون إلا بمظاهر القوة، ولا ينبهرون إلا بعزة الإسلام وسيادته، وكان الطابع الذي يغلب على السنة السابعة هي إظهار القوة الإسلامية، وإظهار العظمة الإسلامية، وظهر ذلك في مراسلات الرسول ، كما ظهر ذلك في حروب الرسول ، وظهر أيضًا في عمرة القضاء، وظهر تأثر الكثير من أهل مكة والجزيرة العربية بصفة عامَّة، بل وأهل العالم أجمع، وسوف نرى كيف حقق الرسول هذين الهدفين لإظهار القوة الإسلامية.
كان الرسول يهدف لنشر الدعوة في العالم كله، وتكلمنا قبل ذلك على الرسائل التي أرسلها الرسول إلى الزعماء والملوك، وهذه الرسائل قد أضافت للمسلمين قوة كبيرة، ليس في القوة المعنوية فقط، ولكن في القوة العددية أيضًا؛ لأن بعض هذه الرسائل أدت إلى دخول عدد كبير من المشركين في الإسلام، ومن أبرز هؤلاء مملكة البحرين بكاملها ودخلت بزعيمها المنذر بن ساوَى، وكذلك دخلت دولة اليمن، وقد أسلمت بعد إسلام باذان، وهو قائد اليمن الفارسي الذي آمن برسول الله وآمن معه شعبه، سواءٌ كانوا من الفارسيين الذين يعيشون معه أو من أهل اليمن الأصليين، فالجميع تقريبًا آمن ودخل في صف الدولة الإسلامية، وهذه إضافةٌ قوية إلى الدولة الإسلامية.
ولا ننسى أن اليمن في جنوب قريش، والمدينة المنورة في شمال قريش، وهكذا حصرت مكة المكرمة بين مناطق إسلامية، وهذا -بلا شك- إضافة كبيرة إلى الدولة الإسلامية الجديدة. وأرسل الرسول الدعاة هنا وهناك يدعون الناس إلى الإسلام، ويقربون المعنى والفكرة إليهم، وبدأ الناس يفكرون في الإسلام بطريقة جديدة دون خوف أو وجل من قريش؛ فالهدف الأول في العام السابع من الهجرة وما تلاه من أعوام كان نشر الدعوة في كل بقعة من بقاع العالم، وكان الهدف الثاني هو إيقاف خطورة غطفان، وقد خرج الرسول لمواجهة غطفان والحدِّ من خطورتها، وكانت هذه الغزوة هي غزوة ذات الرِّقَاع، كما وجَّه الرسول إليهم ست سرايا للحد من قوتهم؛ تمهيدًا للقضاء على خطورتها العسكرية تمامًا في العام الثامن الهجري.
[1] البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (3999)، ترقيم مصطفى البغا.