همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 عودة الرسول إلى المدينة وتعديل صلح الحديبية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

عودة الرسول إلى المدينة وتعديل صلح الحديبية Empty
مُساهمةموضوع: عودة الرسول إلى المدينة وتعديل صلح الحديبية   عودة الرسول إلى المدينة وتعديل صلح الحديبية Emptyالسبت فبراير 27, 2016 8:31 am

عودة الرسول إلى المدينة وتعديل صلح الحديبية
بداية الآثار الحميدة للصلح
المدينة المنورةعاد أبو جندل إلى المشركين وأنفذ العهد كما تمنى ، وبعد المعاهدة دخلت قبيلة بني بكر في حلف قريش، ودخلت قبيلة خزاعة في حلف رسول الله . وكما ذكرنا قبل ذلك أن هذا يعبر عن أهمية الصلح وقيمته؛ لأن قبيلة خزاعة مع تاريخها الطويل مع بني هاشم إلا أنها لم تدخل في حلف الرسول إلا بعد أن عقد صلح الحديبية، ورجع الرسول إلى معسكره في الحديبية ليُعِدّ العُدَّة ليعود إلى المدينة المنورة مرة ثانية، ليعود بعد ذلك بعام إلى مكة المكرمة من جديد لأداء العمرة.

الرسول يتحلل من إحرامه
الرسول في كل هذه الرحلة وكل هذه المشاورات والمحاورات كان محرمًا؛ لأنه أحرم من ذي الحليفة كما ذكرنا قبل ذلك، وجاء ملبيًا حتى وصل إلى الحديبية، وقد منعته قريش عند الحديبية من دخول مكة المكرمة، فانطبق عليه حكم المحصر عن العمرة؛ أي من نوى العمرة ولم يستطع أن يصل إلى مكة المكرمة لأي سبب من الأسباب، فيقوم بالنحر والحلق في هذا المكان ليتحلل من إحرامه.

وهذا الهدي الذي كان معه كان أمرًا مستحبًّا، وليس فرضًا على المسلمين، ولكن عند مكان الإحصار لا بد له أن ينحر هذا الهدي الذي وهبه لله ، والرسول خطب في الصحابة جميعًا، وقال لهم: "قُومُوا فَانْحَرُوا، قُومُوا فَانْحَرُوا".

فوالله ما قام منهم أحد، سبحان الله! والرسول يكرر الأمر مرة ثانية وقال لهم: "قُومُوا فَانْحَرُوا".

فلم يقم أحد، فكرر الثالثة: "قُومُوا فَانْحَرُوا"[1].

فلم يقم أحد، والرسول في هذا الموقف يقدِّر الحالة النفسية السيئة التي عليها الصحابة ، فمع طاعتهم التي وصفها قبل قليل عروة بن مسعود، قبل هذه المعاهدة بساعات قليلة، إذ وصف حال الصحابة في تفانيهم في طاعة الرسول ، إلا أنهم في هذا الموقف لم يستطيعوا أن يقوموا بنحر الهدي، لا يستطيعون أن يقوموا بالنحر والحلق؛ لأن معنى ذلك أنهم تحللوا من العمرة وسوف يرجعون إلى المدينة المنورة، وهم حتى هذه اللحظة كانوا يأملون أن يدخلوا مكة المكرمة وأن يعتمروا، ويطوفوا بالبيت الحرام كما كانوا يرغبون.

وكان موقف أبي جندل مأساة كبيرة عند الصحابة ، فالقضية عندهم قضية خطيرة، والرسول يشعر بما يشعر به الصحابة ، ولكن الرسول تعامل مع الموقف بمنتهى الحكمة، ودخل إلى خيمته وهو حزين يفكر في حلٍّ لهذه القضية، فهو لن يعنف الصحابة ؛ لأنه يعلم ما بهم من أزمة، والصحابة كانوا غاضبين على إقرار هذه المعاهدة، وكان البديل لهذه المعاهدة هو الحرب، وهم كانوا على أُهْبَة الاستعداد أن يحاربوا ويقاتلوا إلى الموت، وعاهدوا على عدم الفرار، فلو لم يتم هذا الصلح قد تكون النتيجة القتال، وقد تذهب فيه أرواحهم جميعًا. أي أن حزن الصحابة يدل على حبهم للموت في سبيل الله، والرسول يدرك كل هذه الأبعاد، ويقدر موقف الصحابة جميعًا .

نصيحة أم سلمة للنبي
ودخل الرسول إلى خيمته وكان معه من أمهات المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، فرأت ما عليه النبي من الحزن، وسألته، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: "يا رسول الله، أتحب ذلك؟"

يعنى: أتحب أن ينحروا ويحلقوا؟ ثم قدمت أم المؤمنين النصيحة الجميلة، رضي الله عنها وأرضاها.

تشاور المصطفى مع زوجته في قضية من أخطر قضايا المسلمين، لم يذهب للتشاور مع أبي بكر أو مع عمر أو مع غيرهم، لكنه ذهب إلى زوجته، وتحدث معها في قضية قد تهز كيان الدولة الإسلامية بكاملها، واستمع إلى رأيها، وكان رأيها حكيمًا، فقالت: " اخرجْ ثم لا تكلِّمْ أحدًا، حتى تنحرَ بُدْنَك، وتدعو حَالِقَكَ فيحلقك"[2].

فقام فخرج، فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر البدن ودعا الحالق فحلق له. فلما رأى الصحابة ذلك، قاموا جميعًا لم يتخلف منهم أحد، وبدءوا في النحر، وجعل بعضُهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضُهم يقتل بعضًا غمًّا. يعني بعضهم كاد يصيب الآخر من شدة الحزن والغم التي كان يشعر بها، لكن في النهاية استجاب الجميع فنحروا وحلقوا، والرسول فعل شيئًا جميلاً، فقد قدَّم جملاً يعرفه الجميع لينحره مع الناس، ما هذا الجمل؟! إنه جمل أبي جهل، والرسول كان قد أخذ هذا الجمل من غنائم بدر، وأتى به إلى هنا إلى مكان الحديبية لينحره، وبذلك حقق هدفين رئيسيين:

أولاً: أغاظ المشركين؛ فهذا الجمل كان معروفًا ومشهورًا عند المشركين، ومُعلَّمًا بعلامة في أنفه، فكانت هناك حلقة من فضة موضوعة في أنفه، فالجميع يعرفه.

والشيء الثاني: الذي يريده الرسول تذكير المسلمين بيوم بدر، وذكرهم بأن الله أخرجهم من أزمة بدر من موقف كان بعض المؤمنين يكرهونه، كما قال الله : {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5].

فالآن سوف يخرجهم الله من هذا الموقف الذي يكرهه بعض الصحابة أو جُلّ الصحابة إلى نصر وسيادة وتمكين؛ لأن الله هو الذي أوحى إلى نبيه بهذا الصلح. وهذا المعنى وصل إلى بعض الصحابة وليس جميعهم، ومن ثَمَّ ظل الحزن مسيطرًا على عموم الصحابة ، ووصل الحزن ببعضهم إلى أمرٍ لا نتخيله حقيقة، إلى حوار عجيب دار بينهم وبين المصطفى .

حوار بين الرسول وعمر بن الخطاب
دار حوار بين عمر بن الخطاب وبين رسول الله ، وهذا الحوار يعبر عن مدى الحزن والأسى الذي كان في قلب عمر والصحابة من جرَّاء هذا الصلح الذي عقده الرسول ، والحوار جاء في البخاري ومسلم والحديث صحيح، يقول عمر بن الخطاب -وهو راوي الحديث-: فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ؟!

كلمات شديدة، ولكن الرسول بسعة صدر عجيبة قال: "بَلَى".

قلت: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟

فقال : "بَلَى".

فقلت: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟

والكلام غريب وشديد جدًّا؛ لأن الرسول مستحيل أن يعطي الدنية أبدًا في دينه ، ولكن هكذا رأى عمر بن الخطاب، وهكذا صرح بالكلمات التي كانت في قلوب كثير من الصحابة، ولكن لم يجرءوا على التصريح بها، فقال كلمات واضحة جدًّا: "إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي". وفي رواية: "وَلَنْ يُضَيِّعَنِي أَبَدًا".

أي في هذا الأمر الذي تكرهونه سترون خيرًا إن شاء الله. ومع هذا التوضيح من الرسول ، قال عمر بن الخطاب: أوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفَ بِهِ؟

وعمر قال هذه الكلمات لرسول الله ، وهذا كان يعبر عن مدى المأساة التي كان يعيشها عمر وجميع الصحابة، ومع ذلك فالرسول أوسع صدره، وصبر على كلمات عمر بن الخطاب، وقال له: "بَلَى، أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟"

هل ذكرت لك أن هذا في ذلك العام، فقال عمر بن الخطاب: لاَ.

فقال في ثقة ويقين: "فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ"[3].

لأن هذا وعدُ ربِّ العالمين. ولكن عمر ذهب إلى أبي بكر الصديق ، فقال له: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقًّا؟ ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ فلِمَ نُعْطِي الدنية في ديننا؟

فانتفض أبو بكر الصديق الرجل الهادئ اللطيف لما سمع هذه الكلمات، قال: "أيها الرجل، إنه لرسول الله ، وليس يعصي ربه وهو ناصره".

وسبحان الله! فقد توافقت كلمات الصِّدِّيق مع كلمات الرسول ، دون أن يسمع كلمات الرسول ، فهذا شيء غريب حقًّا! ومن أعظم مناقب الصِّدِّيق كما يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرح صحيح البخاري. ثم يعطيه نصيحة مهمة جدًّا له ولعموم الأمة الإسلامية قال: "فاستمسكْ بغَرْزِهِ حتى تموت، فوالله إنه على الحق".

وواصل عمر كلامه، وكأنه لا يسمع هذا الكلام، وقال: أوَليس كان يحدثنا أننا سنأتي البيت ونطوف به؟

ردَّ عليه الصديق وقال: بلى.

ثم قال: أفأخبرك أنك تأتيه العام؟[4].

نفس كلمات رسول الله لعمر بن الخطاب ، والصديق هو أعظم البشر بعد الأنبياء، وهذا لم يأتِ من فراغ، فهي درجة يقين عالية جدًّا، وإيمان كامل بالله وبرسوله ، وظهر ذلك في مواطن كثيرة في حياته.

نزول سورة الفتح
وأكمل الرسول الطريق إلى المدينة المنورة، وفي طريقه إلى المدينة المنورة وقبل أن يصل إلى هناك نزلت عليه سورة الفتح، يقول : "لقد أنزلت عليَّ سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}"[5].

أول ما أنزلت عليه هذه السورة، نادى على عمر ؛ لأنه كان أكثر الصحابة تأثرًّا من هذا الحدث، نادى عليه وقرأ عليه -كما يقول عمر بن الخطاب - السورة كاملة من أوَّلها إلى آخرها، فقال عمر: يا رسول الله، أوَفتح هو؟ قال: "نعم"[6].

هذا الصلح في حد ذاته فتح من الله . وسوف نفصِّل القول فيما بعد، لماذا سمِّي هذا الصلح العظيم بالفتح المبين؟ كما قال رب العالمين، ووصل الرسول إلى المدينة المنورة وبدأ يعيد ترتيب الأوراق حسب الوضع الجديد الذي تمخضت عنه هذه المعاهدة.

وصول النساء المؤمنات مهاجرات إلى المدينة
وفور وصول الرسول إلى المدينة المنورة جاءت بعض النساء المؤمنات من مكة المكرمة مهاجرات إلى المدينة المنورة، وهذا أول قدوم للمسلمين من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعد الصلح، ولكن هؤلاء المسلمين لم يكونوا رجالاً بل كانوا نساءً، ومع ذلك أسرعت قريش وطلبت إعادة المؤمنات المهاجرات كما تقول المعاهدة، ولكن الرسول وقف لهم وقال: إن نص المعاهدة ينص على الرجال فقط، لكن لم يدخل النساء في القضية. والحمد لله أن رسول الله كان حريصًا على ذلك الأمر عند كتابة المعاهدة، لكن الرسول أراد أن يطمئن إلى إسلام هؤلاء المسلمات اللاتي جئن من مكة إلى المدينة ونزلت سورة الممتحنة، وفيها تفصيل لهذا الأمر، قال الله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: 10].

أي تأكدوا من إيمانهن، هل جئن من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة هربًا من أزواجهن، أم طلبًا لرجل في المدينة المنورة؟ أم جئن إلى المدينة المنورة مهاجرات إلى الله وإلى رسوله الكريم ؟

{اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10]، فإن علمتم أنهن مؤمنات بعد هذا الاختبار والامتحان وتأكدتم أنهن صادقات، {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] أي: لا يجوز أن يرجعن إلى الكفار، وما يصلح لامرأة مؤمنة أن تتزوج من رجل كافر {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].

وانظر ما سيأتي بعد ذلك في الآيات من بُعدٍ حضاري راقٍ في الإسلام، وعدل مطلق، قال الله : {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10]. أي أن الأزواج الكفار الموجودين في مكة الذين هربت أزواجهم من مكة إلى المدينة المنورة، هؤلاء دفعوا قبل ذلك مهورًا لأزواجهن من المؤمنات، الآن هربت الزوجة إلى بلاد المسلمين، وما عادت تصلح أن تكون زوجة لهذا الرجل الكافر، فلا يجب أن يضيع عليه هذا المهر الذي أنفق، يقول الله : {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا}.

أي أعيدوا إلى الكفار القدر الذي أنفقوه من المهر إليهم مرة ثانية حتى يستطيعوا به أن يتزوجوا مرة ثانية من امرأة تحل لهم. وهذا الأمر كان حكمًا عامًّا نزل لكل المؤمنات اللاتي هاجرن من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وظل بعد ذلك حكمًا عامًّا إلى يوم القيامة، لا يجوز أبدًا لامرأة مسلمة أن تتزوج من رجل كافر، كذلك نزل في نفس الآيات أنه لا يجوز أيضًا لرجل مسلم أن يتزوج من امرأة كافرة، قال الله في نفس الآيات: {وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10].

هذه الآية موجهة إلى رجال المسلمين، أي لو أن امرأة مشركة كانت قد تزوجت من مسلم فلا بد أن يطلقها، وأن يعيدها مرة ثانية إلى أهلها المشركين في مكة. وعند نزول هذا الحكم، طلق المسلمون نساءهم الكافرات، وأعادوهن مرة ثانية إلى مكة المكرمة، ومن هؤلاء عمر بن الخطاب ، فقد طلق زوجتين كانتا عنده، وأعادهما إلى مكة[7].

ومما سبق يتضح لنا أننا نبني مجتمعًا مسلمًا خالصًا، فمن المحال على أمٍّ كافرة أن تربي أولادها على معاني الإسلام والعقيدة الصحيحة، وكذلك من المحال على أبٍ كافر أن يربي أبناءه على معاني الإسلام والعقيدة السليمة الصحيحة. واستقر الوضع داخل المدينة، وقَبِل المشركون بقضية المؤمنات اللاتي هاجرن من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.

قضية أبي بصير !
بعد انقضاء قضية النساء المسلمات بأيام جاء رجل من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة مهاجرًا إلى الله ورسوله ، جاء رجل اسمه أبو بصير . وأبو بصير من ثقيف، لكنه كان يعيش في داخل مكة المكرمة حليفًا لقريش، وأسلم بعد صلح الحديبية أو قبيل صلح الحديبية وهرب من مكة المكرمة، ووصل إلى المدينة المنورة وطلب اللجوء إلى رسول الله . وفور خروجه من مكة علمت قريش بخروجه فأرسلوا رجلين إلى الرسول وقالوا: هذا داخل في بند المعاهدة.

ومع ذلك تعامل الرسول مع الموقف بنفس العقل الذي تعامل به مع موقف أبي جندل قبل ذلك، فأعاد أبا بصير إلى الرجلين، وقَبِل أن يعود مرة ثانية إلى مكة مع المأساة التي كان يشعر بها، ولكن هذه هي المعاهدة. ورجع بالفعل أبو بصير مع الرجلين، وعند ذي الحُلَيْفة -وهي على مقربة من المدينة المنورة- جلس الجميع ليستريحوا قليلاً من طريق السفر، وهنا تمكن أبو بصير من أخذ السيف من أحد المشركين وقتل به أحد المشركين، أما المشرك الآخر فخاف وهرب إلى المدينة المنورة؛ لأنه سوف يجد الحل والعدل عند رسول الله . ولما رآه الرسول من بعيد، قال: "لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا".

فلما انتهى إلى النبي ، قال: "قتل والله صاحبي، وإني لمقتول". أي أن أبا بصير قتل صاحبي، وسيأتي ليقتلني. ووصل أبو بصير عند رسول الله ، وقال: "يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، وقد رددتني إليهم ثم أنجاني الله".

والآن أنا لست داخلاً في دولتك، أنا لست فردًا من أفراد المدينة المنورة، أنا لا ينطبق عليَّ الآن العهد، قد أوفى الله ذمتك. فلما سمع منه الرسول هذه الكلمات، قال كلمة عجيبة، قال النبي : "وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ".

فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر.

ولم يُدخِل رسول الله أبا بصير إلى داخل المدينة المنورة ورده؛ لأن المسلمين ملتزمون بمعاهدة مع المشركين، والمؤمنون عند شروطهم؛ فهرب أبو بصير خارج المدينة المنورة وبدأ يهاجم القوافل المتجهة من مكة المكرمة إلى الشام، يعترض القافلة، ويقتل منها من استطاع، ويأخذ من غنائمها ما استطاع. وعندما سمع بعض المسلمين المستضعفين في داخل مكة المكرمة وفي غيرها بما فعل أبو بصير، بدءوا يأتون إليه، وبدأ أبو بصير في تكوين عصابة من الرجال تعترض طريق القوافل المكية، فحدثت أزمة كبيرة في مكة.

أسرع أهل مكة إلى رسول الله يناشدونه بالرحم أن يضم أبا بصير إلى المدينة المنورة، وأن يلغي هذا البند من صلح الحديبية، وأن يقبل المسلمين من مكة ولا يعيدهم إليها مرة أخرى. وما هي إلا أيام قليلة بعد صلح الحديبية حتى مُحِي هذا البند من المعاهدة، وأصبحت المعاهدة خالصة لصالح المسلمين، وأصبحت فتحًا مبينًا حقيقيًّا للمسلمين[8].



[1] البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581).

[2] البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581).

[3] البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581).

[4] البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581).

[5] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الفتح (4553).

[6] البخاري: أبواب الجزية والموادعة، باب إثم من عاهد ثم غدر (3011).

[7] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420هـ- 1999م، 7/353.

[8] ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص324.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
عودة الرسول إلى المدينة وتعديل صلح الحديبية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عودة الأنصار إلى المدينة بعد البيعة
» أخلاق الرسول في هدنة صلح الحديبية
» السفارات المتبادلة بين الرسول والمشركين عند الحديبية
» تعامل الرسول مع طوائف المسلمين داخل وخارج المدينة
» وقفات مع بنود صلح الحديبية وتوثيقه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: