أهمية دراسة السيرة النبوية
أهمية السيرة النبوية
تمثّل السيرة النبوية العطرة أحد الكنوز العظيمة التي يجب الاستفادة منها، وتزداد أهمية دراسة السيرة إذا كان في حساباتنا أنها لا تتناول رجلاً عاديًّا، بل إنها دراسة لتاريخ أعظم مخلوق وُجد على ظهر هذه الأرض منذ آدم وإلى يوم القيامة.
إن السيرة النبوية تعتبر من أجلِّ العلوم وأفضلها بالنسبة للمسلم؛ فهي تدرس سيرة رجل هو أعظم رجل خلقه الله ، فقد وصفه رب العزة بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. فإذا كانت دراسة السيرة مهمة في زمن من الأزمان فهي في زماننا أهم؛ لأن واقع الأمة الآن متأخر في كل المجالات؛ تأخر عسكري واقتصادي واجتماعي وأخلاقي.
ولا ريب أن الأمل معقود في الله لإعادة البناء، بَيْدَ أن النهوض يحتاج إلى أمرين مهمين: يقين بضرورة بناء الأمة من جديد، ودور عملي لكل منا؛ فاليقين أن نوقن في كلام رسول الله ، فقد بشَّر الصحابة في غزوة الخندق بفتوح الشام وفارس واليمن وغيرها، وألاَّ نعتمد اعتمادًا كُليًّا على الحسابات المادية، رغم أهميتها، فالأحزاب قد اعتمدوا على الجانب المادي لكنهم لم ينجحوا، وأن يكون لنا دور لإعادة إعمار الكون، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].
عشنا طويلاً في ظل مجموعة من الأيديولوجيات والأفكار المختلفة التي تحكم المجتمع والدولة، وكلها باءت بالفشل مثل الاشتراكية والرأسمالية وغيرها، ندور حول هذه الأفكار متناسين سيرة نبينا وأصوليتنا الدينية التي أدارت المجتمعات الإسلامية القديمة بخلافاتها ودولها، ومع هذا فإننا لا ننادي باستقصاء كل وقعة وفعلة وحدث في السيرة؛ فهذا ضرب من المستحيل لكننا ننادي بدراسة الأحداث العظيمة والجليلة في هذه السيرة؛ فهي مما يتكرر يومًا بعد يوم، ندرس غزوة أُحد وبدر والخندق؛ لأن واقعنا قد وجد حدثًا مشابهًا وهو حرب أكتوبر 1973م، وهو -لا شك- من الأحداث التي يتم تحليلها منذ وقعت وحتى وقتنا الراهن.
مقدار السيرة في حياة المسلمين
نحن هنا لا ندرس سيرة رجل عادي يمشي على الأرض، أو عظيم من عظماء التاريخ وما أكثرهم، ولكننا ندرس سيرة رجل هو أعظم رجل خلقه الله منذ خلق آدم إلى يوم القيامة، أعظم رجل على الإطلاق.
فعادةً ما يتفوق الناس في مجال ويتأخرون في مجال آخر، لكن هذا الرجل تفوق في كل المجالات مطلقًا؛ تفوق في عبادته، في معاملاته، في شجاعته، في كرمه، في حلمه، في زهده، في تواضعه، في حكمته، في ذكائه، في كل شيء. فنحن ندرس سيرة الإنسان الذي خاطبه الله بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
فأي خُلُقٍ هذا الذي وصفه الله العظيم العليم I بأنه خلق عظيم!
هذا الرجل أقسم الله به فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]. فهو رجل أقسم الله بحياته.
ندرس سيرة الرجل الذي لن يحاسب الله الخلائق يوم القيامة إلا عندما يشفع هذا الرجل للحساب، كل نبي لن يشفع حتى لأتباعه إلا بعد أن يشفع هذا الرجل.
ندرس سيرة الرجل الذي لن ندخل الجنة إلا خلفه، لن نُرْوى يوم القيامة إلا من يده ومن حوضه ومن نهره.
إن عرفنا سيرته ونهجه واتبعناه كانت النجاة في الدنيا والآخرة، وإن جهلنا طريقته أو خالفناه قيل لنا: سحقًا سحقًا.
نحن ندرس سيرة رسول الله الماحي الذي محا الله به الكفر، أول من يُبعث من الخلائق يوم القيامة، حامل لواء الحمد يوم القيامة صاحب المقام المحمود والحوض المورود يوم القيامة.
ندرس سيرة الرجل الذي فُتحت له أبواب السماء ليخترقها بجسده إلى ما بعدها، لما صعد مع جبريل في رحلة المعراج إلى السماء وطرق الباب، أجاب الملك: مَنْ؟ قال: جبريل. قال: فمن معك؟ قال: محمد. قال: أوَأُذِن له؟ قال: نعم. ففتح باب السماء ليدخل النبي إلى مكان لم يدخله بشر من قبل ذلك وهو حي.
الرجل الذي وصل إلى مكان لم يصل إليه بشر ولا ملك، حتى الملائكة لم تصل إلى المكان الذي وصل إليه محمد .
الرجل الذي شاهد الجنة والنار بعينه لا بعقله فقط.
نحن لا نقارن عظمة رسول الله بعظمة بوذا وكونفشيوس وهتلر ولينين وستالين كما فعل -مثلاً- صاحب كتاب "الخالدون مائة وأعظمهم محمد "، ويفرح الكثيرون بهذ الكتاب ظنًّا منهم أنهم أنصفوه، لكنهم ما أنصفوه إذ قارنوه بهؤلاء، نحن نقارن رسول الله بنوح وبإبراهيم وبموسى وعيسى عليهما السلام، وبكل أنبياء الله عليهم أجمعين الصلاة والتسليم.
نقارنه أيضًا بالملائكة أجمعين؛ بملك الأرزاق، بملك الجبال، بملك البحار، بحملة العرش، بل بجبريل ، بل هو أفضلهم جميعًا .
لما وصل الرسول إلى سدرة المنتهى ومعه جبريل لم يستطع روحُ القدسِ التقدم خطوة واحدة، وقال له: لو تقدمت خطوة واحدة لاحترقت. أما محمد فقد مكنّه الله من ذلك وتقدم ليقف عند سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى للقاء الله وكلمه بدون حجاب.
هذا الرجل له مقام عظيم خالد، وعلى قدر هذه العظمة يجب أن يكون اهتمامنا بسيرته، بل وبكل دقيقة مرت في حياته الشريفة .