بين هجرة الأنبياء وهجرة الرسول
هل الهجرة كانت أمرًا خاصًّا برسول الله أم هاجر غيره من الأنبياء؟
أجاب على هذا السؤال العلامة الدكتور يوسف القرضاوي قائلاً: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لقد هاجر رسل الله عامة أو عدد كبير منهم، ولكن لم تكن هجرتهم مثل هجرة محمد صلى الله عليه وسلم، هاجر إبراهيم، قال الله تعالى:{فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[العنكبوت: 26], وفي آية أخرى:{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الصافات: 99].
فخرج من بلد إلى بلد إلى أن استقر به المقام في فلسطين، وفي المدينة التي دفن فيها وسميت باسمه عليه السلام - مدينة الخليل إبراهيم.
وهاجر موسى، ولكن كانت هجرته قبل البعثة حينما خرج من مصر بعد أن قتل ذلك القبطي خطأ واستغفر الله، وقال له من قال:{إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[القصص: 20، 21].
وذهب إلى مدين وتزوج فيها وعاش فيها عشر سنوات مع ذلك الشيخ الكبير بعد أن تزوج ابنته، ولم يكن له في هذه المدة - السنوات العشر - عمل يذكر، كان شابًّا صالحًا، وزوجًا طيبًا، وصهرًا كريمًا، عاش مع هذا الرجل عشر سنوات ولكن لم يقم فيها بدور.
ولم تكن هجرة محمد صلى الله عليه وسلم كهجرة موسى حينما قال:{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء: 21].
لم تكن هجرة محمد صلى الله عليه وسلم لمجرد الفرار من الفتنة أو الهرب من الإيذاء والتضييق.. لا، لقد كانت الهجرة سعيًا حثيثًا لإقامة مجتمع جديد، مجتمع إسلامي بمعنى الكلمة، كانت سعيًا لإقامة مجتمع وبناء أمة، وإنشاء دولة جديدة تقوم على الربانية والإنسانية والأخلاقية والعالمية.
كان هذا هو هدف محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الهجرة، وفعلاً استطاع أن يقيم هذه الدولة، وأن يؤسس هذا المجتمع، وينشئ هذه الأمة الجديدة خير أمة أخرجت للناس, انتهى.
والخلاصة أن عددًا من أنبياء الله هاجروا، ولكن كانت لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم سمات خاصة، فلم يكن الهدف منها فرارًا من العذاب، ولكن كان الهدف منها إقامة دولة الإسلام، من خلال هذه الهجرة المباركة, والله أعلم.