قصة إسلام ألكسندر رسل وب
وُلد الأديب الفيلسوف الأمريكي ألكسندر رسل وب Alexander Russell Webb في مدينة هدسون بمقاطعة كولومبيا عام 1846م، وأمضى مراحل دراسته الأولى في موطنه، ثم رحل إلى مدينة نيويورك حيث أَتَمَّ مرحلة دراساته العليا؛ واستجابةً لميوله الأدبية التي كان يُعَزِّزُها اطِّلاعُه الواسع وخياله الخصب وآراؤه الحرَّة اشتغل منذ بداية دخوله إلى معترك الحياة العملية بالصحافة، واشتهر بكتابة المقالات الهادفة المؤثِّرة، واشتهر -أيضًا- بتأليف القصص القصيرة التي اجتذبت جمهورًا عريضًا من القرَّاء؛ كان يترقَّبُ صدورها ويُتابعها بشغف وإعجاب، وبلغ من نجاحه في ميدان الأدب والعمل الصحفي أن تولَّى بعد فترة وجيزة رئاسة تحرير صحيفتي (سانت جوزيف جاريت) و(ميسوري ريبليكان).
وكان ألكسندر رسل وب يهتمُّ أثناء انشغاله بالصحافة بأصول الأديان ومبادئها؛ فدرس العقيدة اليهودية والفرق التي انبثقت وتشعَّبت عنها، كما درس المسيحية ومذاهبها، ودرس الإسلام وتراثه وقرآنه، كما درس العقائد الشرقية الأخرى؛ مثل: الزرادشتية والكنفوشيوسية والبوذية، واطَّلع على كثير مما كتبه علماء الغرب عن العقائد والأديان والمذاهب(1).
قصة إسلام ألكسندر رسل وب
تطلَّعت نفسه للاتجاه إلى الشرق مصدر الأديان، وهيَّأت له صفاتُه المتميزة وشخصيته المرموقة أن يتولَّى منصب القنصل الأمريكي في مانيلا عاصمة الفلبين عام 1887م، وفي تلك البلاد أُتيح له أن يتَّصل لأول مرَّة في حياته بالمسلمين، وأن يراهم رأي العين، وعن هؤلاء المسلمين استمدَّ أصدق المعلومات عن الإسلام من مصادره الحقيقية، فبهرته عظمة الإسلام وتأثيره العميق في نفوس أتباعه، فآمن بأنه دين الله حقًّا، وأن هذا الدين وحده هو سبيل الله لإسعاد البشرية..
وفي خشوع تامٍّ وعن إيمان صادق ويقين حاسم أشهر إسلامه في عام 1888م، وأعلن عن سعادته الكبرى بأن يحظى بالانتماء إلى أسرة المسلمين، وتَسمَّى باسم (محمد) مقرونًا بالاسم الأصلي، فأصبح يُدعى محمد ألكسندر رسل وب.
وقد قيل: إن ألكسندر راسل الذي كان يعمل قنصلاً في الفلبين... استدعاه السلطان عبد الحميد الثاني، وكلَّف عبد الله الجداوي بمقابلته في مدينة مانيلا، وبعد هذا اللقاء أعلن ألكسندر إسلامه واستقال من عمله، وبدأ في نشر الإسلام في أمريكا(2).
وقد علَّل ألكسندر رسل وب سبب إسلامه في مقال نشره بتلك المناسبة يقول فيه: "تسألني لماذا أسلمتُ وأنا الأمريكي المولود في بلد يدين اسمًا بالمسيحية، ونشأتُ في بيئة تقطر مسيحية، أو على الأصح تتشدَّق بالمسيحية الأرثوذكسية على منابر الوعظ"(3).
وأستطيع الإجابة على الفور:
"إنني اتخذت هذا الدين سبيلاً لحياتي؛ لأنني بعد دراسات متواصلة ومقارنات طويلة وجدته خير الأديان، بل هو الدين الوحيد من بين الأديان كلها الذي يُلَبِّي الاحتياجات الروحية للجنس البشري كله.
وأودُّ أن أُقَرِّر هنا بأنني عندما بلغت العشرين عامًا ضاق صدري بجمود الكنيسة وكآبتها؛ فهجرتُها إلى غير رجعة، وكنتُ لحُسن الحظ ذا عقلية فاحصة مدقِّقَة، أميل دائمًا إلى أن أتحرَّى الدقَّة الكاملة في كل أمر يخصُّني، وأن أجد لكلِّ شيء علَّة وسببًا، ووجدتُ أن الناس -بين علمانيين ورجال دين- عجزوا تمامًا بجميع وسائلهم العقلية والمنطقية عن إقناعي بحقيقة هذه العقيدة، وكلا الفريقين كان يقول: هذه أمور غامضة وخفية ولها أسرارها، ولا بُدَّ أن تُقبل كما هي؛ لأنها أمور لا يمكن تعقلها، وأنها مسائل فوق مستوى إدراكي".
"إن الإسلام وحده هو دين الحقِّ؛ لأنه مُؤَسَّس على الحنيفية الخالدة السمحة السهلة التي تناقلها الإنسان جيلاً بعد جيل عن طريق الرسل، الذين اختارهم الله ابتداءً من نوح إلى إبراهيم إلى محمد صلى الله عليه وسلم لتبليغ رسالات السماء إلى الخلق، وهو الطريق الوحيد المعروف، وهذا الدين يَتَّفِقُ تمامًا مع العقل والقلب والعلم، ويُحَقِّق التوازن النفسي بين مقتضيات الجسم والروح".
"إن اعتناقي للإسلام وإيماني واقتناعي به لم يكن عن ضلالة ولا نزوة طارئة أو فكرة خاطئة، أو انقياد أعمى أو اندفاع عاطفي، لكن كان ذلك وليد دراسة دقيقة فاحصة أمينة غير متأثِّرَة برأي أو ميل سابق، ونتيجة لرغبة حقيقية وعزم صادق لمعرفة الحقيقة والوصول إليها"(4).
إسهامات ألكسندر رسل وب
هو أول من نشر الإسلام في أمريكا(5)؛ لقد تشوَّقت نفس هذا المفكر الإسلامي النابه للاستزادة من العلوم الإسلامية والارتواء من منابعها؛ لذلك تفرَّغ تفرُّغًا تامًّا لهذا الأمر، حيث استقال من وظيفته عام 1892م، وسافر إلى الهند حيث قصد معاهدها الإسلامية، والتقى بعلمائها، وتلقَّى عنهم واستفاد منهم، كما ألقى عدَّة محاضرات دينية في عدد من المدن الهندية؛ مثل: مدراس وحيدر آباد الدكن، وكان من أهم موضوعات محاضراته: (السبيل القويم)، و(الإسلام)، و(الرجل الفيلسوف)، وقد جمع تلك المحاضرات في كتاب نُشر في مدينة مدراس عام 1892م(6).
وبعد أن انتهت رحلته هذه آثر أن يعود إلى وطنه للدعوة إلى الإسلام، وإطلاع مواطنيه على مبادئه السامية وشريعته السمحة، وبدأ في نشر الإسلام في أمريكا، وما إن وصل إلى نيويورك حتى استقرَّ فيها، وأنشأ مكتبًا باسم (شركة النشر الشرقية)، وأصدر في أول مايو عام 1893م العدد الأول من (مجلة العالم الإسلامي)، كان لها دور مهم في التوعية الإسلامية، وأنشأ مسجدًا ومكتبة، وأصبح حديث الناس في نيويورك(7)، ثم نشر في السنة التالية عدَّة كتب عن الدين الإسلامي، كان أهمها(
:
- موجز دين محمد.
- الأعمدة الخمسة للإسلام.
- تعدُّد الزوجات.
- البردة.
تم تعيينه القنصل الفخري لـ(الخلافة العثمانية) في نيويورك من قِبَلِ السلطان عبد الحميد الثاني(9).
لقد أسهم المفكر والأديب محمد ألكسندر بنصيب وافر في الدعوة إلى الإسلام في الولايات المتحدة، والدفاع عنه وتفنيد المزاعم التي نسبها إليه أعداء الإسلام، وجاهد في سبيل دعوته حتى آتت ثمارها، وانشرح صدره عندما استجاب لدعوته عدد غير قليل من مواطنيه المثقَّفين ذوي الرأي الحرِّ، وكانوا نواة للجماعة الإسلامية بنيويورك(10).
تأثر به العديد من الأمريكيين مثل فارود محمد الذي تأثر بحركته في نيويورك، وكان له دور فعال في إسلام الكثيرين من الأمريكيين(11).
وفاة ألكسندر رسل وب
توفي ألكسندر رسل وب سنة 1916م، عن عمرٍ يناهز السبعين عامًا، وألّف (عمر عبد الله Umar F. Abd-Allah) كتابًا عنه بعنوان: (A Muslim in Victorian America: The Life of Alexander Russell Webb) (12).