{سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)}
تقدم.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3)}
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} روى الدارمي أبو محمد في مسنده أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه، فأنزل الله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} حتى ختمها. قال عبد الله: فقرأها علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ختمها. قال أبو سلمة: فقرأها علينا ابن سلام. قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة وقرأها علينا يحيى وقرأها علينا الأوزاعي وقرأها علينا محمد.
وقال ابن عباس قال عبد الله بن رواحة: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لعملناه، فلما نزل الجهاد كرهوه.
وقال الكلبي: قال المؤمنون يا رسول الله، لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها، فنزلت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} [الصف: 10] فمكثوا زمانا يقولون: لو نعلم ما هي لاشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين، فدلهم الله تعالى عليها بقول: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: 11] الآية. فابتلوا يوم أحد ففروا، فنزلت تعيرهم بترك الوفاء.
وقال محمد بن كعب: لما أخبر الله تعالى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثواب شهداء بدر قالت الصحابة: اللهم أشهد! لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا، ففروا يوم أحد فعيرهم الله بذلك.
وقال قتادة والضحاك: نزلت في قوم كانوا يقولون نحن جاهدنا وأبلينا ولم يفعلوا.
وقال صهيب: كان رجل قد آذى المسلمين يوم بدر وأنكاهم فقتلته. فقال رجل يا نبي الله، إني قتلت فلانا، ففرح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك. فقال عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف: يا صهيب، أما أخبرت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنك قتلت فلانا! فإن فلانا انتحل قتله، فأخبره فقال: «أكذلك يا أبا يحيى»؟ قال نعم، والله يا رسول الله، فنزلت الآية في المنتحل.
وقال ابن زيد: نزلت في المنافقين، كانوا يقولون للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه: إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم وقاتلنا، فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا.
الثانية: هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها.
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى أنه بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم. وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة بـ براءة فأنسيتها، غير أني قد حفظت منها: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب». وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها، غير أني حفظت منها: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة}. قال ابن العربي: وهذا كله ثابت في الدين. أما قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} فثابت في الدين لفظا ومعنى في هذه السورة. وأما قول: «شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة» فمعنى ثابت في الدين، فإن من التزم شيئا لزمه شرعا. والملتزم على قسمين: أحدهما: النذر، وهو على قسمين، نذر تقرب مبتدأ كقول: لله علي صلاة وصوم وصدقة، ونحوه من القرب. فهذا يلزم الوفاء به إجماعا. ونذر مباح وهو ما علق بشرط رغبة، كقوله: إن قدم غائبي فعلي صدقة، أو علق بشرط رهبة، كقوله: إن كفاني الله شر كذا فعلي صدقة. فاختلف العلماء فيه، فقال مالك وأبو حنيفة، يلزمه الوفاء به.
وقال الشافعي في أحد أقواله: إنه لا يلزمه الوفاء به. وعموم الآية حجة لنا، لأنها بمطلقها تتناول ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط. وقد قال أصحابه: إن النذر إنما يكون بما القصد منه القربة مما هو من جنس القربة. وهذا وإن كان من جنس القربة لكنه لم يقصد به القربة، وإنما قصد منع نفسه عن فعل أو الاقدام على فعل. قلنا: القرب الشرعية مشقات وكلف وإن كانت قربات. وهذا تكلف التزام هذه القربة بمشقة لجلب نفع أو دفع ضر، فلم يخرج عن سنن التكليف ولا زال عن قصد التقرب. قال ابن العربي: فإن كان المقول منه وعدا فلا يخلو أن يكون منوطا بسبب كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار، أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا. فهذا لازم إجماعا من الفقهاء. وإن كان وعدا مجردا فقيل يلزم بتعلقه. وتعلقوا بسبب الآية، فإنه روي أنهم كانوا يقولون: لو نعلم أي الأعمال أفضل أو أحب إلى الله لعملناه، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وهو حديث لا بأس به. وقد روي عن مجاهد أن عبد الله بن رواحة لما سمعها قال: لا أزال حبيسا في سبيل الله حتى أقتل. والصحيح عندي: أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر.
قلت: قال مالك: فأما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم ثم يبدو له ألا يفعل فما أرى ذلك يلزمه.
وقال ابن القاسم: إذا وعد الغرماء فقال: أشهدكم أني قد وهبت له من أن يؤدي إليكم، فإن هذا يلزمه. وأما أن يقول نعم أنا أفعل، ثم يبدو له، فلا أرى عليه ذلك. قلت: أي لا يقضي عليه بذلك، فأما في مكارم الأخلاق وحسن المروءة فنعم. وقد أثنى الله تعالى على من صدق وعده ووفى بنذره فقال: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا} [البقرة: 177]، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54] وقد تقدم بيانه.
الثالثة: قال النخعي: ثلاث آيات منعتني أن أقص على الناس: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44]، {وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88]، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ}. وخرج أبو نعيم الحافظ من حديث مالك بن دينار عن ثمامة أن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ولا يفعلون ويقرءون كتاب الله ولا يعملون». وعن بعض السلف أنه قيل له: حدثنا، فسكت. ثم قيل له: حدثنا. فقال: أترونني أن أقول ما لا أفعل فاستعجل مقت الله!.
الرابعة: قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله. أما في الماضي فيكون كذبا، وأما في المستقبل فيكون خلفا، وكلاهما مذموم. وتأول سفيان بن عيينة قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} أي لم تقولون ما ليس الامر فيه إليكم، فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون. فعلى هذا يكون الكلام محمولا على ظاهره في إنكار القول.
الخامسة: قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ} قد يحتج به في وجوب الوفاء في اللجاج والغضب على أحد قولي الشافعي. وأَنْ وقع بالابتداء وما قبلها الخبر، وكأنه قال: قولكم ما لا تفعلون مذموم، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف. الكسائي: أَنْ في موضع رفع، لان كَبُرَ فعل بمنزلة بئس رجلا أخوك. ومَقْتاً نصب بالتمييز، المعنى كبر قولهم ما لا يفعلون مقتا.
وقيل: هو حال. والمقت والمقاتة مصدران، يقال: رجل مقيت وممقوت إذا لم يحبه الناس.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} أي يصفون صفا: والمفعول مضمر، أي يصفون أنفسهم صفا. {كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ} قال الفراء: مرصوص بالرصاص.
وقال المبرد: هو من رصصت البناء إذا لاءمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة.
وقيل: هو من الرصيص وهو انضمام الأسنان بعضها إلى بعض. والتراص التلاصق، ومنه وتراصوا في الصف. ومعنى الآية: يحب من يثبت في الجهاد في سبيل الله ويلزم مكانه كثبوت البناء.
وقال سعيد بن جبير: هذا تعليم من الله تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم.
الثانية: وقد استدل بعض أهل التأويل بهذا على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس، لان الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة. المهدوي: وذلك غير مستقيم، لما جاء في فضل الفارس في الأجر والغنيمة. ولا يخرج الفرسان من معنى الآية، لان معناه الثبات.
الثالثة: لا يجوز الخروج عن الصف إلا لحاجة تعرض للإنسان، أو في رسالة يرسلها الامام، أو في منفعة تظهر في المقام، كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها.
وفي الخروج عن الصف للمبارزة خلاف على قولين أحدهما: أنه لا بأس بذلك إرهابا للعدو، وطلبا للشهادة وتحريضا على القتال.
وقال أصحابنا: لا يبرز أحد طالبا لذلك، لان فيه رياء وخروجا إلى ما نهى الله عنه من لقاء العدو. وإنما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر، كما كانت في حروب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر وفي غزوة خيبر، وعليه درج السلف. وقد مضى القول مستوفى في هذا في البقرة عند قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].{وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (5)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ} لما ذكر أمر الجهاد بين أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد وجاهدا في سبيل الله، وحل العقاب بمن خالفهما، أي واذكر لقومك يا محمد هذه القصة. قوله تعالى: {يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي} وذلك حين رموه بالادرة، حسب ما تقدم في آخر سورة الأحزاب. ومن الأذى ما ذكر في قصة قارون: إنه دس إلى امرأة تدعي على موسى الفجور. ومن الأذى قولهم: {اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]. وقولهم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا} [المائدة: 24]. وقولهم: إنك قتلت هارون. وقد تقدم هذا. {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} والرسول يحترم ويعظم. ودخلت قَدْ على تَعْلَمُونَ للتأكيد، كأنه قال: وتعلمون علما يقينا لا شبهة لكم فيه. {فَلَمَّا زاغُوا} أي مالوا عن الحق {أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} أي أمالها عن الهدى.
وقيل: فَلَمَّا زاغُوا عن الطاعة أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الهداية.
وقيل: فَلَمَّا زاغُوا عن الايمان أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الثواب.
وقيل: أي لما تركوا ما أمروا به من احترام الرسول عليه السلام وطاعة الرب، خلق الله الضلالة في قلوبهم عقوبة لهم على فعلهم.
{وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} أي واذكر لهم هذه القصة أيضا. وقال: يا بَنِي إِسْرائِيلَ ولم يقل {يا قوم} كما قال موسى، لأنه لا نسب له فيهم فيكونون قومه. {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} أي بالإنجيل. {مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ} لان في التوراة صفتي، وأني لم آتكم بشيء يخالف التوراة فتنفروا عني. {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ} مصدقا. وَمُبَشِّراً نصب على الحال، والعامل فيها معنى الإرسال. وإِلَيْكُمْ صلة الرسول. {يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {من بعدي} بفتح الياء. وهي قراءة السلمي وزر بن حبيش وأبي بكر عن عاصم. واختاره أبو حاتم لأنه اسم، مثل الكاف من بعدك، والتاء من قمت. الباقون بالإسكان. وقرئ: {من بعدي اسمه أحمد} بحذف الياء من اللفظ. وأَحْمَدُ اسم نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو اسم علم منقول من صفة لا من فعل، فتلك الصفة أفعل التي يراد بها التفضيل. فمعنى أَحْمَدُ أي أحمد الحامدين لربه. والأنبياء صلوات الله عليهم كلهم حامدون الله، ونبينا أحمد أكثرهم حمدا. وأما محمد فمنقول من صفة أيضا، وهي في معنى محمود، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار. فالمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة. كما أن المكرم من الكرم مرة بعد مرة. وكذلك الممدح ونحو ذلك. فاسم محمد مطابق لمعناه، والله سبحانه سماه قبل أن يسمي به نفسه. فهذا علم من أعلام نبوته، إذ كان اسمه صادقا عليه، فهو محمود في الدنيا لما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة. وهو محمود في الآخرة بالشفاعة. فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ. ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد، حمد ربه فنبأه وشرفه، فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى عليه السلام فقال: اسْمُهُ أَحْمَدُ. وذكره موسى عليه السلام حين قال له ربه: تلك أمة أحمد، فقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد. فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمد، لان حمده لربه كان قبل حمد الناس له. فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل. وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه، فيكون أحمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته. وروي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اسمي في التوراة أحيد لاني أحيد أمتي عن النار واسمي في الزبور الماحي محا الله بي عبدة الأوثان واسمي في الإنجيل أحمد واسمي في القرآن محمد لاني محمود في أهل السماء والأرض».
وفي الصحيح: «لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي تحشر الناس على قدمي وأنا العاقب». وقد تقدم. {فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ} قيل عيسى.
وقيل: محمد صلى الله عليهما وسلم. {قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ} قرأ الكسائي وحمزة {ساحر} نعتا للرجل وروي أنها قراءة ابن مسعود. الباقون {سحر} نعتا لما جاء به الرسول.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)}
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ} أي لا أحد أظلم {مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} تقدم في غير موضع. {وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ} هذا تعجب ممن كفر بعيسى ومحمد بعد المعجزات التي ظهرت لهما. وقرأ طلحة بن مصرف {وهو يدعى} بفتح الياء والدال وشدها وكسر العين، أي ينتسب. ويدعي وينتسب سواء. {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي من كان في حكمه أنه يختم له بالضلالة.
قوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ} الإطفاء هو الاخماد، يستعملان في النار، ويستعملان فيما يجري مجراها من الضياء والظهور. ويفترق الإطفاء والاخماد من وجه، وهو أن الإطفاء يستعمل في القليل والكثير، والاخماد إنما يستعمل في الكثير دون القليل، فيقال: أطفأت السراج، ولا يقال أخمدت السراج.
وفي نُورَ اللَّهِ هنا خمسة أقاويل: أحدها: أنه القرآن، يريدون إبطاله وتكذيبه بالقول، قاله ابن عباس وابن زيد. والثاني: إنه الإسلام، يريدون دفعه بالكلام، قاله السدي الثالث- أنه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يريدون هلاكه بالأراجيف، قاله الضحاك.
الرابع: حجج الله ودلائله، يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم، قاله ابن بحر.
الخامس: أنه مثل مضروب، أي من أراد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيلا ممتنعا فكذلك من أراد إبطال الحق، حكاه ابن عيسى. وسبب نزول هذه الآية ما حكاه عطاء عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبطأ عليه الوحي أربعين يوما، فقال كعب بن الأشرف: يا معشر اليهود، أبشروا! فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان ليتم أمره، فحزن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله تعالى هذه الآية واتصل الوحي بعدها، حكى جميعه الماوردي رحمه الله. {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} أي بإظهاره في الآفاق. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ بالإضافة على نية الانفصال، كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] وشبهه، حسب ما تقدم بيانه في آل عمران. الباقون مُتِمُّ نُورِهِ لأنه فيما يستقبل، فعمل. {وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} من سائر الأصناف.{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى} أي محمدا بالحق والرشاد. {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} أي بالحجج. ومن الظهور الغلبة باليد في القتال، وليس المراد بالظهور ألا يبقى دين آخر من الأديان، بل المراد يكون أهل الإسلام عالين غالبين. ومن الإظهار ألا يبقى دين سوى الإسلام في آخر الزمان. قال مجاهد: وذلك إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض دين إلا دين الإسلام.
وقال أبو هريرة: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ بخروج عيسى. وحينئذ لا يبقى كافر إلا أسلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد».
وقيل: لِيُظْهِرَهُ أي ليطلع محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سائر الأديان، حتى يكون عالما بها عارفا بوجوه بطلانها، وبما حرفوا وغيروا منها. عَلَى الدِّينِ أي الأديان، لان الدين مصدر يعبر به عن جمع.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ} قال مقاتل: نزلت في عثمان بن مظعون، وذلك أنه قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أذنت لي فطلقت خولة، وترهبت واختصيت وحرمت اللحم، ولا أنام بليل أبدا، ولا أفطر بنهار أبدا! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن من سنتي النكاح ولا رهبانية في الإسلام إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله وخصاء أمتي الصوم ولا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم. ومن سنتي أنام وأقوم وأفطر وأصوم فمن رغب عن سنتي فليس منى». فقال عثمان: والله لوددت يا نبي الله أي التجارات أحب إلى الله فأتجر فيها، فنزلت.
وقيل: أَدُلُّكُمْ أي سأدلكم. والتجارة الجهاد، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ} [التوبة: 111] الآية. وهذا خطاب لجميع المؤمنين.
وقيل: لأهل الكتاب.
الثانية: قوله تعالى: {تُنْجِيكُمْ} أي تخلصكم {مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} أي مؤلم. وقد تقدم. وقراءة العامة تُنْجِيكُمْ بإسكان النون من الإنجاء. وقرأ الحسن وابن عامر أبو حيوة {تنجيكم} مشددا من التنجية. ثم بين التجارة وهى المسألة: الثالثة: فقال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} ذكر الأموال أولا لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق. {ذلِكُمْ} أي هذا الفعل {خَيْرٌ لَكُمْ}/ 11 من أموالكم وأنفسكم {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. وتُؤْمِنُونَ عند المبرد والزجاج في معنى آمنوا، ولذلك جاء يَغْفِرْ لَكُمْ مجزوما على أنه جواب الامر.
وفي قراءة عبد الله {آمنوا بالله} وقال الفراء يَغْفِرْ لَكُمْ جواب الاستفهام، وهذا إنما يصح على الحمل على المعنى، وذلك أن يكون تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ عطف بيان على قوله: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ كأن التجارة لم يدر ما هي، فبينت بالايمان والجهاد، فهي هما في المعنى. فكأنه قال: هل تؤمنون بالله وتجاهدون يغفر لكم. الزمخشري: وجه قول الفراء أن متعلق الدلالة هو التجارة والتجارة مفسرة بالايمان والجهاد. كأنه قيل: هل تتجرون بالايمان والجهاد يغفر لكم. قال المهدوي: فإن لم تقدر هذا التقدير لم تصح المسأله، لان التقدير يصير إن دللتم يغفر لكم، والغفران إنما نعت بالقبول والايمان لا بالدلالة. قال الزجاج: ليس إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا. وقرأ زيد بن علي تؤمنوا، وتجاهدوا على إضمار لام الامر، كقوله:
محمد تفد نفسك كل نفس *** إذا ما خفت من شيء تبالا
أراد لتفد. وأدغم بعضهم فقال: يَغْفِرْ لَكُمْ والأحسن ترك الإدغام، لان الراء حرف متكرر قوي فلا يحسن إدغامه في اللام، لان الأقوى لا يدغم في الأضعف.
الرابعة: قوله تعالى: {وَمَساكِنَ طَيِّبَةً} خرج أبو الحسين الآجري عن الحسن قال: سألت عمران بن الحصين وأبا هريرة عن تفسير هذه الآية وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فقالا: على الخبير سقطت، سألنا رسول الله صلى الله عيلة وسلم عنها فقال: «قصر من لؤلؤة في الجنة فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زبر جدة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش سبعون امرأة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة فيعطي الله تبارك وتعالى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله». فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ أي إقامة. {ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي السعادة الدائمة الكبيرة. واصل الفوز الظفر بالمطلوب.
الخامسة: قوله تعالى: {وَأُخْرى تُحِبُّونَها} قال الفراء والأخفش: أُخْرى معطوفة على تِجارَةٍ فهي في محل خفض.
وقيل: محلها رفع أي ولكم خصلة أخرى وتجارة أخرى تحبونها {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ} أي هو نصر من الله، ف {نَصْرٌ} على هذا تفسير {وَأُخْرى}.
وقيل: رفع على البدل من أُخْرى أي ولكم نصر من الله. {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أي غنيمة في عاجل الدنيا، وقيل فتح مكة.
وقال ابن عباس: يريد فتح فارس والروم. {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} برضا الله عنهم.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14)}
أكد أمر الجهاد، أي كونوا حوارى نبيكم ليظهركم الله على من خالفكم كما أظهر حواري عيسى على من خالفهم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع أنصارا لله بالتنوين. قالوا: لان معناه اثبتوا وكونوا أعوانا لله بالسيف على أعدائه وقرأ الباقون من أهل البصرة والكوفة والشام أَنْصارَ اللَّهِ بلا تنوين، وحذفوا لام الإضافة من اسم الله تعالى. واختاره أبو عبيدة لقوله: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ ولم ينون، ومعناه كونوا أنصارا لدين الله. ثم قيل: في الكلام إضمار، أي قل لهم يا محمد كونوا أنصار الله.
وقيل: هو ابتداء خطاب من الله، أي كونوا أنصارا كما فعل أصحاب عيسى فكانوا بحمد الله أنصارا وكانوا حواريين. والحواريون خواص الرسل. قال معمر: كان ذلك بحمد الله، أي نصروه وهم سبعون رجلا، وهم الذين بايعوه ليلة العقبة.
وقيل: هم من قريش. وسماهم قتادة: أبا بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وسعد بن مالك وأبا عبيدة- واسمه عامر- وعثمان بن مظعون وحمزة بن عبد المطلب، ولم يذكر سعيدا فيهم، وذكر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. {كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ} وهم أصفياؤه اثنا عشر رجلا، وقد مضت أسماؤهم في آل عمران، وهم أول من آمن به من بني إسرائيل، قاله ابن عباس.
وقال مقاتل:
قال الله لعيسى إذا دخلت القرية فأت النهر الذي عليه القصارون فاسألهم النصرة، فأتاهم عيسى وقال: من أنصاري إلى الله؟ قالوا: نحن ننصرك. فصدقوه ونصروه. ومعنى من أنصارى إلى الله أي من أنصاري مع الله، كما تقول: الذود إلى الذود إبل، أي مع الذود.
وقيل: أي من أنصاري فيما يقرب إلى الله. وقد مضى هذا في آل عمران {فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ} والطائفتان في زمن عيسى افترقوا بعد رفعه إلى السماء، على ما تقدم في آل عمران بيانه. فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم الذين كفروا بعيسى. فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ أي غالبين. قال ابن عباس: أيد الله الذين آمنوا في زمن عيسى بإظهار محمد على دين الكفار.
وقال مجاهد: أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى. وقيل أيدنا الآن المسلمين على الفرقتين الضالتين، من قال كان الله فارتفع، ومن قال كان ابن الله فرفعه الله إليه، لان عيسى بن مريم لم يقاتل أحدا ولم يكن في دين أصحابه بعده قتال.
وقال زيد بن علي وقتادة: فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ غالبين بالحجة والبرهان، لأنهم قالوا فيما روي: ألستم تعلمون أن عيسى كان ينام والله لا ينام، وأن عيسى كان يأكل والله تعالى لا يأكل!.
وقيل: نزلت هذه الآية في رسل عيسى عليه الصلاة والسلام. قال ابن إسحاق: وكان الذي بعثهم عيسى من الحواريين والاتباع فطرس وبولس إلى رومية، واندراييس ومثى إلى الأرض التي يأكل أهلها الناس. وتوماس إلى أرض بابل من أرض المشرق. وفيلبس إلى قرطاجنة وهي إفريقية. ويحنس إلى دقسوس قرية أهل الكهف. ويعقوبس إلى أوريشلم وهي بيت المقدس،. وابن تلما إلى العرابية وهي أرض الحجاز. وسيمن إلى أرض البربر. ويهودا وبردس إلى الإسكندرية وما حولها. فأيدهم الله بالحجة. فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ أي عالين، من قولك: ظهرت على الحائط أي علوت عليه. والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.