همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

  تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة القيامة}رقم(75)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

 تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة القيامة}رقم(75) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة القيامة}رقم(75)    تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة القيامة}رقم(75) Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2015 12:48 am

{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6)}
قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} قيل: إن لا صلة، وجاز وقوعها في أول السورة، لان القرآن متصل بعضه ببعض، فهو في حكم كلام واحد، ولهذا قد يذكر الشيء في سورة ويجيء جوابه في سورة أخرى، كقوله تعالى: {وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6]. وجوابه في سورة أخرى: {ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: 2]. ومعنى الكلام: أقسم بيوم القيامة، قاله ابن عباس وابن جبير وأبو عبيدة، ومثله قول الشاعر:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة *** فكاد صميم القلب لا يتقطع
وحكى أبو الليث السمرقندي: أجمع المفسرون أن معنى لا أُقْسِمُ: أقسم. واختلفوا في تفسير: لا قال بعضهم: لا زيادة في الكلام للزينة، ويجري في كلام العرب زيادة {لا} كما قال في آية أخرى: {قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص: 75]. يعني أن تسجد، وقال بعضهم: لا: رد لكلامهم حيث أنكروا البعث، فقال: ليس الامر كما زعمتم. قلت: وهذا قول الفراء، قال الفراء: وكثير من النحويين يقولون لا صلة، ولا يجوز أن يبدأ بجحد ثم يجعل صلة، لان هذا لو كان كذلك لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه، ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث والجنة والنار، فجاء الأقسام بالرد عليهم في كثير من الكلام المبتدأ منه وغير المبتدأ وذلك كقولهم لا والله لا أفعل ف {لا} رد لكلام قد مضى، وذلك كقولك: لا والله إن القيامة لحق، كأنك أكذبت قوما أنكروه. وأنشد غير الفراء لامرئ القيس:
فلا وأبيك ابنة العامري *** لا يدعي القوم أني أفر
وقال غوية بن سلمى:
ألا نادت أمامة باحتمال *** لتحزنني فلا بك ما أبالي
وفائدتها توكيد القسم في الرد. قال الفراء: وكان من لا يعرف هذه الجهة يقرأ {لأقسم} بغير ألف، كأنها لام تأكيد دخلت على أقسم، وهو صواب، لان العرب تقول: لأقسم بالله وهي قراءة الحسن وابن كثير والزهري وابن هرمز بِيَوْمِ الْقِيامَةِ أي بيوم يقوم الناس فيه لربهم، ولله عز وجل أن يقسم بما شاء. {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} لا خلاف في هذا بين القراء، وهو أنه أقسم سبحانه بيوم القيامة تعظيما لشأنه ولم يقسم بالنفس. وعلى قراءة ابن كثير أقسم بالأولى ولم يقسم بالثانية.
وقيل: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ رد آخر وابتداء قسم بالنفس اللوامة. قال الثعلبي: والصحيح أنه أقسم بهما جميعا. ومعنى: بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أي بنفس المؤمن الذي لا تراه إلا يلوم نفسه، يقول: ما أردت بكذا؟ فلا تراه إلا وهو يعاتب نفسه، قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم. قال الحسن: هي والله نفس المؤمن، ما يرى المؤمن إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلامي؟ ما أردت بأكلي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ والفاجر لا يحاسب نفسه.
وقال مجاهد: هي التي تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشر لم فعلته، وعلى الخير لم لا تستكثر منه.
وقيل: إنها ذات اللوم.
وقيل: إنها تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها، فعلى هذه الوجوه تكون اللوامة بمعنى اللائمة، وهو صفة مدح، وعلى هذا يجئ القسم بها سائغا حسنا.
وفي بعض التفسير: إنه آدم عليه السلام لم يزل لائما لنفسه على معصيته التي أخرج بها من الجنة.
وقيل: اللوامة بمعنى الملومة المذمومة- عن ابن عباس أيضا- فهي صفة ذم وهو قول من نفى أن يكون قسما، إذ ليس للعاصي خطر يقسم به، فهي كثيرة اللوم.
وقال مقاتل: هي نفس الكافر يلوم نفسه، ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله.
وقال الفراء: ليس من نفس محسنة أو مسيئة إلا وهي تلوم نفسها، فالمحسن يلوم نفسه أن لو كان ازداد إحسانا، والمسيء يلوم نفسه ألا يكون ارعوى عن إساءته. قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ} فنعيدها خلقا جديدا بعد أن صارت رفاتا. قال الزجاج: أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة: ليجمعن العظام للبعث، فهذا جواب القسم.
وقال النحاس: جواب القسم محذوف أي لتبعثن، ودل عليه قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ} للاحياء والبعث. والإنسان هنا الكافر المكذب للبعث. الآية نزلت في عدي بن ربيعة قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حدثني عن يوم القيامة متى تكون، وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أؤمن به، أو يجمع الله العظام؟! ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «اللهم اكفني جاري السوء عدي بن ربيعة، والأخنس بن شريق».
وقيل: نزلت في عدو الله أبي جهل حين أنكر البعث بعد الموت. وذكر العظام والمراد نفسه كلها، لان العظام قالب الخلق. بَلى وقف حسن ثم تبتدئ قادِرِينَ. قال سيبويه: على معنى نجمعها قادرين، ف- قادِرِينَ حال من الفاعل المضمر في الفعل المحذوف على ما ذكرناه من التقدير.
وقيل: المعنى بل نقدر قادرين. قال الفراء: قادِرِينَ نصب على الخروج من نَجْمَعَ أي نقدر ونقوي قادِرِينَ على أكثر من ذلك.
وقال أيضا: يصلح نصبه على التكرير أي بَلى فليحسبنا قادرين.
وقيل: المضمر {كنا} أي كنا قادرين في الابتداء، وقد اعترف به المشركون. وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميقع بلى قادرون بتأويل نحن قادرون. {عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ} البنان عند العرب: الأصابع، واحدها بنانة، قال النابغة:
بمخضب رخص كأن بنانه *** عنم يكاد من اللطافة يعقد
وقال عنترة:
وأن الموت طوع يدي إذا ما *** وصلت بنانها بالهندواني
فنبه بالبنان على بقية الأعضاء. وأيضا فإنها أصغر العظام، فخصها بالذكر لذلك. قال القتبي والزجاج: وزعموا أن الله لا يبعث الموتى ولا يقدر على جمع العظام، فقال الله تعالى: {بلى قادرين على أن} نعيد السلاميات على صغرها، ونؤلف بينها حتى تستوي، ومن قدر على هذا فهو على جمع الكبار أقدر.
وقال ابن عباس وعامة المفسرين: المعنى {عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ} أي نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير، أو كحافر الحمار، أو كظلف الخنزير، ولا يمكنه أن يعمل به شيئا، ولكنا فرقنا أصابعه حتى يأخذ بها ما شاء. وكان الحسن يقول: جعل لك أصابع فأنت تبسطهن، وتقبضهن بهن، ولو شاء الله لجمعهن فلم تتق الأرض إلا بكفيك.
وقيل: أي نقدر أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم، فكيف في صورته التي كان عليها، وهو كقوله تعالى: {وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ} [الواقعة: 61- 60]. قلت: والتأويل الأول أشبه بمساق الآية. والله أعلم. قوله تعالى: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ} قال ابن عباس: يعني الكافر يكذب بما أمامه من البعث والحساب. وقاله عبد الرحمن بن زيد، ودليله: يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ أي يسأل متى يكون! على وجه الإنكار والتكذيب. فهو لا يقنع بما هو فيه من التكذيب، ولكن يأثم لما بين يديه. ومما يدل على أن الفجور التكذيب ما ذكره القتبي وغيره: أن أعرابيا قصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشكا إليه نقب إبله ودبرها، وسأله أن يحمله على غيرها فلم يحمله، فقال الاعرابي:
أقسم بالله أبو حفص عمر *** ما مسها من نقب ولا دبر
فاغفر له اللهم إن كان فجر ***
يعني إن كان كذبني فيما ذكرت. وعن ابن عباس أيضا: يعجل المعصية ويسوف التوبة.
وفي بعض الحديث قال: يقول سوف أتوب ولا يتوب، فهو قد أخلف فكذب. وهذا قول مجاهد والحسن وعكرمة والسدي وسعيد بن جبير، يقول: سوف أتوب، سوف أتوب، حتى يأتيه الموت على أشر أحواله.
وقال الضحاك: هو الأمل يقول سوف أعيش وأصيب من الدنيا ولا يذكر الموت.
وقيل: أي يعزم على المعصية أبدا وإن كان لا يعيش إلا مدة قليلة. فالهاء على هذه الأقوال للإنسان.
وقيل: الهاء ليوم القيامة. والمعنى بل يريد الإنسان ليكفر بالحق بين يدي يوم القيامة. والفجور أصله الميل عن الحق. {يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ} أي متى يوم القيامة.

{فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (Cool وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلاَّ لا وَزَرَ (11) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)}
قوله تعالى: {فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ} قرأ نافع وأبان عن عاصم {برق} بفتح الراء، معناه: لمع بصره من شدة شخوصه، فتراه لا يطرف. قال مجاهد وغيره: هذا عند الموت.
وقال الحسن:
هذا يوم القيامة.
وقال فيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان كأنه يوم القيامة فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ والباقون بالكسر بَرِقَ ومعناه: تحير فلم يطرف، قاله أبو عمرو والزجاج وغيرهما. قال ذو الرمة:
ولو أن لقمان الحكيم تعرضت *** لعينيه مي سافرا كاد يبرق
الفراء والخليل: بَرِقَ بالكسر: فزع وبهت وتحير. والعرب تقول للإنسان المتحير المبهوت: قد برق فهو برق، وأنشد الفراء:
فنفسك قانع ولا تنعني *** وداو الكلوم ولا تبرق
أي لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك.
وقيل: برق يبرق بالفتح: شق عينيه وفتحهما. قاله أبو عبيدة، وأنشد قول الكلابي:
لما أتاني ابن عمير راغبا *** أعطيته عيسا صهابا فبرق
أي فتح عينيه.
وقيل: إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنى. قوله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} أي ذهب ضوءه. والخسوف في الدنيا إلى انجلاء، بخلاف الآخرة، فإنه لا يعود ضوءه. ويحتمل أن يكون بمعنى غاب، ومنه قوله تعالى: {فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81]. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والأعرج: {وخسف القمر} بضم الخاء وكسر السين يدل عليه وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ.
وقال أبو حاتم محمد بن إدريس: إذا ذهب بعضه فهو الكسوف، وإذا ذهب كله فهو الخسوف {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أي جمع بينهما في ذهاب ضوئهما، فلا ضوء للشمس كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه، قاله الفراء والزجاج. قال الفراء: ولم يقل جمعت، لان المعنى جمع بينهما.
وقال أبو عبيدة: هو على تغليب المذكر.
وقال الكسائي: هو محمول على المعنى، كأنه قال الضوءان. المبرد: التأنيث غير حقيقي.
وقال ابن عباس وابن مسعود: جمع بينهما أي قرن بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين مكورين مظلمين مقرنين كأنهما ثوران عقيران. وقد مضى الحديث بهذا المعنى في آخر سورة الأنعام.
وفي قراءة عبد الله وجمع بين الشمس والقمر وقال عطاء ابن يسار: يجمع بينهما يوم القيامة ثم يقذفان في البحر، فيكونان نار الله الكبرى.
وقال علي وابن عباس: يجعلان في نور الحجب. وقد يجمعان في نار جهنم، لأنهما قد عبدا من دون الله ولا تكون النار عذابا لهما لأنهما جماد، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكافرين وحسرتهم.
وفي مسند أبي داود الطيالسي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» وقيل: هذا الجمع أنهما يجتمعان ولا يفترقان، ويقربان من الناس، فيلحقهم العرق لشدة الحر، فكأن المعنى يجمع حرهما عليهم.
وقيل: يجمع الشمس والقمر، فلا يكون ثم تعاقب ليل ولا نهار. قوله تعالى: {يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ}؟ أي يقول ابن آدم، ويقال: أبو جهل، أي أين المهرب؟ قال الشاعر:
أين المف والكباش تنتطح *** وأى كبش حاد عنها يفتضح
الماوردي: ويحتمل وجهين: أحدهما أَيْنَ الْمَفَرُّ من الله استحياء منه.
الثاني أَيْنَ الْمَفَرُّ من جهنم حذرا منها. ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين: أحدهما- أن يكون من الكافر خاصة في عرضة القيامة دون المؤمن، لثقة المؤمن ببشرى ربه.
الثاني- أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوا منها. وقراءة العامة الْمَفَرُّ بفتح الفاء واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم، لأنه مصدر. وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة بكسر الفاء مع فتح الميم، قال الكسائي: هما لغتان مثل مدب ومدب، ومصح ومصح. وعن الزهري بكسر الميم وفتح الفاء. المهدوي: من فتح الميم والفاء من الْمَفَرُّ فهو مصدر بمعنى الفرار، ومن فتح الميم وكسر الفاء فهو الموضع الذي يفر إليه. ومن كسر الميم وفتح الفاء فهو الإنسان الجيد الفرار، فالمعنى أين الإنسان الجيد الفرار ولن ينجو مع ذلك. قلت: ومنه قول امرئ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معا ***
يريد أنه حسن الكر والفرجيده. {كَلَّا} أي لا مفر ف {كَلَّا} رد وهو من قول الله تعالى، ثم فسر هذا الرد فقال: {لا وَزَرَ} أي لا ملجأ من النار. وكان ابن مسعود يقول: لا حصن. وكان الحسن يقول: لا جبل. وابن عباس يقول: لا ملجأ. وابن جبير: لا محيص ولا منعة. المعنى في ذلك كله واحد. والوزر في اللغة: ما يلجأ إليه من حصن أو جبل أو غيرهما، قال الشاعر:
لعمري ما للفتى من وزر *** من الموت يدركه والكبر
قال السدي: كانوا في الدنيا إذا فزعوا تحصنوا في الجبال، فقال الله لهم: لا وزر يعصمكم يومئذ مني، قال طرفة:
ولقد تعلم بكر أننا *** فاضلو الرأي وفي الروع وزر
أي ملجأ للخائف. ويروى: وقر. {إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ}
أي المنتهى قاله قتادة. نظيره: {وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى}.
وقال ابن مسعود إلى ربك المصير والمرجع. قيل: أي المستقر في الآخرة حيث يقره الله تعالى، إذ هو الحاكم بينهم.
وقيل: إن كَلَّا من قول الإنسان لنفسه إذا علم أنه ليس له مفر قال لنفسه: كَلَّا لا وَزَرَ. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ. قوله تعالى: {يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ} أي يخبر ابن آدم برا كان أو فاجرا بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ: أي بما أسلف من عمل سيئ أو صالح، أو أخر من سنة سيئة أو صالحة يعمل بها بعده، قاله ابن عباس وابن مسعود.
وروى منصور عن مجاهد قال: ينبأ بأول عمله وآخره. وقاله النخعي.
وقال ابن عباس أيضا: أي بما قدم من المعصية، وأخر من الطاعة. وهو قول قتادة.
وقال ابن زيد: بِما قَدَّمَ من أمواله لنفسه وَأَخَّرَ: خلف للورثة.
وقال الضحاك: ينبأ بما قدم من فرض، وأخر من فرض. قال القشيري: وهذا الانباء يكون في القيامة عند وزن الأعمال. ويجوز أن يكون عند الموت. قلت: والأول أظهر، لما خرجه ابن ماجه في سننه من حديث الزهري، حدثني أبو عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته» وخرجه أبو نعيم الحافظ بمعناه من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سبع يجري أجرهن للعبد بعد موته وهو في قبره: من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته» فقوله: «بعد موته وهو في قبره» نص على أن ذلك لا يكون عند الموت، وإنما يخبر بجميع ذلك عند وزن عمله، وإن كان يبشر بذلك في قبره. ودل على هذا أيضا قوله الحق: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ} [العنكبوت: 13] وقوله تعالى: {وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25] وهذا لا يكون إلا في الآخرة بعد وزن الأعمال. والله أعلم.
وفي الصحيح: «من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها واجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شي، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

{بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15)}
قوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}
قال الأخفش: جعله هو البصيرة، كما تقول للرجل أنت حجة على نفسك.
وقال ابن عباس: بَصِيرَةٌ أي شاهد، وهو شهود جوارحه عليه: يداه بما بطش بهما، ورجلاه بما مشى عليهما، وعيناه بما أبصر بهما. والبصيرة: الشاهد. وأنشد الفراء:
كأن على ذي العقل عينا بصيرة *** بمقعده أو منظر هو ناظره
يحاذر حتى يحسب الناس كلهم *** من الخوف لا تخفى عليهم سرائره
ودليل هذا التأويل من التنزيل قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24]. وجاء تأنيث البصيرة لان المراد بالإنسان ها هنا الجوارح، لأنها شاهدة على نفس الإنسان، فكأنه قال: بل الجوارح على نفس الإنسان بصيرة، قال معناه القتبي وغيره. وناس يقولون: هذه الهاء في قوله: بَصِيرَةٌ هي التي يسميها أهل الاعراب هاء المبالغة، كالهاء في قولهم: داهية وعلامة وراوية. وهو قول أبي عبيد. وقيل المراد بالبصيرة الكاتبان اللذان يكتبان ما يكون منه من خير أو شر، يدل عليه قوله تعالى: {وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ} فيمن جعل المعاذير الستور. وهو قول السدي والضحاك.
وقال بعض أهل التفسير: المعنى بل على الإنسان من نفسه بصيرة، أي شاهد فحذف حرف الجر. ويجوز أن يكون {بَصِيرَةٍ} نعتا لاسم مؤنث فيكون تقديره: بل الإنسان على نفسه عين بصيرة، وأنشد الفراء:
كأن على ذي العقل عينا بصيرة وقال الحسن في قوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} يعني بصير بعيوب غيره، جاهل بعيوب نفسه. {وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ}
أي ولو أرخى ستوره. والستر بلغة أهل اليمن: معذار، قاله الضحاك وقال الشاعر:
ولكنها ضنت بمنزل ساعة *** علينا وأطت فوقها بالمعاذر
قال الزجاج: المعاذر: الستور، والواحد معذار، أي وإن أرخى ستره، يريد أن يخفى عمله، فنفسه شاهدة عليه.
وقيل: أي ولو أعتذر فقال لم أفعل شيئا، لكان عليه من نفسه من يشهد عليه من جوارحه، فهو وإن اعتذر وجادل عن نفسه، فعليه شاهد يكذب عذره، قاله مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن زيد وأبو العالية وعطاء والفراء والسدي أيضا ومقاتل. قال مقاتل: أي لو أدلى بعذر أو حجة لم ينفعه ذلك. نظيره قوله تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} [غافر: 52] وقوله: {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36] فالمعاذير على هذا: مأخوذ من العذر، قال الشاعر:
وإياك والامر الذي إن توسعت *** موارده ضاقت عليك المصادر
فما حسن أن يعذر المرء نفسه *** وليس له من سائر الناس عاذر
واعتذر رجل إلى إبراهيم النخعي فقال له: قد عذرتك غير معتذر، إن المعاذير يشوبها الكذب.
وقال ابن عباس: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ أي لو تجرد من ثيابه. حكاه الماوردي. قلت: والأظهر أنه الأدلاء بالحجة والاعتذار من الذنب، ومنه قول النابغة:
ها إن ذي عذرة إلا تكن نفعت *** فإن صاحبها مشارك النكد
والدليل على هذا قوله تعالى في الكفار {وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وقوله تعالى في المنافقين: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ} [المجادلة: 18].
وفي الصحيح أنه يقول: «يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك، وصليت وصمت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع» الحديث. وقد تقدم في حم السجدة وغيرها. والمعاذير والمعاذر: جمع معذرة، ويقال: عذرته فيما صنع أعذره عذرا وعذرا، والاسم المعذرة والعذري، قال الشاعر:
إني حددت ولا عذري لمحدود ***
وكذلك العذرة وهي مثل الركبة والجلسة، قال النابغة:
ها إن تا عذرة إلا تكن نفعت *** فإن صاحبها قد تاه في البلد
وتضمنت هذه الآية خمس مسائل:
الأولى: قال القاضي أبو بكر بن العربي قوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ}: فيها دليل على قبول إقرار المرء على نفسه، لأنها بشهادة منه عليها، قال الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24] ولا خلاف فيه، لأنه إخبار على وجه تنتفي التهمة عنه، لان العاقل لا يكذب على نفسه، وهي المسألة: وقد قال سبحانه في كتابه الكريم: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81] ثم قال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة: 102] وهو في الآثار كثير، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها». فأما إقرار الغير على الغير بوارث أو دين فقال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في الرجل يهلك وله بنون، فيقول أحدهم: إن أبي قد أقر أن فلانا ابنه، أن ذلك النسب لا يثبت بشهادة إنسان واحد، ولا يجوز إقرار الذي أقر إلا على نفسه في حصته من مال أبيه، يعطى الذي شهد له قدر الدين الذي يصيبه من المال الذي في يده. قال مالك: وتفسير ذلك أن يهلك الرجل ويترك ابنين ويترك ستمائة دينار، ثم يشهد أحدهما بأن أباه الهالك أقر أن فلانا ابنه، فيكون على الذي شهد للذي استحق مائة دينار، وذلك نصف ميراث المستلحق لو لحق، وإن أقر له الآخر أخذ المائة الأخرى فاستكمل حقه وثبت نسبه. وهو أيضا بمنزلة المرأة تقر بالدين على أبيها أو على زوجها وينكر ذلك الورثة، فعليها أن تدفع إلى الذي أقرت له قدر الذي يصيبها من ذلك الدين لو ثبت على الورثة كلهم، إن كانت امرأة فورثت الثمن دفعت إلى الغريم ثمن دينه، وإن كانت ابنة ورثت النصف دفعت إلى الغريم نصف دينه، على حساب هذا يدفع إليه من أقر له من النساء.
الثالثة: لا يصح الإقرار إلا من مكلف، لكن بشرط ألا يكون محجورا عليه، لان الحجر يسقط قوله إن كان لحق نفسه، فإن كان لحق غيره كالمريض كان منه ساقط، ومنه جائز. وبيانه في مسائل الفقه. وللعبد حالتان في الإقرار: إحداهما في ابتدائه، ولا خلاف فيه على الوجه المتقدم. والثانية في انتهائه، وذلك مثل إبهام الإقرار، وله صور كثيرة وأمهاتها ست: الصورة الأولى: أن يقول له عندي شي، قال الشافعي: لو فسره بتمرة أو كسرة قبل منه. والذي تقتضيه أصولنا أنه لا يقبل إلا فيما له قدر، فإذا فسره به قبل منه وحلف عليه. الصورة الثانية: أن يفسر هذا بخمر أو خنزير أو ما لا يكون مالا في الشريعة: لم يقبل باتفاق ولو ساعده عليه المقر له. الصورة الثالثة: أن يفسره بمختلف فيه مثل جلد الميتة أو سرقين أو كلب، فإن الحاكم يحكم عليه في ذلك بما يراه من رد وإمضاء فإن رده لم يحكم عليه حاكم آخر غيره بشيء، لان الحكم قد نفذ بإبطاله، وقال بعض أصحاب الشافعي: يلزم الخمر والخنزير، وهو قول باطل.
وقال أبو حنيفة: إذا قال له علي شيء لم يقبل تفسيره إلا بمكيل أو موزون، لأنه لا يثبت في الذمة بنفسه إلا هما. وهذا ضعيف، فإن غيرهما يثبت في الذمة إذا وجب ذلك إجماعا. الصورة الرابعة: إذا قال له: عندي مال قبل تفسيره بما لا يكون مالا في العادة كالدرهم والدرهمين، ما لم يجئ من قرينة الحال ما يحكم عليه بأكثر منه. الصورة الخامسة: أن يقول له: عندي مال كثير أو عظيم، فقال الشافعي: يقبل في الحبة.
وقال أبو حنيفة: لا يقبل إلا في نصاب الزكاة.
وقال علماؤنا في ذلك أقوالا مختلفة، منها نصاب السرقة والزكاة والديه وأقله عندي نصاب السرقة، لأنه لا يبان عضو المسلم إلا في مال عظيم. وبه قال أكثر الحنفية. ومن يعجب فيتعجب لقول الليث بن سعد: إنه لا يقبل في أقل من اثنين وسبعين درهما. فقيل له: ومن أين تقول ذلك؟ قال: لان الله تعالى قال: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: 25] وغزواته وسراياه كانت اثنتين وسبعين. وهذا لا يصح، لأنه أخرج حنينا منها، وكان حقه أن يقول يقبل في أحد وسبعين، وقد قال الله تعالى: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب: 41]، وقال: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ} [النساء: 114]، وقال: {وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب: 68]. الصورة السادسة: إذا قال له: عندي عشرة أو مائة أو ألف، فإنه يفسرها بما شاء ويقبل منه، فإن قال ألف درهم أو مائة وعبد أو مائة وخمسون درهما فإنه يفسر المبهم ويقبل منه. وبه قال الشافعي: وقال أبو حنيفة: إن عطف على العدد المبهم مكيلا أو موزونا كان تفسيرا، كقوله: مائة وخمسون درهما، لان الدرهم تفسير للخمسين، والخمسين تفسير للمائة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

 تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة القيامة}رقم(75) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة القيامة}رقم(75)    تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة القيامة}رقم(75) Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2015 12:50 am


وقال ابن خيران الإصطخري من أصحاب الشافعي: الدرهم لا يكون تفسيرا في المائة والخمسين إلا للخمسين خاصة ويفسر هو المائة بما شاء. المسألة الرابعة: قوله تعالى: {وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ} ومعناه لو اعتذر بعد الإقرار لم يقبل منه. وقد اختلف العلماء فيمن رجع بعد ما أقر في الحدود التي هي خالص حق الله، فقال أكثرهم منهم الشافعي وأبو حنيفة: يقبل رجوعه بعد الإقرار.
وقال به مالك في أحد قوليه، وقال في القول الآخر: لا يقبل إلا أن يذكر لرجوعه وجها صحيحا. والصحيح جواز الرجوع مطلقا، لما روى الأئمة منهم البخاري ومسلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد المقر بالزنى مرارا أربعا كل مرة يعرض عنه، ولما شهد على نفسه أربع مرات دعاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: «أبك جنون» قال: لا. قال: «أحصنت» قال: نعم.
وفي حديث البخاري: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت».
وفي النسائي وأبي داود: حتى قال له في الخامسة: «أجامعتها» قال: نعم. قال: «حتى غاب ذلك منك في ذلك منها» قال: نعم. قال: «كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر». قال: نعم. ثم قال: «هل تدري ما الزنى» قال: نعم، أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالا. قال: «فما تريد مني»؟ قال: أريد أن تطهرني. قال: «فأمر به فرجم». قال الترمذي وأبو داود: فلما وجد مس الحجارة فر يشتد، فضربه رجل بلحي جمل، وضربه الناس حتى مات. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هلا تركتموه» وقال أبو داود والنسائي: ليتثبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما لترك حد فلا. وهذا كله طريق للرجوع وتصريح بقبوله.
وفي قوله عليه السلام: «لعلك قبلت أو غمزت» إشارة إلى قول مالك: إنه يقبل رجوعه إذا ذكر وجها.
الخامسة: وهذا في الحر المالك لأمر نفسه، فأما العبد فإن إقراره لا يخلو من أحد قسمين: إما أن يقر على بدنه، أو على ما في يده وذمته، فإن أقر على ما في بدنه فيما فيه عقوبة من القتل فما دونه نفذ ذلك عليه.
وقال محمد بن الحسن: لا يقبل ذلك منه، لان بدنه مستغرق لحق السيد، وفي إقراره إتلاف حقوق السيد في بدنه، ودليلنا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإن من يبدلنا صفحته نقم عليه الحد». المعنى: أن محل العقوبة أصل الخلقة، وهي الدمية في الآدمية، ولا حق للسيد فيها، وإنما حقه في الوصف والتبع، وهي المالية الطارئة عليه، ألا ترى أنه لو أقر بمال لم يقبل، حتى قال أبو حنيفة: إنه لو قال سرقت هذه السلعة أنه لم تقطع يده ويأخذها المقر له.
وقال علماؤنا: السلعة للسيد ويتبع العبد بقيمتها إذا عتق، لان مال العبد للسيد إجماعا، فلا يقبل قوله فيه ولا إقراره عليه، لا سيما وأبو حنيفة يقول: إن العبد لا ملك له ولا يصح أن يملك ولا يملك، ونحن وإن قلنا إنه يصح تملكه. ولكن جميع ما في يده لسيده بإجماع على القولين. والله أعلم.  {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)}
قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}
في الترمذي: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه، يريد أن يحفظه، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}.
قال: فكان يحرك به شفتيه. وحرك سفيان شفتيه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. ولفظ مسلم عن ابن جبير عن ابن عباس قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فقال لي ابن عباس: أنا أحركهما كما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحركهما، فقال سعيد: أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه، فأنزل الله عز وجل: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال جمعه في صدرك ثم تقرؤه {فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قال فاستمع له وأنصت. ثم إن علينا أن نقرأه، قال: فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليهما السلام استمع، وإذا انطلق جبريل عليه السلام قرأه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أقرأه، خرجه البخاري أيضا. ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] وقد تقدم.
وقال عامر الشعبي: إنما كان يعجل بذكره إذا نزل عليه من حبه له، وحلاوته في لسانه، فنهى عن ذلك حتى يجتمع، لان بعضه مرتبط ببعض، وقيل: كان عليه السلام إذا نزل عليه الوحي حرك لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه، فنزلت {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] ونزل: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى} [الأعلى: 6] ونزل: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ} قاله ابن عباس: {وقُرْآنَهُ} أي وقراءته عليك. والقراءة والقرآن في قول الفراء مصدران.
وقال قتادة: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي فاتبع شرائعه وأحكامه. وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} أي تفسير ما فيه من الحدود والحلال والحرام، قاله قتادة.
وقيل: ثم إن علينا بيان ما فيه من الوعد والوعيد وتحقيقهما.
وقيل: أي إن علينا أن نبينه بلسانك. قوله تعالى: {كَلَّا} قال ابن عباس: أي إن أبا جهل لا يؤمن بتفسير القرآن وبيانه.
وقيل: أي {كَلَّا} لا يصلون ولا يزكون يريد كفار مكة. بَلْ تُحِبُّونَ أي بل تحبون يا كفار أهل مكة الْعاجِلَةَ أي الدار الدنيا والحياة فيها وَتَذَرُونَ أي تدعون الْآخِرَةَ والعمل لها.
وفي بعض التفسير قال: الآخرة الجنة. وقرأ أهل المدينة والكوفيون بَلْ تُحِبُّونَ وَتَذَرُونَ بالتاء فيهما على الخطاب واختاره أبو عبيد، قال: ولولا الكراهة لخلاف هؤلاء القراء لقرأتها بالياء، لذكر الإنسان قبل ذلك. الباقون بالياء على الخبر، وهو اختيار أبي حاتم، فمن قرأ بالياء فردا على قوله تعالى: {يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ} [القيامة: 13] وهو بمعنى الناس. ومن قرأ بالتاء فعلى أنه واجههم بالتقريع، لان ذلك أبلغ في المقصود، نظيره: {إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا} [الإنسان: 27].

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25)}
قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} الأول من النضرة التي هي الحسن والنعمة. والثاني من النظر أي وجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة، يقال: نضرهم الله ينضرهم نضرة ونضارة وهو الإشراق والعيش والغنى، ومنه الحديث: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها». إِلى رَبِّها إلى خالقها ومالكها {ناظِرَةٌ} أي تنظر إلى ربها على هذا جمهور العلماء.
وفي الباب حديث صهيب خرجه مسلم وقد مضى في يونس عند قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ}. وكان ابن عمر يقول: أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم تلا هذه الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وروى يزيد النحوي عن عكرمة قال: تنظر إلى ربها نظرا. وكان الحسن يقول: نضرت وجوههم ونظروا إلى ربهم.
وقيل: إن النظر هنا انتظار ما لهم عند الله من الثواب. وروي عن ابن عمر ومجاهد.
وقال عكرمة: تنتظر أمر ربها. حكاه الماوردي عن ابن عمر وعكرمة أيضا. وليس معروفا إلا عن مجاهد وحده. واحتجوا بقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ} [الأنعام: 103] وهذا القول ضعيف جدا، خارج عن مقتضى ظاهر الآية والاخبار.
وفي الترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية» ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ قال هذا حديث غريب. وقد روى عن ابن عمرو ولم يرفعه.
وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن».
وروى جرير بن عبد الله قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلوسا، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: «إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا». ثم قرأ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ متفق عليه. وخرجه أيضا أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وخرج أبو داود عن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه؟ قال ابن معاذ: مخليا به يوم القيامة؟ قال: «نعم يا أبا رزين» قال: وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر» قال ابن معاذ: ليلة البدر مخليا به. قلنا: بلى. قال: «فالله أعظم» قال ابن معاذ قال: «فإنما هو خلق من خلق الله- يعني القمر- فالله أجل وأعظم».
وفي كتاب النسائي عن صهيب قال: «فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فو الله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر، ولا أقر لأعينهم» وفي التفسير لابي إسحاق الثعلبي عن الزبير عن جابر قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يتجلى ربنا عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه، فيخرون له سجدا، فيقول ارفعوا رءوسكم فليس هذا بيوم عبادة» قال الثعلبي: وقول مجاهد إنها بمعنى تنتظر الثواب من ربها ولا يراه شيء من خلقه، فتأويل مدخول، لان العرب إذا أرادت بالنظر الانتظار قالوا نظرته، كما قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ} [الزخرف: 66] {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف: 53]، {وما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً} [يس: 49] وإذا أرادت به التفكر والتدبر قالوا: نظرت فيه، فأما إذا كان النظر مقرونا بذكر إلى، وذكر الوجه فلا يكون إلا بمعنى الرؤية والعيان.
وقال الأزهري: إن قول مجاهد تنتظر ثواب ربها خطأ، لأنه لا يقال نظر إلى كذا بمعنى الانتظار، وإن قول القائل: نظرت إلى فلان ليس إلا رؤية عين، كذلك تقوله العرب، لأنهم يقولون نظرت إليه: إذا أرادوا نظر العين، فإذا أرادوا الانتظار قالوا نظرته، قال:
فإنكما إن تنظراني ساعة *** من الدهر تنفعني لدى أم جندب
لما أراد الانتظار قال تنظراني، ولم يقل تنظران إلي، وإذا أرادوا نظر العين قالوا: نظرت إليه، قال:
نظرت إليها والنجوم كأنها *** مصابيح رهبان تشب لقفال
وقال آخر:
نظرت إليها بالمحصب من منى *** ولي نظر لولا التحرج عارم
وقال آخر:
إني إليك لما وعدت لناظر *** نظر الفقير إلى الغني الموسر
أي إني أنظر إليك بذل، لان نظر الذل والخضوع أرق لقلب المسئول، فأما ما استدلوا به من قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ} [الأنعام: 103] فإنما ذلك في الدنيا. وقد مضى القول فيه في موضعه مستوفى.
وقال عطية العوفي: ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته، ونظره يحيط بها، يدل عليه: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ} [الأنعام: 103] قال القشيري أبو نصر: وقيل: إِلى واحد الآلاء: أي نعمه منتظرة وهذا أيضا باطل، لان واحد الآلاء يكتب بالألف لا بالياء، ثم الآلاء: نعمه الدفع، وهم في الجنة لا ينتظرون دفع نقمه عنهم، والمنتظر للشيء متنغص العيش، فلا يوصف أهل الجنة بذلك.
وقيل: أضاف النظر إلى الوجه، وهو كقوله تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} [المائدة: 119] والماء يجري في النهر لا النهر. ثم قد يذكر الوجه بمعنى العين، قال الله تعالى: {فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً} [يوسف: 93] أي على عينيه. ثم لا يبعد قلب العادة غدا، حتى يخلق الرؤية والنظر في الوجه، وهو كقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ} [الملك: 22]، فقيل: يا رسول الله! كيف يمشون في النار على وجوههم؟ قال: «الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم». {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ} أي وجوه الكفار يوم القيامة كالحة كاسفة عابسة.
وفي الصحاح: وبسر الفحل الناقة وابتسرها: إذا ضربها من غير ضبعة. وبسر الرجل وجهه بسورا أي كلح، يقال: عبس وبسر.
وقال السدي: باسِرَةٌ أي متغيرة والمعنى واحد. {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ} أي توقن وتعلم، والفاقرة: الداهية والامر العظيم، يقال: فقرته الفاقرة: أي كسرت فقار ظهره. قال معناه مجاهد وغيره.
وقال قتادة: الفاقرة الشر. السدي: الهلاك. ابن عباس وابن زيد: دخول النار. والمعنى متقارب واصلها الوسم على أنف البعير بحديدة أو نار حتى يخلص إلى العظم، قاله الأصمعي. يقال: فقرت أنف البعير: إذا حززته بحديدة ثم جعلت على موضع الحز الجرير وعليه وتر ملوي، لتذلله بذلك وتروضه، ومنه قولهم: قد عمل به الفاقرة.
وقال النابغة:
أبى لي قبر لا يزال مقابلي *** وضربة فأس فوق رأسي فاقرة
أي كاسرة.

{كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (30)}
قوله تعالى: {كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ} كَلَّا ردع وزجر، أي بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة، ثم استأنف فقال: إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ أي بلغت النفس أو الروح التراقي، فأخبر عما لم يجر له ذكر، لعلم المخاطب به، كقوله تعالى: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} [ص: 32] وقوله تعالى: {فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة: 83] وقد تقدم.
وقيل: كَلَّا معناه حقا، أي حقا أن المساق إلى الله إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ أي إذا ارتقت النفس إلى التراقي. وكان ابن عباس يقول: إذا بلغت نفس الكافر التراقي. والتراقي جمع ترقوة وهي العظام المكتنفة لنقرة النحر، وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر، موضع الحشرجة، قال دريد بن الصمة:
ورب عظيمة دافعت عنهم *** وقد بلغت نفوسهم التراقي
وقد يكنى عن الإشفاء على الموت ببلوغ النفس التراقي، والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت. قوله تعالى: {وَقِيلَ مَنْ راقٍ} اختلف فيه، فقيل: هو من الرقية، عن ابن عباس وعكرمة وغيرهما. روي سماك عن عكرمة قال: من راق يرقي: أي يشفي.
وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس: أي هل من طبيب يشفيه، وقاله أبو قلابة وقتادة، وقال الشاعر:
هل للفتى من بنات الدهر من واق *** أم هل له من حمام الموت من راق
وكان هذا على وجه الاستبعاد واليأس، أي من يقدر أن يرقي من الموت. وعن ابن عباس أيضا وأبي الجوزاء أنه من رقي يرقى: إذا صعد، والمعنى: من يرقى بروحه إلى السماء؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقيل: إن ملك الموت يقول من راق؟ أي من يرقى بهذه النفس، وذلك أن نفس الكافر تكره الملائكة قربها، فيقول ملك الموت: يا فلان اصعد بها. وأظهر عاصم وقوم النون في قوله تعالى: {مَنْ راقٍ}
واللام في قوله: {بَلْ رانَ} لئلا يشبه مراق وهو بائع المرقة، وبران في تثنية البر. والصحيح ترك الإظهار، وكسرة القاف في {مَنْ راقٍ}
، وفتحة النون في {بَلْ رانَ} تكفى في زوال اللبس. وأمثل مما ذكر: قصد الوقف على {مَنْ}
و{بَلْ}، فأظهرهما، قاله القشيري. قوله تعالى: {وَظَنَّ} أي أيقن الإنسان {أَنَّهُ الْفِراقُ} أي فراق الدنيا والأهل والمال والولد، وذلك حين عاين الملائكة. قال الشاعر:
فراق ليس يشبهه فراق *** قد انقطع الرجاء عن التلاق
{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} أي فاتصلت الشدة بالشدة، شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة، قاله ابن عباس والحسن وغيرهما.
وقال الشعبي وغيره: المعنى التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب.
وقال قتادة: أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى.
وقال سعيد بن المسيب والحسن أيضا: هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن.
وقال زيد ابن أسلم: التفت ساق الكفن بساق الميت.
وقال الحسن أيضا: ماتت رجلاه ويبست ساقاه فلم تحملاه، ولقد كان عليهما جوالا. قال النحاس: القول الأول أحسنها.
وروى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} قال: آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحمه الله، أي شدة كرب الموت بشدة هول المطلع، والدليل على هذا قوله تعالى: {إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ} وقال. مجاهد: بلاء ببلاء. يقول: تتابعت عليه الشدائد.
وقال الضحاك وابن زيد: اجتمع عليه أمران شديدان: الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه، والعرب لا تذكر الساق إلا في المحن والشدائد العظام، ومنه قولهم: قامت الدنيا على ساق، وقامت الحرب على ساق. قال الشاعر:
وقامت الحرب بنا على ساق ***
وقد مضى هذا المعنى في آخر سورة ن والقلم.
وقال قوم: الكافر تعذب روحه عند خروج نفسه، فهذه الساق الأولى، ثم يكون بعدهما ساق البعث وشدائده {إِلى رَبِّكَ} أي إلى خالقك {يَوْمَئِذٍ} أي يوم القيامة {الْمَساقُ} أي المرجع.
وفي بعض التفاسير قال: يسوقه ملكه الذي كان يحفظ عليه السيئات. والمساق: المصدر من ساق يسوق، كالمقال من قال يقول.  {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (35)}
قوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} أي لم يصدق أبو جهل ولم يصل.
وقيل: يرجع هذا إلى الإنسان في أول السورة، وهو اسم جنس. والأول قول ابن عباس. أي لم يصدق بالرسالة {وَلا صَلَّى} ودعا لربه، وصلي على رسوله.
وقال قتادة: فلا صدق بكتاب الله، ولا صلى لله.
وقيل: ولا صدق بمال له، ذخرا له عند الله، ولا صلى الصلوات التي أمره الله بها.
وقيل: فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه. قال الكسائي: {فَلا} بمعنى لم ولكنه يقرن بغيره، تقول العرب: لا عبد الله خارج ولا فلان، ولا تقول: مررت برجل لا محسن حتى يقال ولا مجمل، وقوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11] ليس من هذا القبيل، لان معناه أفلا أقتحم، أي فهلا اقتحم، فحذف ألف الاستفهام.
وقال الأخفش: {فَلا صَدَّقَ} أي لم يصدق، كقوله: {فَلَا اقْتَحَمَ} أي لم يقتحم، ولم يشترط أن يعقبه بشيء آخر، والعرب تقول: لا ذهب، أي لم يذهب، فحرف النفي ينفى الماضي كما ينفي المستقبل، ومنه قول زهير:
فلا هو أبداها ولم يتقدم قوله تعالى: {وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي كذب بالقرآن وتولى عن الايمان {ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} أي يتبختر، افتخارا بذلك، قاله مجاهد وغيره. مجاهد: المراد به أبو جهل.
وقيل: {يَتَمَطَّى} من المطا وهو الظهر، والمعنى يلوي مطاه.
وقيل: أصله يتمطط، وهو التمدد من التكسل والتثاقل، فهو يتثاقل عن الداعي إلى الحق، فأبدل من الطاء ياء كراهة التضعيف، والتمطي يدل على قلة الاكتراث، وهو التمدد، كأنه يمد ظهره ويلويه من التبختر. والمطيطة الماء الخاثر في أسفل الحوض، لأنه يتمطى أي يتمدد، وفي الخبر: «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم». والمطيطاء: التبختر ومد اليدين في المشي. قوله تعالى: {أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى}: تهديد بعد تهديد، ووعيد بعد وعيد، أي فهو وعيد أربعة لأربعة، كما روى أنها نزلت في أبي جهل الجاهل بربه فقال: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى. وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي لا صدق رسول الله، ولا وقف بين يدي فصلى، ولكن كذب رسولي، وتولى عن التصلية بين يدي. فترك التصديق خصلة، والتكذيب خصلة، وترك الصلاة خصلة، والتولي عن الله تعالى خصلة، فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الاربعة. والله أعلم. لا يقال: فإن قوله: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} خصلة خامسة، فإنا نقول: تلك كانت عادته قبل التكذيب والتولي، فأخبر عنها. وذلك بين في قول قتادة على ما نذكره.
وقيل: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من المسجد ذات يوم، فاستقبله أبو جهل على باب المسجد، مما يلي باب بني مخزوم، فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، فهزه مرة أو مرتين ثم قال: {أَوْلى لَكَ فَأَوْلى} فقال له أبو جهل: أتهددني؟ فو الله إني لأعز أهل الوادي وأكرمه. ونزل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال لابي جهل. وهي كلمة وعيد. قال الشاعر:
فأولى ثم أولى ثم أولى *** وهل للدر يحلب من مرد
قال قتادة: أقبل أبو جهل بن هشام يتبختر، فأخذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده فقال: «أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى». فقال: ما تستطيع أنت ولا ربك لي شيئا، إني لأعز من بين جبليها. فلما كان يوم بدر أشرف على المسلمين فقال: لا يعبد الله بعد هذا اليوم أبدا. فضرب الله عنقه، وقتله شر قتلة.
وقيل: معناه: الويل لك، ومنه قول الخنساء:
هممت بنفسي كل الهموم *** فأولى لنفسي أولى لها
سأحمل نفسي على آلة *** فإما عليها وإما لها
الآلة: الحالة، والآلة: السرير أيضا الذي يحمل عليه الميت، وعلى هذا التأويل قيل: هو من المقلوب، كأنه قيل: أويل، ثم أخر الحرف المعتل، والمعنى: الويل لك حيا، والويل لك ميتا، والويل لك يوم البعث، والويل لك يوم تدخل النار، وهذا التكرير كما قال:
لك الويلات إنك مرجلي ***
أي لك الويل، ثم الويل، ثم الويل، وضعف هذا القول.
وقيل: معناه الذم لك، أولى من تركه، إلا أنه كثير في الكلام فحذف.
وقيل: المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: قال الأصمعي {أَوْلى} في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك، كأنه يقول: قد وليت الهلاك، قد دانيت الهلاك، وأصله من الولي، وهو القرب، قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] أي يقربون منكم، وأنشد الأصمعي:
وأولى أن يكون له الولاء ***
أي قارب أن يكون له، وأنشد أيضا:
أولى لمن هاجت له أن يكمدا ***
أي قد دنا صاحبها من الكمد. وكان أبو العباس ثعلب يستحسن قول الأصمعي ويقول: ليس أحد يفسر كتفسير الأصمعي. النحاس: العرب تقول أولى لك: كدت تهلك ثم أفلت، وكان تقديره: أولى لك وأولى بك الهلكة. المهدوي قال: ولا تكون أولى أفعل منك، وتكون خبر مبتدإ محذوف، كأنه قال: الوعيد أولى له من غيره، لان أبا زيد قد حكى: أولاة الآن: إذا أو عدوا. فدخول علامة التأنيث دليل على أنه ليس كذلك. و{لَكَ} خبر عن {أَوْلى}. ولم ينصرف {أَوْلى} لأنه صار علما للوعيد، فصار كرجل اسمه أحمد.
وقيل: التكرير فيه على معنى ألزم لك على عملك السيئ الأول، ثم على الثاني، والثالث، والرابع، كما تقدم.

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (39) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40)}
قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ} أي يظن ابن آدم {أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي أن يخلى مهملا، فلا يؤمر ولا ينهى، قاله ابن زيد ومجاهد، ومنه إبل سدى: ترعى بلا راع.
وقيل: أيحسب أن يترك في قبره كذلك أبدا لا يبعث.
وقال الشاعر:
فأقسم بالله جهد اليم ***- بين ما ترك الله شيئا سدى
قوله تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى} أي من قطرة ماء تمنى في الرحم، أي تراق فيه، ولذلك سميت {مَنِيٍّ} لإراقة الدماء. وقد تقدم. والنطفة: الماء القليل، يقال: نطف الماء: إذا قطر. أي ألم يك ماء قليلا في صلب الرجل وترائب المرأة. وقرأ حفص {مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى} بالياء، وهي قراءة ابن محيصن ومجاهد ويعقوب وعياش عن أبي عمرو، واختاره أبو عبيد لأجل المني. الباقون بالتاء لأجل النطفة، واختاره أبو حاتم. {ثُمَّ كانَ عَلَقَةً} أي دما بعد النطفة، أي قد رتبه تعالى بهذا كله على خسة قدره. ثم قال: {فَخَلَقَ} أي فقدر {فَسَوَّى} أي فسواه تسوية، وعدله تعديلا، بجعل الروح فيه {فَجَعَلَ مِنْهُ} أي من الإنسان.
وقيل: من المني. {الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} أي الرجل والمرأة. وقد احتج بهذا من رأى إسقاط الخنثى. وقد مضى في سورة الشورى أن هذه الآية وقرينتها إنما خرجتا مخرج الغالب. وقد مضى في أول سورة النساء أيضا القول فيه، وذكرنا في آية المواريث حكمه، فلا معنى لإعادته {أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ} أي أليس الذي قدر على خلق هذه النسمة من قطرة من ماء {بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} أي على أن يعيد هذه الأجسام كهيئتها للبعث بعد البلى.
وروى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا قرأها قال: «سبحانك اللهم، بلى» وقال ابن عباس. من قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] إماما كان أو غيره فليقل: {سبحان ربي الأعلى} ومن قرأ {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} [القيامة: 1] إلى آخرها إماما كان أو غيره فليقل: «سبحانك اللهم بلى» ذكره الثعلبي من حديث أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. ختمت السورة والحمد لله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة القيامة}رقم(75)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الزلزلة}رقم(99)
»  تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة التكوير}رقم(81)
» تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الجمعة}رقم(62)
»  تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة النازعات}رقم(79)
» تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة محمد}رقم(47)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : تفسير ۩ القرآن الكريم ۩ القرطبى-
انتقل الى: