همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

  تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الحاقة}رقم(69)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

 تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الحاقة}رقم(69) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الحاقة}رقم(69)    تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الحاقة}رقم(69) Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2015 7:11 am


{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)}
قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} يريد القيامة، سميت بذلك لان الأمور تحق فيها قاله الطبري. كأنه جعلها من باب ليل نائم.
وقيل: سميت حاقة لأنها تكون من غير شك.
وقيل: سميت بذلك لأنها أحقت لأقوام الجنة، وأحقت لأقوام النار.
وقيل: سميت بذلك لان فيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله.
وقال الأزهري: يقال حاققته فحققته أحقه، أي غالبته فغلبته. فالقيامة حاقة لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل، أي كل مخاصم.
وفي الصحاح: وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق، فإذا غلبه قيل حقه. ويقال للرجل إذا خاصم في صغار الأشياء: إنه لنزق الحقاق. ويقال: ماله فيه حق ولا حقاق، أي خصومة. والتحاق التخاصم. والاحتقاق: الاختصام. والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات بمعنى.
وقال الكسائي والمورج: الحاقة يوم الحق. وتقول العرب: لما عرف الحقة مني هرب. والحاقة الأولى رفع بالابتداء، والخبر المبتدأ الثاني وخبره وهو مَا الْحَاقَّةُ لان معناها ما هي. واللفظ استفهام، معناه التعظيم والتفخيم لشأنها، كما تقول: زيد ما زيد! على التعظيم لشأنه. {وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ} استفهام أيضا، أي أي شيء أعلمك ما ذلك اليوم. والنبي صلي الله عليه وسلم كان عالما بالقيامة ولكن بالصفة فقيل تفخيما لشأنها: وما أدراك ما هي، كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها.
وقال يحيى بن سلام: بلغني أن كل شيء في القرآن وَما أَدْراكَ فقد أدراه إياه وعلمه. وكل شيء قال: {وما يدريك} فهو مما لم يعلمه.
وقال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه: وَما أَدْراكَ فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه: {وما يدريك} فإنه لم يخبر به.

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (4)}
ذكر من كذب بالقيامة. والقارعة القيامة، سميت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها. يقال: أصابتهم قوارع الدهر، أي أهواله وشدائده. ونعوذ بالله من قوارع فلان ولواذعه وقوارص لسانه، جمع قارصة وهي الكلمة المؤذية. وقوارع القرآن: الآيات التي يقرؤها الإنسان إذا فزع من الجن أو الانس، نحو آية الكرسي، كأنها تقرع الشيطان.
وقيل: القارعة مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين، قاله المبرد.
وقيل: عني بالقارعة العذاب الذي نزل بهم في الدنيا، وكان نبيهم يخوفهم بذلك فيكذبونه. وثمود قوم صالح، وكانت منازلهم بالحجر فيما بين الشام والحجاز. قال محمد بن إسحاق: وهو وادي القرى، وكانوا عربا. وأما عاد فقوم هود، وكانت منازلهم بالأحقاف. والأحقاف: الرمل بين عمان إلى حضرموت واليمن كله، وكانوا عربا ذوي خلق وبسطة، ذكره محمد بن إسحاق. وقد تقدم.

{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)}
فيه إضمار، أي بالفعلة الطاغية.
وقال قتادة: أي بالصيحة الطاغية، أي المجاوزة للحد، أي لحد الصيحات من الهول. كما قال: {إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر: 31]. والطغيان: مجاوزة الحد، ومنه: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ} [الحاقة: 11] أي جاوز الحد.
وقال الكلبي: بالطاغية بالصاعقة.
وقال مجاهد: بالذنوب.
وقال الحسن: بالطغيان، فهي مصدر كالكاذبة والعاقبة والعافية. أي أهلكوا بطغيانهم وكفرهم.
وقيل: إن الطاغية عاقر الناقة، قاله ابن زيد. أي أهلكوا بما أقدم عليه طاغيتهم من عقر الناقة، وكان واحدا، وإنما هلك الجميع لأنهم رضوا بفعله ومالئوه. وقيل له طاغية كما يقال: فلان راوية الشعر، وداهية وعلامة ونسابة.
{وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (6) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (7)}
قوله تعالى: {وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} أي باردة تحرق ببردها كإحراق النار، مأخوذ من الصر وهو البرد، قاله الضحاك.
وقيل: إنها الشديدة الصوت.
وقال مجاهد: الشديدة السموم. عاتِيَةٍ أي عتت على خزانها فلم تطعهم، ولم يطيقوها من شدة هبوبها، غضبت لغضب الله.
وقيل: عتت على عاد فقهرتهم. روى سفيان الثوري عن موسى ابن المسيب عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «ما أرسل الله من نسمة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من ماء إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل- ثم قرأ- إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ والريح لما كان يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل- ثم قرأ- بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ» أي أرسلها وسلطها عليهم. والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار. {سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} أي متتابعة لا تفتر ولا تنقطع، عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما. قال الفراء: الحسوم التباع، من حسم الداء إذا كوي صاحبه، لأنه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه. قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:
ففرق بين بينهم زمان *** تتابع فيه أعوام حسوم
وقال المبرد: هو من قولك حسمت الشيء إذا قطعته وفصلته عن غيره.
وقيل: الحسم الاستئصال. ويقال للسيف حسام، لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته.
وقال الشاعر:
حسام إذا قمت معتضدا به *** كفى العود منه البدء ليس بمعضد
والمعنى أنها حسمتهم، أي قطعتهم وأذهبتهم. فهي القاطعة بعذاب الاستئصال. قال ابن زيد: حسمتهم فلم تبق منهم أحدا. وعنه أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوعبتها.
لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم وانقطعت غروب الشمس من آخر يوم.
وقال الليث: الحسوم الشؤم. ويقال: هذه ليالي الحسوم، أي تحسم الخير عن أهلها، وقاله في الصحاح.
وقال عكرمة والربيع بن أنس: مشائيم، دليله قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ} [فصلت: 16]. عطية العوفي: حُسُوماً أي حسمت الخير عن أهلها. وأختلف في أولها، فقيل: غداة يوم الأحد، قاله السدي.
وقيل: غداة يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس.
وقيل: غداة يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلام ووهب بن منبه. قال وهب: وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز، ذات برد وريح شديدة، وكان أولها يوم الأربعاء وآخرها يوم الأربعاء، ونسبت إلى العجوز لان عجوزا من عاد دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها في اليوم الثامن.
وقيل: سميت أيام العجوز لأنها وقعت في عجز الشتاء. وهي في آذار من أشهر السريانيين. ولها أسام مشهورة، وفيها يقول الشاعر وهو ابن أحمر:
كسع الشتاء بسبعة غبر *** أيام شهلتنا من الشهر
فإذا انقضت أيامها ومضت *** صن وصنبر مع الوبر
وبآمر وأخيه مؤتمر *** ومعلل وبمطفئ الجمر
ذهب الشتاء موليا عجلا *** وأتتك وأقده من النجر
وحُسُوماً نصب على الحال. وقيل على المصدر. قال الزجاج: أي تحسمهم حسوما أي تفنيهم، وهو مصدر مؤكد. ويجوز أن يكون مفعولا له، أي سخرها عليهم هذه المدة للاستئصال، أي لقطعهم واستئصالهم. ويجوز أن يكون جمع حاسم. وقرأ السدي حُسُوماً بالفتح، حالا من الريح، أي سخرها عليهم مستأصلة.
قوله تعالى: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها} أي في تلك الليالي والأيام. {صَرْعى} جمع صريع، يعني موتى.
وقيل: فِيها أي في الريح. {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ} أي أصول. {نَخْلٍ خاوِيَةٍ} أي بالية، قاله أبو الطفيل.
وقيل: خالية الأجواف لا شيء فيها. والنخل يذكر ويؤنث. وقد قال تعالى في موضع آخر: {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20] فيحتمل أنهم شبهوا بالنخل التي صرعت من أصلها، وهو إخبار عن عظم أجسامهم. ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع، أي إن الريح قد قطعتهم حتى صاروا كأصول النخل خاوية أي الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخلة الخاوية الجوف.
وقال ابن شجرة: كانت الريح تدخل في أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم، فصاروا كالنخل الخاوية.
وقال يحيى بن سلام، إنما قال خاوِيَةٍ لان أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية. ويحتمل أن يكون المعنى كأنهم أعجاز نخل خاوية عن أصولها من البقاع، كما قال تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً} [النمل: 52] أي خربة لا سكان فيها. ويحتمل الخاوية بمعنى البالية كما ذكرنا، لأنها إذا بليت خلت أجوافها. فشبهوا بعد أن هلكوا بالنخل الخاوية.

{فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (Cool}
أي من فرقة باقية أو نفس باقية.
وقيل: من بقية.
وقيل: من بقاء. فاعلة بمعنى المصدر، نحو العاقبة والعافية. ويجوز أن يكون اسما، أي هل تجد لهم أحدا باقيا.
وقال ابن جريج: كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الله من الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر فذلك قوله عز وجل: {فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ} وقوله عز وجل: {فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25].

{وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (9)}
قوله تعالى: {وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ} قرأ أبو عمرو والكسائي {ومن قبله} بكسر القاف وفتح الباء، أي ومن معه وتبعه من جنوده. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتبارا بقراءة عبد الله وأبي {ومن معه}. وقرأ أبو موسى الأشعري {ومن تلقاءه}. الباقون قَبْلَهُ بفتح القاف وسكون الباء، أي ومن تقدمه من القرون الخالية والأمم الماضية. {وَالْمُؤْتَفِكاتُ} أي أهل قرى لوط. وقراءة العامة بالألف. وقرأ الحسن والجحدري {والمؤتفكة} على التوحيد. قال قتادة: إنما سميت قرى قوم لوط {مؤتفكات} لأنها ائتفكت بهم، أي انقلبت. وذكر الطبري عن محمد بن كعب القرظي قال: خمس قريات: صبعة وصعره وعمرة ودوما وسدوم، وهي القرية العظمى. {بِالْخاطِئَةِ} أي بالفعلة الخاطئة وهي المعصية والكفر.
وقال مجاهد: بالخطايا التي كانوا يفعلونها.
وقال الجرجاني: أي بالخطإ العظيم، فالخاطئة مصدر.
{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10)}
قوله تعالى: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} قال الكلبي: هو موسى.
وقيل: هو لوط لأنه أقرب وقيل: عني موسى ولوطا عليهما السلام، كما قال تعالى: {فقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الشعراء: 16].
وقيل: رَسُولَ بمعنى رسالة. وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، قال الشاعر:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم *** بسر ولا أرسلتهم برسول
{فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً} أي عالية زائدة على الآخذات وعلى عذاب الأمم. ومنه الربا إذا أخذ في الذهب والفضة أكثر مما أعطى. يقال: ربا الشيء يربو أي زاد وتضاعف.
وقال مجاهد: شديدة. كأنه أراد زائدة في الشدة.

{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12)}
قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ} أي أرتفع وعلا.
وقال علي رضي الله عنه: طغى على خزانه من الملائكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه. قال قتادة: زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا.
وقال ابن عباس: طغى الماء زمن نوح على خزانه فكثر عليهم فلم يدروا كم خرج. وليس من الماء قطرة تنزل قبله ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم. وقد مضى هذا مرفوعا أول السورة. والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب: زجر هذه الامة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول. ثم من عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله: حَمَلْناكُمْ أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم. {فِي الْجارِيَةِ} أي في السفن الجارية. والمحمول في الجارية نوح وأولاده، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك. {لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً}
يعني سفينة نوح عليه الصلاة والسلام. جعلها الله تذكرة وعظه لهذه الامة حتى أدركها أوائلهم، في قول قتادة. قال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي. والمعنى: أبقيت لكم تلك الخشبات حتى تذكروا ما حل بقوم نوح، وإنجاء الله آباءكم، وكم من سفينة هلكت وصارت ترابا ولم يبق منها شي.
وقيل: لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح وإنجاء من آمن معه موعظة لكم، ولهذا قال الله تعالى: {وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ}
أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله. والسفينة لا توصف بهذا. قال الزجاج: ويقال وعيت كذا أي حفظته في نفسي، أعيه وعيا. ووعيت العلم، ووعيت ما قلت، كله بمعنى. وأوعيت المتاع في الوعاء. قال الزجاج: يقال لكل ما حفظته في غير نفسك: أوعيته بالألف، ولما حفظته في نفسك وعيته بغير ألف. وقرأ طلحة وحميد والأعرج: {وَتَعِيَها} بإسكان العين، تشبيها بقوله: {أَرِنا} [البقرة: 128]. وأختلف فيها عن عاصم وابن كثير. الباقون بكسر العين، ونظير قوله تعالى: {وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ} {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37].
وقال قتادة: الاذن الواعية أذن عقلت عن الله تعالى، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عز وجل.
وروى مكحول أن النبي صلي الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية: «سألت ربي أن يجعلها أذن علي». قال مكحول: فكان علي رضي الله عنه يقول ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئا قط فنسيته إلا وحفظته. ذكره الماوردي. وعن الحسن نحوه ذكره الثعلبي قال: لما نزلت وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال النبي صلي الله عليه وسلم: «سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي» قال علي: فوالله ما نسيت شيئا بعد، وما كان لي أن أنسى.
وقال أبو برزة الأسلمي قال النبي صلي الله عليه وسلم لعلي: «يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق على الله أن تعي».

{فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (13)}
قال ابن عباس: هي النفخة الأولى لقيام الساعة، فلم يبق أحد إلا مات. وجاز تذكير نُفِخَ لان تأنيث النفخة غير حقيقي.
وقيل: إن هذه النفخة هي الأخيرة. وقال: نَفْخَةٌ واحِدَةٌ أي لا تثنى. قال الأخفش: ووقع الفعل على النفخة إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع فقيل: نفخة. ويجوز {نفخة} نصبا على المصدر. وبها قرأ أبو السمال. أو يقال: أقتصر على الاخبار عن الفعل كما تقول: ضرب ضربا.
وقال الزجاج: فِي الصُّورِ يقوم مقام ما لم يسم فاعله.
{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (14)}
قوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ} قراءة العامة بتخفيف الميم، أي رفعت من أماكنها. {فَدُكَّتا} أي فتتا وكسرتا. {دَكَّةً واحِدَةً} لا يجوز في دَكَّةً إلا النصب لارتفاع الضمير في فَدُكَّتا.
وقال الفراء: لم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة، والأرض كالجملة الواحدة. ومثله: {أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً} [الأنبياء: 30] ولم يقل كن. وهذا الدك كالزلزلة، كما قال تعالى: {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها} [الزلزلة: 1].
وقيل: فَدُكَّتا أي بسطتا بسطة واحدة، ومنه اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره. وقد مضى في سورة الأعراف القول فيه. وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر {وحملت الأرض والجبال} بالتشديد على إسناد الفعل إلى المفعول الثاني. كأنه في الأصل وحملت قدرتنا أو ملكا من ملائكتنا الأرض والجبال، ثم أسند الفعل إلى المفعول الثاني فبني له. ولو جئ بالمفعول الأول لأسند الفعل إليه، فكأنه قال: وحملت قدرتنا الأرض. وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب فيقال: حملت الأرض الملك، كقولك: ألبس زيد الجبة، وألبست الجبة زيدا.

{فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17)}
قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ} أي قامت القيامة. {وَانْشَقَّتِ السَّماءُ} أي انصدعت وتفطرت.
وقيل: تنشق لنزول ما فيها من الملائكة، دليله قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] وقد تقدم. {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ} أي ضعيفة. يقال: وهي البناء يهي وهيا فهو واه إذا ضعف جدا. ويقال: كلام واه، أي ضعيف. فقيل: إنها تصير بعد صلابتها بمنزلة الصوف في الوهي ويكون ذلك لنزول الملائكة كما ذكرنا.
وقيل: لهول يوم القيامة.
وقيل: واهِيَةٌ أي متخرقة، قاله ابن شجرة. مأخوذ من قولهم: وهى السقاء إذا تخرق. ومن أمثالهم:
خل سبيل من وهى سقاؤه *** ومن هريق بالفلاة ماؤه
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه. {وَالْمَلَكُ} يعني الملائكة، اسم للجنس. {عَلى أَرْجائِها} أي على أطرافها حين تنشق، لان السماء مكانهم، عن ابن عباس. الماوردي: ولعله قول مجاهد وقتادة. وحكاه الثعلبي عن الضحاك، قال: على أطرافها مما لم ينشق منها.
يريد أن السماء مكان الملائكة فإذا انشقت صاروا في أطرافها.
وقال سعيد بن جبير: المعنى والملك على حافات الدنيا، أي ينزلون إلى الأرض ويحرسون أطرافها.
وقيل: إذا صارت السماء قطعا تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها.
وقيل: إن الناس إذا رأوا جهنم هالتهم، فيندوا كما تند الإبل، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا.
وقيل: عَلى أَرْجائِها ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السوق إليها، وفي أهل الجنة من التحية والكرامة. وهذا كله راجع إلى معنى قول ابن جبير. ويدل عليه: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] وقوله تعالى: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن: 33] على ما بيناه هناك. والارجاء النواحي والأقطار بلغة هذيل، واحدها رجا مقصور، وتثنيته رجوان، مثل عصا وعصوان. قال الشاعر:
فلا يرمى بي الرجوان أني *** أقل القوم من يغني مكاني
ويقال ذلك لحرف البئر والقبر. قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} قال ابن عباس: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله.
وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك. وعن الحسن: الله أعلم كم هم، ثمانية أم ثمانية آلاف. وعن النبي صلي الله عليه وسلم: «أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرين فكانوا ثمانية». ذكره الثعلبي. وخرجه الماوردي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية».
وقال العباس بن عبد الملك: هم ثمانية أملاك على صورة الأوعال. ورواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي الحديث: «إن لكل ملك منهم أربعة أوجه وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر وكل وجه منها يسأل الله الرزق لذلك الجنس». ولما أنشد بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم قول أمية بن أبي الصلت:
رجل وثور تحت رجل يمينه *** والنسر للأخرى وليث مرصد
والشمس تطلع كل آخر ليلة *** حمراء يصبح لونها يتورد
ليست بطالعه لهم في رسلها *** إلا معذبة وإلا تجلد
قال النبي صلي الله عليه وسلم: «صدق».
وفي الخبر: «أن فوق السماء السابعة ثمانية أو عال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء وفوق ظهورهن العرش». ذكره القشيري وخرجه الترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب. وقد مضى في سورة البقرة بكماله. وذكر نحوه الثعلبي ولفظه.
وفي حديث مرفوع: «أن حملة العرش ثمانية أملاك على صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاما للطائر المسرع».
وفي تفسير الكلبي: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة. وعنه: ثمانية أجزاء من عشرة أجزاء من الملائكة. ثم ذكر عدة الملائكة بما يطول ذكره. حكى الأول عنه الثعلبي والثاني القشيري.
وقال الماوردي عن ابن عباس: ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون. والمعنى ينزل بالعرش. ثم إضافة العرش إلى الله تعالى كإضافة البيت، وليس البيت للسكنى، فكذلك العرش. ومعنى: فَوْقَهُمْ أي فوق رؤوسهم. قال السدي: العرش تحمله الملائكة الحملة فوقهم ولا يحمل حملة العرش إلا الله.
وقيل: {فَوْقَهُمْ} أي إن حملة العرش فوق الملائكة الذين في السماء على أرجائها.
وقيل: فَوْقَهُمْ أي فوق أهل القيامة.

{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18)}
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} أي، على الله، دليله:- عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا وليس ذلك عرضا يعلم به ما لم يكن عالما به، بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة.
وروى الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله». خرجه الترمذي قال: ولا يصح من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة. {لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ} أي هو عالم بكل شيء من أعمالكم. ف خافِيَةٌ على هذا بمعنى خفية، كانوا يخفونها من أعمالهم، قاله ابن شجرة.
وقيل: لا يخفى عليه إنسان، أي لا يبقى إنسان لا يحاسب.
وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص: لا يخفى المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر.
وقيل: لا تستتر منكم عورة، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: «يحشر الناس حفاة عراة». وقرأ الكوفيون إلا عاصما {لا يخفى} بالياء، لان تأنيث الخافية غير حقيقي، نحو قوله تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود: 67] واختاره أبو عبيد، لأنه قد حال بين الفعل وبين الاسم المؤنث الجار والمجرور. الباقون بالتاء. واختاره أبو حاتم لتأنيث الخافية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

 تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الحاقة}رقم(69) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الحاقة}رقم(69)    تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الحاقة}رقم(69) Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2015 7:13 am

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22) قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (26) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (34)}
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ} إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة.
وقال ابن عباس: أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الامة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس. قيل له: فأين أبو بكر؟ فقال هيهات هيهات! زفته الملائكة إلى الجنة. ذكره الثعلبي. وقد ذكرناه مرفوعا من حديث زيد بن ثابت بلفظه ومعناه في كتاب التذكرة. والحمد لله. فَيَقُولُ: {هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ} أي يقول ذلك ثقة بالإسلام وسرورا بنجاته، لان اليمين عند العرب من دلائل الفرح، والشمال من دلائل الغم. قال الشاعر:
أبيني أفي يمنى يديك جعلتني *** فأفرح أم صيرتني في شمالك
ومعنى: هاؤُمُ تعالوا، قاله ابن زيد.
وقال مقاتل: هلم.
وقيل: أي خذوا، ومنه الخبر في الربا: «إلا هاء وهاء» أي يقول كل واحد لصاحبه: خذ. قال ابن السكيت والكسائي: العرب تقول هاء يا رجل اقرأ، وللاثنين هاؤما يا رجلان، وهاؤم يا رجال، وللمرأة هاء بكسر الهمزة وهاؤما وهاؤمن. والأصل ها كم فأبدلت الهمزة من الكاف، قاله القتيبي.
وقيل: إن هاؤُمُ كلمة وضعت لاجابة الداعي عند النشاط والفرح. روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ناداه أعرابي بصوت عال فأجابه النبي صلي الله عليه وسلم هاؤُمُ يطول صوته. وكِتابِيَهْ منصوب ب هاؤُمُ عند الكوفيين. وعند البصريين ب اقْرَؤُا لأنه أقرب العاملين. والأصل {كتابي} فأدخلت الهاء لتبين فتحة الياء، وكان الهاء للوقف، وكذلك في أخواته: حِسابِيَهْ، ومالِيَهْ، وسُلْطانِيَهْ وفي القارعة ما هِيَهْ. وقراءة العامة بالهاء فيهن في الوقف والوصل معا، لأنهن وقعن في المصحف بالهاء فلا تترك. وأختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق الخط. وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد ويعقوب بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف فيهن جمع. ووافقهم حمزة في مالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ، وما هِيَهْ في القارعة. وجملة هذه الحروف سبعة. وأختار أبو حاتم قراءة يعقوب ومن معه اتباعا للغة. ومن قرأهن في الوصل بالهاء فهو على نية الوقف. {إِنِّي ظَنَنْتُ} أي أيقنت وعلمت، عن ابن عباس وغيره.
وقيل: أي إني ظننت أن يؤاخذني الله بسيئاتي عذبني فقد تفضل علي بعفوه ولم يؤاخذني بها. قال الضحاك: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين. ومن الكافر فهو شك.
وقال مجاهد: ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك.
وقال الحسن في هذه الآية: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل. {أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ} أي في الآخرة ولم أنكر البعث، يعني أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب، لأنه تيقن أن الله يحاسبه فعمل للآخرة. {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} أي في عيش يرضاه لا مكروه فيه.
وقال أبو عبيدة والفراء: راضِيَةٍ أي مرضية، كقولك: ماء دافق، أي مدفوق.
وقيل: ذات رضا، أي يرضى بها صاحبها. مثل لابن وتامر، أي صاحب اللبن والتمر.
وفي الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم: «أنهم يعيشون فلا يموتون أبدا ويصحون فلا يمرضون أبدا وينعمون فلا يرون بؤسا أبدا ويشبون فلا يهرمون أبدا». {فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ} أي عظيمة في النفوس. {قُطُوفُها دانِيَةٌ} أي قريبة التناول، يتناولها القائم والقاعد والمضطجع على ما يأتي بيانه في سورة الإنسان. والقطوف جمع قطف بكسر القاف وهو ما يقطف من الثمار. والقطف بالفتح المصدر. والقطاف بالفتح والكسر وقت القطف. {كُلُوا وَاشْرَبُوا} أي يقال لهم ذلك. {هَنِيئاً} لا تكدير فيه ولا تنغيص. {بِما أَسْلَفْتُمْ} قدمتم من الأعمال الصالحة. {فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ} أي في الدنيا. وقال: كُلُوا بعد قوله: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ لقوله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ ومَنْ يتضمن معنى الجمع. وذكر الضحاك أن هذه الآية نزلت في أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، وقاله مقاتل. والآية التي تليها في أخيه الأسود بن عبد الأسد، في قول ابن عباس والضحاك أيضا، قاله الثعلبي. ويكون هذا الرجل وأخوه سبب نزول هذه الآيات. ويعم المعنى جميع أهل الشقاوة واهل السعادة، يدل عليه قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا}. وقد قيل: إن المراد بذلك كل من كان متبوعا في الخير والشر. فإذا كان الرجل رأسا في الخير، يدعو إليه ويأمر به ويكثر تبعه عليه، دعي باسمه واسم أبيه فيتقدم حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض، في باطنه السيئات وفي ظاهره الحسنات فيبدأ بالسيئات فيقرأها فيشفق ويصفر وجهه ويتغير لونه فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه سيئاتك وقد غفرت لك فيفرح عند ذلك فرحا شديدا، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحا، حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه حسناتك قد ضوعفت لك فيبيض وجهه ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه، ويكسى حلتين، ويحلى كل مفصل منه ويطول ستين ذراعا وهي قامة آدم عليه السلام، ويقال له: انطلق إلى أصحابك فأخبرهم وبشرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا. فإذا أدبر قال: هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه. قال الله تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} أي مرضية قد رضيها فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ في السماء قُطُوفُها ثمارها وعناقيدها. دانِيَةٌ أدنيت منهم. فيقول لأصحابه: هل تعرفوني؟ فيقولون: قد غمرتك كرامة، من أنت؟ فيقول: أنا فلان بن فلان أبشر كل رجل منكم بمثل هذا. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ أي قدمتم في أيام الدنيا. وإذا كان الرجل رأسا في الشر، يدعو إليه ويأمر به فيكثر تبعه عليه، نودي باسمه واسم أبيه فيتقدم إلى حسابه، فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيئات، فيبدأ بالحسنات فيقرأها ويظن أنه سينجو، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه حسناتك وقد ردت عليك فيسود وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير، ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزنا، ولا يزداد وجهه إلا سوادا، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه سيئاتك وقد ضوعفت عليك، أي يضاعف عليه العذاب. ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل- قال- فيعظم للنار وتزرق عيناه ويسود وجهه، ويكسى سرابيل القطران ويقال له: انطلق إلى أصحابك وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا، فينطلق وهو يقول: يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ. يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ يتمنى الموت.
هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ تفسير ابن عباس: هلكت عني حجتي. وهو قول مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك.
وقال ابن زيد: يعني سلطانيه في الدنيا الذي هو الملك. وكان هذا الرجل مطاعا في أصحابه، قال الله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} قيل: يبتدره مائة ألف ملك ثم تجمع يده إلى عنقه وهو قوله عز وجل: {فَغُلُّوهُ} أي شدوه بالأغلال {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} أي اجعلوه يصلى الجحيم {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً} الله أعلم بأي ذراع، قاله الحسن.
وقال ابن عباس: سبعون ذراعا بذراع الملك.
وقال نوف: كل ذراع سبعون باعا، وكل باع أبعد ما بينك وبين مكة. وكان في رحبة الكوفة.
وقال مقاتل: لو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص.
وقال كعب: إن حلقة من السلسلة التي قال الله تعالى ذرعها سبعون ذراعا- أن حلقة منها- مثل جميع حديد الدنيا. {فَاسْلُكُوهُ} قال سفيان: بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه. وقاله مقاتل. والمعنى ثم اسلكوا فيه سلسلة.
وقيل: تدخل عنقه فيها ثم يجربها. وجاء في الخبر: أنها تدخل من دبره وتخرج من منخريه.
وفي خبر آخر: تدخل من فيه وتخرج من دبره، فينادي أصحابه هل تعرفوني؟ فيقولون لا، ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت؟ فينادي أصحابه أنا فلان بن فلان، لكل إنسان منكم مثل هذا. قلت: وهذا التفسير أصح ما قيل في هذه الآية، يدل عليه قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} [الاسراء: 71].
وفي الباب حديث أبي هريرة بمعناه خرجه الترمذي. وقد ذكرناه في سورة سبحان فتأمله هناك. {إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ} أي على الإطعام، كما يوضع العطاء موضع الإعطاء. قال الشاعر:
أكفرا بعد رد الموت عني *** وبعد عطائك المائة الرتاعا
أراد بعد إعطائك. فبين أنه عذب على ترك الإطعام وعلى الامر بالبخل، كما عذب بسبب الكفر. والحض: التحريض والحث. واصل طَعامِ أن يكون منصوبا بالمصدر المقدر. والطعام عبارة عن العين، وأضيف للمسكين للملابسة التي بينهما. ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام فموضع المسكين نصب. والتقدير على إطعام المطعم المسكين، فحذف الفاعل وأضيف المصدر إلى المفعول.

{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (37)}
قوله تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ} خبر فَلَيْسَ قوله: لَهُ ولا يكون الخبر قوله: هاهُنا لان المعنى يصير: ليس ها هنا طعام إلا من غسلين، ولا يصح ذلك، لان ثم طعاما غيره. وهاهُنا متعلق بما في لَهُ من معنى الفعل. والحميم ها هنا القريب. أي ليس له قريب يرق له ويدفع عنه. وهو مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار، كأنه الصديق الذي يرق ويحترق قلبه له. والغسلين فعلين من الغسل، فكأنه ينغسل من أبدانهم، وهو صديد أهل النار السائل من جروحهم وفروجهم، عن ابن عباس.
وقال الضحاك والربيع بن أنس: هو شجر يأكله أهل النار. والغسل بالكسر: ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره. الأخفش: ومنه الغسلين، وهو ما انغسل من لحوم أهل النار ودمائهم. وزيد فيه الياء والنون كما زيد في عفرين.
وقال قتادة: هو شر الطعام وأبشعه. ابن زيد: لا يعلم ما هو ولا الزقوم.
وقال في موضع آخر: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6] يجوز أن يكون الضريع من الغسلين.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى فليس له اليوم ها هنا حميم إلا من غسلين، ويكون الماء الحار. وَلا طَعامٌ أي وليس لهم طعام ينتفعون به. {لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِئُونَ} أي المذنبون.
وقال ابن عباس: يعني المشركين. وقرئ: {الْخاطِيونَ} بإبدال الهمزة ياء، و{الخاطون} بطرحها. وعن ابن عباس: ما الخاطون! كلنا نخطو.
وروى أبو الأسود الدؤلي: ما الخاطون؟ إنما هو الخاطئون. ما الصابون! إنما هو الصابئون. ويجوز أن يراد الذي يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود الله عز وجل.

{فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)}
قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ} المعنى أقسم بالأشياء كلها ما ترون منها وما لا ترون. ولا صلة.
وقيل: هو رد لكلام سبق، أي ليس الامر كما يقوله المشركون.
وقال مقاتل: سبب ذلك أن الوليد بن المغيرة قال: إن محمدا ساحر.
وقال أبو جهل: شاعر.
وقال عقبة: كاهن، فقال الله عز وجل: {فَلا أُقْسِمُ} أي أقسم.
وقيل: فَلا ها هنا نفي للقسم، أي لا يحتاج في هذا إلى قسم لوضوح الحق في ذلك، وعلى هذا فجوابه كجواب القسم. {إِنَّهُ} يعني القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يريد جبريل، قاله الحسن والكلبي ومقاتل. دليله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} [التكوير: 20- 19].
وقال الكلبي أيضا والقتبي: الرسول ها هنا محمد صلي الله عليه وسلم، لقوله: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ وليس القرآن قول الرسول صلي الله عليه وسلم، إنما هو من قول الله عز وجل ونسب القول إلى الرسول لأنه تاليه ومبلغه والعامل به، كقولنا: هذا قول مالك.
{وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (42)}
قوله تعالى: {وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ} لأنه مباين لصنوف الشعر كلها. {وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ} لأنه ورد بسب الشياطين وشتمهم فلا ينزلون شيئا على من يسبهم. وما زائدة في قوله: قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ، قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ، والمعنى: قليلا تؤمنون وقليلا تذكرون. وذلك القليل من إيمانهم هو أنهم إذا سئلوا من خلقهم قالوا: الله. ولا يجوز أن تكون ما مع الفعل مصدرا وتنصب قَلِيلًا بما بعد ما، لما فيه من تقديم الصلة على الموصول، لان ما عمل فيه المصدر من صلة المصدر. وقرأ ابن محيصن وابن كثير وابن عامر ويعقوب {ما يؤمنون}، و{يذكرون} بالياء. الباقون بالتاء لان الخطاب قبله وبعده. أما قبله فقوله: تُبْصِرُونَ وأما بعده: فَما مِنْكُمْ الآية.

{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43)}
قوله تعالى: {تَنْزِيلٌ} أي هو تنزيل. {مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} وهو عطف على قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40]، أي إنه لقوله رسول كريم، وهو تنزيل من رب العالمين.

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)}
قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ} تَقَوَّلَ أي تكلف وأتى بقول من قبل نفسه. وقرئ: {ولو تقول} على البناء للمفعول. {لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أي بالقوة والقدرة، أي لاخذناه بالقوة. ومِنْ صلة زائدة. وعبر عن القوة والقدرة باليمين لان قوة كل شيء في ميامنه، قاله القتبي. وهو معنى قول ابن عباس ومجاهد. ومنه قول الشماخ:
إذ ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عرابة باليمين
أي بالقوة. عرابة أسم رجل من الأنصار من الأوس.
وقال آخر:
ولما رأيت الشمس أشرق نورها *** تناولت منها حاجتي بيميني
وقال السدي والحكم: بِالْيَمِينِ بالحق. قال:
تلقاها عرابة باليمين ***
أي بالاستحقاق.
وقال الحسن: لقطعنا يده اليمين.
وقيل: المعنى لقبضنا بيمينه عن التصرف، قاله نفطويه.
وقال أبو جعفر الطبري: إن هذا الكلام خرج مخرج الاذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب. كما يقول السلطان لمن يريد هوانه: خذوا يديه. أي لأمرنا بالأخذ بيده وبالغنا في عقابه. {ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ} يعني نياط القلب، أي لاهلكناه. وهو عرق يتعلق به القلب إذا انقطع مات صاحبه، قاله ابن عباس وأكثر الناس. قال:
إذا بلغتني وحملت رحلي *** عرابة فاشرقي بدم الوتين
وقال مجاهد: هو حبل القلب الذي في الظهر وهو النخاع، فإذا انقطع بطلت القوى ومات صاحبه. والمؤتون الذي قطع وتينه.
وقال محمد بن كعب: إنه القلب ومراقه وما يليه. قال الكلبي: إنه عرق بين العلباء والحلقوم. والعلباء: عصب العنق. وهما علباوان بينهما ينبت العرق.
وقال عكرمة: إن الوتين إذا قطع لا إن جاع عرف، ولا إن شبع عرف.
{فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)}
قوله تعالى: {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} فَما نفي وأَحَدٍ في معنى الجمع، فلذلك نعته بالجمع، أي فما منكم قوم يحجزون عنه كقوله تعالى: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] هذا جمع، لان بَيْنَ لا تقع إلا على اثنين فما زاد. قال النبي صلي الله عليه وسلم: «لم تحل الغنائم لاحد سود الرؤوس قبلكم». لفظه واحد ومعناه الجمع. ومِنْ زائدة.
والحجز: المنع. وحاجِزِينَ يجوز أن يكون صفة لاحد على المعنى كما ذكرنا، فيكون في موضع جر. والخبر مِنْكُمْ. ويجوز أن يكون منصوبا على أنه خبر ومِنْكُمْ ملغى، ويكون متعلقا ب حاجِزِينَ. ولا يمنع الفصل به من انتصاب الخبر في هذا، كما لم يمتنع الفصل به في إن فيك زيدا راغب. قوله تعالى: {وَإِنَّهُ} يعني القرآن {لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} أي للخائفين الذين يخشون الله. ونظيره: {فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] على ما بيناه أول سورة البقرة.
وقيل: المراد محمد صلي الله عليه وسلم، أي هو تذكرة ورحمة ونجاة.

{وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}
قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ} قال الربيع: بالقرآن. {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ} يعني التكذيب. والحسرة: الندامة.
وقيل: أي وإن القرآن لحسرة على الكافرين يوم القيامة إذا رأوا ثواب من آمن به.
وقيل: هي حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحديهم أن يأتوا بسورة مثله. {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} يعني أن القرآن العظيم تنزيل من الله عز وجل، فهو لحق اليقين.
وقيل: أي حقا يقينا ليكونن ذلك حسرة عليهم يوم القيامة. فعلى هذا وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ أي لتحسر، فهو مصدر بمعنى التحسر، فيجوز تذكيره.
وقال ابن عباس: إنما هو كقولك: لعين اليقين ومحض اليقين. ولو كان اليقين نعتا لم يجز أن يضاف إليه، كما لا تقول: هذا رجل الظريف.
وقيل: أضافه إلى نفسه لاختلاف اللفظين. {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أي فصل لربك، قاله ابن عباس.
وقيل: أي نزه الله عن السوء والنقائص.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الحاقة}رقم(69)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الواقعة}رقم(56)
» تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الليل}رقم(92)
» تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الطلاق}رقم(65)
» تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة المسد}رقم(111)
» تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة الأحقاف}رقم(46)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : تفسير ۩ القرآن الكريم ۩ القرطبى-
انتقل الى: