"اليهودي العربي الأخير"
"اليهودي العربي الأخير"
ماذا الحديث عن يهود العالم العربي الآن؟ هو سؤال قد يتبادر إلى ذهن القارئ حين يقع على هذا الملف الذي نخصصه عن يهود العالم العربي، تاريخهم وحاضر مَن بقي منهم في الدول العربية.
لا إجابة محددة عن هذا السؤال. هنالك مجموعة متنوّعة من الدوافع التي حثّتنا على هذا الخيار. فيهود العالم العربي هم جزء من ماضينا البعيد والقريب، فهل نسأل لماذا الحديث عن ماضينا؟ وتاريخ يهود العالم العربي ومصائرهم جزء من الأزمة القديمة المستمرة للمجتمعات العربية التي لم تستطع يوماً إدارة تنوّعها العرقي والديني بأسلوب يحقق مصلحة الجميع، فهل نسأل لماذا الحديث عن أبرز أزماتنا ونحن نعاني اليوم من أحد أبشع فصولها؟
إذا تحدثنا عن تاريخ الصحافة العربية لا نستطيع إلا أن نمرّ بأدوار أساسية لعبها اليهود. وكذلك الأمر إذا تحدثنا عن السينما والموسيقى والغناء والشعر والأدب أو عن العلاقات الاقتصادية بين العرب والغرب... إذاً، الحديث عن يهود العالم العربي هو جزء لا يتجزأ من الحديث عن أنفسنا.
ويعطي ما تعاني منه الأقليات اليوم مشروعية مضافة للعودة إلى البحث في تاريخ يهود العالم العربي. فالاتهامات التي شاعت حول اليهود في النصف الأول من القرن الماضي تلاحق معظم الأقليات الدينية والقومية الموجودة في العالم العربي. وكأن المجتمع يبحث دائماً عن حلقة ضعيفة يلقي عليها وزر المصائب التي تحلّ عليه.
بطبيعة الحال، الواقع أكثر تعقيداً من أن يُختزل بمجموعة من الآراء التعميمية سلبيةً كانت أم إيجابية. ولعلّ من الخطأ الحديث دائماً عن يهود العالم العربي وكأنهم كتلة واحدة لها خصائص مشتركة ورؤية مشتركة للأمور من دون الاعتراف بأنهم احتضنوا توجهات مختلفة مثلهم مثل باقي المجموعات التي تعيش في العالم العربي.
حالياً، ليس هنالك أرقام دقيقة عن اليهود الذين لا يزالون يعيشون في العالم العربي. لا تزال أعداد قليلة منهم موجودة ولكنها غالباً لا تُشهر معتقداتها ولا تمارس شعائرها الدينية، وذلك خوفاً من تعرّضها للأذى. وفي دول عربية كثيرة لا تزال قائمة شواهدٌ كثيرة على وجودهم السابق من حارات إلى كُنُس إلى مقابر.
أسئلة كثيرة تُطرح علينا كعرب بمناسبة الحديث عن يهود العالم العربي، والكثير منها متعلق بإنشاء إسرائيل على أرض فلسطين. ولكن إذا ما تركنا تاريخ النزاع العربي الإسرائيلي جانباً قليلاً، ودققنا النظر في علاقتنا باليهود الذين ساهموا في بناء المجتمعات العربية، فلعلّ أبرز الأسئلة التي تطرح: لماذا شكلت المجتمعات العربية والإسلامية في الماضي البعيد ملاذاً آمناً لليهود الهاربين من الأندلس، ولماذا عملت على إقصائهم في الماضي القريب؟
كان اليهود العرب جزءاً من فسيفساء المجتمعات العربية. فُقد هذا الجزء منذ عشرات السنوات، والآن هنالك خطر حقيقي يهدد بفقدان أجزاء أخرى.
**************************