همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 رسول الله في مرضه الأخير (1-2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

رسول الله في مرضه الأخير (1-2) Empty
مُساهمةموضوع: رسول الله في مرضه الأخير (1-2)   رسول الله في مرضه الأخير (1-2) Emptyالسبت فبراير 27, 2016 11:17 am

رسول الله في مرضه الأخير (1-2)
العودة إلى المدينة وتجهيز جيش أسامة
وفاة رسول اللهعاد رسول الله إلى المدينة بعد هذا الحج العظيم، فمكث فيها بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفر من سنة 11هـ، وفي شهر صفر بدأ رسول الله في إعداد بَعْث حربي جديد للشام لقتال الروم، وذلك أن الروم قتلوا والي (مَعَان) عندما أسلم، فكان لا بد من رد حاسم، وهذا هو الإعداد الثالث لمجابهة الدولة الرومانية العظمى، وكان الأول هو مؤتة، والثاني هو تبوك، وهذا البعث الجديد كان الثالث، وقد أَمَّر عليه أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما، ليرسخ المعنى نفسَه الذي أشرنا إليه عند التعليق على حجة الوداع، ومع ذلك لم يكن كل المسلمين مستعدين نفسيًّا لقبول ولاية أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وخاصة أنه كان شابًّا لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، لكن الرسول أصر على ولايته للجيش، وقال للناس: "إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبيِهِ مِنْ قَبْلُ، وَاللَّهِ إِنَّهُ كَانَ خَلِيقًا لِلإِمَارَةِ".

ويلفت الرسول بهذه الولاية إلى أمرين في غاية الأهمية: أما الأمر الأول فهو ليس من المهم من هو القائد ولا نسبه، ولا عمره، ولكن المهم كفاءته، وأنه يحتكم في كل أموره إلى كتاب الله وسنة نبيه .

وأما الأمر الثاني فهو أن طاقات الشباب هائلة، وأكثر بكثير من تخيلنا، أو من تخيل الشباب أنفسهم، والرسول بأي حال من الأحوال لا يضيّع جيشه، ولا يخاطر بمصير أمته بزعامة لا تتصف بالكفاءة، وبخاصة أن الصراع القادم سيكون مع أعتى قوة في الأرض في زمانهم، وما لم يكن موقنًا تمام اليقين أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أهلٌ لهذه المهمة ما ولاه، ولا سيما أن الجيش كان يضم تحت إمرة أسامة مجموعة فذة من القادة العسكريين، ومن السابقين الأولين، ويكفي أن من جنود أسامة في هذا الجيش أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذا تقدير لا يخفى على أحد لقيمة وإمكانيات الشباب في عين رسول الله .

مع النبي قبيل الوفاة
جُهز بالفعل الجيش المهم، وخرج من المدينة المنورة في اتجاه الشام في أواخر شهر صفر سنة 11هـ، ولكن بمجرد خروجه، وعلى بُعد خمسة أميال من المدينة سمع الجيش بمرض رسول الله فانتظروا مكانهم، ولم يكملوا الطريق، وذلك للاطمئنان على صحة الحبيب .

وبدأ مرض الرسول الذي كان في نهايته الوفاة، ولا شك أنه صعب جدًّا على النفس أن تتخيل موت رسول الله ، وسبحان الذي ثبت أصحابه في هذه الفاجعة! فنحن وبعد مرور أكثر من ألف وأربعمائة سنة على موته، لا نستطيع أن نتمالك أنفسنا عند سماع، أو قراءة قصة وفاة الحبيب .

لقد كانت -بلا مبالغة- أكبر مصيبة، وأعظم كارثة في تاريخ الأرض منذ خلقها الله وإلى يوم القيامة، ومع كون وفاة الأنبياء بصفة عامة مصيبة كبيرة على أقوامهم، إلا أن مصيبة وفاة الرسول كانت أعظم وأجلّ، وليس ذلك لكونه أعظم الأنبياء وسيد المرسلين فقط، ولكن كانت المصيبة الكبرى هي انقطاع الوحي بعد وفاة الرسول انقطاعًا أبديًّا إلى يوم القيامة.

وهذه فعلاً كانت مصيبة متفردة ليست ككل المصائب، حتى إن الصحابة الذين صبروا وثبتوا عندما ذُكّروا بهذه المصيبة تهيجت نفوسهم للبكاء، وأدركوا فداحة الأزمة، ومن ذلك ما حدث مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عندما زارا أم أيمن -رضي الله عنها- بعد وفاة الرسول ، فوجداها في ألم شديد، وبكاء مرّ، فصبراها بأن رسول الله الآن في حال أحسن وأجمل وأعظم، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فأخبرتهما السيدة أم أيمن -رضي الله عنها- بأن مصابها الفادح ليس في مفارقة الرسول فقط، ولكن في أن الوحي انقطع عن الأرض وإلى يوم القيامة؛ لأنه ليس هناك نبي بعد رسول الله ، يقول الراوي: فهيجتهما على البكاء، فجلس الجميع يبكون.

لقد كانت مصيبة لا تُتَخيل حقًّا، فعلى مدار ثلاث وعشرين سنة تَعَوّد الصحابة على نزول الوحي من السماء في كل لحظة، وفي كل ظرف، وفي كل أزمة، تعودوا على اتصال الأرض بالسماء اتصالاً عجيبًا يُبَصّر المسلمين بأمور يستحيل عليهم أن يعرفوها بدون وحي.

ولم يكن الوحي يومًا أو يومين، وإنما كان ثلاثًا وعشرين سنة، رحلة طويلة من الأحداث الساخنة والصاخبة والمعقدة، كان الوحي فيها دليلاً للمسلمين، وهاديًا لهم، ومبصرًا لعقولهم، ومطمئنًا لأفئدتهم.

حقًّا ما أعجب الحياة في ظل الوحي! لا شك أن البشر يخطئون، والمؤمن الصادق يعتذر سريعًا عن خطئه، أو يتوب من قريب، ولكن أحيانًا تختلط الحقائق مع الأباطيل، ويتوه الصواب بين طرق الخطأ المتشعبة، وأحيانًا يأخذ الإنسان المسلم قرارًا يحسبه سليمًا وصحيحًا وشرعيًّا، بينما يكون الحق في خلاف ذلك.

يحدث هذا مرارًا وتكرارًا معنا، فلا ندري أكنا على حق، أم اخترنا الباطل؟

لكن أيام الوحي، كان الوضع مختلفًا عن ذلك، إذا أخطأ المسلمون نزل الوحي يبين لهم الخطأ، ويبصرهم بالطريق، ويوضح الحق من الباطل، فيعلم المسلمون علمًا يقينيًّا حدود الحق، وحدود الباطل، حتى عندما كان يختار رسول الله خلاف الأَوْلى، كان الوحي ينزل بالتصويب، وبترتيب الأولويات، وبتوضيح الفروق الدقيقة بين الصحيح والأصح، وبين الفاضل والمفضول، لقد كانت حياة عجيبة حقًّا.

نعم، ترك الله منهجًا قيمًا عظيمًا نعرف به الحلال من الحرام، ونرتب به أولوياتنا ترتيبًا شرعيًّا سليمًا، ولكن ليس الحال كما كان أيام الوحي.

يرى بعض الصحابة أن الأصوب أن نأخذ الفداء من الأسرى في بدر، ويرى آخرون أن الأصوب أن يقتل هؤلاء الأسرى، ويعتقد كل طرف أن رأيه هو الأقرب إلى الحق، فينزل الوحي ليبين لهم الصواب الذي لا خطأ فيه.

ويرى فريق من الصحابة أن الإغارة على قافلة مشركة في شهر رجب الحرام أمر لا خطأ فيه، بل هو جهاد، كما حدث في سرية نخلة، ويرى آخرون أنه خطأ عظيم ما كان له أن يحدث، وتتضارب وجهات النظر، ولكلٍّ حجته، فينزل الوحي بالحق الذي لا باطل فيه.

وهكذا في حياتهم بكاملها، وليس حين الاختلاف فقط، وليس حين الخطأ فقط، ولكن هناك معايشة عجيبة للصحابة مع السماء، ينادي رسول الله على أُبيّ بن كعب، ويقول: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَن أَعْرِضَ الْقُرْآنَ عَلَيْكَ".

قال: وسماني لك ربي تبارك وتعالى؟ قال: "بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا".

هكذا قرأها أُبيّ.

رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "يَا بِلالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلامِ عِنْدَكَ مَنْفَعَةً، فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدِي فِي الْجَنَّةِ".

فقال بلال: ما عملت في الإسلام أرجى عندي منفعة، إلا أني لم أتطهر طهورًا تامًّا في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي. مسند أحمد.

ينادي رسول الله على خديجة، فيخبرها بسلام ربها عليها، عن أبي زرعة قال: سمعت أبا هريرة يقول:

أتى جبريل النبي ، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك، ومعها إناء فيه إدام -أو طعام، أو شراب- فإذا هي أتتك فأقرئها السلام من ربها، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

هل يتخيل أحدكم حياة كهذه؟! الوحي كان ينزل، ويخبرهم عن أحداث مستقبلية، لا سبيل لمعرفتها إلا عن طريق الوحي، فيطمئن بها المسلمون، وتسكن قلوبهم وجوارحهم.

الله يعدهم بالانتصار في بدر.

الله يعدهم بفك الحصار في الأحزاب.

الله يعدهم بقتل أبي جهل، والوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، وأبيّ بن خلف، وغيرهم.

الله يعدهم بفتح مكة.

الله يعدهم بفتح فارس والشام واليمن.

أحداث يعيشونها ويترقبون نتائجها.

والصحابة كما ذكرنا كانوا قد تعودوا على هذه الحياة المتابَعة بدقة من رب العالمين I، أما بعد وفاة الرسول فعليهم أن يعيشوا بالقرآن والسنة، وباجتهادهم دون تعديل من السماء، قد يصيبون في مرة، وقد يخطئون في أخرى، سيعيشون تجربة جديدة تمامًا، وسيعيش البشر بعد ذلك كلهم هذه التجربة، وهكذا أراد الله ، ولن يعرف أحد منا على وجه اليقين إن كان من أهل الجنة، أو من أهل النار إلا بعد موته، على خلاف ما كان يحدث أيام رسول الله .

لقد كانت فتنة عظيمة جدًّا، لكن قضى الله أن يكون الحبيب آخر الأنبياء، وأن يموت كما يموت عامة الخلق، وإنها لمصيبة لا تعدلها مصيبة أن يموت الرسول ، لكن لا شك أن في قضاء الله خيرًا.

روى ابن ماجه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ -أو من المؤمنين- أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ، فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبِتَهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبَهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي". قال الألباني في السلسلة الصحيحة: صحيح بشواهده.

ثم إن الصحابة كانوا يحبون الرسول أكثر من أبنائهم وإخوانهم وأزواجهم، بل أكثر من أنفسهم، وإلى هذا المعنى أشارت صحابية جليلة من بني دينار، وعند البيهقي من بني ذبيان -رضي الله عنها- عندما علمت باستشهاد أبيها، وأخيها، وزوجها في موقعة أُحد، فقالت في لهفة: ما فعل رسول الله ؟! قالوا: هو بخير كما تحبين.

قالت: أرونيه. فلما رأته سالمًا قالت: كل مصيبة بعدك جَلَل. تعني صغيرة هينة.

وصدقت الصحابية -رضي الله عنها- وليس هذا مبالغة، فإن حبه فرض على كل مسلم ومسلمة، فأمرنا ربنا أن نقدم حبه على كل حب، وأن نقدم حبه على حب الولد، والوالد، والناس أجمعين.

روى البخاري عن أنس عن النبي قال: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".

بل أمرنا الله أن نحبه أكثر من أنفسنا، روى البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي ، وهو آخذ بيدي عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي.

فقال النبي : "لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ".

فقال له عمر: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي.

فقال النبي : "الآنَ يَا عُمَرُ".

لذلك فمصيبة موته كانت -حقيقة- أعظم من كل المصائب التي حدثت على الأرض منذ خُلقت، وإلى يوم القيامة.

والله من رحمته بعباده المؤمنين مهدهم نفسيًّا لمثل هذه المصيبة التي تقصم الظهر، وتهدّ الجبال، فذكر لهم في أكثر من موضع في كتابه أن البشر جميعًا يموتون، وهذا يشمل الأنبياء وغير الأنبياء.

قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: 35].

وقال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49].

ثم خص ربنا I الرسول بالذكر، وصرح أن الوفاة ستحدث معه كما تحدث مع عامة الخلق، فقال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزُّمر: 30].

وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34].

ولاحظ أن هذه الآيات مكية، أي أن التمهيد كان مبكرًا جدًّا؛ لئلا تكون صدمة المسلمين هائلة، فيفقدون صوابهم وحكمتهم.

وجاء تمهيد آخر كبير في غزوة أُحد عندما أشيع أن رسول الله قد قتل، وتباينت ردود أفعال المسلمين إزاء هذه الإشاعة المريعة، وثبت بعضهم، واهتز آخرون، وسقط فريق ثالث محبط، ونزل القرآن الكريم يعلق على الأمر: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

فمصيبة موت الرسول إذن متوقعة، وأخفى الله سبب الوفاة، فقال: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عمران: 144].

فقد يكون موتًا طبيعيًّا، وقد يكون قتلاً في معركة أو في غيرها، وذلك ليظل المسلمون في ترقب دائم؛ لئلاّ تكون المفاجأة قاسية عليهم، ثم كانت الأحداث التي تمت في الشهر الأخير من عمره كلها تشير إلى اقتراب أجله ، وما أكثر ما قال: "لَعَلِّي لا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا".

وحجة الوداع كانت تفيض بالمواقف الوداعية للأمة، ونزول آية: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، كانت إشارة جلية إلى قرب الوفاة، ونزول سورة النصر التي قال في حقها ابن عباس رضي الله عنهما، وكما جاء في رواية البخاري: أَجَلٌ، أو مَثَلٌ ضُرِب لمحمد نُعِيت له نفسه.

لقد كان كثير من المسلمين يتوقع ذلك الأمر، لكن لم يجرؤ واحد منهم أن يواجه نفسه بصراحه في هذا الصدد، بل كان الجميع ينكر بقلبه ما يوقن تمامًا بعقله أنه سيحدث.

مرض الموت
لقد حرص على توديع الجميع، حتى إنه لم يودع الأحياء فقط، بل ودع الأموات أيضًا، لقد خرج في أوائل شهر صفر سنة 10هـ إلى أُحُد، فصلى على الشهداء وودعهم. روى البخاري عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا".

وفي الشهر نفسِه أيضًا في آخره خرج لأهل البقيع، حيث يدفن الموتى من أهل المدينة المنورة، فقد روى أبو مُوَيْهبة مولى رسول الله كما في مسند أحمد وسنن الدارمي أن رسول الله بعثه من جوف الليل ذات ليلة فقال: "يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُمِرْتَ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي".

يقول أبو مويهبة : فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم، قال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ؛ أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا، الآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الأُولَى".

يقول أبو مويهبة : ثم أقبل عليَّ فقال: "يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزِائِنِ الدُّنْيَا، وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنِ لِقَاءِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةِ".

قال أبو مويهبة: قلت: بأبي وأمي، فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة.

قال : "لا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، لَقَدِ اخْتَرْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالَجَنَّةَ".

ثم استغفر لأهل البقيع وبشرهم بقوله: "إِنَّا بِكُمْ لَلاحِقُونَ".

ثم انصرف إلى بيته .

كان ذلك غالبًا في ليلة التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11هـ في صباح ذلك اليوم، أي في يوم التاسع والعشرين من صفر، شهد رسول الله جنازة في البقيع وعند عودته، وفي أثناء الطريق، بدأ المرض الذي مات فيه ، وقد أصابه صداع في رأسه، ثم ارتفعت درجة حرارته ، فربط عصابة على رأسه، ومن شدة الحرارة كان الصحابة يشعرون بهذه الحرارة من فوق العصابة، لقد كان مرضًا شديدًا حقًّا، يروي الإمام أحمد وابن ماجه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله عاد ذات يوم من جنازة بالبقيع، وكانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- تشعر هي الأخرى بصداع في رأسها، فقالت عندما رأت الرسول : وارأساه.

فقال : "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ".

ولعلها المرة الأولى في حياته التي لا يلتفت لمرضها؛ وذلك لشدة مرضه هو ، كانت هذه هي البداية، ثم قال وهو يداعبها : "مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَغَسَّلْتُكِ، وَلَقَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ".

أي أنه لو حدث ومتِّ قبلي، فإن هذا خير لك؛ لأنني سأصلي عليك وأستغفر لك، لكن السيدة عائشة -رضي الله عنها- كانت مشغولة بشيء آخر، لقد قالت: لكأني بك والله لو فعلت ذلك، لقد رجعت إلى بيتي، فأعرست فيه ببعض نسائك.

لقد كانت تمزح، وما تدرك أن هذا مرض وفاة الحبيب ، وأخذ الرسول الموضوع ببساطة، وتبسم من مزاحها وغيرتها، ثم بُدِئ بوجعه الذي مات فيه.

الرسول يداوى في بيت الصديقة
مع مرور الوقت اشتد المرض برسول الله ، وكان كعادته ينتقل كل يوم من بيت زوجة إلى أخرى بحسب دورهن، ولكنه مع اشتداد المرض أصبح من الصعب عليه أن يتنقل بين الحجرات، فأراد أن يستقر في بيت إحداهن إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، وكان يريد أن يستقر في بيت أحبّ زوجاته إلى قلبه، وهي عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما؛ فكان يقول: "أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟" استبطاءً ليوم عائشة رضي الله عنها، ولكنه استحى أن يطلب ذلك من زوجاته لئلا يكسر نفوسهن، حتى جاء يوم عائشة، فسكن، ومن أدبهن وحبهن له أَذِنَّ له بالبقاء حيث يحب، فخرج في اليوم الخامس من ربيع الأول إلى بيت عائشة رضي الله عنها، وهو لا يَقْوى على السير، فكان يتحامل على الفضل بن العباس، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكانت قدماه تخط في الأرض لا يقوى على المشي، وكان عاصبًا رأسه ، وقضى هذا الأسبوع الأخير من حياته كلها في بيت عائشة رضي الله عنها.

وكانت عائشة -رضي الله عنها- تطببه في بيتها، وكانت السيدة عائشة تقول -كما في صحيح البخاري-: "كان رسول الله إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي تُوُفِّي فيه، طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث".

لأنه كان لا يستطيع أن يفعل ذلك بنفسه، تقول عائشة رضي الله عنها: "وأمسح بيد النبي ".

إنما كانت تمسح بيده هو لالتماس البركة.

لقد كان مرضًا شديدًا للغاية، وكان لا يقوى على الحركة، وبالكاد يتكلم، تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها- كما في البخاري ومسلم: "ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله ".

وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: دخلت على رسول الله ، وهو يوعك وعكًا شديدًا، فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكًا شديدًا.

فقال : "أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ".

فقلت: ذلك أن لك أجرين؟

فقال رسول الله : "أَجَلْ".

ثم قال : "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضِهِ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا".

والرسول قد غَفَر الله له ما تَقَدّم من ذنبه وما تأخر، ولكن هذه المعاناة والألم لرفع الدرجات، والوصول إلى ما لم يصل إليه مرسل ولا ملك مقرب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
رسول الله في مرضه الأخير (1-2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رسول الله في مرضه الأخير (2-2)
» تعظيم رسول الله بأبي أنت وأمي يا رسول الله
» كيف ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم
» لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
» غسل رسول الله ودفنه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: