فصل في الذين لا يجزئ دفع الزكاة لهم.
تقدم في الفصل السابق بيان أهل الزكاة المستحقون لها , أما هذا الفصل ففيه بيانُ الأصناف الذين لا يُجزئ دفع الزكاة لهم , وهم على النحو التالي :
1- الكافر : فلا يجزئ دفع الزكاة له ؛ لقول النبي r في حديث معاذ رضي الله عنه (... فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ...) [رواه البخاري ومسلم] . فنص على أن الزكاة تُرَدُّ على فقراء المسلمين. إلا إذا أريد تأليفه كما سبق, فيعطي عند الحاجة إلى تأليفه .
2- الرقيق : وهو العبد ؛ لأن نفقته واجبة على سيده , فهو غني بغناه وما يُدفع إليه لا يملكه وإنما يملكه سيده فكأنه دُفع إلى سيده , إلا إذا كان مكاتباً فيجوز إعانته على أداء الكتابة كما تقدم .
3- الغني : وهو الذي عنده ما تحصل به الكفاية على الدوام من كسبٍ أو تجارةٍ أو عقارٍ أو نحو ذلك ؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ r قَالَ : (لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِىٍّ وَلاَ لِذِى مِرَّةٍ سَوِيٍّ) [رواه أبوداود والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح] . وذو مِرَّةٍ سَوِىٍّ معناه : قوي صحيح الأعضاء .
4- مَنْ تلزمه نفقته : كزوجته وأولاده وأولاد أولاده وإن سَفلوا , وكذا والديه وجديه , وإن عَلَوا, فهولاء لا يجوز دفع الزكاة لهم ؛ لأن نفقتهم واجبة عليه , وقد نقل ابن المنذر رحمه الله الإجماع على ذلك , ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه , ويعود نفعها إليه , فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز , كما لو قضى بها دينه .
أما سائر الأقارب ممن لا تلزمه نفقتهم , فيجوز دفع الزكاة لهم , قال ابن قدامة رحمه الله : « قال الإمام أحمد في رواية اسحق بن إبراهيم واسحق بن منصور , وقد سأله : يُعْطَي الأخ والأخت والخالة من الزكاة ؟ قال : يعطي كل القرابة إلا الأبوين ». أهـ [المغني 2/509] وذلك لقول النبي r : (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) [رواه النسائي والترمذي بإسناد حسن] . فلم يشترط نافلة ولا فريضة , ولم يفرق بين الوارث وغيره .
4- الزوج : وفيه روايتان في المذهب: رواية بجواز أن تعطيه الزوجة زكاتها, ورواية بالمنع , وقدَّم صاحب الإنصاف رواية الجواز وقال : «هي المذهب» ؛ وذلك لأن الزوجة لا يجب عليها نفقته , فلا يُمنع دفع الزكاة إليه كالأجنبي , ولأن الأصل جواز الدفع ؛ لدخول الزوج في عموم الأصناف الذين تحل لهم الزكاة , وليس في المنع نص ولا إجماع , ويستأنس لذلك بما ثبت عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود أنها قالت : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ r: (صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ) [رواه البخاري] .
5- بنو هاشم : وهم ذرية هاشم بن عبد مناف؛ لأنهم من آل محمد r ، وآل محمد أشرف الناس نسباً، ولذا لا يُعْطون من الزكاة إكراماً لهم؛ لقول النبي r لبعض بني هاشم : (إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَنْبَغِى لآلِ مُحَمَّدٍ. إِنَّمَا هِىَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) [رواه مسلم] . إلا إذا كانوا غزاةً أو مؤلَّفون أو غارمون , فيعطون حينئذٍ من الزكاة ؛ للمصلحة العامة .
- فإن دفعها المزكِّي لغير من يستحقها ؛ كما لو دفعها إلى كافرٍ أو إلى هاشميٍّ وهو يجهل ذلك ثم علم , لم يجزئه ذلك عن الزكاة , وعليه أن يستردَّها بنمائها ؛ لأنه دفعها لمن لا يستحقها ولا يخفى حاله غالباً, فلا يعذر بجهالته . بخلاف ما لو دفعها لمن ظنه فقيراً , ثم تبين أنه غنيٌّ فحينئذٍ تجزئه ؛ لقول النبي r للرجلين اللذين سألاه الصدقة : (إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ ...) [رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح] . فاكتفى النبي r بالظاهر, ولأن الغِنَى يَخْفى .
- يسن له أن يُفرِّق الزكاة على أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم , وعلى ذوي أرحامه ؛ كعمته وخالته وبنت أخيه , وذلك على قدر حاجتهم ؛ للحديث السابق: (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ).
- هل يجوز دفع الزكاة لمن ضمَّه إلى عياله وتبرع بنفقته ؟
يقول ابن قدامة رحمه الله : « فان كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه ؛ كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز له دفع زكاته إليه ؛ لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مؤنته , والصحيح إن شاء الله : جواز دفعها إليه ؛ لأنه داخل في أصناف المستحقين للزكاة ولم يرد في منعه نص ولا إجماع ولا قياس صحيح فلا يجوز إخراجه من عموم النص بغير دليل» . أهـ [المغني 2/509] .
تنبيهان :
1- لا يجوز صرف الزكاة لغير هذه الأصناف الثمانية , فلا يجوز صرفها في بناء المساجد، ولا في بناء المدارس، ولا في إصلاح الطرق، ولا في تكفين الموتى , ونحو ذلك ؛ لأن الله عز وجل فرضها لهؤلاء الأصناف فقال: )فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ(.
2- يجوز للمزكي أن يقتصر على صنفٍ واحدٍ من الأصناف الثمانية , ويجوز أن يعطيها شخصاً واحداً ؛ ويدل على ذلك حديث معاذٍ رضي الله عنه السابق (... تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ...) فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم , ولحديث قبيصة السابق : (أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا) .