تورُّدُ الوجه
تورُّدُ الوجه blushing
هو احمِرارٌ لاإراديّ للوجه تُحرِّضهُ الانفعالات عادةً، مثل الإحرَاج أو الشدَّة.
كما يُمكن أيضاً لمناطِق أخرى في الجسم أن ينقلِب لونها إلى الأحمر، مثل العُنق والأذنين والقسم العلويّ من الصَّدر، وفي بعض الأحيان يشعر الشخصُ بالحرارة في هذه المناطق.
ما الذي يُسبِّبُ تورُّد الوجه؟
يحدُث تورُّد الوجه الطبيعي عندما تُحرِّضُ الانفِعالات القويَّة الجِهازَ العصبيّ، ممَّا يُؤدِّي إلى توسُّع أوعِية الدَّم في الوجه وزِيادةٍ في مجرى الدَّم إلى داخِل الأوعِية تحت الجلد، بحيث ينقلِبُ لونُ الوجه إلى الأحمر.
هُناك أسبابٌ نفسيَّة وبدنيَّة لتورُّد الوجه غير الطبيعيّ (الشديد أو المُتكرِّر)، وتنطوي هذه الأسبابُ على التالي:
* اضطراب القلق الاجتِماعيّ social anxiety disorder (رُهاب المُجتَمع social phobia): وهو حالةٌ من الخوف المُفرِط والمُستمرّ من المواقف الاجتِماعيَّة.
* اضطراب القلق المُعمَّم generalised anxiety disorder: وهو حالةٌ طويلةُ الأمد تُسبِّبُ القلقَ من طيف واسِع من المواقف والمسائل.
* حبّ الشباب أو العَدّ الورديّ rosacea: حالة جلديَّة شائِعة تُصِيبُ الوجهَ بشكلٍ رئيسيّ.
* انقِطاع الطمث (الضَّهى) menopause: أي عندما تتوقَّف دورةُ الطمث عند المرأة حينما يتراوَح عمرُها بين 45 و 55 عاماً عادةً.
* بعض الأدوية، مثل تاموكسيفين tamoxifen المُستخدَم لعلاج سرطان الثَّدي.
كما يُمكن أيضاً أن يُؤدِّي الكُحولُ أو المشروبات السَّاخِنة وتناوُل الطعام الغنيّ بالتوابِل والتمارِين الشدَّيدة والتغيُّرات المُفاجِئة في درجات الحرارة إلى تورُّد الوجه.
متى يحتاج الإنسان إلى نصيحةٍ طبيَّةٍ؟
يتعرَّض مُعظمُ الناس إلى تورُّد الوجه من حينٍ إلى آخر، وهي حالةٌ لا تدعو إلى القلق عادةً، ولكن قد يكون لها تأثيرات نفسيَّة ملحُوظة تجعل الشخصَ يتجنَّب مواقِف مُعيَّنة والتفاعُل مع الآخرين؛ وبذلك تجِب استِشارة الطبيب إذا تكرَّر تورُّدُ الوجه وكان يُؤثِّرُ في نوعية الحياة
طُرق المُعالَجة المُتوفِّرة
إذا كانَ تورُّدُ الوجه غير الطبيعيّ يُؤثِّرُ في نوعية الحياة عندَ الإنسان، فقد ينتفِعُ حينها من المُعالجة، وتعتمِدُ طريقةُ المُعالَجة على السبب الكامِن لهذه الحالة.
في حال كان السببُ الكامِن نفسيَّاً، مثل الخوف غير المنطقيّ (الرُّهاب phobia) أو اضطراب القلق، يُمكن للعِلاج السلوكيّ المعرِفي cognitive behavioural therapy (عِلاجٌ بالحديث أو الكلام)، أن يُبرِهنَ على فعَّاليته.
كما يُمكن أن تُساعِدَ بعضُ الأدوية أيضاً، مثل مُثبِّطات استِرداد السيروتونين الانتِقائيَّة selective serotonin reuptake inhibitors على التخفيفِ من مشاعِر القلق التي تترافق مع الحالة.
إذا كان السَّببُ الكامِن بدنيَّاً، مثل انقِطاع الطمث أو العدّ الوردِيّ، قد يحتاج الشخصُ إلى تجنُّب مُحرِّضات شائِعة مثل الشدَّة والكُحول والطعام الغنيّ بالتوابِل، ويُمكن للعِلاج الهرمونيّ التعويضيّ hormone replacement therapy أن يُفيدَ النِّساء اللواتي يُعانِين من الهبَّات الساخِنة في سنّ اليأس.
عندما يكون تورُّدُ الوجه شديداً إلى درجةٍ لا تنفع معها طُرقُ المُعالجة الأخرى، يُمكن الأخذ بالاعتِبار إجراء جِراحيّ يُسمَّى قطع الودِّي الصدري بالتنظير endoscopic thoracicsympathectomy، ولكن قد يُؤدِّي هذا النوعُ من الجراحةِ إلى مشاكِل تستمر لفتراتٍ طويلةٍ مثل التعرُّق المُفرِط excessive sweating (فرط التعرُّق hyperhidrosis
أسباب تورُّد الوجه
يُعدُّ الجِهازُ العصبيّ الودِّي sympathetic system السَّببَ في تورُّد الوجه، وهذا الجِهازُ هو شبكة من الأعصاب، وهو المسؤول عن تحرِيض استِجابة تُدعى منعكس المواجَهة أو الفِرار fight or flight reflex.
الجِهازُ العصبيّ الودِّي هو سلسلةٌ من التغيُّرات البدنيَّة اللاإراديَّة التي تحدُث عندما يُواجِه الإنسانُ موقفاً خطيراً أو مُحرَِّضاً للشدَّة؛ فالانفِعالاتُ المُفاجئة والقويَّة، مثل الإحراج أو الشدَّة، تُؤدِّي إلى أن يُوسِّع هذا الجِهازُ من أوعية الدَّم في الوجه، ممَّا يزيد من تدفُّق الدَّم إلى البشرة، ويُعطي الوجه لوناً أحمرَ يترافق مع تورُّد الوجه.
هناك أسبابٌ أخرى لتورُّد الوجه، بالإضافة إلى المُحرِّضات الانفِعاليَّة، ويُمكن أن تنطوي على التالي:
* الكُحول.
* الطعام الحارّ أو الغنيّ بالتوابِل.
* المشروبات الحارَّة.
* ارتفاع درجة حرارة البدن (الحُمَّى).
* تغيُّر مُفاجئ في درجة حرارة الجو، سواءٌ نحو الحرارة أم البرودة.
* التمارين العنيفة.
* بعض المشاكِل الصحيَّة أو الأدوية.
المشاكِل الصحيَّة
هناك عددٌ من المشاكِل الصحيَّة التي يُمكنها أن تُسبِّبَ تورُّدَ الوجه بشكلٍ مُتكرِّرٍ، وتنطوي على مشاكِل نفسيَّة وبدنيَّة معاً.
من الأسباب الشائِعة لتورُّد الوجه المُفرِط والمُتكرِّر هو رُهابُ تورُّد الوجه (رُهاب التَّوَرُّد) erythrophobia، حيث يشعر من لديه هذا الرُّهاب بالقلق من تورُّد وجهه عندما يتفاعل مع الآخرين، ومن أنَّ الناسَ سيسخرون منه لهذا السبب؛ ويُمكن أن يُؤدِّي هذا إلى حلَقة مُفرَغة، حيث يزداد شعورُه بالقلق تجاه كونه مِحور الانتباه في اللقاءات الاجتِماعيَّة، وبذلك سيشعر بإحراجٍ شديدٍ بشكلٍ مُفاجئ، ويبدأ وجهه بالتورُّد، ممَّا يُعزِّزُ من رُهاب تورُّد الوجه لديه.
يترافق رُهابُ تورُّد الوجه عادةً مع أنواع أخرى من الرُّهاب واضطرابات المزَاج، مثل رُهاب المُجتَمع واضطراب القلَق المُعمَّم.
كما يُمكن لتورُّد الوجه أن يترافقَ أحياناً مع مشاكل صحيَّة أخرى، مثلما ذكرنا سابِقاً، وهي تشتمل على التالي:
* العدّ الورديّ، وهو حالة شائِعةٌ طويلة الأمد تُصِيب البشرةَ خصوصاً الوجه، ولكن لا تُوجد معلوماتٌ كافِية حولها.
* انقِطاع الطمث، حيث تتوقَّف دورة الطمث عند المرأة، وتحدُث بين عُمر 45 و 55 عاماً عادةً.
* كثرة الخلايا البدينة mastocytosis، وهي حالةٌ نادِرة يُسبِّبها الإنتاج المُفرِط للهستامين histamine في الدَّم.
* المُتلازِمة السَّرطاويَّة carcinoid syndrome، وهي نوعٌ نادِر من السرطان يُؤثِّرُ في قُدرة البدن على إفراز هرموناتٍ مُعيَّنةٍ.
كما يترافق أيضاً التعرُّق الزَّائِد أو فرط التعرُّق hyperhidrosis مع تورُّد الوجه عادةً، إلّا أنَّه ليس سبباً مُباشراً لهذه الحالة.
الأدوية
يُمكن لأنواع مُعيَّنة من الأدوية أن تُسبِّب تورُّد الوجه، مثل:
* تاموكسيفين tamoxifen (يُستخدَم لعلاج سرطان الثَّدي عادةً).
* حاصِرات قنوات الكالسيوم calcium-channel blockers (تُستخدَم لعلاج ارتِفاع ضغط الدَّم والذَّبحة الصدريَّة angina).
* كالسيتونين calcitonin (يُستخدَم أحياناً لعلاج اضطرابات العِظام، مثل هشاشة أو تخلخُل العظام osteoporosis).
* ثُلاثي نترات الغليسيريل glyceryl trinitrate وثُنائيّ نترات إيزوسوربيد isosorbide dinitrate (يُستخدَمان لعِلاج الذَّبحة الصدريَّة أحياناً).
* بوسيريلين buserelin وتريبتوريلين triptorelin وغوزرلين goserelin ولوبروريلين leuprorelin (تُستخدَم أحياناً لعِلاج سرطان البروستات).
يجب استِشارةُ الطبيب عند تناوُل أدوية تُسبِّبُ تورُّد الوجه، وتجعل الشخص يشعر بالقلقِ أو بالشدَّةِ أو بالخجل من الآخرين، حيث يُمكن أن ينصحَ الطبيب بأدويةٍ بديلةٍ.
عِلاجُ تورُّد الوجه
يحتاجُ تورُّد الوجه إلى العِلاج فقط إذا كان يُؤثِّرُ في نوعية الحياة، أو إذا كان سببه مُشكلة صحيَّة كامِنة.
تعتمِدُ أنواعُ المُعالجة على السَّبب.
المشاكِل النفسيَّة
ربمَّا ينصح الطبيبُ بالمُعالجة النفسيَّة إذا كان السبب في تورُّد الوجه هُو رُهاب تورُّد الوجه erythrophobia أو رُهاب المُجتَمع أو اضطراب القلق المُعمَّم.
يُستخدَم العلاجُ السلوكيّ المعرفيّ بشكلٍ واسِع مع تلك الحالات، ويعتمِد هذا العِلاجُ على فكرة أنَّ التفكيرَ غير المُفيد وغير الواقِعيّ يُؤدِّي إلى سُلوكٍ سلبيٍّ.
يهدُف هذا العلاجُ إلى كسر هذه الحلقة إن صحَّ التعبير، وإيجاد طُرقٍ جديدةٍ من التفكير يُمكنها أن تُساعِد الإنسانَ على أن يتصرَّفَ بطريقة أكثر إيجابيَّة؛ فمثلاً، يعتقد الكثير من الناس الذين يخشونَ تورُّد الوجه أنَّهم سيتعرَّضون إلى السخرية إذا تورَّدت وجوههم، ولكن سيُوضِّح المُعالج أنَّ هذا الخوفَ يستنِدُ إلى أفكار غير واقعيَّة، فمُعظمُ الناس يميلون إلى تقبُّل بعضهم بعضاً ولا يشعرون بالمتعة من إحراجِ الآخرين.
كما يُمكن أيضاً استِخدامُ نوع من الأدوية المُضادَّة للاكتِئاب تُسمَّى مُثبِّطات استِرداد السيروتونين الانتِقائيَّة للتقليلِ من الشُّعور بالخوفِ والقلق.
العدُّ الورديّ rosacea
إذا كان السَّببُ في تورُّد الوجه هو العدُّ الورديّ، قد ينتفِع الإنسان من تجنُّب المُحرِّضات المُحتَملة مثل الشدَّة والتعرُّض إلى ضوء الشَّمس لفترةٍ طويلةٍ والطعام الغنيّ بالتوابِل.
يُمكن إخفاءُ تورُّد الوجه باستِخدام مُستحضر عِلاجي لترطيب البشرة بلونٍ أخضر، وهذا النَّوعُ من مُستحضرات ترطيب البشرة ينفع أيضاً في إخفاء تمزُّق الأورِدة. هناك أنواعٌ أخرى من مُستحضرات ترطيب البشرة قد تكون فعَّالة، خصوصاً مع الرِّجال الذين يُعانون من مشاكل تورُّد الوجه، وهي لا تُسبِّبُ الحساسيَّة.
في الحقيقة لا يُوجد الكثيرُ من الأدوية التي أظهرت فعَّاليةً في التقليلِ من تورُّد الوجه الذي يُسبِّبهُ العدّ الورديّ، رغم أنَّ المُعالجة بالضوء النبضيّ المُكثَّف intense pulsed light تُساعِدُ أحياناً عن طريق انكِماش أوعية الدَّم في الوجه.
انقِطاع الطمث
يُعاني العديدُ من النِّساء من الهبَّات الساخِنة وتورُّد الوجه في سنّ اليأس، ويُمكن في هذه الحالة اتِّباع التعليمات التالية:
* تجنُّب المُحرِّضات المُحتَملة، مثل الشدَّة والطعام الغنيّ بالتوابِل والكافيين والتدخين والكُحول.
* مُمارسة التمارين بشكلٍ مُنتَظمٍ.
* إنقاصُ وزن البدن إن كانت المرأة تُعاني من الوزنِ الزائِد أو البدانة.
* ارتِداء ملابِس خفيفة.
كما يُمكن للعلاج الهرمونيّ التعويضيّ أو دواء كلونيدين clonidine أن يُساعِدا أيضاً على التقليل من الهبَّاتِ السَّاخِنة التي يُسبِّبها انقِطاع الطمث، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض أنواع مُضادَّات الاكتِئاب مثل فينلاماكسين venlafaxine وفلوكسيتين fluoxetine، ولكن يجب التنويهُ إلى أنَّ هذه الأدويةَ غيرُ مُرخَّصةٍ لهذه الغاية.
الجراحة
يُستخدم نوعٌ من الجراحة يُعرف باسم قطع الودِّي الصدري بالتنظير مع مُعظم الحالات الشَّديدة لتورُّد الوجه، حيث لا تنفع طُرق المُعالجة الأخرى.
تعتمِدُ هذه الجراحةُ على قطع الأعصاب التي تُوسِّعُ من أوعية الدَّم في الوجه، وهي تحتاجُ إلى التخديرِ العام، حيث يُحدِثُ الجرَّاح شُقوقاً صغيرةً تحت الإبطِ، ثُمَّ يُدخِلُ أنبوباً رقيقاً مُجهَّزاً بكاميرا في نِهايته عبر شقٍّ من تلك الشُّقوق، ممَّا يُساعِدُ على تحديد العصب الذي يتحكَّم بأوعية الدَّم في جانِبٍ واحِدٍ من الوجه. بعد ذلك، يُدخِل الجرَّاح أدواتٍ خاصَّة عبر شقٍّ آخرَ ويستخدِمها لقطع العصب.
بعدَ الانتِهاء من هذه العمليَّة، يُعِيد الجرَّاح الإجراء نفسه ولكن في الجانِب الآخر من الوجه.
يجب التنويهُ إلى أنَّ هذا الإجراءَ لا ينجح دائماً، وقد يُعاني بعضُ المرضى من مُضاعفاتٍ لاحقة تستمر لفترةٍ طويلةٍ.
تشتمل بعضُ الأخطار الرئيسيَّة لقطع الودِّي الصدري بالتنظير على ما يلي:
* التعرُّق المعاوِض الزَّائِد excessive compensatory sweating، فالعصبُ الذي يجري قطعُه يتحكَّم أيضاً بالتعرُّق في بعض مناطق البدن، وبذلك يُمكن أن تُؤدِّي الجراحةُ إلى زيادة التعرُّق في مناطق أخرى من البدن.
* مُتلازِمة هورنر Horner’s syndrome، حيث يُؤدِّي تَضرُّرُ العصب إلى تدلِّي أو انسِدال الجفن العلويّ على جانِبٍ من الوجه.
* استِرواح الصَّدر pneumothorax، حيث يدخل الهواءُ إلى تجويف الصَّدر، ويحتاج إلى الشَّفط عن طريق إدخال أنبوب مُؤقَّت.
نظراً إلى المشاكل التي ذُكِرت سابقاً، خصوصاً مُشكلة التعرُّق الزائِد، قد لا يرغب بعضُ المرضى بالخُضوع إلى قطع الودِّي الصدري بالتنظير، وبذلك تأتي أهميَّةُ استِشارة الطبيب حول المنافِع والأخطار المُحتَملة لمثل هذه الجراحة.
*********************