عدد المساهمات : 10023 نقاط : 26544 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/12/2015
موضوع: حق الدعاء : لفضيلة الشيخ محمد حسان الإثنين مارس 06, 2017 8:22 am
حق الدعاء : لفضيلة الشيخ محمد حسان
أحبتى فى الله:
حقوق يجب أن تعرف سلسلة منهجية تحدد الدواء من القرآن والسنة لهذا الداء العضال الذى استشرى فى جسد الأمة ألا وهو الانفصام النكد بين منهجها المنير وواقعها المؤلم المرير، فأنا لا أعرف زماناً قد انحرفت فيه الأمة عن منهج ربها ونبيها كهذا الزمان فأردت أن أذكر نفسى وأمتى بهذه الحقوق الكبيرة التى ضاعت لعلها أن تسمع من جديد عن الله عز وجل، ولعلها أن تسمع من جديد عن رسول الله ، وتردد مع الصادقين السابقين الأولين قولتهم الخالدة: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة.
ونحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء السادس والثلاثين من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، وحديثنا اليوم بإذن الله عن حق جليل عظيم أرجو ألا نضل عنه ونغفل عنه فى زمن أصبح الناس لا يتكلمون فيه إلا عن الماديات فى عصر طغت فيه الشهوات، وكثرت فيه المطامع والرغبات، بل وكثرت فيه أيضاً الأزمات والضوائق والكربات ومع ذلك كل من ينتبه يلجأ إلى هذا الحق الجليل ألا وهو حق الدعاء. وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدمنا، فسوف أركز الحديث تركيزاً شديداً مع حضراتكم فى هذا الموضوع والحق الجليل فى العناصر المحددة التالية.
أولاً: فضل الدعاء من القرآن والسنة.
ثانياً: شروط قبول الدعاء.
ثالثاً: آداب الدعاء.
أخيراً: دعاء ينبغى لنا جميعا أن نتعلمه.
فأعيرونى القلوب والأسماع، والله أسأل أن يستجيب منا دعاءنا وصالح أعمالنا إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أحبتى فى الله:
أولاً: فضل الدعاء لكن اسمحوا لى أن أكرر القول وأقول أننا طالما ذكرنا بأن لله سنناً فى الكون ثابتة لا تتبدل ولا تتغير تلك السنن التى لا تجامل أحداً من الخلق بحال، مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة فإننا نعتقد اعتقاداً جازما أن الأمة ذلت وهانت لمن كتب الله عليهم الذل والمهانة يوم أن تخلت الأمة عن أسباب النصر والعز والتمكين أن أسباباً مادية كثيرة يجب على الأمة أن تأخذ بها لتكون أهلا لنصرة الله من هذه الأسباب {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ } (60) سورة الأنفال. إعداد عسكرى، إعداد سياسي، إعداد اقتصادى، إعداد تعليمي، إعداد إعلامى، إعداد فكرى، إعداد عملى، إعداد بكل ما تحمله الكلمة من معان الإعداد، فلابد أن تعد الأمة العدة وأن تأخذ بأسباب النصر والعز لا أقلل من شأن هذا الطرح فطالما طرحناه وكررناه وأصلناه، لكننى أخشى مع تكرار هذا الطرح أن نغفل عن سبب جليل من أعظم أسباب النصر والعز والتمكين ألا وهو الدعاء مع خطر الأسباب المادية التى ذكرت فأخشى أن نغفل عن الدعاء بدعوى أننا نعيش عصر يتحدث عن أحدث ما وصلت إليه التقنية الحديثة فى الوسائل الحربية والقنابل الذرية والنووية والهيدروجينية إلى غير ذلك. نتحدث عن هذه الأسباب المادية ونخشى فى هذا الوقت أن نغفل عن الدعاء أو أن يحتقر بعض شبابنا الدعاء، فكثير ما يطرح على شبابنا يا شيخ: طالما دعونا ما تغير شئ رأيت المساجد فى رمضان تقنت وتتضرع إلى الله فى الوتر، بل وفى الفجر أحياناً فى وقت النوازل وما تغير شئ ، بل بعض شبابنا يزعم أن الأمر الآن بالدعاء من التواكل وهذا فهم مقلوب ومغلوط فلقد كان الفاروق عمر يقول: إنى لا أحمل هم الإجابة ولكنى أحمل هم الدعاء.
فمن الُهم الدعاء فإن الإجابة معه لكنى سأبين لحضراتكم اليوم شروط قبول الدعاء لماذا لا يستجيب الله دعاءنا؟ فالدعاء صلة تربط العبد بسيده ومولاه لا سيما فى هذا الزمان التى تزاحمت فيه الضوائق والكربات وتعددت فيه الفتن والمشكلات والأزمات، وأصبح المسلم ينظر حوله فى حيرة ودهشة من أمره.
هنا يجب على المسلم والمؤمن أن يطرح قلبه بذل وانكسار بين يدى العزيز الغفار وأن يقوم ليبث لسيده ومولاه همومه وشكواه وهو يقول:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا فقلت يا أملى فى كل نائبة أشكو إليك أمورا أنت تعلمها وقد مددت يدى بالذل مبتهلا فلا تردنها يا رب خائبة
وبت أشكو إلى مولاى ما أجده ومن عليه لكشف الضر أعتمد ما لى إلى حملها صبر ولا جلد إليك يا خير من مدت إليه يد فبحر جودك يروى كل من يرد
ما أحوج المسلم الآن إلى هذه الصلة إلى هذا الرباط فإنى أدين لله الآن أننا فى أمس الحاجة إلى أن نضرع إليه بقلوب صادقة بقلوب خالصة بقلوب ليست غافلة ليست لاهية.
ما أحوج الأمة الآن أمام هذا العدو الشرس أن تأخذ بالأسباب وأن تعد العدة فى حدود قدراتها وإمكانياتها وأن تتضرع إلى من يدير الكون كله وإلى من بيده الأمر كله، فهو وحده سبحانه القادر على أن يغير الذل إلى عز، والضعف إلى قوة، والمهانة إلى كرامة، والفقر إلى غنى، ما أحوجنا إليه ولذلك ما من آية فى القرآن سئل فيها حبيبنا المصطفى إلا وكان الجواب من الله للنبى بقوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } (189) سورة البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } (219) سورة البقرة { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (219) سورة البقرة {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } (220) سورة البقرة {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } (222) سورة البقرة {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } (4) سورة المائدة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } (42) سورة النازعات {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (1) سورة الأنفال {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة.
وما عليك أيها الحبيب إلا أن تختار الزمان والمكان وأن تناجى الرحيم الرحمن، إذا أردت أن تقابل من أهل الدنيا وزيراً أو أميراً أو رئيساً يحدد لك الزمان، ويحدد لك المكان، ويحدد لك وقت الزمان ويحدد لك أحياناً ما الذى ينبغى أن تتحدث فيه، لكنك إذا أرات أن تنادى ملك الملوك جبار السماوات والأرض أنت الذى تحدد الزمان والمكان واللقاء والكلام وأنت الذى تنهى اللقاء.
وأعلم بأن الله لا يمل حتى تمل {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (186) سورة البقرة. لا واسطة ما عليك إلا أن ترفع أكف الضراعة إليه، وأن تطرح قلبك بذل وانكسار بين يديه، وأن تبثه شكواك وهمومك ونجواك، {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (86) سورة يوسف.، ففضل الدعاء عظيم.
روى الإمام البخارى فى الأدب المفرد وأحمد فى مسنده وابن أبى شيبة فى مصنفه وغيرهم بسند صحيح من حديث النعمان بن بشير أن البشير النذير قال:" هو العبادة" كيف اختزل النبى قضية العبادة كلها فى الدعاء هو العبادة. ([1])
أما "الدعاء فى العبادة" ففى سنده ضعف "الدعاء هو العبادة" وفى الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والترمذى بسند صحيح من حديث سلمان الفارسى أن الحبيب النبى قال: "إن الله حيى كريم يستحى إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبين"([2])
الله يستحى من عبده إذا رفع العبد يديه ، بذل وابتهال وتضرع وإلحاح، الله يستحى أن يرد عبده دون أن يقضى له حاجته قد يسألنى كثير من الأخوة طالما دعوت الله فلم يستجب الله لى.
اسمع إلى النبى ففى الحديث الذى رواه أحمد فى مسنده والحاكم فى مستدركه بسند حسنه العلامة أحمد شاكر رحمة الله قال: " ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها- أى بدعوته- إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له فى الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"([3])
إنتبه أيها اللبيب:" إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له فى الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها".
ما رأى العبد إجابة للدعاء خذ الثانية:" وإما أن يدخرها له فى الآخرة". ووالله إنها لكرامة فالدنيا مهما طالت فهى قصيرة، ومهما عظمت فهى حقيرة.
أما الآخرة فما أحوج العبد فى لحظات الكربات بأن يجد دعوة قد تضرع بها إلى رب الأرض والسماوات فى الدنيا، وأجل الله له جواب دعوته لهذا اليوم العصيب الرهيب، الذى لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. "وإما أن يصرف الله عنه من السوء مثلها" يصرف الله عنك سوء نت لا تعرفه مرض أنت لا تتوقعه بلاء أنت ما رتبت له وما فكرت فيه فما عليك فى كل الأحوال إلا أن تتضرع إلى الكبير المتعال، وأنت على يقين أن الله جل وعلا إن صدقت وحققت الشروط لن يردك دائماً خائباً خالى الوفاض.
وفى الحديث الذى رواه أحمد والبخارى فى الأدب المفرد أيضاً بسند حسن من حديث أبى هريرة- - أن النبى قال:" من لم يسأل الله يغضب عليه"([4]) .
هذا تأصيل مهم جداً لشبابنا من لم يسأل الله يغضب عليه، إن سألت بنى آدم غضب منك، إن سألت أخاك غضب منك، إن سألت رئيسك فى العمل غضب منك، لكنك إن لم تسأل الكريم جل وعلا يغضب عليك من لم يسأل الله يغضب عليه.
وأختم هذا العنصر الأول لطول الموضوع بهذا الحديث الجميل الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى موسى الأشعرى قال: كنا مع النبى فى سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير يرفعون أصواتهم بالتكبير والتهليل بالدعاء فقال لهم النبى : " أيها الناس أربعوا على أنفسكم- أى: هونوا على أنفسكم- لماذا تدعون الله بهذا الصراخ أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا بصيراً وهو معكم والذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"([5]) والذى تدعونه
أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته أى : من التى تركبونها قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (16) سورة ق.
قال: " والذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"([6]) يقول عبد الله بن قيس- وهو ابن
موسى الأشعرى- يقول: وأنا خلف رسول الله أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله يقول: أقول فى نفسى ما تلفظت بها فنادى عليه النبى وقال:" يا عبد الله بن قيس" قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله قال له الحبيب:" هل أدلك على كنز من كنوز الجنة؟" قال: بلى يا رسول الله قال المصطفى:" قل لا حول ولا قوة إلا بالله"([7]) .
إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، بل تدعون سميعا، يسمع دبيب النملة السوداء، تحت الصخرة الصماء، فى الليلة الظلماء، بصيرا لا يغيب عن بصره، ولا عن علمه شئ، فما من جبل على ظهر الأرض إلا ويعلم الله ما فى قعره، وما تحمل من أنثى ولا تضع على ظهر الأرض إلا بعلمه، سبحانه تبارك وتعالى من سمع صوته الأصوات.
جاءت المرأة المجادلة تشكو زوجها للنبى وهو فى حجرة السيدة عائشة تقول عائشة رضى الله عنها: وأنا فى جانب من الغرفة لا أستمع إلى شكواها حتى استمع الله عز وجل لشكواها ونزل قول الله من فوق سبع سماوات {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (1) سورة المجادلة. صفتان لله عز وجل فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا بصيرا.
والسؤال الآن بعد ما وضحت لنا الجواب عن السؤال الخطير الذى طرحته فى أول اللقاء الأول ألا وهو لماذا لا يستجيب الله دعاءنا؟ وهذا هو عنصرنا الثانى من
عناصر اللقاء.
ثانياً: شروط قبول الدعاء:
متى يرفع الدعاء إلى السماء، من أعظم هذه الشروط وأجلها الإخلاص قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (14) سورة غافر قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء } (5) سورة البينة. هل حققنا الإخلاص ما هو الإخلاص؟ هو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، أن تبتغى بعملك وجه الله سبحانه وتعالى، أن تعلم يقينا أنه لن يفرج كربك ويكشف همك إلا الله {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} (17) سورة الأنعام.
يا صاحب الهم إن الهم منفرج وإذا بليت فثق بالله وارض به الله يحدث بعد العسر ميسرة
أبشر بخير فإن الفارج الله إن الذى يكشف البلوى هو الله لا تجزعن فإن الصانع الله
إن كمال العبودية وتمام التوحيد أن تعلم يقينا أنه لا يجيب المضطر إذا دعاه إلا الله، من يجيب المضطر إذا دعاه.
أيها الأخيار: من ذا الذى صدق ودعا ربه وخيب رجاءه، هل صدقت الله مرة فخيب رجاءك، هل صدقت الله مرة فخيب رجاءك؟ هل صدقت الله مرة فخيب رجاءك ورد دعاءك؟ لكن طالما رد الله دعاءنا لأسباب كثيرة ستتضح لنا الآن لكن ما إن صدقت وحققت الإخلاص والعبودية إلا وإستجاب الله لك وفرج كربك، وكشف غمك وأزال همك، تضرع إليه نبيه {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} (10، 14) سورة القمر تضرع إليه نبيه يونس فى بطن الحوت {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} (87، 88) سورة الأنبياء .
وتضرع إليه خليله إبراهيم وهو فى النيران بهذه الكلمة الجميلة { قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}([8])، فأمر الله النار فصارت بردا وسلاما على إبراهيم {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (69) سورة الأنبياء .
ولجأ إليه نبيه موسى حينما قال له قومه: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(61،62) سورة الشعراء ونجاه رب العالمين، ولجأ إليه نبيه المصطفى محمد ووقف فى بدر أمام جيش جرار وتضرع إلى العزيز الغفار:" اللهم غنى أنشدك وعدك الذى وعدتنى، اللهم إنى أنشدك وعدك الذى وعدتنى".
فنصر الله جل وعلا عبده، وأذل الشرك والمشركين، وتبعثر المشركون فى الصحراء كتبعثر الفئران، ولجأ إليه كل صديق وكل صادق وكل صالح وكل مؤمن فما خيبه سبحانه وتعالى. ومن جميل ولطيف ما أستأنس به وقد ذكرت الأدلة الكثيرة ما ذكره الحافظ أبن كثير عند قول الله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62) سورة النمل.
ذكر أن عبدا من الصالحين، خرج عليه قاطع طريق، وأراد أن يسلب ماله ويقتله، فقال له ذلك العبد الصالح، خذ مالى ودعنى ارجع إلى أهلى وعيالى فأبى قاطع الطريق إلا أن يقتله، فقال له: دعنى أركع لله ركعتينن وغاب عن هذا الرجل الصالح كل دعاء إلا أن الله جل وعلا ذكره بهذه الآية الكريمة {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62) سورة النمل وقال: يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، يا من ملأ نوره أركان عرشه، يا مغيث المستغيث أغثنى، فما أن انصرف عن صلاته وجد فارساً يصوب حربة فى يده إلى قاطع الطريق فيقتل فى الحال فيقوم إليه ويتعلق به ويقول له: من أنت؟ فيقول له: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه، لا تسأل عن المخرج ما عليك إلا أن تصدق الله فحسب {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}
يعنى أإله مع الله يجيب المضطرين؟ أإله مع الله يسمع دعاء المتضرعين؟ أإله مع الله يكشف البلوى عن المبتلين؟ أإله مع الله؟ الآن ينصر الأمة أمام الظالمين والمتكبرين لا إله غيره ولا رب سواه ولا ملجأ إلينا اليوم إلا إليه جل فى علاه، فأول شرط من شروط قبول الدعاء أن نخلص لله جل وعلا وأن نحقق التوحيد الكامل له سبحانه وتعالى.
الشرط الثاني: عض على الثانية بالنواجذ- تحر الحلال فى المأكل والمشرب والملبس رجل طعامه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذى جسده بالحرام، لا يستجيب له حتى يتوب إليه.
الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة أنه قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" انتبه: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (51) سورة المؤمنون. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (172) سورة البقرة.
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وُغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك ([9]) هل عرفتم الجواب اللهم جنبنا الحرام، مشى
إبراهيم بن أدهم ذات يوم على سوق البصرة فلما عرف الناس أن إبراهيم بن أدهم بينهم أسرعوا إليه والتفوا حوله وهو العالم الزاهد العابد التقى الورع وقالوا له: يا أبا إسحاق: ما لنا ندعو الله فلا يستجيب لنا؟ ما لنا ندعو الله فلا يستجيب لنا؟ فقال إبراهيم بن أدهم: لعشرة أسباب- أرجو أن تتدبروا الأسباب وأخبرونى عن سبب واحد ليس فينا- قال: لعشرة أسباب قالوا: هاتها يرحمك الله قال: عرفتم الله فلم تؤدوا حقوقه، وزعمتم أنكم تحبون رسول الله وتركتم سنته، وقرأتم القرآن ولم تعملوا به، وأكلتم نعم الله ولم تؤدوا شكرها، وقلتم: إن الشيطان لكم عدو ولم تخالفوه، وانتبهتم من نومكم فانشغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم، وقلتم: إن الموت حق ولم تستعدوا له، وقلتم: إن الجنة حق ولم تعملوا لها، وقلتم: إن النار حق ولم تهربوا منها، ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم.
إلهى لا تعذبنى فإنى إلهى لا تعذبنى فإنى فكم من ذلة لى فى البريا يظن الناس بى خيرا وإنى هذا واقعنا وحالنا.
مقر بالذى قد كان منى مقر بالذى قد كان منى وأنت على ذو فضل ومن لشر الناس إن لم تعف عنى
الشرط الثالث: من شروط قبول الدعاء عدم الاستعجال فكثير من إخوانى وأخواتى يتصورون أن إجابة الله دعاء العبد أن يحقق الله سؤاله فى التو واللحظة، هذا سوء أدب خطير مع الله.
روى البخارى ومسلم من حديث أنس أن النبى قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل" قيل: يا رسول الله- وهذا اللفظ لمسلم- قيل-: يا رسول الله: وما الاستعجال؟ قال:" يقول العبد: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يسُتجاب لى. قال فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء" ([10])
واقع نحياه يقول العبد: قد دعوت فأنا طوال سنة أدعو قد دعوت وقد دعوت قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لى قال: " فسيتحسر عند ذلك ويدع الدعاء" يصاب بالحسرة" فسيتحسر عند ذلك ويدع الدعاء" يترك الدعاء.
هذه بعض شروط قبول الدعاء أسأل الله أن يعيننا على تحقيقها.
رابعاً: أدب الدعاء، من آداب الدعاء ويرجو أيضا أن يستجيب الله جل وعلا دعاءنا إن حققنا الشروط والآداب.
من أعظم هذه الآداب أيها الإخوة أن نتحرى أوقات الإجابة وأوقات الإجابة للدعاء كثيرة ولله الحمد والمنة: فمنها شهر رمضان، ففى رواية الطبرانى بسند حسن من حديث عبادة بن الصامت أنه كان إذا أقبل رمضان يقول: " أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء وينظر فيه إلى تنافسكم فى الخير، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقى من حرم فيه رحمة الله عز وجل".([11])
ومن باب الأمانة من أهل العلم من يضعف سنده إلا أن الراجح أن سنده حسن، فرمضان وقت من أوقات استجابة الدعاء، وقد ذكر النبى الصائم من بين من لا يرد الله دعوتهم: الصائم حين يفطر، ومن أوقات الإجابة فى الأيام يوم عرفة ففى الحديث الذى رواه أحمد والبخارى فى الأدب المفرد بسند حسن أنه قال: " خير الدعاء دعاء يوم عرفة".([12])
اللهم يسر لنا حجة لبيتك الحرام وزيارة لمسجد نبيك عليه الصلاة والسلام. خير الدعاء دعاء يوم عرفة. ومن الأيام يوم الجمعة فلقد تواترت الأدلة والأحاديث الصحيحة على أن فى الجمعة ساعة إجابة إذا وافقها عبد يسأل الله عز وجل فيها شيئاً أعطاه، فمن الشهور: شهر رمضان، ومن الأيام: يوم عرفة، ومن الأيام، يوم الجمعة، ومن الليالى: لية القدر. ففى الصحيحين:" من قام ليلة القدر إيماناً وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"([13])، وحينما سألت عائشة رسول الله عن الدعاء فى هذه الليلة علمها تقول:" اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى"([14]).
ومن الساعات: ساعات الإجابة الثالث الأخير من الليل، ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة قال:" ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضى ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك جل وعلا أنا الملك، من ذا الذى يدعونى فأستجيب له، من ذا الذى يسألنى فأعطيه، من ذا الذى يستغفر فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر"([15])
ومن الساعات: ساعة السجود أينما كانت ففى صحيح مسلم أنه قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء"([16]) أكثر الدعاء وأنت ساجد، ومن أوقات الإجابة
أيضاً: وقت نزول المطر، هذا وقت من أوقات الإجابة، ووقت التحام الصفوف حينما يلتقى المسلمون مع المشركين، إلى غير ذلك من الأوقات.
فمن الآداب أن نتحرى أوقات الإجابة، ومن هذه الأوقات التى يضيعها كثير منا: وقت ما بين الأذان واإقامة، فالدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، نسأل اله أن يتقبل منا ومنكم الدعاء.
أيضاً من آداب الدعاء: الإلحاح والتضرع والمبالغة فى التذلل، المبالغة فى التذلل والعزم. روى البخارى من حديث أنس قال: رأيت النبى يدعو الله رافع يديه حتى رأيت بياض إبطيه([17]) . قد ثبت أنه رفع هكذا
بمحاذاة وجهه ليس هكذا، وإنما ضم اليدين هكذا والأصابع متجهة إلى السماء دعا الله عز وجل بهما وقد قنع بهما وجهه يعنى: بمحاذاة، وثبت عنه أنه رفع يديه فى دعاء التضرع هكذا حتى ظهر بياض إبطيه وسقط الرداء عن منكبيه ، كل هذا ثابت عن رسول الله .
ومن الآداب أيضا: تبدأ الدعاء بالصلاة على النبى المصطفى ، وأن تختم الدعاء بالصلاة على النبى المصطفى ما قاله كثير من علمائنا فإن الله عز وجل يقبل الصلاة على رسول الله ونرجو الله ألا يرد دعاء بين دعاءين متصلين ألا وهما الصلاة على النبى فى أول الدعاء وفى آخر الدعاء.
العزم والألحاح والمبالغة قال النبى كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة:" إذا دعا أحدكم ربه فليعزم فى الدعاء ولا يقل: اللهم إن شئت فأعطى فإن الله لا مستكره له"([18]) لا يكره أحد ربنا، سبحانه
وتعالى قادر على كل شئ إذا دعى أحدكم ربه فليعزم المسألة" ولا يقولن اللهم اغفر لى إن شئت اللهم ارحمنى إن شئت ليعزم فى الدعاء، فإن الله صانع ما يشاء لا مكره له ولا مستكره له"([19]) اللفظان صحيحان ثابتان عن رسول الله .
أيضاً من آداب الدعاء: عدم الاعتداء ولقد روى أبو داود فى سننه بسند صحيح من حديث عبد الله بن مغفل- أنه سمع ابنه يقول: اللهم إنى أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال له: أى بنى سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإنى سمعت النبى يقول: " سيكون فى هذه الأمة قوما يعتدون فى الطهور والدعاء". ([20])
*فهذا من باب الاعتداء فى الدعاء لا تحدد أنت القصر الأبيض والقصر الأحمر والأخضر فلا علم لك بذلك، وإنما سل الله الجنة وتعوذ به من النار.
أيضاً من آداب الدعاء: ألا يدعو أحدنا على ولده ولا على ماله ولا على نفسه وهذا مرض سائر بين كثير من المسلمين إذا تألم الوالد من ولده دعا الله عليه، وإذا غضب الابن من أمه دعا الله عليها هذا خطأ وهذا سوء أدب وهذه مخالفة للسنة، لأن الرسول قال: لا تدعو على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على أموالكم فتوافقوا ساعة ليل يستجيب الله منكم الدعاء"([21]) فيها يستجيب الله منك الدعاء على
ولدك أو على مالك أو على نفسك فتندم بعد ذلك أشد الندم، فمن السنة والأدب ألا يدعو المسلم لا على نفسه ولا على ماله ولا على ولده.
هذه بعض شروط الدعاء وهذه بعض آداب قبول الدعاء أو لم أقل لحضراتكم الدعاء أمر جليل وشأنه عند الله عظيم، ورضى الله عن عمر إذ يقول: إنى لا أحمل هم الإجابة بل أحمل هم الدعاء ومن ألهم الدعاء ألهم الإجابة معه {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة.
أسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم جميعا صالح الأعمال وأكتفى بهذا القدر وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد...
فيا أيها الأحبة وأخيرا أود أن أذكر إخوانى وأخواتى وأحبابى وأمهاتى بدعاء ينبغى لنا جميعا أن نتعلمه وأن نحفظه وأن نتضرع إلى الله عز وجل به، لأن النبى قد سن لنا هذا، ففى مسند أحمد ومستدرك الحاكم كذلك رواه البزار وغيرهم بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبى قال:" ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن"- من منا لم يصب بالهم لا أعلم مسلماً واحداً صادقاً على وجه الأرض إلا والهموم تعصف بقلبه ما من المسلمين لا يعصف بقلبه هم الأمة وهم إخواننا فى فلسطين وهم الذل المجسد فى العراق وهم الذل المجسد فى الشيشان وفى السودان وفى غيرهما هموم تعصف الآن بالقلوب والرسول الآن يعلمنا . وأنا لم أتوقف عن الهموم الفردية هم الزوجة وهم الأولاد وهم الراتب وهم الوظيفة وهم الصحة وهم الأرض وهم البهائم وهم التجارة وغيرها من الهموم ولكن أتكلم أيضاً عن الهموم الكبيرة ولا حرج أيضاً أن تحمل أيضاً هذه الهموم الصغيرة. اجعل الهم الأول فى خريطة همومك هو هم الدين، اللهم أجعل همنا الأول هو هم الآخرة قال :" ما اصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتى بيدك ماض فى حكمك عدل فى قضاؤك، أسألك بكل أسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب همى وغمى إلا أذهب الله حزنه أبدله مكانه فرحا" فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها قال: " ينبغى لمن سمعها أن يتعلمها".([22])
سأعيد تكرارها مرتين أو ثلاثا فى الدرس إن شاء الله تعالى فى الصلاة ليسهل على كل أخ وعلى كل أم وأخت أن تحفظ هذا الدعاء الجليل الكريم عن رسول الله ، أكرر ما أصلت به فى أول اللقاء وأقول: لا تغفلوا عن الدعاء فى الوقت الذى لا تقلل فيه من شأن الأخذ بالأسباب المادية فى الوقت الذى نعد فيه العدة العسكرية والسياسية والإعلامية والتعليمية والاقتصادية والفكرية والإيمانية والعقدية والتعبدية والخلقية، لا ينبغى مع هذا كله أن نغفل عن الدعاء وأن نتضرع إلى ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، فوالله ليس أحد أرحم بالمستضعفين من الله فما علينا إلا أن نرفع أكف الضراعة بعد أن يأخذ كل واحد منا بالأسباب التى يملكها ويقدر عليها فى حدود قدرته وإمكانياته قال تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (16) سورة التغابن وقال تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } (286) سورة البقرة إن أخذت بالأسباب فى حدود إمكانياتك فلا تغفل عن الدعاء. هذا هو واجبنا الآن أن ننصر المسلمين المستضعفين فى فلسطين فى العراق فى الصومال فى السودان فى الشيشان فى كل مكان، واجبنا أن ننصرهم بأنفسنا ودمائنا إن إستطعنا، فمن لم يستطع وحيل بينه وبني ذلك فبماله وإن قل، فإن لم يستطع فبالدعاء بالتضرع إلى رب الأرض والسماء، فإن الدعاء سهم من سهام الليل لا يُرد إن صدقنا الله وحققنا الشروط والآداب فى الدعاء والتضرع، ثم الدعوة إلى الله عز وجل فى تحقيق الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، ولتحقيق البراء من الشرك والمشركين ولتربية الأولاد فى البيوت تربية جديدة على القرآن والسنة لنعد جيلاً يستحق من الله النصر والعزة والتمكين، كل واحد منا يجب عليه أن يبذل ذلك ونحن على يقين بأن الله لا يسألك عن أمر لا تطيقه لا تقدر عليه، والله أعلم بنفسك من نفسك، وأنا أذكركم مثالا يسيرا لإخواننا وأقول: إن كنت تقدر على حمل مائة كيلو فلن يسألك الله أبداً لماذا لم تحمل مائتين أبداً فابذل ما تقدر عليه ما تملكه ما تستطيعه، ثم بعد ذلك لا عذر لأحد إن قال: أنا لا أستطيع الدعاء لا عذر لك، قم بالليل وأرفع أكف الضراعة إلى الله أن يفرج الكرب وأن يكشف الغم عن الأمة، وما أحوجنا فى هذه اللحظات إلى أن نرفع أكف الضراعة إلى رب الأرض والسماوات بالدعاء، وأسأل الله أن يجعلها ساعة إجابة.
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.