الإمارة في الدولة الإسلامية
تنقسم الدولة الإسلامية إداريًّا إلى ولايات تتبع عاصمة الخلافة التي تضم مقر الخليفة، ودواوين الدولة الرئيسة، ويطلق على المتولي لكل ولاية من ولايات الدولة لقب "والٍ" أو "أمير".
وتنقسم الإمارة -بحسب السلطات التي يمنحها الخليفة للأمير- إلى قسمين، وهما:
أولاً- الإمارة العامة:
ويقصد بها تولية الخليفة لأمير على ولاية معينة للإشراف على جميع المصالح التي تحت ولايته، كالشئون العسكرية والسياسية والمالية والقضائية، وإقامة الحدود الشرعية، وحفظ عقيدة المسلمين وأخلاقهم، وتيسير أمور الحجيج إلى بيت الله الحرام، وإمامتهم في الجامعات والجُمَع والأعياد.
وتنقسم هذه الإمارة العامة -تبعًا لطبيعة التقليد- إلى نوعين، إما اختيارًا أو اضطرارًا:
1- إمارة استكفاء:
وهي التي يعين الخليفة فيها أميرًا على ولاية باختياره دون اضطرار، ويشترط في هذا الأمير المختار نفس صفات وزير التفويض[1].
2- إمارة استيلاء:
وهي الإمارة التي يعقدها الخليفة مضطرًّا لشخص استولى على ولاية بالقوة، فيفوض الخليفة إليه تدبير مصالحها وسياسة أمورها[2].
وإقرار الخليفة في هذه الحال -وإن كان يرجع إلى عجزه عن استرجاعها من جهة، ولكنه من جهة أخرى- يضفي الصفة الشرعية على سياساته وتصرفاته في تنفيذ مسئولياته المقررة عليه كأمير، كما لو وُلِّي اختيارًا من قبل الخليفة، وقد يؤدي هذا التفويض إلى كسب طاعته، ومنع سفك دماء المسلمين.
ولعل مثل هذه السياسة أدت ببعض أمراء الاستيلاء في الخلافة العباسية إلى الاعتراف بالخليفة كرمز ديني، يخطبون له على المنابر في الجُمَع، ويطبعون اسمه مع أسمائهم على النقود، ويؤدون إليه بعض الأموال اعترافًا بطاعته[3].
ثانيًا: الإمارة الخاصة:
وتقتصر مسئوليتها غالبًا على إمارة الجيش وتدبير شئونه، وصفات هذا الأمير هي نفس صفات الأمير في الإمارة العامة باستثناء العلم الشرعي، ويحل محل هذا الشرط الخبرة والدراسة بالشئون العسكرية[4].
تاريخ الإمارة وتقسيم الولايات
بدأ تعيين الأمراء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على المناطق من السنة الثامنة من الهجرة (629م) بعد فتح مكة؛ إذ ولّى صلى الله عليه وسلم عليها عتاب بن أسيد، الذي يعتبر أول ولاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقَبْل ذلك كان المسلمون مستضعفون في مكة قبل الهجرة، ولم يقع تحت سلطتهم بعد الهجرة وقبل الفتح إلا المدينة التي يتولى حكمها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، ثم توالى تعيين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على مختلف أنحاء الجزيرة العربية بعد انتشار الإسلام فيها.
وأهم الولايات المعروفة في عهده صلى الله عليه وسلم: مكة، والطائف، ونجران، والمنطقة الواقعة ما بين زَمَع وزبيد إلى حد نجران، وصنعاء، والجَنَد[5].
وبعد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ظلَّ الخلفاء في العصور المختلفة يعينون الولاة على الولايات والأمصار الرئيسية في عهد الخلفاء الراشدين: مكة، والبصرة، والكوفة، ومصر، والبحرين، والشام، واليمن، والجزيرة.
وأهم أمصار العهد الأموي: الحجاز وتضم مكة والمدينة والطائف، واليمن، والعراق وتشمل البصرة والكوفة، وخراسان، وسجستان، والسند، والبحرين، وعمان، واليمامة، ومصر، وشمال إفريقيا وتتبعها الأندلس، والجزيرة وتتبعها أرمينة وأذربيجان.
ولم تختلف التقسيمات الإدارية في بداية العصر العباسي كثيرًا عما كانت عليه في الدولة الأموية، مع الأخذ بعين الاعتبار انفصال الأندلس واستقلالها عن الدولة العباسية، وتجزئة بعض الولايات[6].
وأما في العصر العباسي المتأخر فلا يمكن أن نضع ملامح إدارية عامة لكل الفترة؛ وذلك لضعف الخلافة وانفصال كثير من المناطق عن السلطة المركزية، واختلال التقسيمات الإدارية بحسب تغيُّر الظروف السياسية.
وبقيت الأندلس تحت قبضة أمير واحد منذ فتحها وعاصمتها قرطبة حتى سنة 400هـ/ 1009م، أي حتى نهاية الحكم الأموي فيها، ثم تفككت إلى دويلات متعددة، تزيد وتنقص بحسب الظروف والأحوال، وكل دويلة أصبحت فعليًّا دولة مستقلة عن الدويلات الأخرى.
ويعود ظهور الإمارة العامة والإمارة الخاصة إلى عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد عيَّن عتاب بن أسيد أميرًا على مكة بعد فتحها، وكانت إمارته عامَّة، وعيَّن زيد بن حارثة أميرًا على جيش المسلمين المتوجّه إلى الشام، وحارب الروم في معركة مؤتة المشهورة سنة 8هـ/629م، وكانت ولايته خاصة.
وكانت طبيعة الإمارة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى صدر الدولة العباسية عبارة عن إمارة استكفاء، ولكن عندما ضعفت سلطة الدولة العباسية المركزية في بغداد -بعد مقتل المتوكل سنة 247هـ/ 861م- أخذت بعض الأقاليم تنفصل عنها وتستقل بشئونها، فكثرت إمارة الاستيلاء مثل الدولة الطولونية (245-292هـ/ 859-904م)، والدولة الإخشيدية (323-358هـ/ 934-968م) في مصر، والدولة الحمدانية (293-394هـ/ 905-1003م) في الموصل وحلب.