مذهب الإمام مالك في الأندلس
انتشار مذهب الأوزاعي في عصر الولاة
في عصر الولاة (95 - 138 هـ) كانت الأندلس تابعة للسيادة الأموية سواء في بلاد الشام أم في قرطبة، ولهذا كان من الطبيعي أن تتأثر بالمظاهر الحضارية الشامية جميعًا، وهو ما يسمى بالتقليد الشامي.
فمن الناحية الدينية، اعتنق الأندلسيون في هذه الفترة مذهب الإمام الأوزاعي (88هـ- 157هـ)، الذي كان من المجاهدين الذين رابطوا في مدينة بيروت لصد غارات العدو البيزنطي البحرية، ولهذا اهتم مذهبه بالتشريعات الحربية وأحكام الجهاد، وهذا الاهتمام كان يناسب وضع الأندلسيين في هذه الفترة من حياتهم القائمة على حروب الجهاد، ولهذا اعتنقوا هذا المذهب.
وتختلف الروايات حول العالم الأول الذي نقل مذهب الأوزاعي إلى الأندلس فترجح بين القاضي الغرناطي أسد بن عبد الرحمن (ت: 150هـ)، وصعصعة بن سلام الشامي الأندلسي (ت: 192هـ أو 202هـ) [1].
ظهور مذهب مالك في الأندلس
أما في عهد الإمارة (138 - 316هـ) فنجد التأثير الحجازي بارز خاصة في مرحلة التوطيد منه (172 - 206هـ / 788 - 822م) أي عصر هشام الأول (172 - 180هـ)، وعصر الحكم بن هشام (180 - 206هـ).
فقد كانت المدينة المنورة مركز العلوم الدينية، وقد توج نضوج هذه العلوم وجود الإمام مالك بن أنس فيها (ت: 179هـ) صاحب كتاب الموطأ الذي يعني (السهل الواضح)، وقد ذاعت شهرة الإمام مالك في العالم الإسلامي.
فأقبل الأندلسيون على اعتناق مذهبه في عهد الأمير هشام، وشاع هذا المذهب في الأندلس بعد أن استهوى الأمير هشام ومن حوله من الفقهاء ورواد الحديث، تاركين مذهب الأوزاعي.
أسباب انتشار مذهب مالك
والروايات تعزو هذا التحول إلى الإعجاب المتبادل بين مالك والأمير هشام بن عبد الرحمن الداخل، هذا الإعجاب الذي جسده الفقهاء الأندلسيون تلاميذ مالك، دون أن يرى أحدهم الآخر [2].
بالإضافة إلى التعاطف بين الأمير هشام ومالك الناجم عن عداوة الاثنين للعباسيين، إذ ساند الإمام مالك ثورة محمد ذي النفس الزكية في المدينة عام 145هـ ضد الخليفة العباسي المنصور، وقد أفتى مالك بجواز تحلل المسلمين من بيعة المنصور، ولذا لقي كبير عناء من العباسيين [3].
كذلك لا يُنسى دور علماء الأندلس الذين رحلوا إلى الحجاز ودرسوا على يد الإمام مالك، فنقلوا مذهبه إلى الأندلس، وفي مقدمتهم أبو عبد الله زياد بن عبد الرحمن اللخمي (ت: 204هـ أو قبلها) والملقب بـ (شبطون) الذي أدخل مذهب مالك إلى الأندلس، وأخذه عنه يحيى بن يحيى الليثي (عاقل الأندلس) كما لقبه الإمام مالك.
وتذكر الروايات أن يحيى بن يحيى أخذ عن الإمام مالك بالذات وروى عنه الموطأ، وتعتبر روايته من أصح الروايات [4]. ويليه عيسى بن دينار الفقيه المشهور، وعبد الملك بن حبيب السلمي الذي أخذ من طبقة أصحاب مالك وعاد إلى الأندلس ليدون كتاب الواضحة [5].
وتعلل الروايات أن الشبه الكبير بين طبيعة أهل المغرب والأندلس وطبيعة أهل الحجاز، من حيث البساطة، كان من أسباب انتشار المذهب المالكي في مغرب العالم الإسلامي. ولهذا إن عقلية أهل المغرب والأندلس كانت تغلب عليها نزعة أهل الحديث، وجانبوا نزعة أهل الرأي والقياس (مذهب أبي حنيفة) [6].
انتشار قراءة نافع في الأندلس
ولم يقف الأمر عند انتشار المذهب المالكي في الأندلس في هذه الفترة فقط، بل تعداه إلى انتشار قراءة أهل المدينة للقرآن، وبالذات قراءة نافع بن عبد الرحمن (ت: 169هـ) [7] للقرآن (قارئ أهل المدينة) في الأندلس. وينسب إلى الغازي بن قيس إدخال هذه القراءة على عهد الأمير الداخل، وقد امتدح الإمام مالك هذه القراءة.
وكذلك قلدت الأندلس الحجاز في تنقيط القرآن وتشكيله [8]. وحاول المذهب الحنفي طرق أبواب الأندلس، إلا أن ولاة الأمر فيها وبخاصة الأمير هشام أغلقوا الأبواب دون دخول هذا المذهب [9].