همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 مصيبة المسلمين يوم أحد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

مصيبة المسلمين يوم أحد Empty
مُساهمةموضوع: مصيبة المسلمين يوم أحد   مصيبة المسلمين يوم أحد Emptyالجمعة فبراير 26, 2016 7:10 pm

مصيبة المسلمين يوم أحد
غنائم الكفار وأثرها على الرماة
هزيمة المسلمين يوم أحدفي هروب المشركين إلى مكة ألقوا وراءهم كل شيء، فألقوا الأمتعة والأثقال والأحمال، ألقى المشركون الدنيا ليتخففوا ويستطيعوا الهرب، والرماة من فوق الجبل رأوا الدنيا التي ألقاها المشركون خلفهم.

وقرر الرماة أن يتركوا مكانهم ليجمعوا دنيا المشركين، فكانت مخالفة صريحة واضحة لأوامر النبي .

وقد أَعْمت هذه الغنيمة أبصارهم عن تذكر ما قاله النبي ، لكن عبد الله بن جبير القائد ذكرهم بما قاله النبي وقال: "أَنَسيتم ما أمركم به رسول الله ؟!" فقالوا: "الغنيمة الغنيمة"[1].

فكانت مخالفة متعمدة لكلام النبي وللقائد المباشر، وتخلى أربعون رجلاً من الرماة عن مواقعهم بنسبة ثمانين في المائة، ونزل الرماة ليجمعوا الغنيمة مع المسلمين.

اقتناص الفرصة
ولفت هذا الموقف نظر القائد العسكري خالد بن الوليد، وقد حاول أن يخترق خالد جيش المسلمين من هذه الثغرة أكثر من مرة، ولكنه فشل في ذلك عندما التزم المسلمون بكلام النبي ، ولما خالف الرماة ورأى خالد تكالب المسلمين على الغنيمة وتَرْكهم الجبل؛ التفَّ هو بجيش المشركين حول الجبل ليخترق صفوف الجيش المسلم من خلفه، وحاول عبد الله بن جبير ومن تبقى معه من الرماة أن يبعدوا خالد بن الوليد ومن معه من الدخول خلف الجيش الإسلامي، لكنه فشل في ذلك، وخرج إليهم عبد الله بن جبير وحاول قتالهم، لكن صعد إليه على الجبل مجموعةٌ من الكافرين وأبادوهم، واستشهد عبد الله بن جبير ومن تبقى معه من المسلمين.

والتف خالد بن الوليد حول الجيش الإسلامي، وصاح صيحة أدرك منها المشركون الهاربون أن خالدًا التف حول الجيش الإسلامي، فعادوا للقتال، وحوصر المسلمون بين خالد بن الوليد من خلف الجيش والمشركين من أمام الجيش، ووُضِع المسلمون كما يقولون بين فكي كماشة، وأسرعت امرأة من المشركين واسمها عمرة بنت علقمة، ورفعت اللواء الساقط على الأرض من أول المعركة، واهتاج المشركون، وتحمسوا للقتال حماسًا كبيرًا وهم يحملون بين نفوسهم ذكريات بدر، وذكريات الهزيمة في بداية معركة أُحُد، وبدءوا بالضغط على المسلمين.

ثبات الرسول
وكان ينظم الصفوف في مؤخرة الجيش، لما التف خالد بن الوليد حول الجيش المسلم، فكانت أول فرقة قابلها خالد الفرقة التي فيها النبي . ولم يكن أمام، النبي إلا اختياران:

الاختيار الأول: إما أن يهرب بالفرقة التي معه إلى أيِّ مكان في أرض المعركة؛ ليستطيع المقاومة من جديد.

الاختيار الثاني: أن ينادي على الجيش ليجتمع من جديد، ويبدأ في المحاولة لاستعادة الموقف على أرض أُحُد، لكن مناداة النبي للمسلمين قد تلفت إليه نظر المشركين الذين هم في خلف الجيش الإسلامي، ولو سمعوا النبي لأحاطوا به وقتلوه.

لكن النبي في شجاعة معهودة منه اختار الحل الثاني، ونادى بأعلى صوته لاستعادة الموقف من جديد، فقال: "إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ".

وبدأ النبي يرفع صوته ليَسْمع المسلمون، وكان المسلمون في حالة اضطراب شديدة، والمشركون في حالة نشاط عجيب. وكان الموقف مأساويًّا للغاية، وسمع خالد صوت الرسول ، فحاصر النبي ، وقاتلت الفرقة التي مع النبي قتالاً شديدًا، وبدأ النبي يشجعهم ويقول: "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ؟" أو: "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ"[2].

ثبات الصحابة
فتقدم أحد الأنصار وقاتل قتالاً شديدًا حتى قُتل شهيدًا، فتقدم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس ثم السادس حتى وصل الأمر إلى سابعهم وهو عمارة بن يزيد بن السكن، فقاتل قتالاً شديدًا عنيفًا حتى أصيب، وسقط على الأرض، واقترب من النبي حتى وضع وجهه على قدم النبي ، فاستشهد ووجهه ملتصق بقدم الحبيب ، وتأثر النبي بهذا الموقف وقال: "مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا"[3].

فأثار هذا الموقف طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص فقاما فقاتلا قتالاً شديدًا، وماذا يفعل طلحة وسعد في مواجهة كتيبة من المشركين، وتقدم عتبة بن أبي وقاص -أخو سعد بن أبي وقاص- يقذف بالحجارة وجه رسول الله ، فتفجرت الدماء من وجه النبي ، وجاء عبد الله بن شهاب الزهري أحد المشركين وشجَّ النبي شجةً منكرة في رأسه، ثم جاء إليه رجل اسمه عبد الله بن قمئة وضرب الرسول في كتفه ضربة ظل يشتكي منها شهرًا كاملاً، ثم ضرب النبي في وجهه فدخلت حلقتان من المِغْفَر التي كان يلبسها النبي في وجنته، وهو يقول: "خذها وأنا ابن قمئة". فقال له النبي : "أَقْمَأَكَ اللَّهُ"، أي أهلكك الله. وقد وقع هذا الرجل من فوق جبل وقُتل بعد ذلك.

كان موقفًا متأزمًا، وكان يقول: "كَيْفَ يَفْلَحُ قَوْمٌ شَجُّوا رَأْسَ نَبِيِّهِمْ"[4]. فأنزل الله قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128].

سعد وطلحة في مواجهة المشركين
في هذا الوقت قام سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله بعمل لا يستطيع أن يقوم به إلا جيش كامل، فقد كان النبي محاصَرًا بفرقة من المشركين، ومع ذلك قام سيدنا سعد برمي المشركين بسهامه، وكان النبي معجبًا بأداء سعد، فقال له: "ارْمِ سَعْدٌ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي"[5]. وهو الوحيد الذي جمع له النبي أبويه، وكان يفتخر بها بعد ذلك، فكان يرمي رميًا عظيمًا في ذلك اليوم.

وحارب طلحة حربًا ضروسًا في هذا اليوم، قاتل من كل مكان حول النبي ، حتى وصلت الجروح التي بجسده إلى حوالي تسعة وثلاثين جرحًا، ورغم كل هذه الجروح ظل يقاتل .

وجاء سهم من بعيد كاد يصيب النبي ، فوضع يده أمام السهم فوقع السهم في يده، وأنقذ الرسول وشُلِّت يد طلحة من ذلك السهم.

بلاء المهاجرين والأنصار في الدفاع عن النبي
بعد هذا القتال الشرس حول النبي ، وصل بعض الصحابة إليه وكانوا قد رأوه محاصرًا، فكان موقفًا صعبًا على النبي ، وأول من عاد إلى النبي سيدنا أبو بكر الصديق ، ورأى رجلاً يقاتل حول النبي فقال الصِّدِّيق: "كن طلحة، فداك أبي وأمي". ثم وجده طلحة كما توقع أجمعين؛ لأنه كان يعلم أن طلحةَ فارسٌ مغوارٌ، وهو الذي يستطيع أن يقاتل ذلك القتال.

وبعد أن وصل أبو بكر، كان بعده سيدنا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، ووجد أبو بكر الصديق أن حلقات المِغْفَر في وجه النبي ، فذهب لينزعها، فقال له أبو عبيدة: "نشدتك بالله يا أبا بكر، نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني". وبدأ يجذب أبو عبيدة حلقات المغفر بأسنانه من وجه النبي بخفة شديدة؛ لئلا يؤذي النبي ، وبخروج حلقة المغفر الأولى سقطت سِنٌّ من أسنان أبي عبيدة بن الجراح، وتوجه أبو بكر إلى النبي لينزع الحلقة الأخرى، فقال له أبو عبيدة: "نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني". ولما جذب أبو عبيدة الحلقة الثانية سقطت سنٌّ أخرى من أسنانه[6]، وعن الصحابة أجمعين.

ولما رأى النبي طلحة يقاتل رغم كثرة الجراح التي ألمت به، قال : "دُونَكُمْ أَخَاكُمْ، فَقَدْ أَوْجَبَ"[7]. وسقط سيدنا طلحة من الإصابات الكثيرة التي ألمت به.

وبدأ الصحابة في الدفاع عن النبي ، وجاءت مجموعة أخرى من الصحابة، جاء أبو دجانة، ومالك بن سنان -وهو والد أبو سعيد الخدري - وحاطب بن أبي بلتعة، وجاءت أم عمارة إحدى النساء تقاتل حول الرسول ، وكان أبو طلحة الأنصاري يضع نفسه أمام الرسول ليحميه من سهام المشركين، وكان الرسول إذا أراد أن يرمي بسهم أشرف فوق رأس أبي طلحة، فكان يقول له: "بأبي أنت وأمي، لا تشرف يا رسول الله؛ فيصيبك سهمٌ من سهام القوم، نَحْرِي دون نَحْرِك"[8].

وكانت أم عمارة تقاتل عن يمين النبي وعن شماله، وكان يقول: "مَا نَظَرْتُ يَمِينِي وَلاَ يَسَارِي وَلاَ أَمَامِي وَلاَ خَلْفِي إِلاَّ وَجَدْتُ أُمَّ عِمَارَةَ تُقَاتِلُ عَنِّي بِسَيْفِهَا".

نظر إليها النبي نظرة المعجب من قتال هذه المرأة، وهي الضعيفة التي لم تكلف بالقتال بالسيف في هذه المعركة التي فرَّ منها بعض الرجال، لكنه نظر إليها وهو يبتسم، فشاهدته أم عمارة فقالت: "يا رسول الله، ادعُ الله أن نكون معك في الجنة". فقال: "أَنْتُمْ مَعِي فِي الْجَنَّةِ"[9].

وكانت تقاتل هي وزوجها وابنها حول النبي . وجاء حاطب بن أبي بلتعة وقتل عتبة بن أبي وقاص الذي كان يرضخ وجه النبي بالحجارة.

وقاتل عبد الرحمن بن عوف قتالاً شديدًا حتى تحطمت أسنانه، وأصيب إصابة بالغة في جسده، كانت سببًا في إصابته بالعرج الدائم بعد ذلك.

أبو دجانة فعل فعلاً غريبًا، فقد وقع الرسول في حفرة من الحفر التي حفرها المشركون ككمين للمسلمين، ورأى السهام تأتي إلى النبي من كل مكان، فألقى أبو دجانة بنفسه على النبي وسدَّ الحفرة بجسده ليتلقى السهام في ظهره[10].

الجميع من المهاجرين والأنصار أبلوا بلاءً حسنًا في هذه المعركة، ولم يدَّخِروا جهدًا في الدفاع عن النبي .

وتقدم مصعب بن عمير وهو يحمل راية المهاجرين، وقاتل حول النبي قتالاً شديدًا، فقطعت يمينه، فحمل الراية بشماله، فقطعت شماله، فبرك على الراية وهو قابض عليها بعضديه، وجاء المشركون من خلفه وقتلوه[11]، فسقط على الأرض وهو يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144].

إشاعة مقتل النبي وأثرها على المسلمين
لما قتل مصعب بن عمير وكان شديد الشبه بالرسول ، ظن المشركون أنهم قتلوا النبي ، فقال ابن قمئة -الذي قتل مصعب بن عمير-: "قتلتُ محمدًا"[12].

وانتشر الخبر في أرض المعركة بكاملها عند المشركين وعند المسلمين، وكانت مأساة على المسلمين؛ فمقتل النبي أمرٌ لا يتخيله المسلمون، هم لا يستطيعون أن يعيشوا بدون النبي ، وكيف ينقطع الوحي ولم تتم الرسالة بعدُ؟ أسئلة كثيرة جالت في أذهان الناس، وأحبط كثير من المسلمين في أرض القتال، ووصل الإحباط بالبعض أن قعد عن الجهاد والقتال من حوله وهو لا يرفع سيفه ليدافع حتى عن نفسه، وهذا فَهْم مغلوط تمامًا؛ فالقتال ليس من أجل المسلمين، ولا من أجل النبي ، إنما القتال في سبيل الله ، والله حي لا يموت، فلماذا القعود والإحباط؟! فقضية القتال في سبيل من المفروض ألا تغيب عن ذهن المؤمن، وليكن كثابت بن الدَّحْدَاح -وكان مشاركًا في غزوة أُحُد- لما رأى اليأس والإحباط بلغ من المسلمين مبلغًا عظيمًا حتى أقعدهم عن الجهاد، فقال لهم في إيمان عميق وفَهْمٍ دقيق: "إن كان محمدٌ قد قُتل، فإن الله حي لا يموت"[13]. ثم قاتل حتى استشهد.

وقال ذلك أيضًا أنس بن النضر لما رأى المسلمين وهم جلوس في أرض القتال، وقد افتقدوا أيَّ روح للقتال وأي حمية للمقاومة، فقال لهم: "ماذا تنتظرون؟" قالوا: "قتل النبي ". فقال لهم في منتهى الشجاعة والقوة: "قوموا فموتوا على ما مات عليه؛ إن كان محمد قد قتل فإن الله حي لا يموت". ثم قال للمسلمين القاعدين عن القتال: "اللهم إني أعتذرُ إليك مما صنع هؤلاء (يعني المسلمين)، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء" يعني المشركين الذين ضربوا النبي أو قتلوه كما أشيع، ثم تقدم ليقاتل المشركين، فلقيه سعد بن معاذ، فقال له سعد: "أين يا أبا عمر؟" فقال أنس: "واهًا لريح الجنة يا سعد، إني أجدها دون أُحُد". فتقدم وقاتل المشركين قتالاً ضاريًا حتى قُتل شهيدًا ، وقد طُعن أكثر من ثمانين طعنةً في جسده، وما عرفته إلا أخته من علامة في بنانه[14].

واستمرت إشاعة مقتل النبي في أرض المعركة إلى أن اكتشف كعب بن مالك أن النبي حيًّا ولم يُقتل، فنادى في المسلمين: "يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله ". فأشار إليه النبي أن اصمت؛ لئلا يعرف موضعه المشركون، ومع ذلك فقد سمع ثلاثون من المسلمين كلام كعب بن مالك، ففاءوا إلى النبي وأحاطوا به، وقادهم النبي إلى الانسحاب المنظم في اتجاه الجبل، وينادي النبي على مجموعة أخرى من المسلمين: "إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ"[15].

وهناك مجموعة لم تقعد عن القتال في أرض المعركة وحسب، بل فعلت ما هو أشد وأنكى؛ فقد قررت الفرار من أرض المعركة، والفرار من الزحف كبيرة من الكبائر، فمنهم من فرَّ وهو يصعد إلى الجبل، والبعض فرَّ في طريقه إلى المدينة حتى وصل إلى المدينة المنورة في فراره، والرسول ينادي عليهم وهم يسمعون ولا يلبون. ولقد ذكر الله ذلك في كتابه فقال: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153].

وبرغم ذلك استطاع النبي أن ينسحب إلى الجبل، هو ومن معه من المسلمين، وقد رآه أُبيّ بن خلف أحد كبار المشركين وهو يصعد فوق الجبل، فجاء من بعيد وهو يقول: "لا نجوت إن نجا". فقال أحد المسلمين: "أيعطف عليه أحدٌ منا فيقتله؟" فقال النبي : "دَعُوهُ". ولما دنا من النبي ، تناول حربته وضربه ضربة قد خدشت فيه خدشًا بسيطًا جدًّا، وصرخ أُبيّ بن خلف وصرع على الأرض، وقام وظل يجري وهو يقول: "قتلني والله محمد". واستعجب المشركون، وقالوا: "ذهب والله فؤادُك، والله إنْ[16] بك من بأس". فهو خدش بسيط، فقال: "إنه قد قال لي بمكة: أنا أقتلك؛ فوالله لو بصق عليَّ لقتلني"[17].

وكانت هذه الكلمات تعبر عن اقتناع المشركين جميعًا بأن كلام النبي حق، وأن ما بُعث به الصدق، وأنهم كانوا يكذِّبون -لعنهم الله- من أجل مصالحهم وأهوائهم.

وكما تنبأ النبي ، وكما أخبر قبل ذلك بالوحي، مات عدو الله أبيّ بن خلف والمشركون قافلون إلى مكة من جرَّاء الخدش البسيط الذي أصابه من رسول الله .

انسحاب الجيش الإسلامي إلى الجبل
وبدأ الصعود إلى جبل أُحُد، وكان قد أصيب بإصابات كثيرة حالت بينه وبين صعود الجبل، واعترضته صخرة كبيرة لم يستطع تسلقها، فجاء طلحة بن عبيد الله رغم الإصابات التي في جسده، فقد أصيب بتسع وثلاثين إصابة إلا أنه جلس ليصعد النبي على ظهره، فقال : "أَوْجَبَ طَلْحَةُ"[18].

قد فعل ما يجب أن يفعل، وكان من العشرة المبشرين بالجنة، وكان إذا ذُكر أمام أبي بكر يومُ أُحد قال: "هذا اليوم كان كله لطلحة"[19]. رضوان الله عليهم أجمعين.

وبدأ النبي يصعد الجبل هو ومن معه، ورآه خالد بن الوليد ورآه أبو سفيان فقدِما لمنع المسلمين من صعود الجبل وإكمال القتال، فقال : "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا"[20].

وانتدب فرقة ممن معه على رأسهم عمر بن الخطاب لردِّ المشركين عن صعود الجبل، فقاتلوا قتالاً شديدًا، واستطاعوا أن يردوا المشركين بالفعل عن صعود الجبل. واستطاع النبي أن يصعد إلى الجبل هو ومن معه من المسلمين، واختفى المسلمون في داخل الجبل.

التمثيل بالشهداء الكرام
أما المشركون فالتفتوا إلى جثث المسلمين الملقاة على أرض أُحُد، وكانوا سبعين شهيدًا، ومثَّلوا بجثث المسلمين، وبدأت النساء في تقطيع آذان المسلمين وأنوفهم، وصنعوا منها خلاخيل وقلائد ليلبسوها، وذهبت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان -وكانت من أشد الكفار ضراوة على المسلمين، ومن أشد مَن حمِّسْنَ الكفار في الحرب ضد المسلمين- إلى حمزة عم النبي ، وشقت بطنه وأخرجت قطعة من كبده، وحاولت أن تأكلها ولم تستطع فلفظتها من فمها[21]. وهذه الفعلة تعبر عن مدى الغل والحقد الذي كان في قلوب المشركين، وكانت هند موتورة؛ فقد قتل في غزوة بدر أربعة من أقاربها: قُتل أبوها عتبة بن أبي ربيعة، وعمها شيبة بن أبي ربيعة، وأخوها الوليد بن عتبة، وابنها حنظلة بن أبي سفيان. وكان حمزة ممن شارك في قتل أقاربها، فقد قتل الوليد بن عتبة، وقتل شيبة بن ربيعة. وكان هذا الموقف في أرض القتال بعد صعود النبي إلى الجبل.

وبعد صعوده ما زالت الدماء تتفجر من رأسه، وحاول الصحابة أن يمنعوا سيلان الدماء، وصبوا على رأسه الماء، وكان لا يزيدها إلا نزيفًا، وكانت السيدة فاطمة بنت النبي في غزوة أُحُد، فأتت بحصير وأحرقتها ودفعتها في رأس النبي حتى توقف النزيف.

وكان المسلمون يقاتلون من الصباح إلى الظهيرة، وجاء وقت صلاة الظهر، فجُمع المسلمون للصلاة ولم يستطع أن يقف من شدة الإصابات، فصلى قاعدًا وصلى المسلمون قعودًا بقعوده .

وإلى هذه المرحلة والمشركون يعتقدون أن النبي قد قُتل، وبعض المسلمين مع النبي ، وبعض المسلمين شهداء في أرض المعركة، والبعض فرَّ إلى الجبل في أماكن مختلفة، وبعض المسلمين فر إلى المدينة، وكان المسلمون يعيشون مأساةً حقيقية.


[1] المباركفوري: الرحيق المختوم ص237.

[2] المباركفوري: الرحيق المختوم ص239.

[3] رواه مسلم (1789)، وأحمد (4414).

[4] المباركفوري: الرحيق المختوم ص240.

[5] رواه البخاري (3833)، ومسلم (2411)، والترمذي (2829)، وابن ماجه (129)، وأحمد (709).

[6] المباركفوري: الرحيق المختوم ص242.

[7] السابق نفسه، الصفحة نفسها.

[8] ابن كثير: السيرة النبوية 3/53.

[9] الواقدي: المغازي 1/272، 273.

[10] المباركفوري: الرحيق المختوم ص242، 243.

[11] المباركفوري: الرحيق المختوم ص244.

[12] ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص73.

[13] الواقدي: المغازي، تحقيق مارسدن جونس، عالم الكتب، بيروت، 1/281.

[14] المباركفوري: الرحيق المختوم ص238، 239.

[15] السابق نفسه ص244.

[16] هي "إن" النافية، أي: ما بك من بأس.

[17] ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص84.

[18] رواه الترمذي (1692، 3738)، وأحمد (1417). قال الشيخ الألباني: حسن. انظر حديث رقم (2540) في صحيح الجامع.

[19] ابن كثير: السيرة النبوية 3/58.

[20] رواه أحمد (2609)، وحسنه شعيب الأرناءوط. وانظر: ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص86.

[21] ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص91.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
مصيبة المسلمين يوم أحد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الحكم من مصيبة يوم أحد
» كيف عالج القرآن الكريم مصيبة أحد؟
» العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين
» استعدادات المسلمين لغزوة أحد
» نحن المسلمين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: