همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 فرض القتال على المسلمين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

فرض القتال على المسلمين Empty
مُساهمةموضوع: فرض القتال على المسلمين   فرض القتال على المسلمين Emptyالجمعة فبراير 26, 2016 4:44 pm

فرض القتال على المسلمين
فرض القتال على المسلمين
حتى سرية نخلة -وما حدث بعدها من تداعيات- كان القتال مأذونًا به وليس مفروضًا على المسلمين، بمعنى أن الله أذن للمسلمين أن يقاتلوا إن وجدوا في أنفسهم قدرة على القتال، أو أن يختاروا عدم القتال إن رأوا أن ذلك أفضل. والآية التي شرعت هذا التشريع كانت قول الله : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39].

أما الآن فالوضع مختلف؛ فالإذن جاء في زمانٍ القتال فيه محتمل، أما الآن فالقتال ليس محتملاً فقط، بل متوقعًا وقريبًا جدًّا، ولو حدث قتال بالصورة التي نتخيلها من جانب قريش المهزومة في كرامتها والمجروحة في كبريائها بمساعدة اليهود الغادرين، فإن الموقف سيكون شديد التأزم، وهنا لا ينفع مجرد الإذن بالقتال، بل يجب أن يفرض القتال على المسلمين لدفع شر هؤلاء الأعداء؛ لأن الإذن يسمح لبعض المسلمين بعدم المشاركة، ويفتح للشيطان أبوابًا يدخل منها إلى قلوب الضعفاء فيصور لهم صعوبة القتال ومشقته، ومن ثَمَّ يزين لهم اختيار السلامة، وإيثار الدعة ما دام الأمر في طور الإذن والاختيار، أما إن فُرض القتال على المسلمين فإنهم سيعتبرونه فرضًا كالصلاة ليس لهم فيه اختيار، ومن ثَمَّ تقل نسبة التخلف، ولا تكون إلا في شديدي الضعف أو في المنافقين، وستغلق أبواب كثيرة على الشيطان؛ لأنه لا اختيار في الأمر.

ونتيجة لهذه الظروف ينزل التشريع المحكم بالقانون الجديد المناسب للمرحلة الحالية، وهو فرض القتال على المسلمين إذا قوتلوا، وليس للمسلمين اختيار في قضية دفع المشركين إذا هجموا عليهم، بل لا بد من الدفاع حتى الموت؛ ولذلك قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

فلم يَعُد القتال مأذونًا به فقط، إنما صار مكتوبًا على المسلمين، أيْ مفروضًا عليهم. وأنزل الله توضيح سبب القتال في هذه المرحلة وبعض الأحكام الخاصة بالقتال، فقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 190- 193].

وأنا أريد أن نقف مع هذه الآيات، ونتصور حال المسلمين وغير المسلمين عند نزولها.

لقد حملت هذه الآيات تشريعًا جديدًا يحتاج إلى نفوسٍ إسلامية خاصَّة للعمل بها، كما أنه يحمل رسالات واضحة المعالم إلى المشركين في مكة وغيرها ممن يناصبون المسلمين العداء.

موقف المسلمين من فرض الجهاد
تعالَوْا نَعِش مع أهل هذه المرحلة، ونراقب حركتهم ومشاعرهم عند نزول هذه الآيات الكريمات.

أولاً: الناس بصفة عامة تكره الحروب والقتال، فلا يختلف اثنان أن الحروب تأتي بالدمار والخراب وإزهاق الأرواح، ونحو ذلك من أشياء تورث الحزن والكراهية.

ولا يشتاق إلى إراقة الدماء إلا مرضى النفوس، وكان رسول الله والصحابة من بعده يبذلون وسعهم قدر المستطاع لتجنب القتال، ولكن قد يتحتم الأمر ويحدث القتال.

والإسلام يُقِرُّ أن القتال أمر مكروه، ولكن أحيانًا نضطر إليه، وليس معنى ذلك أنه يصير محبوبًا إلى النفس عند العموم، ولكنه يظل مكروهًا، ولكن المؤمن الصادق يقدِّمه -على كرهه- على السلامة المحبوبة إلى النفس، وذلك طاعة لله .

وهكذا كل التكاليف يكون فيها شيء من المشقة على النفس، ولكن يقوم بها الإنسان طاعةً لله ؛ فيثبت بذلك أنه مؤمن كالصلاة والصيام والزكاة وكظم الغيظ والكرم والجهاد.

فكل هذه أمور تستصعبها النفس، ولكن تقوم بها طاعةً لله . هذا هو العموم، ولكن لكل قاعدة استثناءات؛ فهناك من المسلمين من يتحول عنده هذا الكره إلى حب، وتتحول عنده هذه المشقة إلى متعة، ليس رغبة في الأمور الشاقّة، ولكن رغبة في إرضاء الله ، فإن كان إرضاء الله يتطلب أمرًا شاقًّا صار هذا الأمر الشاقّ محبوبًا إلى النفس. وهذه هي قمة الإيمان، ومثل ذلك قول الرسول : "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ"[1].

فالصلاة وإن كانت تكليفًا شاقًّا إلا أنها تصير محبوبة لمن أراد حقيقة أن يرضي الله ، وكقول رسول الله : "لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ"[2]. القتل مكروه بصفة عامة، ولكن كونه يرضي الله صار محبوبًا، وكقول خالد بن الوليد : "جئتكم برجال يحبون الموت، كما تحبون أنتم الحياة". فالموت بصفة عامة أمر مكروه؛ فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "كلنا نكره الموت"[3].

ومع ذلك فالصحابي الجليل خالد بن الوليد وجيشه معه كانوا يحبون الموت؛ لأنه في سبيل الله، ولأنه يرضي الله، فصار الموت المكروه محبوبًا في هذا الموضع، وهكذا.

فليس معنى أن القتال كره لنا أننا نقعد عنه، بل على العكس كلما ارتقى الإنسان في سلم الإيمان كلما أحب هذا المكروه، ما دام في سبيل ال

ثانيًا: هناك معنى آخر دقيق في هذه الآية الكريمة، وهو أن ما تراه بعينك مكروهًا، كثيرًا ما يجعل الله في باطنه خيرًا {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]. وما تراه بعينك محبوبًا، كثيرًا ما يجعل الله في باطنه شرًّا {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216].

وهذا الأمر يبدو لأول وهلة غريبًا؛ ولذلك فهو يحتاج إلى يقين كبير، وإيمان كامل باختيار رب العالمين. ومع ذلك فلو تدبرتَ في كل الأحداث فإنك ستقترب غالبًا من رؤية الخير في باطن اختيار رب العالمين I.

فالأمة التي تقاتل وتجاهد ترفع رأسها وتعز نفسها، وينظر لها الآخرون نظرة احترام وتوقير، والأمة التي تزهد في القتال وتعرض عن الجهاد يسلط الله عليها الذلّ، حتى لا تجد لها مكانًا بين الأمم المرموقة في العالم. والأمة التي تجاهد تحافظ على حقوقها وتسترد المسلوب منها، والأمة التي تُعرِض عن القتال والجهاد تُنتهك حرماتها، وتضيَّع حقوقها، ولا يخفى ما وراء ذلك من أمور مكروهة.

فتدبُّر الأمر يشير بوضوح إلى أن الخير دائمًا في اختيار رب العالمين للأمة. ومع ذلك فقد لا تظهر الحكمة من وراء التكليف، وقد لا نرى الخير في باطن المكروه، وليس معنى هذا ألا نطيع، فالمؤمن الذي يوقن بعلم الله وحكمته، يدرك تمامًا أن الله قد اختار له الخير وإن لم تره عينه، وقد كلفه بما يصل به إلى السعادة وإن لم يدرك بعقله القاصر أسباب هذه السعادة؛ ولذلك ختم الله هذه الآية بقوله: {وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

ثالثًا: تحدثنا في النقطتين السابقتين عن طائفتين من المؤمنين، أما الطائفة الأولى فهي التي ترى التكليف صعبًا أو ترى القتال كرهًا، ولكنها تفعله لأن الله أمر بذلك، وهذه درجة جيدة من درجات الإيمان. وأما الطائفة الثانية فهي الطائفة الأعلى إيمانًا والأرسخ يقينًا، وهي التي ينقلب عندها الكره إلى حب، والمشقة إلى متعة ما دام ذلك في سبيل الله، فتشتاق إلى الشهادة في سبيل الله، بل وإن تمزقت أجسادهم رغبةً في إرضاء الله . هاتان طائفتان من المؤمنين، ولكن هناك طائفة ثالثة من المؤمنين أتاها التكليف وهي في لحظة من لحظات الضعف الإيماني، فرأت الكره ولم تر الخير الذي في باطنه، ولم يكن إيمانها بالقوة التي تدفع إلى العمل حتى مع كراهيته. وهذه الطائفة ليست منافقة بل هي مؤمنة، ولكنها تمرُّ بفترة فتور أو ضعف إيماني.

وقد كان هناك فريق من الصحابة عند نزول هذه الآيات على هذه الصورة، عندما نزلت آيات فرض القتال ترددوا وخافوا، ووصل خوفهم إلى الدرجة التي تمنوا معها أن يرفع عنهم هذا التكليف أو يؤخر إلى وقت آخر، وإن كنا نستغرب أن هذه الطائفة كانت موجودة بين الصحابة، وهم خير الناس وأفضل القرون، إلا أننا نحمد الله أن هذا حدث في هذا العهد؛ لنعرف كيف يمكن التعامل مع مثل هذه المواقف، وما وسائل علاج حالات الضعف الإيماني التي تطرأ على النفس أحيانًا.

والغريب أن هذه الطائفة التي ترددت في أمر القتال عندما فرض عليها، كانت هي نفس الطائفة التي كانت تطلب القتال في وقت منعه في أيام مكة، فالقتال كان ممنوعًا في مكة؛ لأن قوة المسلمين لم تكن تسمح لهم به، هذا مع وقوع الظلم المستمر عليهم، ولكن هذه الطائفة كانت تريد الإسراع برفع الظلم عن الكاهل ولو بالقتال الصعب، فهي لم تكن تعاني من الجبن، ولكنها كانت تعاني من قلة الصبر، والمرحلة كانت تتطلب صبرًا من نوع خاص، وهو الصبر على عدم القتال، أما المرحلة الجديدة فكانت تحتاج صبرًا من نوع آخر، وهو الصبر على القتال. ومن جديدٍ فإنهم يعانون من عدم الصبر، فما استطاعوا بسهولة أن يأخذوا القرار بترك دنياهم المستقرة الآن في المدينة، والاتجاه إلى معركة قد تنهي استقرارهم وحياتهم.

وأعود وأكرِّر أن هذه الطائفة لم تكن منافقة أبدًا، إنما كانت مؤمنة، ولكن كل الناس يعتريهم بعض الضعف، وبعض القصور في فترة من فترات الحياة أو ظرف من ظروفها، وليس هناك خطر أن يكون هناك بعض المسلمين على هذه الصورة، ما دمنا نقرّ لهم بالإيمان ونعرف طريقة العلاج، ولكن الخطر الحقيقي أن تكون هذه الطائفة هي عموم الناس، أو أن نفتقر إلى طريقة العلاج الصحيحة كما وصفها القرآن الكريم وطبقها الرسول العظيم .

في وصف هذه الطائفة نزل القرآن الكريم يشرح قصتهم ويبين خطأهم، ويتخلل إلى نفوسهم فيكشف خباياها المختفية، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [النساء: 77 ].

وهذه الخشية التي تسللت إلى قلوبهم ليس لضعف يقينهم في أن الله قادر على نصرتهم، حاشا لله من هذا الاعتقاد؛ فهم مؤمنون. ولكن هذه الخشية تسللت؛ لأن الدنيا المستقرة دخلت في القلوب، ومن ثَمَّ حرصوا على الحفاظ عليها، وخافوا من فقدانها، وفي هذه اللحظة من لحظات ضعف الإيمان وغياب الرؤية الصحيحة نسوا أنهم لن يؤخروا أبدًا عن لحظة موتهم، سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا، ونسوا أن نعيم الآخرة لا يقارن أبدًا بنعيم الدنيا القليل، ومن ثَمَّ لا يجوز للمؤمن الفاهم الواعي أن يضحي بالآخرة في سبيل تحصيل الدنيا ولو حازها كلها.

ومن هنا جاء العلاج الرباني واضحًا جليًّا، يعود بالمؤمنين إلى الأصول التي تربوا عليها في مكة على يد معلمهم ومعلم البشرية رسول الله ، يقول الله في علاج هذا الأمر: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 77، 78].

ولما ذكرت هذه الطائفة المؤمنة بهذه المعاني عادت إلى الله ، وقبلت بأمر القتال في سبيل الله، وما نكصت على عقبيها. فهي -كما ذكرنا مرارًا- مؤمنة.

رابعًا: إذا استقرت الطائفة المؤمنة على أمر القتال وفرضيته وأهميته، فلا بد أن تعرف مَن تقاتل؛ لئلا يكون السيف في يدها مُسَلَّطًا على جميع البشر، والقوة إن لم تحكم بقانون ستصبح قوة غاشمة، وإن لم يكن رابطٌ أو ضابطٌ ستنقلب وبالاً على نفسها وعلى الخلق؛ ولذلك حددت الآيات بوضوح مَن الذي يجب أن يقاتلهم المسلمون في هذه المرحلة. قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

فالمسلمون في هذه المرحلة لا يقاتلون إلا من بدأهم بالقتال، وليس هناك ما عرف بعد ذلك بجهاد الطلب، وهو الجهاد لنشر كلمة الله في الأرض، وقتال من وقف أمام تعليم الناس الإسلام.

فهذه المرحلة ليست مرحلة فتوح، وإنما هي مرحلة دفاع عن الذات وعن الإسلام، ولا بد أن يدرك المؤمنون مدى قوتهم فلا يطمعون فيما هو أكبر من حجمهم الحقيقي، وهذا من فقه الواقع.

وبرغم أن المسلمين لم يبدءوا القتال، وبرغم أنهم يقاتلون مضطرين، وفي الموعد الذي سيختاره عدوهم إلا أنهم لا بد أن يوجِّهوا النية كاملة لله ، مع أن النية قد تكون فطرية في الدفاع عن النفس، وعن الأرض، وعن الديار، وعن المصالح. أولاً وقبل كل شيء {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190].

فلا بد أن يكون القتال في سبيل الله.

خامسًا: شهوة الانتقام عند المظلوم قد تتفاقم حتى تخرج عن الإطار المسموح به شرعًا، ونحن لا يجب أن نرفع ظلمًا وقع علينا بإيقاع ظلم على آخرين؛ لذلك يأتي الضابط المهم للقتال في الإسلام، وهو ضابط ثابت مستمر غير منسوخ، معمول به في كل حروب المسلمين وهو: {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

فالله لا يحب المعتدين حتى لو كانوا من المسلمين. والعدل قانون لا ينصلح حال الأرض إلا به، والعدل مع الجميع حتى الأعداء المكروهين إلى النفس {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة: 2].

وصور الاعتداء المنهيّ عنها كثيرةٌ؛ منها الغدر والخيانة، ومنها تعذيب الأسرى، ومنها التمثيل بالجثث، ومنها القتال لحظِّ النفس وليس لله ، ومنها قتال مَن لا يجب أن يقاتل، ومنها التجاوز في التدمير والتخريب، ومنها إيقاع الظلم بأي إنسان أيًّا كان، بل إن منها إيقاع الظلم بالحيوان أو النبات.

انظروا إلى التعاليم النبوية التي تضع ضوابط القتال في الإسلام، وتوضح أخلاقنا حتى مع أعدائنا؛ روى أبو داود عن أنس ، قال: قال رسول الله : "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَباللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلاَ طِفْلاً صَغِيرًا، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".

ويقول فيما رواه الإمام مسلم عن بريدة ، قال: قال رسول الله : "اغزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا الْوَلِيدَ".

ويقول الصِّدِّيق أبو بكر في وصيته لجيش المسلمين المتجه إلى حرب الرومان: "لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تُمَثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوامٍ قد فَرَّغُوا أنفسهم في الصوامع (أي الرهبان)، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".

هذه هي أخلاق الحروب في الإسلام، ليس فيها قتل لمدنيين أو غير محاربين، وليس فيها إبادة جماعية ولا تدمير عشوائيّ، فليس في تاريخنا ما يشبه ما حدث في هيروشيما ونجازاكي وفيتنام وكوريا ودوسلدورف بألمانيا. ليس في تاريخنا ما يشبه ذلك من قريب ولا من بعيد.

والرائع في قصة القتال في الإسلام أن هذه الضوابط والتشريعات الأخلاقية لم تأتِ نتيجة تطور معين في الحضارة الإسلامية على مدار السنين والقرون، إنما نزلت في أول تشريع القتال، ونزلت بهذا التكامل وهذا السموّ وهذه العظمة، مما يثبت بما لا يدع أيّ مجال للشك أن هذا المنهج رباني، وأن هذه التشريعات إلهية، وأنه لا مقارنة مطلقًا بين قوانين السماء المتكاملة والتامة وبين قوانين الأرض الوضعية التي يعتريها النقص في كل بند من بنودها {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

سادسًا: أعلنت هذه الآيات إعلانًا صريحًا يدل على قوة المسلمين وواقعيتهم في مجابهة القوة الكافرة المعتدية عليهم، وهي قوة قريش الكافرة ومن عاونها. وهذا الإعلان هو أن كل المحاربين من أهل قريش مستهدفون الآن، وأن قريشًا إن كانت تستهدف المسلمين قبل ذلك في كل مكان، فقد حان وقت المعاملة بالمثل، وسيُسْتهدف المشركون من قريش في كل مكان، سواء في المدينة أو في مكة أو في قافلة هنا أو هناك.

كل هذا في جملة جزئية قصيرة من القرآن المعجز، حيث قال ربنا: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191].

فكانت هذه الآية إعلانًا صريحًا للحرب على قريش، كما أنها حملت الإصرار على موقف المسلمين في سرية نخلة، وأنه لا مجال للاعتذار بحجج واهية، وأن ما حدث في سرية نخلة سيحدث بعد ذلك كثيرًا إلى أن تفيق قريش من غيِّها، وتتوب من ظلمها.

سابعًا: قال تعالى في نفس المجموعة من الآيات: {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: 191].

وهذا تصعيد خطير جدًّا، وصريح جدًّا؛ فالمشركون أخرجوا المسلمين المهاجرين من مكة، والآية تدعو المسلمين أن يُخرِجوا الكفار من مكة أيضًا {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: 191].

لقد كانت كلمة في غاية الخطورة. وعلى كفار قريش أن يتوقعوا مباغتة المؤمنين لهم في مكة في أي لحظة، وعليهم أن يعيشوا في رعب الانتظار، وعليهم أن يدركوا أن الأوضاع الجديدة شديدة الاختلاف عن الأوضاع السابقة، وأن هؤلاء الذين عُذِّبوا لسنوات وسنوات في البلد الحرام مكة قد قويت شوكتهم، واشتد عددهم وبلغ تهديدهم للدرجة التي يصرحون فيها بغزو عقر دار المشركين مكة.

وعلى المسلمين أيضًا أن يكونوا على قدر المسئولية الجديدة، وعليهم أن يعلموا أبعاد خطتهم، ومتطلبات هذه المرحلة، فلم يعُدْ هدف المسلمين فقط هو الحفاظ على دينهم وحياتهم، وإنما ارتفع هدفهم إلى الرغبة الصادقة في رفع الظلم تمامًا عن كواهلهم، وإلى نشر هذا الدين في كل مكان، ولو كان هذا المكان هو معقل قريش مكة.

لقد فتحت هذه الآية آفاقًا جديدة للمسلمين، وسمت بأحلامهم وآمالهم إلى درجات ما كانوا ليتخيلوها في الأيام السابقة.

ثامنًا: نجد ملمحًا مهمًّا آخر في هذه الآيات، وهو تعريف المسلمين بفقه الموازنات الذي تحدثنا عنه قبل ذلك في معرض حديثنا عن سرية نخلة، وهو قول الله : {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191].

فهذه القاعدة ذكرت هنا، وذكرت قبل ذلك في موضع آخر عند التعليق المباشر على سرية نخلة في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217]. بل إن الله يذكر في نهاية هذه المجموعة من الآيات، غايةَ القتال في سبيل الله حيث يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193].

ففتنة الناس عن دينهم هي أبشع الجرائم بلا منازع؛ لأن الذي فُتِن عن دينه أو بدَّله بعد إيمان، أو مُنِع من الدخول فيه ابتداءً، هذا قد خسر آخرته تمامًا، بينما المقتول قد يكون في أعلى عليين. ومن المعروف أن دار الآخرة لا تقارن بدار الدنيا، وأن الذي خسر الآخرة هو الخاسر خسرانًا مبينًا لا مجال فيه للإصلاح أو التعديل، ومن ثَمَّ تصبح جريمة الفتنة عن الدين جريمة لا تغتفر فعلاً، وتصبح أعظم بكثير وأشد من القتل على عظم القتل وخطورته.

وهكذا على المسلمين أن يفقهوا -وعلى غيرهم أيضًا- أهمية فقه الموازنات في توجيه خط سير الأمة الإسلامية، وفي المساعدة على الاختيار الأحكم للقرارات في الظروف المختلفة.

تاسعًا: حددت الآيات أيضًا بعض التشريعات الخاصة بالقتال في البلد الحرام مكة، فقال الله : {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 191].

فالآيات فيها تهديد خطير لقريش، فهي تتكلم وكأن القتال في مكة أصبح أمرًا واقعًا، وليس مجرد فكرة أو تهديدًا عابرًا، إنما هو حدث واقعيّ قريب، له أحكام وله قوانين، ولا شك أن هذا الأمر قد ألقى الرهبة في قلوب الكفار، كما ثبت أقدام المؤمنين.

ولك أن تتخيل دولة تتحدث عن الأحكام التي يجب أن تُنفَّذ، وعن التشريعات التي يجب أن تطبَّق عند احتلال عاصمة دولة معادية لها. لا شك أن هذا يدل على شدة الثقة بالنفس، وعلى عزيمة لا تنطفئ حتى يتحقق لها مرادها.

والآيات في الوقت نفسه تؤكد على أن المسلمين برغم أنهم قاتلوا اضطرارًا في الشهر الحرام، إلا أنهم ما زالوا يوقرون الحرمات، ولم يبدلوا دينهم، فهم لا يقاتلون في المسجد الحرام إلا إذا قوتلوا فيه، وهذا الحكم في رأي غالب الفقهاء غير منسوخ، فلا يبدأ المسلمون غيرهم بقتال في مكة، ولكن إذا قوتلوا قاتلوا.

عاشرًا: المسلمون مع كونهم يعلنون الحرب على قريش إلا أنهم في الوقت ذاته لا يعلنون هذه الحرب لمجرَّد شهوة الانتقام، أو الانتصار للنفس، بل على العكس يعلمنا ربنا أن الغاية في النهاية هو هداية البشر إلى الله ؛ ومن ثَمَّ فإذا عاد أولئك الكافرون الظالمون المرتكبون لكل الموبقات والمنتهكون لكل الحرمات، إذا عادوا إلى الله فإنه I يقبلهم ويتوب عليهم، ويصبحون من المسلمين، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وتُطوى تمامًا صفحة الماضي، فلا يحاسبهم عليها الله ، ولا يذكرها لهم المسلمون الذين ظلموا على أيديهم، وهذه قمة السموِّ في الأخلاق، وقمة الرحمة في التعامل. يقول الله : {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 192].

فبرغم كل الأذى الذي وقع من الكفار على المؤمنين، بل على رسول الله نفسِه، وبرغم عبادة الأصنام من دون الله، وبرغم الصدِّ عن سبيل الله، وبرغم التلاعب بالحرمات والاستهزاء بالدين؛ برغم كل ذلك فإن الله يغفر لمن تاب وآمن وعمل صالحًا. قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38].

فخلاصة الوضع في هذا التوقيت ونحن نقترب من النصف من شعبان سنة 2هـ، أن المسلمين أعلنوا الحرب صراحة على مشركي مكة، وأن الموقف صار متأزمًا جدًّا، والجميع -مؤمنهم وكافرهم- يتوقع صدامًا مروعًا قريبًا بين فريق الحق المتمثِّل في مؤمني المدينة المنورة، وفريق الباطل المتمثل في كفار مكة.

[1] رواه النسائي (3940) ترقيم أبي غدة، وأحمد (14069) طبعة مؤسسة قرطبة. قال الشيخ الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (3098) في صحيح الجامع.
[2] البخاري: كتاب الإيمان، باب الجهاد من الإيمان (36) ترقيم البغا. والنسائي (3098)، وأحمد (9476).
[3] مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه (2684)، والنسائي (1838)، والترمذي (1067) ترقيم أحمد شاكر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
فرض القتال على المسلمين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» غزوة أحد بداية القتال ونصر المسلمين
» العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين
» المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين
» فنون القتال المختلطة
» الحكمة من النهي عن القتال في مكة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: