إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾. [النساء: 1]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. [الأحزاب:70، 71]
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
عباد الله؛ الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وقدر المقادير، فلا راد لحكمه، ولا معقب لقوله سبحانه، إذا قال؛ سكت أهل القول، وإذا أمر؛ لابد من نفاذ هذا الأمر، وإذا نهى؛ لا بد لكل مخلوق أن ينزجر، قدر المقادير، وكل مخلوق قُدِّر له ما سيكون له في حياته، والمدة التي سيعيشها من سعادة أو شقاوة، من خير أو شر، من إيمان أو كفر، من صحة وعافية، أو مرض وبلاء وابتلاء، فسبحانه! سبحانه الذي قال في كتابه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾. [القمر: 49].
القدر هل هو بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص؟ لا يتقدم عن موعده وأجله ولا يتأخر؟ أو بقدر هو ما كتبه الله سبحانه وتعالى على عباده، وعلى مخلوقاته لا محيد لهم ولا يستطيعون أن يخالفوه في لحظة منه؟ أبدا، سواء هذا أو هذا فأنت عبد الله، والخلق كلهم خلق لله سبحانه وتعالى، ولنأخذ في خطبتنا هذه مثالا على قدر الله، فالمرض بقدر الله، والصحة والعافية بقدر الله، والعلاج والبحث عن الشفاء بقدر الله، والدواء الموافق للمرض وللداء من قدر الله، فلو أن إنسانا مرض ولم يتعالج هذا من قدر الله، فإذا شُفي فالشفاء من قدر الله.
وإذا مرض وذهب وبحث عن أسبابه المشروعة والمباحة، بحث عن العلاج؛ بحْثُه هذا من قدر الله، فإذا وجد الدواء فوافق الداء، وصارت الصحة والعافية؛ هذا من قدر الله،
فإن مات لم يقدر له الشفاء في هذا الدواء، موته هذا من قدر الله، أما دواءه الذي أخذه فليس من قدر الله أن يكون فيه شفاء، فهمنا هذه.
قدر الله عظيم وقدر الله سر الله في خلقه سبحانه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ"). فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: (يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ, فَيَأتِي الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا؟!) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟! خَلَقَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ وَكَتَبَ حَيَاتَهَا وَمَوْتَهَا, وَمَصَائِبَهَا وَرِزْقَهَا"). (خ) (5425), (5437)، (5387)، (م) (2220)، (ت) (2143), (حم) (8325)
هذا جواب النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره، عندما يعرض النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه مسألة في العقيدة، في التوحيد، في قدر الله عز وجل، فيكون هذا الكلام أكبر من أفهامهم، كما هو أكبر من أفهامنا، يستفسر بعضهم يريد أن يعرف، وأن يتعلم؛ حتى لا يقع في معصية  الله ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما قال عليه الصلاة والسلام: "لا عدوى ولا طيرة".
لا عدوى؛ لكن هناك عدوى، قال عنها العلماء لها معانٍ؛ المعنى الذي عند العرب في الجاهلية، والمعنى الذي في الطب عند الأطباء، فالمنفي هو ما كانت تعتقده العرب في الجاهلية؛  أن المريض أو صاحب الإبل المراض، إذا ذهب إلى السليم الصحيح، أو زار صاحب الإبل السليمة، لابد للسليم وللإبل السليمة أن تصبح مريضة، لا محالة، هكذا عقيدتهم لماذا؟ قالوا: لأن المرض يعدي بطبعه، فقال: لا عدوى.
لكن العدوى الطبية لم ينفها الشرع، ولم ينفها الدين، وهي انتقال فايروس أو ميكروب أو طفيليات أو سمِّ ما شئت من المريض إلى السليم، والعرب لا تسمي هذا الانتقال عدوى، والطب يسميه عدوى، لذلك عندما سأل الأعرابي (ما بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ) يعني في المكان المناسب البعيد عن أسباب الأمراض، في الرمل يعني في السرعة والجري(كالظباء) في الرمل؛ أن تكون في الصحاري وفي أماكنها تشبه الظباء من جميع النواحي، لا مرض فيها ولا عاهة ولا جرب، (فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا) البعير الأجرب فيبدأ الجرب ينتقل في الإبل، يعني كيف تقول: لا عدوى يا رسول الله؟ فماذا قال له صلى الله عليه وسلم؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟!" أول بعير  أجرب خلقه الله لم يخلق بعيرا قبله، من أعداه؟ ألم يصب بالجرب؟ أول بعير  أصيب بالجرب من أين جاءه الجرب؟ بقدر الله، إذن هذه البعران التي جربت وإن كان هذا البعير الأجرب هو سببا فيها، وإنما هي بقدر الله.
فقال: يخالط المريض السليم ولا يمرض السليم، وهذه المستشفيات ملأى بالأطباء والممرضين والممرضات وبالزوار ولا يمرض الجميع، ولا يؤثر المرض فيهم جميعا، هذا رد على العرب، لكن إذا شاء الله يمرض الإنسان ولو كان في بيته، يمرض الإنسان ولو كان في قصر مشيد، يمرض ويأتيه الموت ولو لم يكن هناك سبب له، لماذا هو مات؟ هذا هو قدر الله تعالى، جاءه قدر الله فبعض الناس يضرب بالسيوف ويطعن بالرماح ويرمى بالسهام ولا يموت، كخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، أين مات خالد؟ ليس في المعارك، وإنما على فراشه، كما تأسف على ذلك، يريد أن يموت شهيدا، وقال: (ها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير، ألا فلا نامت أعين الجبناء)، انظر المجالسة وجواهر العلم (3/ 194)رقم (836)، فليس معنى الجهاد والقتال الموت، قد يكون موت وقد لا يكون، وكذلك كل قدر الله عز وجل،"مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ"، (حم) (21611)، (د) (4699)، فما أصابك هذا من قدر الله، وما أخطأك هذا قدر الله لم يرد أن يصيبك، قدر الله سبحانه وتعالى.
"لا عدوى ولا طيرة"، هذه عقيدة وتوحيد، والطيرة التشاؤم تحول القلب من توجه إلى الله ليصرف عنه الشر فتوجه قلبه إلى غير الله فيتشاءم من صوت أو من صورة أو من فعل أو من زمن معين، فهذا التشاؤم هو الطيرة، فلذلك الطيرة والتشاؤم لا يصرف الشر، لا يصرفه إذا أراده الله وقدره، فبعض الناس يتشاءم من صوت  البوم، وعواء الكلاب ونباحها، أو يتشاءم من صور بعض الناس والحيوانات، أو يتشاءم من يوم من الأيام، فبعض الناس يتشاءم من يوم الأربعاء، وبعضهم يقول في ساعة من يوم الجمعة ساعة نحس، مع أنه في الجمعة يا عباد الله ساعة استجابة لكن عادات وتقاليد بعض الجهل يوقعهم في مثل هذه، وبعض الناس يتشاءم من صفر، هذا الشهر الذي نحن فيه، ويسألني أكثر من واحد هل معنى صفر أن يكثر الموت فيه؟! قلت له: لا، وإنما شهر صفر كان الناس أي العرب يتشاءمون منه، لماذا؟ لأن القتال يحرم بين العرب في الأشهر الحرم في ذي الحجة، وقبله ذو القعدة، وبعده المحرم، ثلاثة أشهر حرم، ثم شهر رجب الذي قبل شعبان، فعندما ينتهي الشهر المحرم ترفع الهدنة عن العرب، وقف القتال يرفع، فيبدأ القتال في الناس، فيتشاءمون من هذا الشهر، هذا هو الأساس في التشاؤم من شهر صفر.
وهذا الحديث الذي قال فيه: "ولا صفر"، هذا أحد معانيه كما قال العلماء، وهناك معنى آخر يؤكد العدوى يقولون: بأن هناك داء في البطن اسمه صفر، يجعل الإنسان دائما على إسهال مستمر أو ما شابه ذلك حتى يموت، فيتشاءم الناس به، ويبتعدون عن صاحبه خوفا من العدوى، فقال لهم: ولا صفر.
وبعضهم قال: صفر حية في البطن تكون في المواشي والدواب والإنسان، حية يعني دودة من الديدان التي تهلك الإنسان في بطنه سواء هذه أو هذه فهذه منفية عنا من باب تجريد التوحيد لله عز وجل، فلا نعتقد ما يفسد عقائدنا.
"لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة" والهامة في اللغة هي الرأس، وتطلق على البوم لأن البوم رأسه كبير، فما هي كلمة لا هامة التي ينفيها؟ الهامة المنفية رأس القتيل إذا قتل إنسان فرأسه يبقى في قبره يتحول إلى طائر يطير حول القبر، ويقول: اسقوني اسقوني هكذا تعتقد العرب في الجاهلية، ما أكثر عقائدهم الفاسدة، ولعلك أنت الآنتستهجن مثل هذا وتستغربه، مع أن الأمة فيها إذا شرحنا الوضع وبيناه فإذا قتل قتيل لا يذهب هذا الطائر الذي هو الهامة ولا يغادر قبره، إلى أن يؤخذ بثأره فيقتل القاتل، فتذهب.
ومسألة القتيل عندنا في هذا الزمان موجودة في أذهان بعض الناس، إذا مشى في واد مظلم أو بين الشعاب أو بين الأشجار في مكان قتل فيه إنسان يشعر أن هناك من يلاحقه خصوصا في  الليل والظلام والبعد عن الناس، يشعر بأن القتيل يلاحقه، وقد أخبر كثير من الناس في المنطقة الفلانية فيقول: كان القتيل يجري ورائي، ويجري ويهرب وهو خائف، قال: هو القتيل، ويسول له هذا الأمر، ولعله من حفيف شجر أو من ضرب نعله بنفسه، يشعر أن أحدا يجري ورائه، هذه مسألة القتيل، القتيل لا يحيا، ولا يطالب بثأر ولا دم، ولا ما شابه ذلك.
فهذا الحديث يبين لنا صفاء العقيدة عقيدة المؤمن، وصفاء توحيده وقلبه لله عز وجل، فلا ينتقل مرض من أي إنسان مريض إذا صافحه السليم يصبح مريضا، إذا شاء الله أصبحت مريضا،  بالمصافحة وعدمها، وإذا لم يشأ الله لو قبلته ومصصت لسانه لا يؤذيه إن شاء الله، لأن الله لم يقدر ذلك، لكن رسولنا صلى الله عليه وسلم يعلم من الله عز وجل أن الناس قلوبهم ليست واحدة في قوة الإيمان والتوحيد، وفي ضعفه ليسوا سواء.
فالإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف، فقوي الإيمان لا يهمه أن يشرب خلف إنسان مصاب بالرشح والكحة والانفلونزا، لا يضره ذلك، فعقيدته قوية، وإنسان آخر يخاف فإذا شرب يشعر بأشياء ليست لها حقيقة، لكنه يشعر بأشياء، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم عالج مثل هذه الأمور وأمر من عنده شك في ذلك، ويخاف على نفسه، وليس شكا في قول النبي صلى الله عليه وسلم بل شك أن يصاب بمرض أو ما شابه ذلك أن يجتنب ويبتعد عن مواطن الشبهات، لذلك خذ حذرك لا تشرب خلف من هو مريض، لا تشرب خلفه، ولا تخالطه المخالطة العامة، لذلك ورد في الآثار عن بعض الصحابة أنهم كانوا لا يخالطون المرضى بالجذام، فمرض الجذام مرض خطير، ويقولون عنه مرض معدي، فهذا قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ». (خ) (5707)، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ". (م) (2231)
يعني إذا رأيت مجذوما لا تقابله، لماذا؟ خوفا على قلبك أن يقع فيه شيء أو أن يقدر الله الإصابة بالجذام فتقول هذه من العدوى، لا ابتعد عن ذلك مطلقا فإذا أخذت احتياطاتك وابتعدت فأصبت بشيء من هذا لن تقول بأن هذه عدوى، وإنما ستقول كله من الله، ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾. [القمر: 49]
كذلك دل أصحاب الإبل المراض الذي يقوم عليها ويعالجها من الجرب دل صاحبها ألا يقرب صاحب الإبل الصحاح،«لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ». (خ) (5771)، الممرض الذي يقوم على تمريض الإبل، على تقديم العلاج لها، لا يقدم على هذا الإنسان، نرى بعض الناس يأخذون بمثل هذه الاحتياطات، كمامات قفازات في اليدين، في الأرجل يلبسون أشياء معينة إذا دخلوا، أكثر من مزرعة للدجاج خوفا من انتقال أمراض معينة أو ما شابه ذلك، فهذا أمر حث عليه الشرع، وقد ورد في الشرع في الكلام على الطاعون؛ "إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها"، وهذا ما يسمى بالحجر الطبي أو الحجر الصحي، وقع بأرض في منطقة لا تدخلوها، وتكملة الرواية: «إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَلَسْتُمْ بِهَا فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ». (حم) (176622)، كل هذا حفاظا على عقيدة المؤمن ألا يتطرق إليها شيء يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لا عدوى"، وعند المخالطة أصبحت العدوى فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم لا عدوى، نعم هو لا عدوى وإنما هي من قدر الله سبحانه وتعالى.
فلذلك على الإنسان أن يعلم يقينا أن ما أصابه من مصائب شتى، وهموم كثيرة وما شابه ذلك خصوصا الأمراضوالابتلاءات والبلايا فليعلم أنها من الله سبحانه وتعالى، قدرها وأراداها فكانت، ولو لم يقدرها الله لم تكن، فعليك أن تصبر على قدر الله سبحانه وتعالى، وصبرك هذا لك فيه أجر، فقد كان الأنبياء أشد بلوى، فأيوب عليه السلام يضرب به المثل في الصبر على البلاء على المرض، بضعة عشر عاما، أكثر من سبعة عشر سنة كان في المرض عليه السلام، ومع ذلك كان يذكر الله، ويسبح الله، وكان يحمد الله سبحانه وتعالى، وكذلك بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ابتلوا في أنفسهم أو من الأعداء أو مما شابه ذلك، فصبروا ولنا فيهم أسوة حسنة، ﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾. [الأنعام: 90]
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
((الخطبة الآخرة))
الحمد لله حمد الشاكرين والصابرين ولا عدوان على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
يقول العلماء في هذه المسائل: أنت تخاف منه، لا مانع ولا يخالف توكلك على الله إذا أخذت بالأسباب فتجنبته، مصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ». (خ) (57077)، وَبِقَوْلِهِ في الحديث الآخر: "لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ"، ومعناه أَنَّ مُدَانَاةَ ذَلِكَ سَبَبٌ الْعِلَّةِ, التي تراها وهي سبب، فلذلك مباعدتك عنها يبعد عن قلبك الوقوع في مثل هذه الأمور، مثل ماذا؟ فقد ضرب العلماء على ذلك مثالا (فَلْيَتَّقِهِ اِتِّقَاءَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ), أنت ترى جدارا يريد أن ينقض ويسقط هل تمشي من تحته، لن تمشي من تحته، أنت أخذت بالسبب، لكن لو مشيت من تحته ولم يقدر الله لك الموت لن تموت، وإن ابتعدت عنه ابتعدت عنه بقدر الله سبحانه وتعالى، وكذلك(وَالسَّفِينَةِ الْمَعْيُوبَةِ) كيف تركب سفينة معيبة؟ أنت تبتعد عنها خوفا من الغرق، لكن لو ركبتها ولم يقدر الله لك غرقا فلن تغرق، وهذا ما أكده وبينه القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾، وما يدرون أن هذا من قدر الله سبحانه وتعالى، الإصابة بالحسنة أو الإصابة بالسيئة، كله من قدر الله سبحانه وتعالى، فقال الله عز وجل: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا ﴾ وهذا تعليم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وللمسلمين من بعده ﴿ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾. (التوبة: 50- 51).
فكن متوكلاً على الله في كل أمورك يا عبد الله، واللهِ! المتوكل على الله حق التوكل مستريح في حياته، ربما يكون مريضا، ربما يكون تكالبت عليه الديون والهموم والمشاغل من كل مكان، لكن في قلبه هو مستريح، لأن يعلم أن هذا من قدر الله، فهو يتوكل على الله في أن يرفع عنه، ما يضره وما يؤذيه ويتوكل على الله أن يعوضه خيرا مما أخذ منه، ويتوكل على الله سبحانه وتعالى لأن هذا من هذا قدر الله، فهو يؤمن بقدر الله، فعند المتوكل على الله وجود المصائب ووجود النعائم سيان، وجود المرض ووجود الصحة عنده سيان، لا يؤثر ذلك له على عبادة إلا إذا كانت تمنعه من قيام أو مشي أو ما شابه ذلك، لكن لا يؤثر له على لسان كما كان يفعل أيوب عليه السلام، كان دائم الذكر رغم قسوة المرض على أيوب، ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾. [ص: 41[، عذاب! أيوب يعترف أن جسمه به عذاب، يتعذب ويشكو إلى الله، فلا تشكو الله لعباده، لكن اشكوه إليه سبحانه وتعالى، ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾.[الذاريات: 50]، الفرار إلى الله دائما لا يمنع ذلك أن تأخذ بالأسباب، فقلنا: إن الأخذ بالأسباب لا يمنع من التوكل على الوهاب سبحانه وتعالى.
خذ بأسباب الدواء لكن اتق الحرام، اتق ما يغضب الله سبحانه وتعالى، فكن مع الله يا عبد الله ولا تبالي، قو إيمانك وتوحيدك بالله سبحانه وتعالى، واعلم أنك عبد لله عز وجل، وأنت في كون الله كذرة أو هباءة صغيرة صغيرة جدا، لكنك عظيم عند الله، أنت كريم على الله عز وجل، ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾. [الإسراء: 70]، أنت مكرم عند الله، لكن الذي يترك التكريم عند الله ويتوجه إلى غير الله عز وجل في مآله ومصيره وما شابه ذلك فلن يجد خيرا، ولن يجد ما يسره، وإن سره قليلا فمضرته طويلة وكبيرة عند الله عز وجل.
فنسأل الله عز وجل أن يشفي مرضانا، وأن يرحم موتانا، وأن يعافي مبتلانا.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، وبارك لنا فيما أعطيتنا، يا أرحم الراحمين.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه في الدنيا والآخرة يا رب العالمين.
اللهم فك أسر المأسورين، وسجن المسجونين، واقض الدين عن المدينين، ونفس كرب المكروبين، وفرج هم المهمومين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وأنت أخي المؤذن أقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.[العنكبوت:45]