تلك الطبيعة ُ، قِف بنا يا ساري | حتى أُريكَ بديعَ صُنْعِ الباري |
الأَرضُ حولك والسماءُ اهتزَّتا | لروائع الآياتِ والآثار |
من كلّ ناطقة ِ الجلال، كأَنها | أُمُّ الكتاب على لسان القاري |
دَلَّت عَلى مَلِكِ المُلوكِ فَلَم تَدَع | لِأَدِلَّةِ الفُقَهاءِ وَالأَحبارِ |
مَن شَكَّ فيهِ فَنَظرَةٌ في صُنعِهِ | تَمحو أَثيمَ الشَكِّ وَالإِنكارِ |
كَشَفَ الغَطاءُ عَنِ الطُرولِ وَأَشرَقَت | مِنهُ الطَبيعَةُ غَيرَ ذاتِ سِتارِ |
شَبَّهتُها بَلقيسَ فَوقَ سَريرِها | في نَضرَةٍ وَمَواكِبٍ وَجَواري |
أَو (بِاِبنِ داوُدٍ) وَواسِعِ مُلكِهِ | وَمَعالِمٍ لِلعِزِّ فيهِ كِبارِ |
هوجُ الرِياحِ خَواشِعٌ في بابِهِ | وَالطَيرُ فيهِ نَواكِسُ المِنقارِ |
*** |
قامَت عَلى ضاحي الجِنانِ كَأَنَّها | رَضوانُ يُزجي الخُلدُ لِلأَبرارِ |
كَم في الخَمائِلِ وَهيَ بَعضُ إِمائِها | مِن ذاتِ خِلخالٍ وَذاتِ سِوارِ |
وَحَسيرَةٍ عَنها الثِيابُ وَبَضَّةٍ | في الناعِماتِ تَجُرُّ فَضلَ إِزارِ |
وَضَحوكِ سِنٍّ تَملَأُ الدُنيا سَنىً | وَغَريقَةٍ في دَمعِها المِدرارِ |
وَوَحيدَةٍ بِالنَجدِ تَشكو وَحشَةً | وَكَثيرَةِ الأَترابِ بِالأَغوارِ |
*** |
وَلَقَد تَمُرُّ عَلى الغَديرِ تَخالُهُ | وَالنَبتُ مِرآةً زَهَت بِإِطارِ |
حُلوُ التَسَلسُلِ مَوجُهُ وَجَريرُهُ | كَأَنامِلٍ مَرَّت عَلى أَوتارِ |
مَدَّت سَواعِدُ مائِهِ وَتَأَلَّقَت | فيها الجَواهِرُ مِن حَصىً وَجِمارِ |
يَنسابُ في مُخضَلَّةٍ مُبتَلَّةٍ | مَنسوجَةٍ مِن سُندُسٍ وَنُضارِ |
زَهراءَ عَونِ العاشِقينَ عَلى الهَوى | مُختارَةِ الشُعَراءِ في آذارِ |
قامَ الجَليدُ بِها وَسالَ كَأَنَّهُ | دَمعُ الصَبابَةِ بَلَّ غُضنَ عَذارِ |
وَتَرى السَماءَ ضُحىً وَفي جُنحِ الدُجى | مُنشَقَّةً مِن أَنهُرٍ وَبِحارِ |
في كُلِّ ناحِيَةٍ سَلَكتَ وَمَذهَبٍ | جَبَلانِ مِن صَخرٍ وَماءٍ جاري |
مِن كُلِّ مُنهَمِرِ الجَوانِبِ وَالذُرى | غَمرِ الحَضيضِ مُحَلَّلٍ بِوَقارِ |
عَقَدَ الضَريبُ لَهُ عَمامَةَ فارِعٍ | جَمِّ المَهابَةِ مِن شُيوخِ نِزارِ |
وَمُكَذِّبٍ بِالجِنِّ ريعَ لِصَوتِها | في الماءِ مُنحَدِراً وَفي التَيّارِ |
مَلَأَ الفَضاءَ عَلى المَسامِعِ ضَجَّةً | فَكَأَنَّما مَلَأَ الجِهاتِ ضَواري |
وَكَأَنَّما طوفانُ نوحٍ ما نَرى | وَالفُلكُ قَد مُسِخَت حَثيثَ قِطارِ |
يَجري عَلى مَثَلِ الصِراطِ وَتارَةً | ما بَينَ هاوِيَةٍ وَجُرفٍ هاري |
*** |
جابَ المَمالِكَ حَزنَها وَسُهولَها | وَطَوى شِعابَ الصِربِ وَالبُلغارِ |
حَتّى رَمى بِرِحالِنا وَرَجائِنا | في ساحِ مَأمولٍ عَزيزِ الجارِ |
مَلِكٌ بِمَفرَقِهِ إِذا اِستَقبَلتَهُ | تاجانِ تاجُ هُدىً وَتاجُ فَخارِ |
سَكَنَ الثُرَيّا مُستَقَرَّ جَلالِهِ | وَمَشَت مَكارِمُهُ إِلى الأَمصارِ |
فَالشَرقُ يُسقى ديمَةً بِيَمينِهِ | وَالغَربُ تُمطِرُهُ غُيوثُ يَسارِ |
وَمَدائِنُ البَرَّينِ في إِعظامِهِ | وَعَوالِمُ البَحرَينِ في الإِكبارِ |
اللَهُ أَيَّدَهُ بِآسادِ الشَرى | في صورَةِ المُتَدَجِّجِ الجَرّارِ |
الصاعِدينَ إِلى العَدُوِّ عَلى الظُبى | النازِلينَ عَلى القَنا الخَطّارِ |
المُشتَرينَ اللَهَ بِالأَبناءِ وَال | أَزواجِ وَالأَموالِ وَالأَعمارِ |
القائِمينَ عَلى لِواءِ نَبِيِّهِ | المُنزَلينَ مَنازِلَ الأَنصارِ |
*** |
يا عَرشَ (قُسطَنطينَ) نِلتَ مَكانَةً | لَم تُعطَها في سالِفِ الأَعصارِ |
شُرِّفتَ بِالصَديقِ وَالفاروقِ بَل | بِالأَقرَبِ الأَدنى مِنَ المُختارِ |
حامي الخِلافَةِ مَجدِها وَكِيانِها | بِالرَأيِ آوِنَةً وَبِالبَتّارِ |
*** |
تاهَت فُروقُ عَلى العَواصِمِ وَاِزدَهَت | بِجُلوسِ أَصيَدَ باذِخِ المِقدارِ |
(جَمِّ الجَلالِ كَأَنَّما كُرسِيُّهُ | جُزءٌ مِنَ الكُرسِيِّ ذي الأَنوارِ) |
أَخَذَت عَلى البوسفورِ زُخرُفَها دُجًى | وَتَلَألَأَت كَمَنازِلِ الأَقمارِ |
فَالبَدرُ يَنظُرُ مِن نَوافِذِ مَنزِلٍ | وَالشَمسُ ثَمَّ مُطِلَّةٌ مِن دارِ |
وَكَواكِبُ الجَوزاءِ تَخطُرُ في الرُبى | وَالنَسرُ مَطلَعُهُ مِنَ الأَشجارِ |
وَاِسمُ الخَليفَةِ في الجِهاتِ مُنَوِّرٌ | تَبدو السَبيلُ بِهِ وَيَهدي الساري |
كَتَبوهُ في شُرَفِ القُصورِ وَطالَما | كَتَبوهُ في الأَسماعِ وَالأَبصارِ |
*** |
يا واحِدَ الإِسلامِ غَيرَ مُدافِعٍ | أَنا في زَمانِكَ واحِدُ الأَشعارِ |
لي في ثَنائِكَ _وَهوَ باقٍ خالِدٌ_ | شَعرٌ عَلى الشِعرى المَنيعَةِ زاري |
أَخلَصتُ حُبّي في الإِمامِ دِيانَةً | وَجَعَلتُهُ حَتّى المَماتِ شِعاري |
لَم أَلتَمِس عَرضَ الحَياةِ وَإِنَّما | أَقرَضتُهُ في اللَهِ وَالمُختارِ |
إِنَّ الصَنيعَةَ لا تَكونُ كَريمَةً | حَتّى تُقَلِّدُها كَريمَ نِجارِ |
وَالحُبُّ لَيسَ بِصادِقٍ ما لَم تَكُن | حَسَنَ التَكَرُّمِ فيهِ وَالإيثارِ |
وَالشِعرُ إِنجيلٌ إِذا اِستَعمَلتَهُ | في نَشرِ مَكرُمَةٍ وَسَترِ عَوارِ |
وَثَنَيتَ عَن كَدَرِ الحِياضِ عِنانَهُ | إِنَّ الأَديبَ مُسامِحٌ وَمُداري |
عِندَ العَواهِلِ مِن سِياسَةِ دَهرِهِم | سِرٌّ وَعِندَكَ سائِرُ الأَسرارِ |
هَذا مُقامٌ أَنتَ فيهِ مُحَمَّدٌ | أَعداءُ ذاتِكَ فِرقَةٌ في النارِ |
إِنَّ الهِلالَ _وَأَنتَ وَحدَكَ كَهفُهُ_ | بَينَ المَعاقِلِ مِنكَ وَالأَسوارِ |
لَم يَبقَ غَيرُكَ مَن يَقولُ أَصونُهُ | صُنهُ بِحَولِ الواحِدِ القَهّارِ
|