فصل في صدقة التطوع.
- تستحب صدقة التطوع في جميع الأوقات ؛ لأن الله تعالى أمر بها ورغّب فيها وحث عليها, فقال عز وجل: ) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً( [البقرة 245], وقال r: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ) [رواه البخاري ومسلم] . والفلو : الصغير من أولاد الفرس .
- صدقة السر أفضل من صدقة العلانية ؛ لقول الله تعالى : )إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ( [البقرة 271] , ولقول النبيr : (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ... وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ...) [رواه البخاري ومسلم] .
- صدقة التطوع في الأماكن الفاضلة والأزمان الشريفة أفضل منها في غيرها, كالحرمين الشريفين, والمسجد الأقصى, وشهر رمضان, وعشر ذي الحجة؛ وذلك لمضاعفة الحسنات في هذه الأماكن, وتلك الأزمان, ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ r حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ) . [رواه البخاري ومسلم] . وعن ابن عباس أيضاً عَنْ النَّبِيِّ r أنه قال
مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ – يعني أيام عشر ذي الحجة - قَالُوا : وَلا الْجِهَادُ ؟ قَالَ: وَلا الْجِهَادُ ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) رواه البخاري .
- الصدقة على ذوي الأرحام أفضل من الصدقة على غيرهم ؛ لأنها صدقة وصلة ؛ قال r : ( إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) [رواه النسائي والترمذي بإسناد حسن] . ثمَّ على الجار أفضل من غيره ؛ لقوله تعالى )... وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ...( [النساء 36] , ولقول النبي r : ( مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ) [رواه البخاري ومسلم] .
- تستحب صدقة التطوع بالفاضل عن حاجته وحاجة من ينفق عليه من زوجة وولد ونحو ذلك ؛ لقول النبي r
خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) [رواه البخاري ومسلم] . أي : أفضل الصدقة ما كان زائداً على حاجتك وحاجة من تعوله وتنفق عليه .
فإن تصدق بما يُنْقص من حاجته أو حاجة من يعولهم , أو تصدق بما يلحقه أو يُلحق من يعولهم ضرراً أثم بذلك ؛ لقول النبي r: ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ) [رواه أبو داود بإسناد حسن] , ولقوله r: ( لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ) [رواه مالك وأحمد وغيرهما وإسناده صحيح بمجموع طرقه] . فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل ؛ لقول الله تعالى ) وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...( [الحشر 9].
- يكره لمن لا صبر له على الضيق أو لا عادة له به أن يُنْقص نفسه عن الكفاية التامة ؛ لأنه نوع إضرار به , ولقول النبي r لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : (... إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ...) [رواه البخاري ومسلم] .
- يحرم المنُّ بالصدقة , بل هو من كبائر الذنوب , ويبطل به الثواب ؛ لقول الله عز وجل: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى ( [البقرة 264], ولقول النبي r: ( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ، قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّه ِr ثَلاَثَ مِرَارٍ, قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) [رواه مسلم] .