فصل في قيام الليل
أولاً: صلاةُ اللّيلِ.
صَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» [رواه مسلم].
والنِّصْفُ الأَخِيرُ من اللَّيلِ أفضلُ للصَّلاةِ مِنَ النِّصفِ الأوّلِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ صَلَاةُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ» [متّفق عليه].
وَالتَّهُجُّدُ هو القِيامُ للصَّلاةِ ليلاً بعد نَوْمٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾ [المزمل:6]. ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: «النَّاشِئَةُ القِيَامُ بَعْدَ النَّوْمِ».
أ) حكمها :
وَقِيَامُ اللَّيْلِ مُسْتَحَبٌّ؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ» [رواه الحاكم وصحّحه].
ب) كيفيتها :
ويُسَنُّ افتتاحُ التّهجُّدِ بركعتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ؛ لحديثِ أبِي هريرةَ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» [رواه مسلم].
وَيُسَنُّ لهُ أن يَّنوِيَ القِيامَ عندَ النَّوْمِ؛ لقول أبي الدَّرْداء رضي الله عنه: «مَنْ نَامَ وَنِيَّتُهُ أن يَّقُومَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ» [رواه النسائي].
وَيَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ؛ قياساً على الوِتْرِ، ولكنْ مَعَ الكَراهةِ.
- وأَجرُ منْ صَلَّى قاعداً منْ غيرِ عُذرٍ على النِّصفِ منْ أَجرِ منْ صلّى قائماً؛ لحديثِ عمرانَ بن حصينٍ رضي الله عنه قال: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن صلاةِ الرّجلِ وهو قاعدٌ؛ فقال: «مَنْ صَلّى قائماً فهُوَ أَفْضَلُ، ومَنْ صَلّى قَاعِداً فلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائمِ» [رواه البخاري].
قال المرداوي: « فَأَمَّا إِنْ كانَ مَعْذُورًا لِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ؛ فَإِنَّهَا كَصَلَاةِ الْقَائِمِ في الْأَجْرِ» [(الإنصاف) (2/188)].
وكَثْرةُ الرُّكوعِ والسُّجودِ أفضلُ منْ طُولِ القِيامِ؛ لأنّ السُّجودَ في نفسِهِ أفضلُ وآكَدُ؛ فإنّه يجبُ في الفرضِ والنّفلِ، والقِيامُ يسقُطُ في النّفلِ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وهُوَ سَاجِدٌ» [رواه مسلم].
ثانياً : صَلاةُ الضُّحَى.
أ ) حكمها :
وهي مستحبّةٌ غير مؤكّدة؛ لحديثِ أبِي هريرةَ رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بثَلاثٍ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَي الضُّحَى، وأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنامَ» [رواه مسلم].
ولكن لا تستحبُّ المُداومةُ عليها، بل يُصَلِّيها في بعضِ الأَيّامِ دُونَ بَعْضٍ؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: «كان النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لَا يَدَعُهَا وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّيهَا» [رواه الترمذي وحسّنه]، ولأنّها دونَ الفرائضِ والسُّننِ المُؤكَّدةِ؛ فلا تُشبَّه بها.
ب) عدد ركعاتها :
وأَقَلُّهَا رَكْعَتانِ؛ لحديثِ أبي هريرةَ السّابقِ؛ فإنّ فيه: « وَرَكْعَتَي الضُّحَى».
وأَكْثَرُهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ؛ لحديث أم هانئ رضي الله عنها: (أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يومَ فتحِ مكّةَ ثمانِ ركعاتٍ سُبحةَ الضُّحَى) [رواه الجماعة].
ج) وقتــها :
ووَقْتُ صلاةِ الضُّحَى: منْ خُروجِ وقتِ الكَراهةِ إلى قُبَيْل الزَّوالِ؛ لحديث أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجلّ قال: «ابنَ آدمَ اركعْ لِي مِنْ أَوَّلِ النَّهارِ أَرْبَعَ رَكَعاتٍ أَكْفِكَ آخِرَهُ» [رواه التّرمذي، وحسّنه].
وأَفْضَلُ أَوْقَاتِها: إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ الأَوّابينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ» [رواه مسلم].أي: حين يجد الفصيل من الإبل حرّ الشمس من الرَّّمْضاءِ.
ثالثاً : تحيّة المسجد وتطوّعات أخرى.
1) تحية المسجد :
- تُسَنُّ تحيّةُ المسجدِ عندَ الدُّخولِ إليهِ؛ لحديث أبي قتادة رضي الله أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فلَا يَجْلِسْ حتّى يُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ» [متّفق عليه].
- وتُجزِئُ صلاةُ الرّاتبةِ والفرِيضَةِ عن تحيّةِ المسجدِ.
- وَإنْ جلسَ قبلَ صلاةِ التّحيّةِ قامَ فأتَى بها إنْ لمْ يطلِ الفصلُ؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» [متفق عليه، واللفظ لمسلم]، فإنْ طالَ الفصلُ فاتَ محلُّها.
2) سنة الوضوء :
وتُستحبُّ سنّةُ الوُضوءِ، وهيَ ركعتانِ عَقِبَه؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلالٍ: «يا بِلالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْته فِي الْإِسْلَامِ؛ فَإِنِّي سَمِعْت دَفَّ نَعْلَيْك بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ؛ فَقَالَ: مَا عَمِلْت عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْت بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ » [متفق عليه].
3) الصلاة بين المغرب والعشاء :
ويُستحبُّ إِحْياءُ مَا بينَ العِشاءَيْنِ – المغرب والعشاء -؛ لحذيفة رضي الله عنه قال: «صَلَيْتُ مَعَ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى العِشَاءَ» [رواه أحمد، واللّفظ له، والترمذيّ، وصحّحه].
وهذه الصّلاةُ تُعدُّ منْ قِيامِ اللَّيلِ؛ لأنّ اللّيلَ من المغربِ إلى طلوعِ الفجرِ، وقد ثبت عن أنسٍ رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات:17]: «كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بينَ المغربِ والعِشاءِ» [رواه أبو داود].