تغيير أسماء السور في المصحف الشريف
ظهرت بعض المصاحف المترجمة وقد تم تبديل أسماء بعض السورة فيها ، كتسمية سورة (غافر) بسورة (المؤمن) ، وتسمية سورة (المسد) بسورة (اللهب)، وسورة (الشرح) بسورة (الانشراح)، وغير ذلك، فهل يجوز طباعة المصاحف مع تغير مسميات السورعلى خلاف ما جرى تسميتها به في المصاحف المتادولة
البحث في هذه المسألة يرتكز على محورين:
الأوّل: هل أسماء القرآن الكريم توقيفيّةٌ أم اجتهاديّةٌ(1)؟
وقد جزم السيوطيُّ-رحمه الله- بأنّها توقيفيّة؛ فقال:
«وقد ثبت جميع أسماء السّور بالتّوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبيّنت ذلك»(2).
ثمّ استدلّ على ذلك؛ فقال:
«وممّا يدلُّ لذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة، قال: كان المشركون يقولون: سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزئون بها؛ فنزل: ]إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ[»(3) .
وممّا يدلُّ على أنّ أسماء السُّور كانت معروفة عند الصحابة y على عهد النّبيّ r ما ثبت في الصحيحين في قصة الـرّجل الذي أراد أن يتزوّج امرأةً، وليس معه شيءٌ من المال، فقال له النبي r : ماذا معك من القرآن؟، قال: معي سورة كذا، وسورة كذا عدّها قال: «أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟»، قال: نعم. قال: «اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن»(4) .
وما ثبت في حديث حذيفة t قال: صليتُ مع النبي r ذات ليلةٍ، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت يصلي بها ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها...الحديث (5) .
بل قد ثبت عنه عليه الصلاة والسّلام تسميّته لبعض السور؛ كالبقرة وآل عمران؛ وذلك في قوله r: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة، وآل عمران...» الحديث(6) .
وروى عثمان t أنّ النّبيّ r كان إذا نزلت عليه الآيات يدعو بعض من كان يكتب له، ويقول له: ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا(7) .
وهذا التّقرير لا ينفي وجود أسماء اجتهاديّة من بعض الصحابة y ، أو من بعدهم من العلماء والمفسرين؛ حفظتها لنا دواوين الحديث، وكتب التّفسير وعلوم القرآن، ومن ذلك ما رواه سعيد بن جبير قال: قلت لابن عبّاس: سورة الحشر، قال: قل سورة النّضير(
. يعني: بني النّضير.
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-: «كأنّه كره تسميتها بالحشر؛ لئلا يظنّ أنّ المراد يوم القيامة، وإنّما المراد به هنا إخراج بني النضير»(9) .
وقال الشيخ الطاهر ابن عاشور-رحمه الله-: «فابن جبير سمّاها باسمها المشهور، وابن عباس يسمّيها سورة بني النضير، ولعلّه لم يبلغه تسمية النبي r إيّاها سورة الحشر؛ لأنّ ظاهر كلامه أنـه يرى تسميتها سورة بني النضير لقوله لابن جبير: قل بني النضير»(10).
ويجدر التّنبيه هنا إلى أن بعض السّور لها أكثر من اسم توقيفي؛ ورد به الحديث أو الأثر؛ كسورة الفاتحة مثلاً؛ فإنّها تسمّى (أمّ القرآن)، و(أمّ الكتاب)، وغير ذلك من الأسماء(11) .
الثاني: أسماء السور التي ورد ذكرها في السؤال:
أمّا سورة (غافر) فإنّها تسمّى سورة (المؤمن)؛ لقوله تعالى فيه: ]وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ[(12).
وأمّا تسمية سورة (المسد) بسورة (اللّهب)؛ فقد قال الشيخ الطّاهر ابن عاشور: «وعنونها أبو حيان في (تفسيره): "سورة اللهب"، ولم أره لغيره»(13) .
وأمّا سورة (الشرح)، وتغيير اسمها إلى (الانشراح)؛ فقد قال الشيخ ابن عاشور: «سمّيت في معظم التفاسير، وفي (صحيح البخاري)، و(جامع الترمذي): سورة (ألم نشرح)، وسُمّيت في بعض التفاسير سورة (الشرح) ومثلُه في بعض المصاحف المشرقيّة؛ تسميةً بمصدر الفعل الواقع فيها من قوله تعالى: ]أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ[ [الشرح:1]، وفي بعض التفاسير تسميتها سورة (الانشراح)» (14).
والله أعلم، وصلّى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله، وصحبه، وسلّم.
وحدة البحث العلمي
إدارة الإفتاء