همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 معالم الفتوى عند الصحابة رضي الله عنهم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

معالم الفتوى عند الصحابة رضي الله عنهم Empty
مُساهمةموضوع: معالم الفتوى عند الصحابة رضي الله عنهم   معالم الفتوى عند الصحابة رضي الله عنهم Emptyالجمعة مايو 05, 2017 10:30 pm

معالم الفتوى عند الصحابة رضي الله عنهم

خلّفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاتِهِ زمرةً صالحةً مؤمنة، قامَتْ على أمرِ الدِّين والشَّريعة؛ دعوة وجهادًا وتعليماً، ولم تألُ جهداً في أيِّ مجالٍ من مجالات النّصرة والتّأييد إلا برزت فيه وظهَرَتْ، فالصّحابة رضي الله عنهم هم أعلمُ النّاس بالحلال والحرام بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهم أتقى الخلقِ وأخشاهم لله تعالى، وأحرصُهم على تعليم النّاس ما يحبّه اللهُ ويرضاه، ائتمنهم على دينِهِ وشرعِهِ، فكما أنّهم سادةُ الأمّة وأئمتُها وقادتُها فهم ساداتُ المفتين والعلماء المتّقين؛ كما قال ابنُ القيّم رحمه الله (1).

وقال أيضًا منبِّهًا على فضلِهم وأحقّيّتِهم بالفتوى وتعليمِ النّاس: «ثمّ قام بالفتوى بعده بَرْكُ(2) الإسلامِ، وعصابة الإيمان، وعسكر القرآن، وجند الرّحمن؛ أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم؛ ألْيَنُ الأمّة قلوبًا، وأعمقُها علمًا، وأقلّها تكلّفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إيمانًا، وأعمّها نصيحةً، وأقربها إلى الله وسيلة»(3).

وممّا يدلّ على قيامهم بهذا الواجب العظيم، والفرض المهيب؛ كما أمر الله تعالى، وعلى الوجه الذي يريد: ما وَرَدَ من فتاويهم في كتب السُنَّة والمصنّفات، حتّى عدَّ الإمام ابن القيم رحمه الله -ممّن حُفظت عنهم الفتوى- مائة ونيفًا وثلاثين نفسًا ما بين رجلٍ وامرأةٍ، وذَكَرَ أنّ المكثرين في الفتوى منهم سبعة هم: عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين(4).

وإذا كان الأمر كذلك؛ فإنّ ما ورد من تهيُّبِهِم أمرَ الفتوى لا يمكن بحالٍ فهمُهُ على ما يتبادَرُ لبعضِ الأذهانِ من أنّهم كَتَمُوا شيئًا من العلم، أوْ أعرضوا عن الفتوى رغبةً عنها، وإنّما الأمرُ محمولٌ على أمورٍ أوْجَبَتْ ما عُرِف من نهيِهِم عن الفتوى أو تركِهِم لها؛ ويمكن بيانُها من خلال هذه الموجبات التّالية:-

* الموجِب الأوّل - خوفُهُم مِنَ الفتْوَى بلا علمٍ:

وقد وَرَدَتْ عنهم مواقفُ لا تحصى تدلّ على خوفهم من الفتوى بلا علمٍ، ومثلُها أقوالُهم الصّريحة في ذلك، وممّا وَرَدَ:

عن عبد الله بن بشر أنّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه سُئِل عن مسألة, فقال: «لا علم لي», ثم قال: «وَابَرْدَهَا عَلَى الكَبِدِ: سُئِلْتُ عَمَّا لا أَعْلَمُ, فَقُلْتُ: لا أَعْلَمُ»(5)، وورد ذلك أيضًا من قوله ابتداءً دون سؤال.

وعن مسروق رحمه الله قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «أيّها النّاس مَن عَلِمَ منكم علمًا فليقل به, ومن لم يعلم, فيقول: لا أعلم, واللهُ أعلم. فإنّ مِن عِلْمِ المرء أن يقولَ لما لا يعلم: اللهُ أعلم, وقد قال الله: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]»(6).

* الموجِب الثّاني - شدّةُ وَرَعِهم مَعَ وجودِ مَن يكفِيهِم:

لم يكنْ صحابةُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لِيتركوا الفتوى تعلُّلاً منهم بالوَرَعِ البارِدِ والعياذ بالله، وإنّما كان ذلك ورعًا حقيقيًّا؛ أنْ يتصدّرَ الرّجلُ منهم للنّاس في الحلال والحرام؛ فيصيبَ مرّة ويجانبَ الصّواب أخرى، وقد ربّاهم النّبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، وعلّمهم معه أنّ كتْمَ العلم من الكبائر الموبقات، وهم ملتزمون به لا يحيدون عنه؛ فإذا تعيّنَتِ الفتوى كانوا هم الرّجال، وهو ما يفسِّر حالَهم، وما ورد عنهم من الورع عند الكفاية، ومن ذلك:-

- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «رأيت ثلاثمائة مِن أهلِ بدرٍ ما فيهم رجلٌ إلّا وهو يحبُّ الكفايةَ في الفَتْوَى»(7).

- وعن سيّار أبي الحكم رحمه الله قال: قال ابنُ عمر رضي الله عنهما: «إنّكم تستفتُونَنَا استفتاءَ قومٍ كأنّا لا نُسْأَلُ عمّا نفتيكم به»(Cool.

- وعن عطاء بن السّائب رحمه الله قال سمعت عبدَ الرحمن بنَ أبي ليلى رحمه الله يقول: «لقد أدركْتُ في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار، وما منهم من أحدٍ يحدّث بحديث إلّا وَدّ أنّ أخاه كفاه الحديث، ولا يُسأل عن فتيا إلّا وَدّ أنّ أخاه كفاه الفُتْيا»(9).

ويؤكّد ما ذكرتُ آنفًا مِن الوَرَعِ: ما جاء عن أبي الطفيل رحمه الله أنّه قال: «شهدْتُ عليًّا رضي الله عنه وهو يخطب, وهو يقول: سلُوني, والله لا تسألوني عن شيءٍ يكون إلى يومِ القيامة إلاّ حدثتُكم به»(10).

قال الخطيب البغدادي رحمه الله: «وإنّما كان يقول هذا القول، وقد انتهى الأمرُ إليه, وتعيّنتِ الفتوى عليه, وانقرضَتِ الفقهاء مِن الصّحابة سواه, وحصل في جمع أكثرهم عامّة, ولولا ذاك ما بلي به, ألا تَرَى أنّه لم يقلْ هذا في عهد أبي بكر, ولا في عهد عمر, لأنّه قد كان في ذلك الوقت جماعة يكفون أمرَ الفتوى، ثمّ مِن أين بعد عليٍّ مثله, حتّى يقول هذا القول»(11).

* الموجِب الثّالث - حِرصُهُم على عَدَم التّسرُّع في الفَتْوى:

بوّبَ الخطيب البغدادي -رحمه الله- بابًا قال فيه: «باب الزّجر عن التّسرُّع إلى الفتوى؛ مخافةَ الزّلَلِ؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: 19] ، وقال تعالى: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: 8], وقال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتيدٌ﴾ [ق: 18], وكانت الصحابة رضي الله عنهم لا تكاد تفتي إلاّ فيما نَزَل؛ ثقةً منهم بأنّ الله تعالى يوفِّق عند نزول الحادثة للجواب عنها, وكان كلُّ واحدٍ منهم يَوَدُّ أنّ صاحبَهُ كفاه الفَتْوى»(12).

وعن جعفر بن برقان رحمه الله أنّ عمر رضي الله عنه, كتب إلى معاويةَ رضي الله عنه يعاتِبُهُ في التّأنّي, فكتب إليه معاوية: «أمّا بعد.. فإنّ التّفهّم في الخبر زيادةٌ ورُشْدٌ, وإنّ الرّشيد من رَشَدَ عن العجلة, وإنّ الخائب من خاب عن الأناة, وإنّ المتثبِّت مصيبٌ أو كاد أن يكون مصيبًا, وإنّ العَجِلَ مخطئٌ, أو كاد أن يكونَ مخطئًا, وإنّ من لا ينفعُهُ الرِّفقُ يضيره الخرْقُ, ومن لا تنفعه التّجاربُ لا يدرِك المعالي»(13).

وممّا يدلّ دلالة واضحة على ما قلناه قولُ أبي حصين رحمه الله في النّازلة تنزل في عهد عمر رضي الله عنه ، والصّحابةُ متوافرون، وعمر رضي الله عنه كافيهم علمًا وخوفًا من الله، ومع هذا يقول: «إنّ أحدَهم ليفتي في المسألة، ولو وَرَدَت على عمر بن الخطاب لَجَمَعَ لها أهلَ بدرٍ»(14).

* الموجِب الرّابع - إعراضُهُم عمّا لم يقعْ مِن المسائِل:

وهذا يفسِّر كثيرًا من الآثار الواردة عن الصّحابة؛ امتنعوا فيها عن إجابة السّائل لاعتبارِهم هذا المعنى، حتّى لا ينشغلَ النّاس بها، فيضيِّعوا واجبَ الزّمان، وهو من منهجِهِم السّديد في تقنين الإفتاءِ، وتقعيدِ الضّوابط المؤثِّرة فيه.

فعن طاووس رحمه الله قال: قال عمر رضي الله عنه: «لا يحلُّ لكم أن تسألوا عمّا لم يكن؛ فإنّه قد قَضَى فيما هو كائنٌ»(15).

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال: «إيّاكم وهذه العُضَل؛ فإنّها إذا نَزَلَتْ بَعَثَ اللهُ لها مَن يقيمُها أو يفسِّرُها»(16).

وعن مسروق رحمه الله قال: «سألْتُ أبي بن كعب رضي الله عنه عن شيءٍ فقال: أكان هذا؟ قلت: لا؛ قال: أجمّنا -يعني: أرحْنا- حتّى يكونَ، فإذا كان اجتهدْنا لك رأيَنا»(17).

* الموجِب الخامس – ترْكُهُم الفتوى فيما خَفِي عنهم فيه وجْهُ الصّواب:

وهذا أيضًا يفسِّر كثيرًا من الآثار الواردة في توقّفِ الصحابة في الفتوى. وما وَرَدَ عنهم من بعضِ إجاباتِهم، ولم تكن مشتملةً على الحكْمِ؛ غيرَ ما فيها من أدلّة الكتابِ والسُّنَّةِ؛ إنّما ذلك لأجل ما تقرّر عندهم مِن أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجةِ لا يجوز، ومن ذلك:-

ما جاء عن أبي صالح الحنفي رحمه الله.. أنّ ابن الكواء رحمه الله سأل عليًّا رضي الله عنه عن الأختَيْن المملوكتَيْن، يجمعُهُما الرَّجل، فقال: «إنّك لذهّاب في التّيهِ، سلْ عمّا ينفعُكَ»، قال: إنّما نسألك عمّا لا نعلم فأمّا ما نعلم، فَلَسْنَا نسأل عنه، قال: «أحلّتْهما آيةٌ، وحرمتْهُما آيةٌ، ولا آمرُكَ ولا أنهاكَ، ولا أفعلُهُ أنا ولا أحدٌ من أهلِ بيتي»(18).

ومنه: عن زياد بن جبير رحمه الله قال: «رأيتُ رجلاً جاء إلى ابن عمر رضي الله عنهما فسأله, فقال: إنّه نذر أنْ يصومَ كلَّ يوم أربعاء؛ فأتى ذلك على يوم أضحى أو فطر, فقال ابن عمر رضي الله عنهما: «أمرَ اللهُ بوفاء النّذر, ونهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن صومِِ يومِ النّحر»(19).

قال الخطيب البغدادي رحمه الله: «فعليٌّ وابنُ عمر رضي الله عنهما جاء كلَّ واحد منهما السّؤالُ فجأة, وأراد السّائل الجوابَ في الحال, ولو أخّر الاقتضاءَ بالجواب حتّى ينظرا حقَّ النّظَرِ لأجاباهُ بالحُكْمِ»(20).

۞ صِفَةُ المفتِي وشرطُهُ عند الصّحَابة:

عظّم الصّحابة رضي الله عنهم ما حملوه من العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أحدهم لا يتكلّم إلا بما عَلِمَ، ولا يحدِّث إلاّ بما سَمِعَ، أو تيقّنَ أنّه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله، ولا يَخوض في ذلك إلاّ العالِمون منهم، ولا تُعقَد المجالسُ إلا للمبرِّزين فيه، ولا يفتي في الحلال والحرام وأحوال النّاس إلا مَن توافرتْ فيه شروطُ المجتهدِين.

ومِن هنا؛ كبّر الصّحابة رضي الله عنهم شأنَ الفتوى في دينِ الله تعالى، ونَهَوا مَن ليس أهلاً في العلم أن يخوضَ فيها، وحذّروا من المتعالِمين الّذين يفتون النّاس في كلِّ شيءٍ ولا يتورّعون. وممّا أُثِرَ مِن أقوالهم في موضوع الفتوى وصفة المفتي، بل ويمكن اعتبارُه معلمًا من معالم المنهجِ الّذي سار عليه مَن قعّد لهذا الفنِّ، وَوَضَعَ أصولَه وضوابطَه -مِن العلماء والأصوليّين- ما يلي:-

1) عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قال: «ألا أنبئُكُم بالفقيه حقّ الفقيه؟ مَن لم يقنِّط النّاسَ من رحمةِ الله, ولم يرخِّص لهم في معاصي الله, ولم يؤمّنْهم مكرَ الله, ولم يتركِ القرآنَ إلى غيره, ولا خيرَ في عبادة ليس فيها تفقّهٌ, ولا خير في فقهٍ ليس فيه تفهّمٌ, ولا خير في قراءة ليس فيها تدبّرٌ»(21).

وهذا القول جامعٌ في بابِهِ؛ لاشتمالِهِ على جملةٍ من الشّروط التي يجب أن تتوافرَ في المفتي من: رحمةٍ بالنّاس، وصدقٍ في الإفتاء، وعدم تهاونٍ في ترْكِ النّاس ومعاصيهم، وضبطِ الرُّخص في الأحكام، واشتراطِ العلم، وفهم الواقعِ والحال، واعتمادِ القرآن والسُّنّة مستندًا في الفتوى، وتركِ الفتوى بلا عِلْمٍ.

2) وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: «مَنْ أفْتَى الناسَ بِفُتْيا وهُو يَعْمَى عنها؛ فإنّما إثمُها عليه»(22).

3) وعن ابن سيرين رحمه الله أنّه قال: قال حذيفة رضي الله عنه: «لا يفتي النّاسَ إلاّ ثلاثةٌ: رجلُ قد عَرَف ناسخَ القرآن ومنسوخَهُ, أو أميرٌ لا يجد بُدًّا, أو أحمقٌ متكلِّف»(23).

4) وعن الضّحّاك رحمه الله قال: «لقي ابنُ عمر رضي الله عنهما جابرَ بن زيد وهو يطوفُ بالكعبة فقال: يا جابر إنّك من فقهاء البصرة, وإنّك تُسْتَفْتَى, فلا تفتينّ إلاّ بقرآنٍ ناطقٍ, أو سُنَّة ماضية, فإنّك إنْ فعلْتَ ذلك, وإلاّ فقد هَلَكْتَ وأهلَكْتَ»(24).

5) وعن نافع رحمه الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «العلم ثلاثةٌ: كتابٌ ناطقٌ, وسُنّة ماضيةٌ, و(لا أدري)»(25).

وقد أشار الإمام الخطيب رحمه الله إلى ما يستفاد من الآثار الواردة عن الصحابة في اشتراط العلم فقال: «أصول الأحكام في الشّرع أربعة: أحدُها: العِلْمُ بكتابِ اللهِ، على الوجه الّذي تصحّ به معرفةُ ما تضمّنه من الأحكام: محكمًا ومتشابهًا، وعمومًا وخصوصًا، ومجملاً ومفسرًا، وناسخًا ومنسوخًا. والثّاني: العِلْمُ بسُنَّةِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم الثابتة من أقوالِهِ وأفعالِه، وطرقِ مجيئها في التّواتر والآحاد، والصّحة والفساد، وما كان منها على سببٍ أو إطلاق. والثّالث: العِلْمُ بأقاويلِ السَّلَفِ فيما أجمعوا عليه، واختلفوا فيه؛ ليتبعَ الإجماعَ، ويجتهدَ في الرّأي مع الاختلاف. والرّابع: العِلْمُ بالقياسِ الموجِب؛ لردِّ الفروعِ المسكوتِ عنها إلى الأصول المنطوق بها، والمجمَع عليها؛ حتّى يجدَ المفتي طريقًا إلى العلمِ بأحكام النّوازل، وتمييز الحقّ من الباطل، فهذا ما لا مندوحةَ للمفتي عنه، ولا يجوز له الإخلالُ بشيءٍ منه»(26).

۞ مَنْهَجُ الصّحَابَةِ في الفَتْوَى:

إنّ نظرةً متأملةً وفاحصةً في كثيرٍ ممّا ورد عن الصّحابة من آثارٍ ومواقفَ حولَ موضوع الفتوى لَقَمِنَةٌ أن ترسمَ معالمَ المنهج الاجتهاديّ الّذي سار عليه الصّحابة، وأرسَوا مبادِئَه لمن جاء بعدهم من الفقهاء والأصوليّين، حتى غَدَا قاعدةَ الإفتاء، ومعقِلَ المفْتِين.

ويظهر منهجُهم في الفتوى من خلال التّالي:-

* أوّلاً - اعتمادُ الكتابِ والسُّنّة مستندًا للفتوى ودليلاً لها.

دلَّ على ذلك أكثرُ الآثارِ الواردةِ عن الصّحابة، وفتاويهم المليئةُ بأدلّة الكتاب والسُّنّة، وفيما سبق ممّا ذكرتُه آنفًا من أقوالهم محطّةٌ لمن أراد الوقوف على هذا النّهج الأسمى؛ كقول عبدِ الله بن عمر رضي الله عنهما: «العلمُ ثلاثةٌ: كتابٌ ناطقٌ, وسَنّةٌ ماضيةٌ, و(لا أدري)»(27).

وكانوا لا يفتون في مسألة فيها نصّ ولا يجتهدون لها، بل يقفون عند النّصّ ولا يتجاوزونه، ويعلّمون مَن بعدهم سقوطَ الاجتهاد عند ورود النّصّ من الكتاب أو السُّنَّة؛ كالرّجل الذي استفتى عمر بن الخطاب في أمر قَضَى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «لِمَ تَستفتِنِي في شيءٍ قد أفْتى فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم»(28).

* ثانيًا - التّوقّف في ما لم يقع من المسائل، أو فيما كان؛ ولكن لم يتبيّن لهم فيه وجهُ الصّواب؛ لاسيّما عند تَعَارُضِ الأدلّة.

وهذا المنهج سنّةٌ ماضيةٌ عند سلفنا الصّالح، حيث درّبوا أنفسَهم على قول: «لا أدري»، وعلّموها مَن بعدهم، وحذّروا من القول على الله تعالى بلا عِلْمٍ؛ فما لم يقَعْ أحجَمُوا عن الخوْضِ فيه حتّى يقع، وما خَفِيَ عنهم فيه حكمُ الله تعالى تثبّتوا وأخّروه حتى يعلَمُوا(29).

عن شُريح بن هانئ رحمه الله قال: «أتيتُ عائشة رضي الله عنها أسألُها عن المسح على الخفّين، فقالت: عليك بابن أبي طالبٍ فَسَلْهُ؛ فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه؛ فقال: «جَعَلَ رسولُ الله ثلاثةَ أيامٍ ولياليَهنّ للمسافرِ، ويومًا وليلةً للمقيمِ»(30).

ومُرِيدُ المزيد من الأدلّة على ذلك يُعيد النظرَ فيما سَبَقَ وأنْ سُبِكَ.

* ثالثًا - التّثبُّت في فهم السُّؤال، ومراجعة السّائل في ذلك.

كان الواحد من الصّحابة لا يفتي في مسألة لم يفهم قولَ السّائل فيها ومرادَهُ؛ حتّى يعقلَ عنه ما يقول.

جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «إذا سأل أحدُكم, فلينظرْ كيف يسأل, فإنّه ليس أحدٌ إلاّ وهو أعلم بما سأل عنه من المسؤول»(31).

وعن عليٍّ رضي الله عنه أنه, قال: «إذا سأل سائلٌ فليعقل, وإذا سئل المسؤول فليتثَبّت»(32).

* رابعًا - مراعاةُ قصْدِ الشّارع، واعتبارُ المصالحِ والمفاسِد.

ثَبَت ذلك من قول عليٍّ رضي الله عنه لمّا قال: «ألا أنبّئكم بالفقيه حقّ الفقيه؟ مَن لم يقنِّط النّاسَ مِن رحمة الله, ولم يرخِّص لهم في معاصي الله, ولم يؤمِّنْهم مكرَ الله»؛ فَسَلَكَ مع المستفتي مسلكَ الرّحمة والعدل في المنْعِ والإباحة، مِن غيرِ تقنيطِ العباد، أو شَرْعِ ما لم يأذن به اللهُ تعالى وتذليلِهِ للنّاس باسم المصلحةِ والتّخفيف.

ومِن اعتبارِ المقاصد:

طَرْقُ بابِ التّمحّل في الفتوى؛ طلبًا للمصلحة المشروعة ودرءًا للعَنَتَ والمشقّة؛ فَمَتَى وَجَدَ المفتي للسائلِ مخرجًا في مسألته, وطريقًا يتخلّص به.. أرشدَهُ إليه, ونبّهه عليه؛ كرجل حَلَف أن لا ينفقَ على زوجته, ولا يطعمَها شهرًا, أو شبه هذا, فإنّه يفتيه بإعطائها من صداقِها, أو دَيْنٍ لها عليه, أو يقرضُها ثمّ يبرئُها, أو يبيعُها سلعةً ويبرئُها من الثّمَنِ, وقد قال تعالى لأيوب عليه السلام لمّا حَلَفَ أن يضرِبَ زوجتَه مائةً: ▬وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ♂ [ص: 44].

وعن عليٍّ رضي الله عنه في رجلٍ حَلَفَ, فقال: امرأتُه طالق ثلاثًا إن لم يطأها في شهر رمضان نهارًا, قال: «يسافرُ بها؛ ثمّ ليجامعْها نهارًا»(33).

* خامسًا- مراعاةُ مآلاتِ الأحكام، واعتبارُ تأثيرِها في الفتوى.

كأن يرى المفتي من المصلحةِ عندما تسأله عامّةٌ أو سُوقَةٌ أن يفتيَ بما له فيه تأوّل, وإن كان لا يعتقد ذلك, بل لردْعِ السّائل وكفِّه.

وهذا ما كان يفعلُهُ الصّحابة رضي الله عنهم، فقد روي عن عطيّة رحمه الله, قال: «سأل رجلٌ شابٌّ ابنَ عمر رضي الله عنهما عن القُبلة للصّائم, فقال: «أنهاكَ عنْهَا», قال: فسألَهُ شيخٌ, فقال: «آمرُكَ بها», قال: فقام إليه الشّاب, فقال: إنّا على دين واحد, فيحل لهذا شيءٌ يحرُم عليّ؟ قال: فقال ابن عمر رضي الله عنهما: «إنّ عروقَ الخِصيَتَيْنِ متعلِّقَةٌ بطرف الأنفِ, فإذا شمّ تحرّك العِرْقُ»(34).

* سادسًا – اعتبارُ مبدأ الاحتياطِ في الفَتْوَى والعمل به.

ويدلّ عليه ما وَرَدَ في الفقرة السّابقة (خامسًا) من فتوى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، واستفاد ذلك الإمام أبو بكر الخطيب البغدادي حيث قال: «أراد ابنُ عمرَ رضي الله عنهما أنّ الشّاب قويُّ الشّهوة, فلا يؤمن أن تُحْدِثَ له القُبلة ما يُفسِدُ صومَهُ, والشّيخ يؤمن ذلك في حقِّه, لضعفِ شهوتِهِ»(35).

ثمّ أوْرَدَ أثرًا عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: «ربّما أنبأتُكُم بالشّيءِ؛ أنهاكم عنه؛ احتياطًا بكم, وإشفاقًا على دينِكم؛ إنّ رسول الله أتاهُ رجلٌ شابٌّ، يسألُهُ عن القُبلة للصّائم، فنهاه عنها، وسألُهٌ شيخٌ عنها فأمَرَهُ بِهَا»(36).

هذا؛ وصلّى اللهُ على نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبِهِ وسلّم..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
معالم الفتوى عند الصحابة رضي الله عنهم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : إسلاميات عامة-
انتقل الى: