داءُ بَولِ شَرابِ القَيقَب
داءُ بَول شراب القيقب Maple syrup urine disease (MSUD)
هو حالةٌ موروثةٌ نادرةٌ وخطيرة.
تحدث الإصابةُ به عندما لا يتمكَّن الجسمُ من التعامل مع بعض الأحماض الأمينيَّة (اللَّبِنة الأساسيَّة في بنية البروتين)،
مؤدِّياً إلى حدوث تراكمٍ ضارّ للمواد في الدم والبول.
تقوم أجسامُنا عادةً بتفكيك الأغذية البروتينيَّة مثل اللحوم والأسماك إلى أحماض أمينيَّة.
ويجري غالباً تخريبُ أيَّة أحماضٍ أمينيَّة غير ضرورية، ويتخلَّص الجسمُ منها.
لا تستطيع أجسامُ الأطفال المصابين بهذه الحالة تفكيكَ بعض الحموض الأمينيَّة مثل اللوسين Leucine والإيزولوسين Isoleucine والفالين Valine. ويُعدُّ وجودُ كميَّات كبيرة جدَّاً من هذه الحموض الأمينيَّة مؤذياً.
وأحدُ الأعراض المُميِّزة للإصابة بداء بول شراب القيقب هو الرائحةُ السكَّرية للبول، وهو العَرَضُ الذي أعطى هذه الحالة اسمها.
الأعراض
تظهرُ أعراضُ الإصابة بداء بول شراب القيقب عادةً خلال الأيَّام أو الأسابيع الأولى التالية للولادة. وتشتمل الأعراضُ الأكثر شيوعاً على ما يلي:
بول سكَّري الرائحة مع تعرُّق.
سوء التَّغذية أو نقص الشهيَّة.
نقص الوزن.
قد يُعاني الرُّضَّعُ المُصابون بهذه الحالة أيضاً من نوبات تُعرَف باسم النوبات الاستقلابيَّة Metabolic crisis، والتي قد تحدثُ في مرحلةٍ مُبكِّرةٍ من الحياة. وتشملُ أعراضُ النوبة الاستقلابيَّة على ما يلي:
نقص الطَّاقة.
القيء.
التَّهيُّج.
صعوبات تنفُّسيَّة.
من الضروري الحصولُ على المساعدة الطبيَّة الفوريَّة إذا ظهرت أعراضُ النوبة الاستقلابيَّة على الرضيع. وسوف يقوم الطبيبُ بتقديم الإرشادات المُساعِدة على التَّعرُّف إلى علامات الإصابة.
قد تتحرَّض النوبةُ الاستقلابية في مرحلة متأخِّرة من الطفولة على أثر الإصابة بعدوى أو مرض في بعض الحالات. وسوف يُقوم الطبيبُ بتزويد ذوي الطفل بتعليمات العلاج الإسعافيَّة لاتِّباعها في حال إصابة الطفل بالنوبة، ممَّا يُساعدُ على منع ظهور الأعراض.
التشخيص
عندما يكون عمرُ الرضيعِ حوالي خمسة أيَّام، يُجرى له فحصٍ دموي للتَّحرِّي عن إصابته بداء بول شراب القيقب. ويتضمَّن ذلك وخزَ كعب القدم لجمع قطراتٍ الدم الضرورية لإجراء الاختبار.
إذا كانت نتيجةُ الاختبار إيجابية، فيمكن البدءُ بتقديم العلاج مباشرةً للطفل للتقليل من احتمال حدوث مضاعفاتٍ خطيرة، حيث يساعد التشخيصُ المُبكِّر وتقديم العلاج المناسب على تحسُّنٍ الحالة بشكل كبير. غيرَ أنَّه لابدَّ من مواصلة استخدام العلاج طوال الحياة.
وإذا لم يتلقَّ الرضيعُ العلاج، فقد تَظهَر لديه أعراضٌ شديدةٌ مُهدِّدةٌ للحياة، بما في ذلك حدوثُ نوباتٍ صرعية أو الدخولُ في سُبات (غَيبُوبَة). كما يكون بعضُ الرُّضَّع الذين لم يتلقُّوا علاجاً لهذه الحالة مُعرَّضين لخطرِ تضرُّر الدِّماغ وتأخُّر النمو.
تُعدُّ هذه الحالةُ نادرةً نسبياً، حيث إنَّها تصيب رضيعاً واحداً من بين كلِّ 185000 مولودٍ حول العالم.
العلاج
● النظام الغذائي
يُحوَّلُ الأطفالُ المُصابون بداء بول شراب القيقب إلى اختصاصي في التغذية والاستقلاب، ويُوصف له نظامٍ غذائيٍّ منخفض البروتين. والهدفُ من ذلك هو تقليل كميَّة الأحماض الأمينيَّة التي يتناولها الطفل، وخصوصاً اللُّوسين Leucine والإيزولوسين Isoleucine والفالين Valine.
ومن الضروري الحدُّ من تناول الطفل للأطعمة الغنيَّة بالبروتين، والتي تشمل على ما يلي:
اللحوم
الأسماك
الجبن
البيض
البقوليَّات
المُكسَّرات
يقوم اختصاصيُّ التغذية بتقديمِ إرشاداتٍ وتوجيهاتٍ مُفصَّلة، وذلكَ لأنَّ الرضيعَ ما زال بحاجةٍ لتناول بعض هذه الأطعمة لتحقيق النمو والتَّطوُّر السليمين.
يحتاج بعضُ الأطفال إلى تناول مكمِّلاتٍ غذائيَّة من الإيزولوسين والفالين بالتوازي مع النظام الغذائي الموصوف. ومن شأن ذلك الحفاظ على المستوى الطبيعي لهذه الحموض الأمينيَّة في الدم دون التَّسبُّب بحدوث أضرار إضافية. ومن الضروري إجراءُ اختباراتٍ دمويَّة لمراقبة هذه المستويات.
ومن الضروري مراقبةُ الرضاعة الطبيعيَّة وقياس كمِّية الحليب التي يحصل عليها الرضيع، وذلك وفقاً لنصيحة اختصاصي التَّغذية. ويحتوي حليبُ الأطفال الطبيعي على الأحماض الأمينيَّة التي ينبغي الحدُّ من تناولها، وبذلك يكون من الضروري وصف نوع خاص من الحليب الصناعي الحاوي على جميع الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينيَّة أخرى يحتاج إليها الرضيع.
يحتاج المُصابُ بداء بول شراب القَيقَب إلى اتِّباع نظامٍ غذائيٍّ منخفض البروتين لبقيَّة حياته، وذلك لتقليل خطر حدوث نوبة استقلابيَّة. وسوف يحتاج الطفلُ بمرور السَّنوات إلى تعلُّم كيفيَّة التَّحكُّم بنظامه الغذائي بمفرده، والتواصل المستمر مع اختصاصي التغذية لمراقبة حالته وحصوله على الإرشاد اللازم.
● العلاج الإسعافي
إذا أُصِيب الرضيعُ بعدوى، كما لو ارتفعت درجةُ حرارته بشدَّة أو عانى من الزكام، فسيزداد احتمالُ إصابته بالنوبة الاستقلابيَّة. ومن الممكن تقليل خطرُ ذلك من خلال اتِّباع النظام الغذائي الإسعافي خلال فترة مرضه.
وسوف يقوم اختصاصيُّ التغذية بتقديم تعليماتٍ مُفصَّلة حول ذلك، ولكنَّ الهدفَ هو استبدال الحليب والأطعمة المحتوية على البروتين بسوائل خاصَّة غنيَّة بالسكَّر ومُكمِّلاتٍ غذائية محتوية على أحماض أمينيَّة.
وإذا لم يكن بإمكان الرضيع الحفاظ على الأطعمة في معدته (بحيث كان يتقيأ الطعام كثيراً) أو كان يُعاني من إسهالٍ مُتكرِّر، فينبغي الاتِّصال بفريق العلاج في المستشفى واصطحاب الطفل إلى قسم الطوارئ في المستشفى.
وبمجرَّد دخول الرضيع المستشفى، ينبغي مراقبتُه وعلاجُه بتسريب السوائل مباشرةً في الوريد.
كما ينبغي أخذُ الرضيع إلى المستشفى أيضاً إذا ظهرت لديه أعراض النَّوبة الاستقلابيَّة، مثل التَّهيُّج أو نقص الطاقة أو الصعوبات تنفُّسيَّة.
● زرع الكبد
يُعَدُّ زرعُ الكبد أحدَ الخيارات العلاجية لداء بول شراب القيقب؛ فمن شأن ذلك أن يلغي خطرَ النوبة الاستقلابيَّة عند المريض، ويمكّنه من اتِّباعُ نظامٍ غذائيٍّ طبيعي.
إلاَّ أنَّ عمليَّةَ زرع الكبد هي عمليَّة كبيرة ولها مخاطرها الخاصَّة. وسوف يتوجَّب على المريض استعمال دواءٍ مُثبِّطٍ لجهاز المناعة (دواء مُثبِّط للمناعة) بقيَّة حياته لإيقاف رفض الجسم للكبد الجديد.
ومن الضروري دراسةُ جميع الإيجابيَّات والسلبيَّات قبلَ أخذ قرار القيام بزرع الكبد أو عدم القيام بذلك.
الانتقال الوراثي لداء بول شراب القيقب
تنتقل الطفرةُ المسؤولة عن الإصابة بداء بول شراب القيقب من الأبوين اللَّذَين لا يُعانيان عادةً من أيَّة أعراضٍ لهذه الحالة. ويُعرَفُ ذلك بالوراثة الصبغيَّة الجسديَّة المُتنحيَّة Autosomal recessive inheritance.
ويعني هذا أنَّه من الضروري اجتماع نسختين من المورثات المتحوّرة عند الطفل حتى يكون مُصاباً بالحالة – واحدةٌ من الأم والأخرى من الأب. وعندَ انتقال مورثة طافرة واحدة فقط، فسوف يكون الطفلُ مجرَّدَ ناقلٍ وراثي للداء.
إذا تزوَّج رجلٌ حامل لمورثاتٍ طافرةٍ من امرأة حاملة لمورِّثاتٍ طافرةٍ أيضاً؛ فأمامَ الطفل الذي ينجبانه ثلاثة احتمالات:
25% أن يُصابَ بداء بول شراب القيقب.
50% أن يكونَ مجرَّد حامل لمورثات الداء.
25% أن لا يحمل أية مورثة طافرة.
وعلى الرَّغم من عدم إمكانيَّة منع الإصابة بداء بول شراب القيقب، إلاَّ أنَّه من الضروري إخبار القابلة والطبيب بوجود قصَّة عائليَّة للإصابة بهذه الحالة. ويمكن إجراءُ اختبارٍ لأخوة الطفل في أقرب وقتٍ ممكن، وذلك للتَّحرِّي عن وجود إصابةٍ بهذه الحالة ولتقديم العلاج المناسب.
وقد يرغب الشخصُ أيضاً في أخذ الاستشارة الوراثيَّة بعين الاعتبار، وذلك للحصول على الدَّعم والمعلومات والإرشاد حول الحالات الصحيَّة الوراثيَّة.
***********************