عدد المساهمات : 10023 نقاط : 26544 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/12/2015
موضوع: خطبة "التولى يوم الزحف" لفضيلة الشيخ محمد حسان الإثنين مارس 06, 2017 6:01 am
خطبة "التولى يوم الزحف" لفضيلة الشيخ محمد حسان أحبتي في الله ...... هذا هو لقاءنا السابع مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال: (( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟
قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1) . ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة السادسة ألا وهي التولي يوم الزحف والتولي كما قال ابن منظور في لسان العرب في مادة ولى . وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في العناصر التالية :
أولاً : المعنى اللغوي .
ثانياً : تشريع الجهاد في الإسلام والهدف منه .
ثالثاً : فضل الجهاد . رابعاً : وجوب الثبات أثناء الزحف . خامساً : التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر .
وأخيراً : لا عزاء إلا بالجهاد .
فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان .
أولاً : المعنى اللغوي لقوله r والتولي يوم الزحف .
قال ابن منظور في لسان العرب (1) في مادة ولى
ولى الشيء ، وتولى أي أدبر ، ودنى عنه أي أعرض عنه ، وقد تكون التولية إقبالا كما في قوله تعالى :
وقد تكون التولية إعراضا وانصرافا ، وإدبارا كما في قوله تعالى :
{ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [التوبة:25]
فالتولي يوم الزحف هو الإعراض والإدبار والفرار أمام العدو في ساحة الجهاد .
جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة ولى وزحف .
إن التولي : هو الإدبار والإعراض والانصراف .
والزحف هو الشيء رويدا أي ببطء فالجيش الزاحف هو الذي يرى كثرته كأنه يزحف ويمشي ببطء لأنه يتحرك ككتلة واحدة وكجسم واحد .
وعليه فالتولي يوم الزحف : هو الإعراض والانصراف والإدبار والفرار أمام العدو من أرض المعركة .
ثانياً : تشريع الجهاد في الإسلام والهدف منه .
لقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ، وأمره أن يدعو الناس جميعا لهذا الدين وخاطبه بقوله جل وعلا :{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:1-4]
فقام النبي r في ذات الله أتم قيام وشمر عن ساعده ودعا إلى الله ليلا ونهارا وسراً وجهراً إلى أن نزل عليه قول الله عز وجل :
فصدع بأمر الله فدعا إلى الله الصغير والكبير ، والحر والعبد والذكر والأنثى والأحمر والأسود .
فأبرقت قريش وأرعدت وأرغت وأزيدت ودقت طبول الحرب وأوعدت .
فلما اشتد الإيذاء والبلاء أمر النبي أصحابه أن يهاجروا إلى أرض الحبشة مرتين
وتضاعف الإيذاء والابتلاء ومع هذا لم يأذن الله لرسوله بأن يقابل السيئة بالسيئة ، أو أن يواجه الأذى بالأذى ، أو أن يحارب هؤلاء الذين يحاربون الله ورسوله ، ويفتنوا المؤمنين والمؤمنات بل أمره بالعفو والصفح كما قال تعالى : {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } [الطور:48]
وتتابع الأذى والاضطهاد حتى بلغ ذروته بتدبير مؤامرة حقيرة لاغتيال رسول الله r فاضطر النبي r إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ، وأمر أصحابه بالهجرة إليها بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة المباركة .
فلما استقر رسول الله r بالمدينة وأيده بنصره بعبادة المؤمنين من الأنصار الأبرار والمهاجرين الأطهار ، وأَلََّفَ الله بين القلوب ، وبذلوا نفوسهم دونه ، وقدموا محبته على محبة الآباء ، والأبناء ، والأزواج والأموال .
وهنا رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة وشمروا لهم عن ساق العداوة ، والمحاربة ، وأحاطوا بهم من كل ناحية .
وهنا أذن الله لمؤمنين في القتال ، ولم يفرضه عليهم دفاعا عن النفس ، وتأمينا للدعوة فقال تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [الحج :39-41]
وفي السنة الثانية من الهجرة فرض الله القتال بقوله تعالى :
والله إنها لتجارة رابحة ، ولم لا ؟! وقد علق الله عليها مغفرة الذنوب ، والنصر في الدنيا والنجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة .
وبعد هذه التجارة الرابحة يأتي هذا العقد الجليل والوعد الكريم الذي أودعه الله جل وعلا أفضل كتبه المنزلة وهي التوراة والإنجيل ، والقرآن ويا له والله من عقد ما أعظم خطره ، وأجل قدره فالله جل وعلا هو المشتري والثمن جنات النعيم .
أما السلعة فهي الجهاد في سبيل الله ، بالأنفس والأموال .
فلما رأى التجار عظمة المشتري ، وقدر الثمن وجلالة قدر من جرى عقد التبايع على يديه ، ومقدار الكتاب الذي أثبت فيه هذا العقد عرفوا أن للسلعة قدرا وشأنا ، ليس لغيرها من السلع فرأوا أن من الخسران الكبير أن يبيعوها بثمن بخس دراهم معدودة .
فلما تم العقد وسلم الفائزون المفلحون السلعة الغالية أي أنفسهم وأموالهم قيل لهم : قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا ، والآن قد رددناها عليكم أوفر وأكرم وأعظم ما كانت فقال سبحانه :
ثم بين إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين شرف الجهاد وفضله فقال كما في الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي هريرة أن النبي r قال : (( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة .(1)
وفي حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي r قال لأبي سعيد : (( من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولاً وجبت له الجنة فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها علي يا رسول الله ففعل ، ثم قال رسول الله : وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، قال : وما هي يا رسول الله ، قال : الجهاد في سبيل الله ))(1) (انظر زاد المعاد 78/3)
وفي الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي عبس عبد الرحمن بن صير أن النبي قال : (( من أغَبَّرتْ قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النار ))(2)
وعن محمد بن المنكدر قال : مر سلمان الفارسي على شرحبيل بن السمط وهو في مرابط له ، وقد شق المقام عليه ، وعلى أكثر الصحابة فقال لهم سلمان : ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله r ؟
قالوا : بلى .
قال سمعته يقول : (( رباط يوم وليلة في سبيل الله أفضل – أو قال : خير – من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عَمَلُهُ الذي كان يعملُهُ ، وأُجرِيَ عليه رزقُهُو وأَمِنَ الفتَّانَ ))(3)
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أـن النبي r قال : (( والذي نفسي بيده لا يُكْلَمُ أحد في سبيل الله – والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله – إلا جاء يوم القيامة اللَوْنُ لَوْنُ الدم والرَّيحُ ريح المسْك)) ([1])
وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أن النبي r قال : (( إن أرواح الشهداء في جوف طير خُضر ، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى ملك القناديل ، فاطَّلعَ إليهم ربُّهُمُ اطَّلاعةً فقال : هل تشتهون شيئاً ؟ فقالوا : أي شيء نشتهي ؟ ونحن نَسْرَحُ من الجنة حيث شئنا . ففعل ذلك ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يُتْرَكُوا من أن يُسأَلوُا قالوا : يارب ! أن تَرُدَّ أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا )) ([2])
ولذلك قال النبي لجابر بن عبد الله : (( ألا أخبرك ما قاله الله لأبيك )) قال بلى ، قال : (( ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وكلم أباك كفاحا )) فقال : يا عبدي تمن علي أعطك ، قال يارب تحييني فأقتل فيك ثانية ، فقال : إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون ، قال : يارب فأبغ من ورائي ، فأنزل الله تعالى : {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران:169]
ومن أجل هذا كله ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي r قال : (( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق )) ([3])
وأكتفي بهذا القدر من الأحاديث وإلا فهي كثيرة .
وأختم بهذه الأبيات المعبرة التي تبين شرف الجهاد وفضله .
والتي أرسل بها الإمام المجاهد العلم عبد الله بن المبارك لأخيه القانت الزاهد الورع عابد الحرمين الفضيل بن عياض يذكره فيها بشرف الجهاد في سبيل الله فيقول :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا من كان يخضبُ خده بدموعه أو كان يتعب خيله في باطل ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ولقد أتانا من مقال نبينا لا يستوي غبار خيل الله في هذا كتاب الله ينطق بيننا لعلمت أنك في العبادة تلعب فنحورنا بدمائنا تتخضب فخيولنا يوم الصبيحة تتعب وهج السنابك والغبار الأطيب قول صحيح صادق لا يكذب أنف امريء ودخان نار تلهب ليس الشهيد بميت لا يكذب
رابعاً : وجوب الثبات في الجهاد
ولما كان هذا هو شرف الجهاد وفضله أمر الله جل وعلا بالثبات أثناء الزحف للقاء الكفار والمشركين .
لأن قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخاً ثابتاً لا تهزمه في الأرض قوة ما دام موصولا بالله القوي العزيز : {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }[يوسف:21]
ويجب أن يكون هذا القلبُ كذلك على يقين أن الآجال بيد الله وأن واهب الحياة هو الله ، وأنه إلى الله إن عاش حياً إلى الله إن كتبت له الشهادة ، ومن ثم جاء هذا الأمر الرباني الكريم بالثبات والصبر والذكر ، والذل لله والطاعة وعدم الكبر ، وعدم التنازع فقال سبحانه :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ{45} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{46} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال :45-47]
فهذه هي العوامل الحقيقية للنصر :
· الثبات عند لقاء العدو .
· كثرة الذكر لله عز وجل .
· الطاعة لله والرسول r
· البعد عن النزاع والخلاف .
· الصبر على تكاليف المعركة .
· الحذر من البطر والرئاء والبغي .
واستحباب الصحبُ الكرام الذين رباهم سيد الأنام عليه الصلاة والسلام لهذا الأمر الرباني الكريم وضربوا أروع الأمثلة في الثبات في ساحة الوغي وميدان البطولة والشرف حينما تصمت الألسنة الطويلة ، وتخطب السيوف والرماح على منابر الرقاب ، وأكتفي بهذا المشهد الكريم لأنس بن النضر الذي صرخ في الناس يوم أحد لما أشيع الخبر بأن رسول الله قد مات ، وبدأ الجيش ينسحب راجعا إلى المدينة معتقدا أن أمر هذا الدين قد انتهى .
قام أنس ليقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين .
ثن تقدم فلقيه سعد بن معاذ فقال : أين يا أبا عمرو فقال أنس : واهاً لريح الجنة يا سعد ، إني أجده دون أحد ، ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورميته بسهم !! والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أنس(1)
خامساً : التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر
وبعد هذا الأمر بالثبات يأتي الأمر بعدم الفرار إلا في حالتين اثنتين وإلا فإن الفرار من أرض المعركة كبيرة من كبائر الذنوب تستحق غضب الله ونار جهنم والعياذ بالله .
والتحرف : هو ترك الموقف أو المكان إلى موقف أو مكان أصلح أو أفضل للانطلاق منه على العدو مرة أخرى وهذا من خُدع الحرب ومكائدها .
والتحيز : هو الانضمام إلى فئة أخري لمعاونتهم أو لطلب العون منهم .
وهكذا دلت الآية على أن من فر من موقع إلى موقع آخر لمعاودة القتال أو مريداً إلى فئة أخرى من المسلمين فإنه لا يكون داخلا في هذا الوعيد الشديد اللاحق بالفارين من الزحف .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الفرار من الزحف ليس كبيرة من الكبائر .
ولكن جمهور أهل العلم ذهبوا إلى أن محكمة عامة كما يقول الإمام ابن جرير الطبري رحمة الله تعالى :
وأولى التأولين عندي قول من قال : حكم الآية محكم ، وأنها نزلت في أهل بدر وحكمها ثابت في جميع المؤمنين .
وأن الله حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو أن يولوهم الأدبار منهزمين إلا لتحرف لقتال ، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام .
وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف للقتال منهزما بغير نية إحدى هاتين الخصلتين اللتين أباح الله التولية بهما ، فقد استوجب من الله وعيده إلا أن يتفضل عليه بعفوه
وذكر الحافظ ابن كثير بأن الآية نزلت في أهل بدر ، ولكن هذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراماً على غير أهل بدر ، وإن كان سبب نزولها فيهم كما دل عليه حديث أبي هريرة من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير .
وأخيراً : لا عزاء إلا بالجهاد .
والله ما ضعفت الأمة وذلت وهانت إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي أمرها به لتعيش حميدة أو لتلقى الله شهيدة سعيدة .
والله ما ضاعت الأمة إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي جعله النبي r ذروة سنام هذا الدين.
رص أعداؤنا على أن يحولوا بين الأمة وبين الجهاد !!
وحاولوا بشتى الطرق على ألا نربي الأجيال المسلمة على روح الجهاد ، ولا على سير الأبطال المجاهدين لتظل الأمة ذليلة كسيرة مبعثرة كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة .
وبالفعل لقد تضاءل كثيراً مفهوم الجهاد في حس المسلمين يوما بعد يوم حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الفتور البارد الشديد .
بل لا أكون مغاليا إن قلت حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الإنكار الشديد .
والحمد لله فقد أثبتت الأيام عمليا أن مجلس الأمن وهيئة الأمم وجميع المحافل لن تعيد للأمة المكلومة حقوقها ، ولن تعيد لمن يذبحون تذبيح الخراف دماءهم ، ولن ترد لهذه الأمة هويتها وكرامتها وسيادتها .
بل لا سبيل لذلك على الإطلاق إلا باحياء روح الجهاد في الأمة بتخليص النفوس ابتداء من الركون إلى هذا الوحل ، والخلود إلى هذا التراب والطين .
وقد شخص النبي الداء تشخيصا دقيقا وحدد الدواء كذلك تحديدا دقيقا ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وغيره من حديث ثوبان أنه r قال : (( يوشك الأمم أن تداعى عليكم ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها )) فقال قائل : من قلة نحن يومئذ ؟ قال : (( بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن )) قيل : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : (( حب الدنيا وكراهية الموت ))(1)
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ، وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (( إذا تبايعتم بالعينة ، ورضيتم بالزرع وتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد في سبيل الله سَّلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ))(2)
أسأل الله العظيم أن يرفع علم الجهاد ، ويقمع أهل الزيغ والفساد وإنه ولي ذلك والقادر عليه
.......................... الدعاء
(1) رواه البخاري رقم (2766) في الوصايا ، باب قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ، وفي الطب ، باب الشرك والسحر من الموبقات ، وفي المحاربين ، باب رمي المحصنات ، ومسلم رقم (89) في الإيمان باب بيان الكبائر وأكبرها ، وأبو داود رقم (2874) في الوصايا ، باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم والنسائي (257/6) في الوصايا ، باب اجتناب أكل مال اليتيم . (1) لسان العرب لابن منظور [414/15] . (1) رواه البخاري رقم (2790) ، في الجهاد باب درجات المجاهدين في سبيل الله ، وفي التوحيد ، باب وكان عرشه على الماء ، وهروب العرش العظيم . (1) رواه مسلم رقم (1884) في الإمارة ، باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهدين في الجنة من الدرجات والنسائي (19/20،6) في الجهاد ، باب درجة المجاهدين في سبيل الله . (2) رواه البخاري رقم (907) في الجمعة ، باب المشي إلى الجمعة ، وقول الله جل ذكره :{ َاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ، ومن قال السعي والعمل والذهب ، وفي الجهاد ، باب من غبرت قدماه في سبيل الله ، والترمذي رقم (1632) في فضائل الجهاد ، باب ما جاء في فضل من اغبرت قدماه في سبيل الله والنسائي (14/6) في الجهاد ، باب ثواب من أغبرت قدماه في سبيل الله .
(3) رواه مسلم رقم(1913) في الإمارة ، باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل ، والترمذي رقم (1665) في فضائل الجهاد ، باب ما جاء في فضل الرباط ، والنسائي (39/6) في الجهاد ، باب فضل الرباط ، وإسناده صحيح ، وقال الترمذي حسن صحيح . (1) رواه البخاري رقم (2803) في الجهاد ، باب من يجرح في سبيل الله ، ومسلم رقم (1876) في الإمارة ، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله ، والموطأ (461/2) في الجهاد ، باب الشهداء في سبيل الله ، والترمذي رقم (1656) في فضل الجهاد ، باب ما جاء فيمن يكلم في سبيل الله ، والنسائي (28/6) في الجهاد ، باب من كلم في سبيل الله . (2) رواه مسلم رقم (1887) فى الإمارة ، باب بيان أرواح الشهداء فى الجنة أنهم أحياء عند ربهم يرزقون.
(3) رواه مسلم رقم (1910) في الإمارة ، باب ذم من مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بالغزو ، وأبو داود رقم (2502) في الجهاد ، باب كراهية ترك الغزو ، والنسائي (6/ في الجهاد باب التشديد في ترك الجهاد ، وأخرجه أحمد في مسنده (3/374) . (1) رواه البخاري رقم (2805) في الجهاد والسير ، باب قول الله عز وجل : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب:23]، ومسلم رقم (1903) من حديث أنس بن مالك في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد
(1) رواه أبو داود رقم (4297) في الملاحم باب في تداعي الأمم على الإسلام ، وفي سنده أبو عبد السلام صالح بن رستم الهامشي وهو مجهول ، ولكن رواه أحمد 278/5 من طريق آخر وسنده قوي ، وصححه شيخنا الألباني حفظه الله في الصحيحة . (2) رواه أبو داود رقم (3462) في البيوع باب في النهي عن العينة ، وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة رقم (11) .