أَتُنكِرُ رَسمَ الدارِ أَم أَنتَ عارِفُ | أَلا لا بَلِ العِرفانُ فالدَمعُ ذارِفُ |
رَشاشاً كَما انهَلَّت شَعيبٌ أَسافَها | عَنيفٌ بِخَرزِ السَيرِ أَو مُتَعانِفُ |
بِمُنخَرقِ النَقعَينِ غَيَّرَ رَسمَها | مَرابِعُ مَرَّت بَعدَنا وَمَصايفُ |
كَلِفتُ بِها لا حُبَّ مَن كانَ قَبلَها | وَكلُّ مُحِبٍّ لا مَحالَةَ آلِفُ |
إِذ الناسُ ناسٌ والبِلادُ بِغِرَّةٍ | وإِذ أُمُّ عَمّارٍ صَديقٌ مُساعِفُ |
وإِذ نَحنُ أَمّا مَن مَشى بِمَوَدَّةٍ | فَنَرضى وأَمّا مَن وشى فنُخالِفُ |
إِذا نَزاواتُ الحُبِّ أَحدثنَ بَينَنا | عِتابا تَراضَينا وَعادَ العَواطِفُ |
وَكُلُّ حَديثِ النَفسِ ما لَم أُلاقِها | رَجيعٌ وَمِمَّا حَدَّثَتكَ طَرائِفُ |
وإِنّي لأُخلي لِلفَتاةِ فِراشَها | وأُكثِرُ هَجرَ البَيتِ والقَلبُ آلِفُ |
حِذارَ الرَدى أَو خَشيَةً أَن تَجُرَّني | إِلى موبِقٍ أُرمَى بِهِ أَو أُقاذِفُ |
وَإِنّي بِما بَينَ الضُلوعِ مِن امرىءٍ | إِذا ما تَنازَعنا الحَديثَ لعارِفُ |
ذَكَرتُ هَواها ذِكرَةً فَكأَنَّما | أَصابَ بِها إِنسانَ عَينيَّ طارِفُ |
وَلَم تَرَ عَيني مِثلَ سِربٍ رأَيتُهُ | خَرَجنَ عَلينا مِن زُقاقِ ابنِ واقِفِ |
خَرَجنَ بأَعناقِ الظباءِ وأَعيُن ال | جآذِرِ وارتَجَّت بِهنَّ الرَوادِفُ |
طَلَعنَ عَلينا بَينَ بِكرٍ غَريرَةٍ | وَبَينَ عوانٍ كالغَمامَةِ ناصِفِ |
خَرَجنَ عَلينا لا غُشينَ بِهوبَةٍ | وَلا وَشوشيّاتُ الحِجالِ الزَعانِفُ |
تَضَمَّخنَ بِالجاديِّ حَتّى كأَنّما | الأُنوفُ إِذا استَعرَضتَهنَّ رَواعِفُ |
كَشَفنَ شُنوفاً عَن شُنوفٍ وَأَعرَضَت | خُدودٌ وَمالَت بِالفُروعِ السَوالِفُ |
يُدافِعنَ أفخاذاً لَهُنَّ كأَنَّها | مِنَ البُدنِ أَفخاذُ الهِجانِ العَلائِفِ |
عَلَيهنَّ مِن صُنعِ المَدينَةِ حِليَةٌ | جُمانٌ كأَعناقِ الدَبا وَرَفارِفُ |
إِذا خُرِقَت أَقدامُهنَّ بِمِشية | تَناهَينَ وانباعَت لَهُنَّ النَواصِفُ |
يَنُؤنَ بأَكفالٍ ثِقالٍ وَأَسوقٍ | خِذالٍ وَأَعضادٍ كَسَتها المَطارِفُ |
وَيَكسِرنَ أَوساطَ الأَحاديثِ بِالمُنى | كَما كَسَر البَرديَّ في الماءِ غارِفُ |
وأدنَيتِني حَتّى إِذا ما جَعَلتِني | لَدى الخَصرِ أَو أَدنى استَقَلَّك راجِفُ |
فإِن شِئتِ واللَهِ انصَرفتُ وإِنَّني | مِن أَن لا تَريني بَعدَ هَذا لَخائِفُ |
رأَت ساعِدي غولٍ وَتَحتَ ثيابِهِ | جَناجِنُ يَدمى حَدُّها وَقَراقِفُ |
وَقَد شَئِزَت أُمُ الصَبيَّينِ أَن رأَت | أَسيراً بِساقيهِ نُدوبٌ نَواسِفُ |
فإِن تُنكِري صَوتَ الحَديدِ وَمِشيَةً | فإِني بِما يأَتي بِهِ اللَهُ عارِفُ |
وإِن كُنتِ مِن خَوفٍ رَجَعتِ فإِنَّني | مِنَ اللَهِ والسُلطانِ والإِثمِ راجِفُ |
وَقَد زَعَمَت أُمُّ الصَبيينِ أَنَّني | أَقَرَّ فؤادي وازدَهَتني المَخاوِفُ |
وَقَد عَلِمَت أُمُّ الصَبيَّين أَنَّني | صَبورٌ عَلى ما جَرَّفتني الجَوارِفُ |
وإِنّي لَعَطّافٌ إِذا قيلَ مَن فَتىً | وَلَم يَكُ إِلا صالِحُ القَومِ عاطِفُ |
وَأُوشِكُ لَفَّ القَومِ بِالقَومِ لِلَّتي | يَخافُ المُرَجّى والحَرونُ المُخالِفُ |
وإِنّي لأُرجي المَرءَ أَعرِفُ غِشَّهُ | وأُعرِضُ عَن أَشياءَ فيها مَقاذِفُ |
فَلا تَعجَبي أُمَّ الصَبييَّنِ قَد تُرى | بِنا غِبطَةٌ والدَهرُ فيهِ عَجارِفُ |
عَسى آمِناً في حَربِنا أَن تُصيبَهُ | عواقِبُ أَيامٍ وَيأَمَنَ خائِفُ |
فيُبكينَ من أَمسى بِنا اليَومَ شامِتاً | وَيُعقِبنَنا إِنَّ الأُمورَ صَرائِفُ |
وَإِن يَكُ أَمرٌ غَيرَ ذاكَ فإِنَّني | لَراضٍ بِقَدرِ اللَهِ لِلحَقِّ عارِفُ |
وإِنّي إِذا أَغضى الفَتى عَن ذِمارِهِ | لَذو شَفَقٍ عَلى الذِمارِ مُشارِفُ |
وَينفُخُ أَقوامٌ عَليَّ سُحورَهُم | وَعيداً كَما تَهوي الرِياحُ العَواصِفُ |
وأُطرِقَ إِطراقَ الشُجاعِ وإِنَّني | شِهابٌ لَدى الهَيجا وَنابٌ مُقَاصِفُ |
وَداويَّةٍ سَيرُ القَطا مِن فَلاتِها | إِلى مائِها خِمسٌ لَها مُتَقاذِفُ |
بُطونٌ مِنَ المَوماةِ بَعَّدَ بَينَها | ظُهورٌ بَعيدٌ تَيهُها وأَطايفُ |
يَحارُ بِها الهادي وَيَغتالُ رَكبَها | تُنائِفُ في أَطرافِهِنَّ تَنائِفُ |
هَواجِرُ لَو يُشوى بِها النَيُّ أَنضَجَت | مُتونَ المَها مِن طَبخِهِنَّ شَواسِفُ |
تَرى وَرَقَ الفِتيانِ فيها كأَنَّها | دَراهِمُ مِنها جائزاتٌ وَزائِفُ |
يَظَلُّ بِها عَيرُ الفَلاةِ كأَنَّهُ | مِنَ الحَرِّ مَرثومُ الخَياشِمِ راعِفُ |
إِذا ما أَتاها القَومُ هَوَّلَ سَيرَهُم | تَجاوبُ جِنّانٍ بِها وَعَوارِفُ |
وَيَومٍ مِنَ الجَوزاءِ يَلجأُ وَحشُهُ | إِلى الظِلِّ حَتّى اللَيلَ هُنَّ حَواقِفُ |
يَظَلُّ بِها الهادي يُقَلِّبُ طَرفَهُ | مِنَ الهَولِ يَدعو لَهفَهُ وَهوَ واقِفُ |
قَطَعتُ بِأَطلاحٍ تَخَوَّنَها السُّرى | فَدَقَّ الهَوادي والعيونُ ذَوارِفُ |
مَلَكتُ بِها الإِدلاجَ حَتّى تَخدَّدَت | عَرائِكُها وَلانَ مِنها السَوالِفُ |
وَحتّى التَقَت أَحقابُها وَغُروضُها | إِذا لَم يُقَدَّم لِلغُروضِ السَنائِفُ |
نَفى السَيرُ عَنها كُلَّ ذاتِ ذَمامَةٍ | فَلَم يَبقَ إِلا المُشرِفاتُ العَلائِفُ |
مِنَ العَيسِ أَو جَلسٍ وَراءَ سَديسِهِ | لَهُ بازِلٌ مِثلُ الجُمانَةِ رادِفُ |
مَعي صاحِبٌ لا يَشتَكي الصاحِبُ العِدى | صَحابَتُهُم وَلا الخَليطُ المؤالِفُ |
سَراةٌ إِذا آبوا لُيوثٌ إِذا دُعوا | هُداةٌ إِذا أَعيى الظَنونُ المُصادِفُ |
إِذا قيلَ لِلمُعيى بِهِ وَزَميلِهِ | تَروَّح فَلَم يَسطِع وَراحَ المُسالِفُ |
رأَوا شِركَةً فيهِنَّ حقّاً وَكَلَّفوا | أُولاتِ البَقايا ما أَكَلَّ الضَعائِفُ |
أَولاتِ المِراحِ الخَانِفاتِ عَلى الوَجى | إِذا قارَبَ الشَدَّ القِصارُ الكَواتِفُ |
فَبَلَّغنَ حاجاتٍ وَقَضَّينَ حاجَةً | وَفي الحَيِّ حاجاتٌ لَنا وَتكالِفُ |
وَنِعمَ الفَتى وَلا يُودّعُ هالِكاً | وَلا كَذِباً أَبو سُلَيمانَ عاطِفُ |
لِجارَتِهِ الدُنيا وَلِلجانبِ العِدى | إِذا الشُولُ راحَت وَهيَ حُدبٌ شَواسِفُ |
وَبادَرَها قَصرَ العَشيَّةِ قَرمُها | ذَرى البَيتِ يَغشاهُ مِنَ القُرِّ آزِفُ |
يُنَفِّضُ عَن أَضيافِهِ ما يَرى بِهِم | رَحيمان ساعٍ بِالطَعامِ وَلاحِفُ |
كأَن لَم يَجِد بؤساً وَلا جُوعَ لَيلَةٍ | وَفي الخَير والمَعروفِ لِلضُرِّ كاشِفُ |
يَبيتُ عَن الجيرانِ مُعزِبَ جَهلِهِ | مُريحَ حَواشي الحِلمِ للخَيرِ واصِفُ |
إِذا القَومُ هَشّوا لِلطِّعانِ وَأَشرَعوا | صُدورَ القَنا مِنها مُزَجُّ وَخاطِفُ |
مَضى قُدُماً يُنمي الحَياةَ عَناؤهُ | وَيَدعوا الوَفاةَ الخُلدَ ثَبتٌ مواقِفُ |
هوَ الطَاعِنُ النَجلاءَ مُنفِذُ نَصلِها | كَمبدَئِها مِنها مُرِشٌّ وَواكِفُ |
وَما كانَ مِمّا نالَ فيها كَلالَةً | وَلا خارِجياً أَنفَذَتهُ التَكالِفُ
|