الحمد لله الذي كتب العزة لمن أطاعه واتبع هداه، وكتب الذلة لمن عصاه واتبع هواه، أحمده سبحانه وأشكره لما تفضل به علينا من ألنعم وأسداه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يخيب من رجاه، ولا يسأم من ناجاه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله اختاره ربه من بين البرية واصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن والاه.

أما بعد: عباد الله يقول جل وعلا مبشراً لعباده المتقين ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ﴾ [الزمر: 20].
إن الله تعالى إذا أراد بعبده الخير أحسن خاتمته فيموت يوم يموت على أعمال كلها طاعات وحسنات، فتجده محافظاً على الصلوات، ومنشغلا بالطاعات، وباراً بوالديه وموديا لحقوق جميع الخلق والبريات، ومبتعداً عن المعاصي والمحرمات..
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ قَالَ يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قبل مَوته)). جعلني الله وإياكم ممن أراد بهم الخير فأحسن خاتمتهم.
عباد الله إن من كتب الله له السعادة وفاز بحسن الخاتمة كان من أول البشرى له في ساعة الاحتضار، بشرى الملائكة الكرام له حيث أخبر بذلك الملك العلام في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].
بشرى لما بعد الموت، فهنيئاً له بذلك، وطمأنينة لما خلف من أهل وأولاد.
إن العبد الصالح أيها المؤمنون إذا حضرته الوفاة ورأى البشرى بالنجاة.. أحب لقاء الله فيحب الله لقاءه.
((عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ)).
هذا خير البرية صلى الله عليه وسلم كان يقول في سكرات الموت بل الرفيق الأعلى.
((عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا حَتَّى يُخَيِّرَهُ». قَالَتْ: فَلَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: «بَلِ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ». قَالَتْ: قُلْتُ: إِذًا وَاللَّهِ لَا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ يَقُولُ لَنَا: «إِنَّ نَبِيًّا لَا يُقْبَضُ حَتَّى يُخَيَّرَهُ)).
وهذا بلال رضي الله عنه بينما كان يعتبر بعض أهله أن موته مصيبة وحزن كان يرد عليهم في سكرة موته بل وأفرحتاه غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه.
عباد الله، الفرح الأكبر والنعيم الأعظم فرحٌ لا يفنى ونعيمٌ لا حد لمنتهاه، عندما يوفق العبد المسلم لسعادة الأبد في جنات النعيم، وهناك يفرح المؤمنون دون غيرهم، تتلألأ وجهُهم نوراً قال تعالى ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ [المطففين: 24]، ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 233]، ومن شدة الفرح تظهرُ ضاحكةً مستبشرة، قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [عبس: 38، 39].
أي سعادة أعظم من هذه السعادة ونحن منصرفون إلى جنة عالية، قطوفها دانية، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].
إن غمسة في الجنة تنسيك كلَّ شدَّة الدنيا وبؤسها، فكيف بنعيم مقيم لا يحول ولا يزول، وتستقر الفرحة الأخروية، بنعيم ليس بعده نعيم، ولذة ليس وراءها لذَّة، وهي النظر إلى وجه الرب الكريم تبارك وتعالى.
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26].
عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ".
اللهم ارزقُنا لذَّة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد عباد الله:
التوفيق بيد الله والثبات من عند الله.
﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ  ﴾ [إبراهيم: 27].
يا عبد الله، الصلاة الصلاة، الذكر الذكر، الإخلاص الإخلاص، العلم العلم، العمل الصالح العمل الصالح ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9].
عباد الله التوبة التوبة والعمل الصالح، ولا تيأس مهما بلغت ذنوبك، اطرق باب الرحمن الرحيم بعباده المؤمنين ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

هذا وصلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].