الحض على صلاة الجماعة وبيان شيء من ثوابها
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الحمد لله الذي نزل الكتاب، وهو يتولى الصالحين، أحمده سبحانه إذ جعل الصلاة كتاباً على المؤمنين، وأشكره جل ذكره على سابغ نعمه، ومترادف ألوان جوده وكرمه، وهو يحب ويزيد الشاكرين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والمثل الأعلى، وقد وعد المحافظين على الصلوات بوراثة الفردوس الأعلى.
وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم، عبد الله ورسوله، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وأكمل المصلين، وقد فارق الدنيا وهو يوصي الأمة بالصلاة، وما ملكت اليمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وهم راكعون.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله وعظموا شأن الصلاة، فإنها عمود الديانة، وسر الأمانة، وتحقيق التوحيد، وأعظم حقوق الله تعالى على الموحدين.
عباد الله:
لقد فرض الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته الصلاة من فوق سبع سماوات بغير واسطة، وخففها من خمسين صلاة إلى خمس صلوات بأجر الخمسين، لتؤديها النفوس المؤمنة وهي مغتبطة ناشطة، وعظم الله تبارك وتعالى شأنها في محكم الآيات، وبين النبي صلى الله عليه وسلم منزلتها وجلى حقيقتها، وبين عظم الأجر عليها، وكان الأسوة الحسنة فيها، فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحات، ولم يرضى الله تعالى للمحافظين عليها إلا جواره الفردوس أعلى الجنات، وجعل مآل الساهين عنها المضيعين لها سقر أبعد موضع عن الرحمة والشفاعة، زجراً للبرية عن إضاعة الصلوات.
معشر المسلمين:
الصلاة فريضة الله على عباده التي تتكرر في اليوم والليلة، والتي لا تسقط عن المكلف بها ما دام ممتعاً بعقله، فتؤدى في الحر والقر، والحضر والسفر، والأمن والخوف، والصحة والمرض، والوحدة والاجتماع، وكفى بذلكم تنبيهاً على شرف الصلاة وعظم شأنها بين العبادات، وحاجة العبد إليها في سائر الحالات، وأنها برهان الإيمان، والصلة بالله، وعلامة عباد الرحمن، وعصمة ونجاة من شرك الشيطان، وحفظ للصحة، ومجلبة للرزق ورضى الرحمن، وأمنة من الهوي في دركات النيران، وسلم إلى أعلى الجنات، فما أعظم شأن الصلاة، وما أجل إنعام الله تعالى بها على البريات، وما أخسر صفقة المضيعين للصلوات، الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، إلا من تاب فإن الله يتوب على من تاب، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون.
أيها المؤمنون:
ولقد شرع الله تبارك وتعالى الجماعة للصلاة في حق الرجال، إظهاراً لشعار الدين، وتمييزاً للمؤمنين من المنافقين والكافرين المجرمين، وتنشيطاً لعباد الله الصالحين، وتعليماً للجاهلين، فشرع الله تبارك وتعالى أن تؤدى جماعة في المساجد، وأن يدعى لجماعتها كل وقت لتؤدى في المساجد، حتى شرع سبحانه وتعالى في محكم التنزيل الجماعة حال الضرب في الأرض وفي الخوف والحرب، وتوعد المتخلفين عنها من غير عذر بغي وويل والسعير، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من محكم الكلم التغليظ على المتخلفين عن الجماعة وشدة النكير، حتى وصف المتخلفين عن الجماعة من غير عذر، بالنفاق والكفر، وهمَّ بتحريق بيوتهم عليها - لولا ما فيها من النساء والذرية - تغليظاً للأجر، وأخبر أنهم لا صلاة لهم مبالغة في الزجر.
معشر المؤمنين:
ولقد نشط الله جل وعلا أهل الإيمان إلى الصلوات مع الجماعات، فجعل الخطوات إليها حسنات، ورفعة في الدرجات، ومحواً للخطيئات، ونوعاً من الصدقات، فلقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مفيدة بأن للماشي إلى الصلاة بكل خطوة: حسنة مكتوبة، ودرجة مرفوعة، وصدقة متقبلة، ومحو خطيئة محققة، بل إن المشي إلى الصلاة صلاة، وبشرى معجلة للمصلي بحسن الخاتمة، ونور يوم القيامة، وضيافة في الجنة، فما أعظم الأجور على عمل مبرور ميسور.
أمة الإسلام: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين، فإن الله تبارك وتعالى يراكم حين تقومون، وتقلبكم في الساجدين، فقد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم على صلوات يحافظون، أولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون، ولا تتشبهوا بالمكذبين المجرمين، الذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون، ويل يومئذ للمكذبين، يوم يكشف عن ساق ويدعون إِلى السجود فلا يستطيعون، شاخصة أبصارهم وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون، فأولئك يصلون سقر، وبئس المآل والمقر، فإذا سئلوا ما سلككم في سقر؟ أقروا بالجرم الأكبر، ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ [المدثر:42،43]، وقد ثبت عن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: ((ولا يزال أقوام يتأخرون -يعني عن الصلاة- حتى يؤخرهم الله))، وروي في حديث آخر قال: ((إلى النار)).
فاتقوا الله أيها المؤمنون وأقيموا الصلاة لعلكم ترحمون، وحافظوا على الجماعة تلحقوا بصالح الجماعة في الجنة والرضوان، يوم تقوم الساعة، ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:100].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا* وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء:66-70].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه، وأنزل له من الهدى والبيان، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] خطبة الشيخ عبد الله بن صالح القصير -حفظه الله- بجامع الأمير فيصل بن محمد بن تركي آل سعود.