تاريخ المسجد النبوي
قصة بناء المسجد النبوي:
أسس النبي المسجد النبوي في ربيع الأول من العام الأول من هجرته، وكان طوله سبعين ذراعًا، وعرضه ستين ذراعًا، أي ما يقارب 35 مترًا طولاً، و30 عرضًا، جعل أساسه من الحجارة والدار من اللَّبِن وهو الطوب الذي لم يحرق بالنار، وكان النبي يبني معهم اللَّبِن والحجارة، وجعل له ثلاثة أبواب، وسقفه من الجريد.
روى البخاري قصة بنائه في حديث طويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه أن النبي: أَمَرَ ببناء المسجد، فأرسل إلى ملإ بني النجار فجاءوا، فقال: "يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا". فقالوا: لا واللَّه، لا نطلب ثمنه إلَّا إلى اللَّه. قال: فكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خربٌ، وكان فيه نخلٌ، فأمر رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بقبور المشركين فَنُبِشَتْ، وَبِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قال: فصفُّوا النَّخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه (خشبتان مثبتتان على جانبي الباب) حجارةً، قال: قال جعلوا ينقلون ذاك الصَّخر وهم يرتجزون، ورسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم معهم، يقولون: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ، فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَهْ"(1).
ولما ازدحم المسجد وكثر المسلمون قام النبي بتوسيعه؛ وذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد عودته من خيبر فزاد في طوله عشرين ذراعًا وفي عرضه كذلك، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي اشترى هذه البقعة التي أضافها النبي صلى الله عليه وسلم(2).
ومسجد النبي هو المسجد الذي أسس على التقوى كما في صحيح مسلم(3)، وفيه قال النبي: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ"(4). وفيه أيضًا قال النبي: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ"(5).
منبر النبي
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي"(6). قوله: "على حوضي": أي أنه يعاد هذا المنبر على حاله وينصب على حوضه.
وكان النبي يخطب أولاً إلى جذع نخلة ثم صنع له المنبر فصار يخطب عليه، روى البخاري في صحيحه عن جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتُمْ". فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: "كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا"(7). وأقيم بعد الجذع ماكنه أسطوانة تعرف بالأسطوانة المخلقة أي: المطيبة.
ولحرمة هذا المنبر جعل النبي إثم من حلف عنده -كاذبًا- عظيمًا، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "لَا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ عَبْدٌ وَلَا أَمَةٌ، عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ، وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ رَطْبٍ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ"(
.
الروضة الشريفة
هي موضع في المسجد النبوي الشريف واقع بين المنبر وحجرة النبي، ومن فضلها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي"(9). وذرعها من المنبر إلى الحجرة 53 ذراعًا، أي حوالي 26 مترًا ونصف متر.
الصُّفَّة
بعدما حُوِّلت القبلة إلى الكعبة أمرالنبي بعمل سقف على الحائط الشمالي الذي صار مؤخر المسجد، وقد أعد هذا المكان لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وإليه ينسب أهل الصفة رضي الله عنهم.
الحجرة
هي حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها، دُفِن فيها النبي بعد وفاته، ثم دفن فيها بعد ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه سنة 13 هـ، وكان رضي الله عنه قد أوصى عائشة أن يدفن إلى جانب رسول الله؛ فلما توفي حفر له وجعل رأسه عند كتفي رسول الله(10). ودفن فيها بعدهما عمر رضي الله عنه سنة 24 هـ إلى جانب الصديق، وكان قد استأذن عائشة في ذلك فأذنت له(11).
صفة القبور هي كالتالي
قبر النبي في جهة القبلة مقدمًا، يليه خلفه قبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه ورأسه عند منكب النبي، ويليه خلفه قبر عمر الفاروق رضي الله عنه، ورأسه عند منكب الصديق، كانت الحجرة الشريفة من جريد مستورة بمسوح الشعر، ثم بنى عمر بن الخطاب حائطًا قصيرًا، ثم زاد فيه عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك(12)، أعاد عمر بن عبد العزيز بناء الحجرة بأحجار سوداء بعدما سقط عليهم الحائط، فبدت لهم قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه(13). ثم جُدد جدار الحجرة الشريفة في عهد قايتباي (881هـ).
الحائط المُخَمَّس
هو جدار مرتفع عن الأرض بنحو 13 ذراعًا؛ أي ستة أمتار ونصف، بناه عمر بن عبد العزيز سنة 91 هـ حول الحجرة الشريفة، وسُمِّي مُخَمسًا لأنه مكون من خمسة جدران وليس له باب، وجعله مخمسًا حتى لا يشبه بالكعبة.
محاولات سرقة جسد النبي وصاحبيه
1- محاولة الحاكم العبيدي: الحاكم بأمر الله (توفي 411 هـ) الأولى: أراد نقل أجسادهم إلى مصر، وكلف بذلك أبا الفتوح الحسن بن جعفر، فلم يُفق بعد أن جاءت ريح شديدة تدرحجت من قوتها الإبل والخيل، وهلك معها خلق من الناس، فكانت رادعًا لأبي الفتوح عن نبش القبور وانشرح صدره لذلك، واعتذر للحاكم بأمر الله بالريح. انظر تفصيلها في: وفاء الوفاء للسمهودي (2/653).
2- المحاولة الثانية للحاكم بأمر الله، فقد أرسل من ينبش قبر النبي، فسكن دارًا بجوار المسجد وحفر تحت الأرض فرأى الناس أنوارًا وسُمع صائح يقول: أيها الناس إن نبيكم يُنبش. ففتش الناس فوجدوهم وقتلوهم. المصدر السابق.
3- محاولة بعض ملوك النصارى عن طريق نصرانيين من المغاربة في سنة (557 هـ) في عهد الملك نور الدين زنكي؛ فقد رأى الملك في منامه النبي يقول: أنجدني أنقذني من هذين -يشير إلى رجلين أشقرين- فتجهز وحج إلى المدينة في عشرين رجلاً، ومعه مال كثير، فوصل المدينة في (16 يومًا)، وكان الناس بالمدينة يأتون إليه يعطيهم من الصدقات؛ حتى أتى عليه أهل الناس بالمدينة كلهم، ولم يجد فيهم الرجلين اللذين رآهما في المنام، فسأل الناس: هل بقي أحد؟ فذكروا له رجلين مغربيين غنيَّين يكثران من الصدقة على الناس، وذكروا من صلاحهما وصلاتهما، فطلبهما، فأتي بهما، فوجدهما اللذين رآهما في المنام، فسألهما، فذكرا أنهما جاءا للحج، وكان منزلهما برباط قرب الحجرة الشريفة، فذهب بهما إلى منزلهما فلم يجد فيه شيئًا مريبًا، وذكر الناس عنده من صلاحهما وعبادتهما فبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه، فرفع حصيرًا فيه، فرأى سردابًا محفورًا ينتهي إلى قرب الحجرة الشريفة... فضربهما فاعترفا بحالهما الحقيقي، وأنهما جاءا لسرقة جسد النبي... فضرب رقابهما تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة.
انظر تفصيلاً أكثر في وفاء الوفا (2/648). وبعد هذه الحادثة أمر السلطان نور الدين زنكي ببناء سور حول الحجرة الشريفة فحفر خندقًا عميقًا وصبّ فيه الرصاص.
4- محاولة جماعة من نصارى الشام، فإنهم دخلوا الحجاز وقتلوا الحجيج، وأحرقوا مراكب المسلمين البحرية... ثم تحدثوا أنهم يريدون أخذ جسد النبي، فلما لم يكن بينهم وبين المدينة إلا مسيرة يوم لحقهم المسلمون -وكانوا بعيدين منهم بنحو مسيرة شهر ونصف- فقتلوا منهم وأسروا، وكانت آية عظيمة.
انظر رحلة ابن جبير (ص31-32).
5- حاول جماعة من أهل حلب في القرن السابع إخراج جسد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ودفعا مالاً عظيمًا لأمير المدينة، فاتفقوا أن يدخلوا ليلاً، فطلب الأميرُ شيخَ الخدام بالمسجد النبوي، وهو شمس الدين صواب اللمطي، وأمره أن يفتح لهم الباب بالليل، ويمكنهم مما أرادوا، فاهتم لذلك؛ فلما جاءوه ليلاً وكانوا أربعين رجلاً فتح لهم ومعهم آلات الحفر والشموع قال شيخ الخدام: فوالله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم من الآلات، ولم يبق لهم أثر...
وهذه الحكاية لا تعرف عن غير شمس الدين صواب، فإنه لم يشهدها أحد غيره، وأمر الأمير بكتمها، ولم يحدث بها إلا أناسًا قليلين، وصواب هذا شيخ صالح أثنى عليه السخاوي كما ذكر ذلك في التحفة اللطيفة (2/248)، وذكر أن له قصة سيذكرها في ترجمة هارون بن عمر بن الزغب، ولم أجد ترجمته في المطبوع من هذا الكتاب، فالله أعلم بحقيقة الحال، وقد ذكر هذه القصة بتفصيل السمهودي في وفاء الوفا (2/653) عن المحب الطبري. والله أعلم.
من البدع المتعلقة بزيارة المسجد النبوي
التمسح بشبابيك الحجرة الشريفة وتقبيلها وإلصاق الصدر والبطن بها، قال شيخ الإسلام (المجموع 27/79): "واتفق العلماء على أن من زار قبر النبي أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين والصحابة وأهل البيت وغيرهم، أنه لا يتمسّح به ولا يقبله؛ بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيله إلا الحجر الأسود". اهـ، لا يشرع الطواف بالحجرة الشريفة؛ لأن الطواف عبادة ولم يشرع إلا حول الكعبة قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]؛ لذا يعد الطواف بالقبور أيًّا كانت شركًا أكبر ناقلاً عن الملة.
توسعات المسجد النبوي عبر التاريخ
1- توسعة النبي سنة (7 هـ) بعد عودته من خيبر.
2- توسعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة (17 هـ)، وبنى خارج المسجد رحبة مرتفعة عرفت باسم البطيحاء جعلها لمن أراد رفع صوته بشعر أو كلام أو غيره حفاظًا على حرمة المسجد.
3- توسعة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة (29 هـ).
4- توسعة الوليد بن عبد الملك الأموي (من سنة 88 هـ إلى 91 هـ).
5- توسعة الخليفة المهدي العباسي (من سنة 161 هـ إلى 165 هـ).
6- توسعة الأشرف قايتباي سنة 888 هـ إثر احتراق المسجد النبوي.
7- توسعة السلطان العثماني عبد المجيد (من سنة 1265 هـ إلى 1277 هـ).
8- توسعة الملك عبد العزيز آل سعود (من سنة 1372 هـ إلى 1375 هـ).
9- توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود (من سنة 1406 هـ إلى 1414 هـ).