المسجد الأقصى
المسجد الأقصى هو ثاني مسجد بني على الأرض، وقد عاش في أكنافه معظم الأنبياء والمرسلين، وعلى رأسهم الخليل إبراهيم عليه السلام، كما عاش فيه إسحاق ويعقوب وزكريا ويحي وعيسى وداود وسليمان، والسيدة مريم العذراء، ودخله ذي النون فاتحاً، وأُسري بخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم، وانبعث منه معظم الرسالات السماوية.
وقد كان قبلة المسلمين الأولى لما يقرب من سبعة عشر شهراً، واليه تُشد الرحال، والصلاة فيه بخمسمائة صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي.
أسماء المسجد الأقصى
المسجد الأقصى: قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1]، ومعنى الأقصى أي البعيد، وذلك لبعده عن المسجد الحرام.
الأرض المباركة: قال الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء:81]، فهي أرض الرسالات والأنبياء، التي بارك الله في أهلها وزرعها وثمارها.
بيت المقدس: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما كذبتني قريش، قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه" متفق عليه. وبيت المقدس معناه في اللغة البيت المنزَّه أو المطهَّر.
ويجوز إطلاق اسم "المسجد الأقصى المبارك" عليه، ولكن تسميته "بالحرم الشريف" غير صحيحة، لأنه ليس له حرم ويجوز الصيد فيه، وقطع شجره وكذلك لقيطته، وليس هناك حرم شريف سوى الحرم المكي، والحرم المدني، ولكن يُحظر في جميعه ما يُحظر في سائر مساجد الأرض، فيُحرم فيه البيع والشراء، وإنشاد الضالة ورفع الصوت وما إلى ذلك.
موقع المسجد الأقصى
يقع المسجد الأقصى في الجزء الجنوبي الشرقي للبلدة القديمة لمدينة القدس والتي تقع تقريباً في وسط فلسطين. ويقع على هضبة عالية تسمى هضبة (موريا)، ويشترك في حدوده الشرقية والجنوبية مع الحدود الشرقية والجنوبية لبلدة القدس القديمة.
تعريف بالمسجد الأقصى
المسجد الأقصى المبارك هو اسم لكل ما دار حوله السور الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة بدورها، ويشمل كلا من قبة الصخرة المشرفة (ذات القبة الذهبية) والموجودة في موقع القلب منه، والجامع القِبْلِي (ذو القبة الرصاصية السوداء أو البرونزية)، والواقع أقصى جنوبه ناحية "القِبلة"، فضلا عن نحو 200 معلم آخر تقع ضمن حدود الأقصى، ما بين مساجد، ومبان، وقباب، وأسبلة مياه، ومصاطب، وأروقة، ومدارس، وأشجار، ومحاريب، ومنابر، ومآذن، وأبواب، وآبار، ومكتبات، فضلا عن الساحات.
مساحة المسجد الأقصى
تبلغ مساحة المسجد الأقصى حوالي 144 دونماً (الدونم = 1000متر مربع)، ويحتل نحو سدس مساحة القدس المسورة، وهو على شكل مضلع غير منتظم، طول ضلعه الغربي 491م، والشرقي 462م، والشمالي 310م، والجنوبي 281م.
وجدير بالذكر أن حدوده ومساحته لم تتغير على مدى العصور فلم تحدث له أي توسعة أو زيادة منذ وضع على الأرض، بعكس المسجد الحرام، والمسجد النبوي حيث مرا بعدد من التوسعات على مر العصور المختلفة.
ومن دخل المسجد الأقصى فأدى الصلاة، سواء تحت شجرة من أشجاره، أو قبة من قبابه، أو فوق مصطبة، أو عند رواق، أو في داخل قبة الصخرة، أو الجامع القبلي، فصلاته مضاعفة الأجر. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: " تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى وليوشكن أن لا يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا" أو قال: "خير من الدنيا وما فيها"[1].
بناء المسجد الأقصى
المسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض، حيث يعتقد أغلب العلماء أن الملائكة أو آدم عليه السلام (أو أحد أبنائه) هو الذي بنى المسجد الأقصى، بعد أن بنى المسجد الحرام بأربعين سنة، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله: أي مسجد وُضِع في الأرض أولا؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل، فهو مسجد". وبعد الطوفان الذي غمر الأرض في عهد نوح عليه السلام ليبق لبناء آدم أثر.
والأرجح أن أول من بناه هو آدم عليه السلام، اختط حدوده بعد أربعين سنة من إرسائه قواعد البيت الحرام بأمر من الله تعالى، دون أن يكون قبلهما كنيس ولا كنيسة ولا هيكل ولا معبد. فقد ذكر ابن هشام في كتاب "التيجان في ملوك حمير جـ1/ 22، ط1، مركز الدراسات والأبحاث اليمنية 1347هـ" أن آدم عليه السلام بعد أن بنى الكعبة: " ثم أمر الله تعالى آدم بالسير إلى البلد المقدس، فأراه جبريل كيف يبني بيت المقدس، فبنى بيت المقدس ونسك فيه".
وكما تتابعت عمليات البناء والتعمير على المسجد الحرام، تتابعت على الأقصى المبارك، فقد عمَّره سيدنا إبراهيم عليه السلام حوالي العام 2000 قبل الميلاد، ثم تولى المهمة أبناؤه إسحاق ويعقوب عليهم السلام من بعده، كما جدد سيدنا سليمان عليه السلام بناءه، حوالي العام 1000 قبل الميلاد. ففي سنن ابن ماجة عَنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ"[2].
وهذا الحديث بيدوا في ظاهره متعارضاً مع ما قاله العلماء من بناء آدم عليه السلام لبيت المقدس، وقد أجاب ابن الجوزي والقرطبي وغيرهم عن هذا الإشكال، وارتضاه الحافظ ابن حجر في فتح الباري بأن سليمان عليه السلام قام بتجديد وتوسعة المسجد الأقصى بعد أن كان موجوداً أصلاً منذ آدم عليه السلام، تماماً كما رفع إبراهيم عليه السلام قواعد البيت الحرام بعد أن كان موجوداً أصلاً منذ آدم عليه السلام، وذلك بعد تعاقب الزمن على البناءين الأساسين، والطوفان الذي كان في زمن نوح عليه السلام وغمر الأرض وقتها، وعلى ذلك فمقصود الحديث إنّ سليمان -عليه السلام- جدّد بناءه وهيئه للعبادة، وليس المقصود أنه أنشأه، والله تعالى أعلم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في تعيين بنائه سوى هذين الحديثين.
ومع الفتح الإسلامي للقدس عام 15هـ/ 636م، بنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجامع القبلي، كنواة للمسجد الأقصى. وفي عهد الدولة الأموية، بنيت قبة الصخرة، كما أعيد بناء الجامع القبلي، واستغرق هذا كله قرابة 30 عاما من 66 هـ/ 685م - 96 هـ/715م، ليكتمل بعدها المسجد الأقصى بشكله الحالي.
Untitled-1kljfglf.jpg
من فضائل المسجد الأقصى
المسجد الأقصى هو قبلة معظم الأنبياء قبل خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم، والقبلة الأولى للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم لمدة 14 عاما تقريبا منذ بعثته وحتى الشهر السادس أو السابع عشر للهجرة، روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة".
الأقصى هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الآية الكريمة باسمه الصريح: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1]، وفيه صلى جميع الأنبياء جماعة خلف إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم خلال رحلته هذه، مما يدل على كثرة بركاته حتى إنها لتفيض على ما حوله، ولا تقتصر عليه فقط، حسبما تشير الآية: {بَارَكْنَا حَوْلَهُ} وليس فيه!
- الأقصى هو مبدأ معراج محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وروى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ -وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ– قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ -قَالَ- فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِى يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ -قَال - ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ". فقد كان الله تعالى قادرا على أن يبدأ رحلة المعراج برسوله من المسجد الحرام بمكة، ولكنه سبحانه اختار الأقصى لذلك ليثبت مكانته في قلوب المسلمين، كبوابة الأرض إلى السماء، أرض المنشر والمحشر. قالت ميمونة رضي الله عنها مولاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: "أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ"[3].
- هو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى"، إلا أنه ليس بحرم، لأنه لا يحرم فيه الصيد، وتلتقط لقطته، بخلاف حرمي مكة والمدينة. وتسميته بالحرم الشـريف ليست صحيحة، وإنما الاسـم الصحيح هو "المسجد الأقصى المبارك"، وهو الاسم الذي ظل يطلق عليه طوال العهد الإسلامي حتى عصر المماليك، حين سمى حرما، تشريفا، رغم أنها تسمية غير صحيحة، ولا جائزة.
رباط الطائفة المجاهدة المنصورة، وعقر دار المؤمنين: فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم ؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". (قال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح لغيره دون قوله : " قالوا : يا رسول الله وأين هم ...إلخ"، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمرو بن عبد الله السيباني الحضرمي).
أهم معالم الأقصى
تحوي ساحة المسجد الأقصى العديد من المعالم الخاصة به، والتي بُنيت على مر العصور المختلفة، وسوف نقسمها -إن شاء الله تعالى- كما يلي:
أولاً: المساجد
فهناك المسجد القِبلي - مسجد قبة الصخرة - المُصلى المرواني - مصلى البراق - جامع المغاربة (المتحف الإسلامي) - جامع النساء.
ثانياً: الصخرة
هي إحدى صخور مرتفعات القدس، وتقع وسط ساحة المسجد الأقصى، وكانت قبلة المسلمين الأولى، وذلك لما يقرب من سبعة عشر شهراً.
ثالثاً: المآذن
ومنها: مئذنة باب المغاربة (المئذنة الفخرية)، مئذنة باب الأسباط، مئذنة باب السلسلة، مأذنة باب الغوانمة.
رابعاً: القباب
ومنها: قبة الصخرة، قبة السلسلة، قبة المعراج، قبة موسى، القبة النحوية، قبة سليمان، قبة الميزان، قبة النبي صلى الله عليه وسلم، قبة الأرواح، قبة الخضر، قبة يوسف أغا، قبة يوسف، قبة عشاق النبي صلى الله عليه وسلم، قبة مهد عيسى، قبة الشيخ الخليلي.
خامساً: الأبواب
ومنها: باب الأسباط، باب حطة، باب فيصل( العتم)، باب الغوانمة، باب الناظر، باب الحديد، باب القطانين، باب المطهرة، باب السلسلة، باب المغاربة، بابا الرحمة والتوبة، باب الجنائز، الباب الثلاثي، الباب المزدوج، الباب المنفرد أو باب الوليد نسبة إلى الوليد بن عبد الملك رحمه الله.
سادساً:المدارس
وبالأقصى العديد من المدارس التي بُنيت في عصور مختلفة، ولازال بعضها يعمل إلى الآن والبعض تحول إلى مكاتب إدارية أو منشآت خدمية، والبعض تم إغلاقه بعد احتلال الصهاينة للقدس عام 1967م.
سابعاً: معالم أخرى
كما أنه يحتوي على عدد من الأسبلة والبوائك والأروقة والمصاطب والمحاريب والآبار.
حريق المسجد الأقصى
جاء حريق المسجد الأقصى في إطار سلسلة من الإجراءات التي قام بها الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948م، بهدف طمس الهوية الحضارية الإسلامية لمدينة القدس، ففي السابعة من صباح الخميس 21 أغسطس 1969م / الموافق 8 من جمادى الآخر 1389هـ اقتحم إرهابيون صهاينة ساحات المسجد الأقصى المبارك من أبواب مختلفة، حتى وصلوا إلى المصلى القبلي، وهو المصلى الرئيسي في المسجد المبارك، وأضرموا النار في أكثر من موضع، قرب المنبر والمحراب، وقرب القبة. وفور ارتفاع أدخنة الحريق، قامت سلطات الاحتلال بقطع المياه عن المنطقة، وضربت طوقا حول المسجد الأقصى، وحاولت منع السكان من القيام بإطفائه.
واندلعت النيران بالفعل وكادت تأتي على قبة المسجد لولا استماتة المسلمين والمسيحيين في عمليات الإطفاء التي تمت رغماً عن السلطات الصهونية، حيث اندفعوا عبر الطوق الذي ضربته قوات الاحتلال، يطفئون النار بأوعية المياه التي جلبوها من آباره، وهم يرددون "الله أكبر".
وقد أدى الحريق إلى إحراق أكثر من ثلث مساحة المصلى القبلي الرئيسي في المسجد الأقصى المبارك، إحراق منبر صلاح الدين، واشتعلت النيران في سطح المسجد الجنوبي وسقف ثلاثة أروقة. وتضرّر القبة الخشبية الداخلية وزخرفتها الجصية الملونة والمذهبة مع جميع الكتابات والنقوش النباتية والهندسية عليها، إضافة إلى المحراب الرخامي الملون، والجدار الجنوبي. حراق السجاد الذي يغطي المصلى الرئيسي في المسجد لأقصى المبارك، وكثير من النقوش والزخارف الأثرية، والآيات القرآنية التي تغطي جدرانه، والتي تعود إلى العهدين الأموي والعباسي.
وادع الكيان الصهيوني أن الحريق بفعل تماس كهربائي، وبعد أن أثبت المهندسون العرب أنه تم بفعل فاعل، ذكرت أن شاباً أسترالياً يدعى (دينيس مايكل روهان)، هو المسؤول عن الحريق وأنها ستقدمه للمحاكمة، ولم يمض وقت طويل حتى ادعت بأن هذا الشاب معتوه ثم أطلقت سراحه.
وكان لحريق الأقصى ردود فعل عالمية وإسلامية، فقد عم الغضب الدول العربية والإسلامية، واجتمع قادة هذه الدول في الرباط يوم 25/9/1969م وقرروا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي التي ضمت في حينها ثلاثين دولة عربية وإسلامية، وأنشأت صندوق القدس عام 1976م، ثم في العام التالي أنشأت لجنة القدس برئاسة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني للمحافظة على مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية ضد عمليات التهويد التي تمارسها سلطات الاحتلال الصهيونية.
كما أصدر مجلس الأمن في 15 – 9 – 1969م القرار رقم 271 الذي دعا دولة الاحتلال إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شانها تغيير وضع القدس.
وضع المسجد الأقصى الحالي
على مدى قرون، يدعي الصهاينة أن المسجد الأقصى المبارك بني في موضع ما يسمى بالمعبد/ الهيكل اليهودي. ومنذ عام 1967م، يعاني المسجد الأقصى المبارك من الاحتلال الصهيوني الذي:
- اعتدى على حرمة المصلين داخله، واستباح دماءهم في عدة مذابح داخل ساحاته الآمنة.
- أحرق جزءا منه، وحاول تفجيره، وتخريبه غير ذات مرة.
- استولى على أجزاء منه، مثل: باب المغاربة، وحائط البراق الذي حوله إلى حائط مبكى يدنسه اليهود، بينما يمنع المسلمون من الاقتراب منه.
- حاصر أبوابه الأخرى، ومنع المصلين من حرية الوصول إليه والصلاة والرباط فيه، بينما أتاح لليهود دخوله.
- شق الحفريات والأنفاق تحت أساساته، ما أدى إلى تصدع أجزاء منه.
- منع محاولات ترميمه، وإعادة بناء ما تصدع منه.
خاتمة
المسجد الأقصى حق المسلمين، لأنهم ورثة الرسالات السماوية السابقة، وهو رمز اصطفاء الله تعالى لرسالة الإسلام خاتمة الرسالات السابقة تصدقها وتهيمن عليها، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة:48]. فالمسلمون يؤمنون بجميع الأنبياء السابقين، ويعتبرون تبجيلهم وتوقيرهم ركنا من أركان دينهم، ومن ثم، فإنهم -وليس من يدعون كذبا أنهم أتباع هؤلاء الأنبياء- الأقدر على حماية هذا المكان المقدس، ولن يسود السلام إلا بعودة الحق لأهله.