جامع السلطان أيوب
جامع السلطان أيوب Eyüp Sultan Camii من أول المساجد التي شيدها العثمانيون في إسطنبول، عقب فتح القسطنطينية عام 857هـ / 1453م، على يد السلطان محمد الفاتح وأكثر المساجد شهرة في تركيا ورابع الأماكن الإسلامية المقدسة لدى الكثير من الأتراك.
موقع جامع السلطان أيوب
يقع جامع السلطان أيوب بمنطقة أيوب سلطان، بالشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول بالقرب من منطقة القرن الذهبي خارج أسوار القسطنطينية، وتعود تسميته إلى الصحابي الجليل خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، الذي استضاف رسول الله صلي الله عليه وسلم، في بيته إبان فترة هجرته من مكة إلى المدينة المنورة، ثم استشهد عام 49ه / 669م أثناء محاولات المسلمين فتح القسطنطينية في عهد الدولة الأموية.
من هو السلطان أيوب؟
قد لا يكون مسجد أبي أيوب الأنصاري الأكبر في إسطنبول إلا أنه الأكثر أهمية، فهو يستقطب الملايين من الزوار كل عام، والسبب أنه يحوي داخله ضريح أبي أيوب الأنصاري أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو أيوب الأنصاري جاهد في صفوف جيش المسلمين في القرن السابع للميلاد، وقبل أن يتوفى أوصى بأن يدفن داخل مدينة إسطنبول، وبالفعل فقد غسل في هذا المكان ودفن.
كان أبو أيوب الأنصاري قد ناهز الثمانين عندما شارك في حرب الروم بقيادة يزيد بن معاوية في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. استشهد أبو أيوب الأنصاري وأوصى بأن يدفن داخل القسطنطينية، وكان له ما أراد. لم تسقط القسطنطينية رغم حصار الأمويين الطويل لها، لكن مرقد أبي أيوب الأنصاري وجد تقديرا كبيرا لدى البيزنطيين ولدى ملوكهم.
قصة بناء مسجد أبي أيوب
وقد نال أبو أيوب الأنصاري مكانة عظيمة في الثقافة العثمانية عند فتح القسطنطينية؛ فوفقا لبعض الروايات فإن الشيخ أق شمس الدين، معلم السلطان محمد الفاتح، رأي في منامه المكان الذي دُفن فيه أبو أيوب الأنصاري، وبعد فتح القسطنطينية أمر السلطان محمد الفاتح بتشييد مقبرة له في ذلك المكان، وأن تلحق به أقسام عدة.
كانت تلك الأقسام في زمنها مجمعا دينيا وتعليميا واجتماعيا كبيرا، يقول تاريخ هذا المسجد إنه كان يضم كلية جاءها طلبتها من الأمصار البعيدة والقريبة ووفرت لهم المأكل والمسكن والعلم، كما ضم المسجد مطعما للفقراء وحماما تركيا وازدهر من حوله المعمار ونشطت التجارة.
فقد تم تشييد مسجد جامع باسم أبي أيوب الأنصاري، ومدرسة، ومقبرة، وحمام عثماني، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن أعمال التشييد بدأت في عام 863هـ / 1459م، وبدأ الجامع يأخذ شكله النهائي خلال السنوات التالية.
وصف جامع أبي أيوب
تم تشييد جامع السلطان أيوب باستخدام حجارة الكوفاكي، له سقف بمساحة 26 × 11 متر، مع قبة رئيسية ذات قطر بطول 17,5 متر، وعدد من أنصاف القباب ذات القطر نفسه، لتدعيم السقف، ويحصل الجامع على إضاءته الداخلية من خلال أشعة الضوء المنبعث من إطار القبة الرئيسية به، بالإضافة إلى النوافذ الموجودة بالقباب الفرعية، كما تم تزيينه على الطراز العثماني التقليدي المستخدم في باقي الجوامع والمساجد، إلا أنه يعد سادة بالمقارنة بالطراز المعماري المنتشر في تلك الحقبة.
وتمت إحاطة جامع أيوب سلطان بعدد من الأروقة ذات القباب الصغيرة، يتوسطها الفناء وبه صنابير المياه التي تعرف، بينابيع الحظ والنصيب، كما أن الرخام الأبيض الجميل، والنحت المعماري الرائع، أضاف لمكان الوضوء وصنابير المياه لمسة جمالية فريدة .
كما أن في الباحة الأولى لمسجد أيوب سلطان توجد عدة نافورات رخامية ملتصقة بالجدار، تزينها نقوش إسلامية ورومانية أيضا، وغير بعيد عنها تتوزع أماكن الوضوء للرجال. وفي الباحة الثانية حيث يشتد الزحام، فالمكان في جانبه الأيمن يقود إلى المصلى الكبير، وفي المقابل يصطف الزوار للدخول إلى ضريح أبي أيوب الأنصاري.
تتوسط الفناء الداخلي للمسجد وبشكل يحاذي المبنى الذي يحتضن الضريح، ساحة مستطيلة الشكل محاطة بسياج حديدي. تمتد داخل الساحة شجرة عملاقة عتيقة يسري الاعتقاد بأنها موجودة منذ وفاة أبي أيوب، وعلى كل زاوية من السياج سلسبيل يشرب منه الزائرون.
ولجامع السلطان أيوب مئذنتين وشرفتين؛ وفي عام 1136هـ / 1723م في عهد الصدر الأعظم داماد إبراهيم باشا (صهر السلطان)، أُعيد بناء المئذنتين مرة أخرى، وذلك لقصر المآذن التي كانت تبنى إبان فترة حكم السلطان محمد الفاتح.
كما تم إنشاء مقبرة الصحابي أبو أيوب الأنصاري أيضًا من الحجر نفسه، على شكل ثماني، ولها قبة، وتم تزيين الضريح من الداخل ببلاط من مدينة كوتاهيا، الذي تشتهر به الإمبراطورية العثمانية، وشبكة من الفضة تم وضعها في عهد السلطان سليم الثالث، وغطاء تابوت الدفن أو الصندوق الذي تم وضعه في عهد السلطان محمود الثاني، بالإضافة إلى الكتابات الزخرفية التي تنسب لخطاطي تلك الفترة، مصطفى راقم أفندي، والسلطان محمود الثاني.
كما زود الجامع بحمام مزدوج كالحمامات العثمانية المتعارف عليها، التي بقيت إلى يومنا هذا، بيد أن المدرسة التي كانت ضمن التكوين الأساسي لذلك الصرح الكبير، لم تصل إلينا.
عمليات ترميم المسجد
وتعرض مسجد السلطان أيوب لعمليات ترميم وإصلاح عدة طوال العقود والقرون الماضية، وخاصة بعد الأضرار الكبيرة التي تعرض لها جراء الزلزال الذي ضرب إسطنبول عام 1179هـ / 1766م، وفي عام 1213هـ / 1798م أمر السلطان سليم الثالث بهدم الجامع تماما وإعادة بنائه مرة أخرى، في المكان ذاته. وفي 24 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1800م تم فتح الجامع أمام المصلين، بعد انتهاء أعمال البناء التي قام بها فريق العمل برئاسة أوزون حسين أغا.
مكانة جامع السلطان أيوب
أحاط سلاطين العثمانيين مقام أبي أيوب الأنصاري بعناية خاصة، فكانوا يؤمنون بأنه مكان مبارك فهو مرقد صحابي كبير، حتى أن الكثير من زوجات السلاطين وبناتهم وكبار وزرائهم ومعلميهم وجميع الشخصيات المهمة في البلاط كلهم كان يوصون بدفنهم في الحي نفسه الذي ينام فيه أبو أيوب الأنصاري.
ويعتبر مسجد أيوب سلطان رابع الأماكن الإسلامية المقدسة لدى الكثير من الأتراك، يأتي في مقامه بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف. ورغم أن إسطنبول هي عاصمة المساجد بلا منازع، فإن عددا كبيرا من المصلين يتدافعون إلى مسجد أبي أيوب الأنصاري خصوصا أيام الجمعة لأداء الصلاة.
ولجامع السلطان أيوب قيمة روحية ومناخ معنوي، يثير لدى زواره ورواد المنطقة مشاعر وتأملات الحياة الأخروية، كما تضم المنطقة المحيطة بجامع وكلية السلطان أيوب عددا من مقابر بعض الشخصيات ذات الأهمية والقيمة الذين تمنوا أن يدفنوا بالقرب من الصحابي الجليل وتلك إشارة أخرى لقيمة المكان أو المكين في الثقافة الإسلامية.
ويأتي الكثير من الأتراك إلى مسجد السلطان أيوب كي يطلبوا من الله تحقيق أمنياتهم، ويسري اعتقاد لدى الناس بأن المياه التي تخرج من هذه البقعة هي مياه مباركة، ويتردد الفتيات العازبات طوال أيام الأسبوع على هذا المسجد يطلبن من الله أن ييسر لهن زواجا قريبا. هناك الصبية الصغار الذين يستعدون لعملية الختان يرافقون آباءهم إلى هنا للتبرك، كما يأتي بعض الآباء كي يدعوا لأبنائهم بالتوفيق في الدراسة وفي الحياة وفي إيجاد فرصة عمل وما إلى ذلك.
ومن هنا فإنه لم يفت القائمين على المكان أن يضعوا بعض الرخاميات التي تروي سيرة الصحابي الجليل، وتنبه الزوار أيضا أن صاحب هذا المقام بريء مما قد يحدث من بدع.