همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 جهاد العلماء في تحصيل العلم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

جهاد العلماء في تحصيل العلم   Empty
مُساهمةموضوع: جهاد العلماء في تحصيل العلم    جهاد العلماء في تحصيل العلم   Emptyالخميس مارس 31, 2016 10:33 am

جهاد العلماء في تحصيل العلم
عبد الرحمن بن أبي حاتم
كان العلماء كثيرًا ما يهملون أهم ضرورات الحياة لأجل العلم، يفضلونه في ذلك على أنفسهم، وقد ذكر الذهبي في سيره عن عبد الرحمن بن أبي حاتم أنه قال: كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسمٌ لمجالس الشيوخ، وبالليل: النسخ والمقابلة. قال: فأتينا يومًا أنا ورفيق لي شيخًا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكًا أعجبنا، فاشتريناه، فلمّا صِرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس، فلم يمكنّا إصلاحه ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئًا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه. ثم قال: "لا يُستطاع العلم براحة الجسد"!! [1].

ابن الجوزي
وهذا ابن الجوزي رحمه الله يقول: "لقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل؛ لأجل ما أطلب وأرجو".

وقال: "كنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء. فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لـذة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحواله وآدابه، وأصحابه وتابعيهم" [2].

يحيى بن معين
بل انظر إلى حال من كان غنيًّا منهم، فهذا يحيى بن معين رحمه الله (من كبار علماء الجرح والتعديل)، وقد خلف له أبواه ألف ألف درهم، فأنفقها كلها في تحصيل الحديث، حتى لم يبق له نعل يلبس!! [3].

ابن الهيثم
بل انظر إلى من يُعرض عليه المال منهم، وكيف كان زهدهم فيه، فهذا ابن الهيثم رحمه الله، والمعروف عند الأوربيين بـ (الخازن Alhazen)، وهو عالم موسوعي من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء، وهو مؤسس علم البصريات، وله في ذلك الاكتشافات المذهلة، والتي عليها قامت النظريات العلمية الحديثة، ومن المستحيل أن تجد كتابًا أو مرجعًا في علم البصريات لا يُشير فيه إلى ابن الهيثم، وخاصة كتابه "المناظر" الذي كان ثورة حقيقية في عالم البصريات!!

فقد كان ابن الهيثم يعيش حياة مادية متعسرة، ولأن الأمراء والخلفاء كانوا يقدرون العلم والعلماء، فقد أُعجب به أحد أمراء الشام حين كان عنده، وأراد أن يغمره بالأموال، فقال ابن الهيثم: "يكفيني قوت يوم، وتكفيني جارية وخادم؛ فما زاد على قوت يومي إن أمسكته كنت خازنك، وإن أنفقته كنت وكيلك، وإذا اشتغلت بهذين الأمرين فمن الذي يشتغل بأمري وعلمي ؟!!" [4].

فإلى هذا الحد كان ابن الهيثم خائفًا أن يُلهيه المال الفائض عن حاجة يومه عن الاشتغال بالعلم.. فالقضية عنده: مَنْ للعلم إن لم أكن أنا له ؟!

ولهذا كان هو ابن الهيثم ..

ولقد قال ابن الهيثم يومًا مبيِّنًا منهجه في الحياة بصفة عامة، وفي قضية العلم عنده بصفة خاصة: "وإني ما مُدَّت لي الحياة، باذلٌ جهدي، ومستفرغ قوتي في مثل ذلك (يقصد الدراسة وتحصيل العلوم)، متوخِّيًا منه أمورًا ثلاثة: أحدها: إفادة من يطلب الحق ويؤثره، في حياتي وبعد مماتي. والآخر: أني جعلت ذلك ارتياضًا لي بهذه الأمور في إثبات ما يتصوره ويُتقنه فكري من تلك العلوم. والثالث: أني صّيرته ذخيرة وعدة لزمان الشيخوخة وأوان الهرم"!! [5].

الإمام الطوسي
وفي ظروف غير الفقر والمال قد تكون أشد وأصعب منهما، كان المجهود أيضًا فوق العادة، فلم يستسلم علماء الأمة للأمر الواقع، ولم يكسلوا أو يتوانوا، بل برعوا حتى وهم تحت أغلال القيود !!

فكان الطوسي [6] ذا مكانة عالية ودرجة رفيعة عند خلفاء العباسيين لنباهته وحدة ذكائه، ولهذا فإن أحد وزراء البلاط أضمر له الغدر حسدًا، وأرسل إلى حاكم قهستان (من لأعمال نيسابور) يتهمه زورًا وبهتانًا، مما دفع به إلى السجن في إحدى القلاع، وقد كان من نتيجة سجنه أن أنجز في خلال اعتقاله معظم مصنفاته في الفلك والرياضيات، وهي التي كانت سبب ذيوع صيته وشهرته وبروز اسمه بين عباقرة الإسلام في جميع الأنحاء !!

سيد قطب
وهذا سيد قطب [7] رحمه الله يكتب "الظلال" وهو من أشهر التفاسير الحديثة، والذي قلَّ أن تجد مكتبة إسلامية في أنحاء العالم الإسلامي تخلو منه، سواء بالعربية أو بغيرها -كتب معظم هذا التفسير العظيم خلال فترة سجنه!!

ابن تيمية
وقبله كان أيضًا العالم الجليل ابن تيمية الذي صنَّف مؤلفات عدة في فترة سجنه، منها –على سبيل المثال- كتاب في التفسير في أربعة مجلدات!!

ابن خلدون
ثم عجيبٌ جدًّا أن ترى من يسجن نفسه ويتغرب متعمدًا، لينقطع إلى العلم والدراسة والتأليف !!

ففي جنوب قسنطية في قلعة ابن سلامة بالجزائر ينقطع ابن خلدون أربع سنوات كاملة للكتابة، وقد أنجز في هذه المدة مقدمته الشهيرة "مقدمة ابن خلدون"، والتي خلدت اسمه في التاريخ، وكيف لا وقد وضع فيها قواعد تفسير التاريخ، فضلاً عن أسس علم الاجتماع الحديث، سابقًا في ذلك دوركايم وغيره من الغربيين !!

وعن مقدمته تلك يقول ابن خلدون: "وأكملت المقدمة على هذا النحو الغريب الذي اهتديت إليه في تلك الخلوة، فسالت فيها شآبيب الكلام والمعاني على الفكر، حتى امتخضت زبدتها وتألفت نتائجها" [8].

وقد كان له من العمر آنذاك ثلاث وأربعون سنة، وكانت المدة منذ خروجه من بلده الأندلس وإلى رجوعه إليها خمسًا وعشرين سنة!!

ابن البيطار
ورحل ابن البيطار (من كبار علماء النبات المسلمين 646هـ) إلى أقطار العالم الإسلامي، في سبيل طلب العلم وتحصيله، وقد زار أيضًا اليونان وبلاد الروم في طريقه إلى المشرق، وبذلك فقد أخذ عن المسلمين كما أخذ عن اليونان والرومان، وفي بلاد اليونان لقي مهتمين بعلم النبات فاستفاد منهم، كما رافقهم لدراسة النبات في مواضعه، وفي المغرب قام بالعمل نفسه [9].

ويقول ابن أبي أصيبعة أنه شاهده في دمشق، ورافقه لمعاينة النبات في مواضعه، كما قرأ عليه ابن البيطار تفسيره لأسماء أدوية ديسقوريدس [10].

وكان ابن البيطار يصحب أستاذه العشاب الشهير ابن الرومية إلى الريف، فيعاينان النبات معًا.

شعبة بن الحجاج
وهناك الكثير والكثير ممن قضوا جلّ حياتهم سعيًا وراء العلم، وكان من هؤلاء العظماء الإمام الجليل شعبة بن الحجاج.

فقد روى الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية في معرفة أصول علم الرواية" تلك الرحلة التي قام بها هذا الإمام العظيم من أجل اعتبار حديث واحد، حتى يقف على علته!!

يقول الخطيب البغدادي: كان جماعة من السلف قعودًا على باب الإمام شعبة، يتذاكرون، فقال أحدهم: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عقبة بن عامر، قال: كنا نتناوب رعاية الإبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله أصحابه، فسمعته يقول: "من توضأ، فأحسن الوضوء، ثم دخل المسجد، فصلى ركعتين واستغفر الله، غفر الله له". فقلت: بَخٍ بَخٍ! فجذبني رجل من خلفي. فالتفت، فإذا هو عمر بن الخطاب. فقال: الذي قال قبل أحسن! فقلت: وما قبل؟! قال: قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة شئت".

واتفق أن استمع الإمام شعبة إلى هذا الحديث، فخرج إلى هؤلاء الرهط وعنّفهم على تهاونهم في عدم تحري الدقة عند رواية هذا الحديث، لوجود علة في سند الرواية: (إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عقبة)! وأوضح أنه قد سمع أبو إسحاق يروي هذا الحديث، فذهب للتأكد من صحة هذه الرواية، فسأله عمن حدّثه بهذا الحديث فقال له أبو إسحاق: حدثني عبد الله بن عطاء، عن عقبة، فألح شعبة بن الحجاج على أبي إسحاق في السؤال: "هل سمع عبد الله بن عطاء من عقبة"؟! لأن سماع المحدثين من بعضهم يعتبر شرطًا للقبول بصحة الحديث.

ولما لم يتيقن شعبة بن الحجاج من ذلك، قرر أن عليه الذهاب إلى عبد الله بن عطاء بمكة لسؤاله عن هذا الحديث، فبدأ في التجهز لهذه الرحلة، ثم توجه إلى من البصرة إلى مكة، وكان موسم الحج قد بدأ، ولكن لم يكن قصد شعبة الحج، وإنما كان همه معرفة صحة هذا الحديث، فلما لقي عبد الله بن عطاء، سأله عمن سمع منه هذا الحديث، فأخبره أنه سمعه من سعد بن إبراهيم! أي صحت شكوك شعبة بن الحجاج بأن عبد الله بن عطاء لم يسمع هذا الحديث من عقبة بن عامر مباشرة. وهنا كان على شعبة البحث مرة أخرى!!

ولم يكن هذا الشخص الذي سماه عبد الله بن عطاء ممن ذهبوا للحج في هذا العام، بل كان في بلده بالمدينة المنورة، فرحل شعبة بن الحجاج ثانية إلى المدينة، ولقي هذا الرجل، وسأله عمن سمع منه هذا الحديث، فأخبره بأنه سمع هذا الحديث من رجل آخر يقطن في البصرة، وهنا شك شعبة في الأمر، ولكنه أراد أن يكمله للنهاية، فرجع إلى البصرة، فلقي الرجل الذي سُمي له. وسأل شعبة هذا الرجل عن ذلك الحديث، فأخبره أنه سمعه من أحد الضعفاء!

وهنا أيقن شعبة بن الحجاج بضعف هذا الحديث، وقال: لو صح لي مثل هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إلىَّ من أهلي ومالي ومن الناس أجمعين!! [11].

فيالله من همم!! يطوف بلدانًا شتى، ويدخل مدائن عدة، وتمضي به الأزمان، وينفق الأموال العظام، من أجل الوقوف على صحة حديث واحد!!

من همم علماء السلف
وبمثل هذا الجهد العظيم في الرحلة، فقد كان الصادقون من أهل هذه الأمة أيضًا يتسابقون لحجز الأماكن لحضور مجالس العلم، يقول جعفر بن درستويه (من كبار المحدثين): "كنا نأخذ المجلس في مجلس علي بن المديني رحمه الله (وهو من علماء الجرح والتعديل) وقت العصر لمجلس غد بعد الفجر، فنقعد طول الليل؛ مخافة أن لا نلحق من الغد موضعًا نسمع فيه"!! [12].

وفي ذلك يقول وهب بن منبه رحمه الله (وهو من التابعين): "مجلس يتنازع فيه العلم أحب إلى من قدره صلاة لعل أحدهم يسمع الكلمة فينتفع بها سنة أو ما بقي من عمره" [13].

ولأجل ذلك كانوا لا يتركون موطنًا فيه علم إلا طرقوه وحصَّلوا منه، يقول مكحول رحمه الله (وهو من التابعين): "أعتقت بمصر فلم أدع بها علمًا إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت العراق، ثم أتيت المدينة فلم أدع بهما علمًا إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها" [14]!!

وتلك هي الطبيعة المتعطشة دائمًا التي تكون عليها نفسُ طالب العلم وهمته، يقول الحسن البصري رحمه الله: "منهومان لا يشبعان منهوم في العلم لا يشبع منه ومنهوم في الدنيا لا يشبع منها" [15].

ولعله أخذ هذا المعنى من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث يقول: "منهومان لا يشبعان صاحب العلم وصاحب الدنيا ولا يستويان أما صاحب العلم فيزداد رضى للرحمن وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان ثم قرأ عبد الله: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7]، قَالَ: وَقَالَ الآخَرُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] [16].

وليس أقل من أن صاحب مثل هذه النفس كان إذا فاته شيءٌ من العلم، نزل به الهم والحزن، وأصابه المرض!!

فقد ذكروا حديثًا لشعبة لم يسمعه، فجعل يقول: "واحزناه!! ". وكان يقول: "إنِّي لأذكر الحديث يفوتني فأمرض" [17]!!

موسى والخضر عليهما السلام
ولأجل ذلك كله لم يكن العلماء فقط هم الذين يطلبون العلم ويبحثون عنه، بل سبقهم إلى تلك الفضيلة الأنبياء أيضًا، مع علو قدرهم، وسمو منزلتهم.

وفي صورة توضح ذلك، فقد روى أُبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إليهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إليهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَحَمَلَا حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ، {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} [الكهف: 61].

وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ.

فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف: 63].

قَالَ مُوسَى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64].

وقد أشعره الله بالتعب ليتوقف ويكتشف ضياع الحوت، ومن ثم يستطيع الوصول إلى من وُصف له بأنه سيُعلِّمه، ويعني ذلك أن الله تعالى لما اطلع على الإخلاص في قلبه، وظهر على إثر ذلك رغبته الحقيقية في التعلم، فقد يسَّر الله له الوصول إلى ما كان يبغيه، ووفقه إلى طريق العلم.

وهكذا كل من أراد أن يتعلم بصدق، فإن الله يُيسِّر له وسائل التعليم.

ويتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة فيقول:

فَلَمَّا انْتَهَيَا إلى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ، فَسَلَّمَ مُوسَى فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ. فَقَالَ: أَنَا مُوسَى. فَقَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]؟ قَالَ: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 67] يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لَا أَعْلَمُهُ!

{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69].

فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ .. " [18].

ثم كان من أمرهما ما كان في سورة الكهف من أحداث.

جهاد علماء غير مسلمين في تحصيل العلم
وما يمكن أن نضيفه هنا، هو أن هذا الجهد العظيم المبذول في تعلم العلم وتحصيله -كما رأينا سابقًا- رغم كل المعوقات والصعوبات التي قد تعتري الطريق- لم يكن ذلك الجهد قاصرًا على العلماء المسلمين فقط، بل شاركهم في ذلك كل من نبغ وتفوق في أي من مجالات العلوم الأخرى من كل أمم الأرض؛ إذ هي سنة كونية وقاعدة مطردة.

فمن بذر لابد وأن يرى الثمر، وعلى قدر البذل والجهد، لابد وأن يكون العطاء. وعليه، فكما نبغ علماء مسلمون وذاع صيتهم وشهرتهم في مجال علمهم، نتيجة ما بذلوه من مجهود، وما صبروا عليه من مشاق وتضحيات، فقد نبغ أيضًا علماء غير مسلمين في مجال علومهم، نتيجة طبيعية وحتمية لما مروا به أيضًا في رحلتهم العلمية الخاصة بهم.

توماس أديسون
فهذا توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي .. كان من دأبه الكد والعمل ودونما انقطاع طيلة الأربع والعشرين ساعة على مدار اليوم، يختلس منها فقط فترات وجيزة للراحة، ليعود على إثرها للبحث والعمل من جديد، وكان يكتفي في طعامه بالوجبات السريعة في المعمل !!

وفي سنة 1886م استطاع أن يؤسس مصنع "منلوبارك" الشهير بمدينة "نيوجيرسي"، حيث تلاحقت منه اختراعاته التي سجل منها ما يقارب 1500 اختراعًا !!

وقد بقي في معمله الذي اتخذ منه بيتًا ومصنعًا أربعة أيام متصلة، رافضًا الخروج منه قبل تحقيق اختراعه، وكان يردد: "إما النجاح أو أن أموت".

ولما توفي في الثامن عشر من شهر أكتوبر سنة 1931م، كان هذا العبقري قد سجَّل رسميًّا 2500 اختراعًا !!

ولما سُئِل عن سر هذا الإنجاز الجبّار أجاب: "إن المثابرة والكد والصبر أساس النجاح، وإن نسبة الوحي والإلهام هي 1%، و99% عرق جبين".

أنطوان لافوازييه
وهذا أنطوان لافوازييه [19] مكتشف الأوكسجين، انقطع كلية عن اللهو والمرح مع أقرانه، وعاش منهمكًا في الدراسة والعلم، حتى تدهورت صحته بسبب ذلك، وأُصيب بتوعك في معدته، الأمر الذي فرض عليه العيش على الحليب لعدة أشهر، حتى نصحه أحد أصدقائه بالتقليل من الإجهاد الفكري، والزيادة في النشاط البدني !!

ورغم ذلك فقد شغل ثلاث وظائف، هي: عضوية المجمع العلمي، وعضوية المزرعة، ومدير دار الأسلحة، ولم يمنعه ذلك كله من القيام باختباراته العلمية، وقد خصص لها 6 ساعات يوميًّا !!

نيوتن
أما العالم نيوتن [20]. فقد ضرب أروع الأمثلة في تحمل الفقر وضيق العيش وصلف الحياة، فقد رأت أمه أن تبعده عن الدراسة بعد وفاة أبيه، وذلك ليعتني لها بالأرض والحرث، كما كان يفعل أبوه من قبل !!

وبالفعل تخلى مُكرهًا عن الدراسة !!

ولأجل ذلك، وفي سبيل كسر ذلك الطوق الذي قيَّده عن إتمام تعليمه، كان يختلي بكتبه كلما سنحت له الفرصة، ولما كانت تأمره أمه بمرافقة الخادم إلى السوق، كان يستجيب لها حتى إذا ما أشرف على المدينة خلا إلى كتابه وطلب من الخادم أن يقوم بمهام الشراء بمفرده !!

وهكذا يمضي الخادم لشأنه، ويبقى نيوتن مستلقيًا على العشب يحل إحدى المسائل الحسابية في استغراق كلي، ريثما يعود الخادم من السوق، فيرجعا معًا إلى المزرعة.

لويس باستير
أما العالم الفرنسي المشهور لويس باستير [21]، فقد افتقده الناس ليلة زفافه، ولما بحثوا عنه وجدوه في مختبره يجري بعض التجارب !!!

هذه هي أحوال العلماء في جهادهم من أجل العلم، ومن أجل تحصيله، ولا يظنن أحدٌ أنه بعيدٌ عن تحصيل مثل هذه الدرجات التي حصَّلها هؤلاء السابقون، ويتحجج في ذلك بأن جهله عريض، أو أن حصيلته قليلة، أو أن بضاعته في ذلك مزجاة!!

فالأمر فقط كما روى معاوية رضي الله عنه بسند حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس، تعلموا، إنما العلم بالتعلم، وإنما الفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرًا يفقه في الدين" [22].

ولا ريب أن الأمة التي يكون أتباعها على هذه الدرجة من معرفة قيمة العلم، ومن الحرص عليه، والرغبة الشديدة فيه، لابد أن تكون أمة رائدة سائدة قائدة.

ولاشك أن الذي يتخلى عن هذه الحمية العلمية، يقود أمته ونفسه من قبل إلى الانقياد، بل ويقودهما إلى مواطن الهلاك ومصارع السوء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
جهاد العلماء في تحصيل العلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» جهاد العلماء في تحصيل العلم
» توريث العلم من أخلاق العلماء
» العلم النافع من أخلاق العلماء
» العلم في حياة الأمم
» تشجيع الإسلام على العلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : للسياحة والتاريخ :: قسم : الحضارة الإسلامية-
انتقل الى: