جمال الأسماء والألقاب في الحضارة الإسلامية
ما أُشرب المسلمون روح الجمال الإسلامية، ووقرتْ في أرواحهم وفي وجدانهم العام تلك الصفة اللطيفة، كانت منهم تفرُّدات وإضافات، بعضها نقل الحضارة الإنسانية قفزات واسعة، تلك التفردات تسربت إلى تفاصيل الحياة الصغيرة، والصغيرة جدًّا، فخرجت الحضارة الإسلامية إلى الوجود ببعض مظاهرٍ لا تفسر إلا بعامل "الجمال".
بعض من غيّر الرسول أسماءهم
كان النبي حريصًا على أمر الجمال حتى في أسماء من دخلوا الإسلام، ووردت كثير من الروايات الصحيحة والحسنة التي تذكر أن النبي إذا لم يعجبه الاسم غيَّره إلى ما هو خير منه؛ ومن الأسماء التي غيّر الرسول أسماءهم، ما رواه ابن عمر "أن النبي غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَالَ: "أَنْتِ جَمِيلَةُ"[1].
وغير اسم زحم بن معبد السدوسي إلى بشير[2]، وكان سيدنا علي قد سمَّى الحسن حربًا، فسمَّاه النبي (الحسن)، ثم سمَّى الحسين حربًا، فسماه النبي (الحسين)[3].
وغيَّر اسم أصرم بزرعة، وغير اسم أبي الحكم بأبي شريح، وغيَّر اسم العاص، وعزيز، وعتلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب، فسمَّاه هشامًا، وسمَّى حربًا سلمًا، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضًا عفرة سمَّاها خضرة، وشِعب الضلالة سمَّاه شعب الهُدى، وبنو الزنية سماهم بني الرشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة[4].
وروى البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه، أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: "مَا اسْمُكَ؟" قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ. قَالَ: "بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ". قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْـمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا الْـحُزُونَةُ بَعْدُ[5].
ولقد أرشد أمته في أمر الأسماء واختيارها، فقال: "أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ"[6].
وغيَّر النبي أسماء بعض الأماكن، فحين هاجر كان اسم المدينة (يثرب) فغيرها إلى طيْبة[7]، وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء، ويكره العبور فيها، كما مر في بعض غزواته بين جبلين، فسأل عن اسميهما فقالوا: فاضح ومخزٍ، فعَدَل عنهما، ولم يجز بينهما[8].
وأوصى إذا بَعث له أحدٌ رسولاً أن يكون حسن الاسم، فقال: "إِذَا أَبْرَدْتُمْ إِلَيَّ بَرِيدًا؛ فَابْعَثُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الاسْمِ"[9].
الجمال في ألقاب الخلفاء والسلاطين
ولم يلبث التاريخ الإسلامي أن عرفت فيه ألقاب الخلفاء والسلاطين والوزراء والأمراء بشكل يجمع بين الجمال والقوَّة، وقد كان الأمر فيما قبل -عند الإمبراطوريات القديمة- يقتصر على ألقاب السطوة والجبروت التي أريد منها أن تلقي الرعب والفزع.
وقد حرَّم الإسلام مثل هذه الألقاب، فقد ثبت عنه أنه قال: "أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ"[10].
ولهذا اتخذ الخلفاء والسلاطين ألقابهم على شاكلة المضاف إلى الله، وكان المعتصم بالله وهو العباسي الثامن أول من بدأ بهذا، ثم تسمَّى من بعده بالمتوكل على الله، المستعين بالله، المنتصر بالله، المقتدر بالله، المستنصر بالله، المستعصم بالله، المستضيء بنور الله، الناصر لدين الله... وهكذا.
وظهر في الوزراء والأمراء والعلماء والقادة ألقاب منها: نور الدين، نجم الدين، شمس الدين، ضياء الدين، شهاب الدين، بدر الدين، سيف الدين، صلاح الدين، قلب الدين، حسام الدين، صدر الدين، فخر الدين، عز الدين، ركن الدين... وأمثال هذا.
وبهذا كان الجمال في الأسماء سمةً اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وأثبتت أن جمالها تسرَّب إلى كل التفاصيل.