المدارس في المغرب والأندلس
المدارس في الأندلس
جامع قرطبةلم يشهد العالم الإسلامي انتشارًا واسعًا للمدارس مع تنوعها وتطورها بمثل ما شهده في بلاد المغرب العربي والأندلس، فقد كانت المدارس الابتدائية كثيرة العدد، بَيْدَ أنها كانت تتقاضى أجورًا نظير التعليم، ولذلك أضاف الخليفة الأموي الحكم الثاني (ت 366هـ) إليها سبعًا وعشرين مدرسة لتعليم أبناء الفقراء بالمجَّان، وكانت البنات يذهبن إلى المدارس كالأولاد سواء بسواء، وكان التعليم العالي يقوم به أساتذة مستقلون يُلقون محاضراتهم في هذه المدارس، وقد كوّنت المناهج التي كانت تُدرّس العمود الفقري لجامعة قرطبة في عهد الخلافة الأموية في الأندلس، كما أُنشئت الكليات في كل من غرناطة وطليطلة وإشبيلية ومرسية وألمرية وبلنسية وقادس[1].
المدارس في بلاد المغرب
وقد اهتم أمراء وسلاطين المغرب ببناء المدارس، فقد خرَّجت المدارس التي بناها المرابطون في المدن والبوادي وخاصة في منطقة سوس مجموعة من العلماء النابهين في تخصصات عِدَّة رفعتهم إلى مصافّ رجال الفكر في العالم الإسلامي. وقد بلغت مدارس سوس نحو أربعمائة مدرسة، تحدث محمد المختار السوسي[2] في كتابه "سوس العالمة" عن خمسين مدرسة منها[3]، وفي "مدارس سوس العتيقة" عن مائة مدرسة منها[4].
وكانت القبائل هي التي تمول هذه المدارس عن طريق تخصيص بعض أعشار محصولاتها الزراعية لها، وتحبيس بعض الأملاك من أجل الصيانة والتموين وتحمُّل تكاليف المدرسة، وكانت القبائل السوسية تتنافس في بناء المدارس بالجبال والسهول، وكانت لكل قبيلة مدرسة أو مدرستان أو ثلاث مدارس، ومن أبرز المدارس التي شيِّدت في عصر المرابطين -إضافةً إلى ما سبق- نذكر "مدارس سبتة، وقد كانت هناك عدة مدارس أخرى بطنجة، وأغمات، وسجلماسة، وتلمسان، ومراكش. وكانت هذه المدارس تأوي علم القيروان وثقافة الأندلس المشهورة، حيث نبغ فيها أعلام كبار، منهم القاضي عياض[5]، وأبو الوليد بن رشد[6] مؤلف كتاب المقدمات الأوائل للمدونة، والبيان والتحصيل، إلى آخر كتبه القيِّمة"[7].
والذي يجب أن ننبه عليه أن الطلبة في هذه المدارس -في المشرق والمغرب- كانوا يُكفون المؤنة، من الطعام والشراب والأموال والسُّكنى، ولذلك عرفت الحضارة الإسلامية نظام المدن الجامعية قبل الغرب بمئات السنين؛ ففي عام 721هـ أمر سلطان الدولة المرينية في المغرب أبو سعيد عثمان بن يعقوب (ت 731هـ) ببناء "المدرسة التي بفاس الجديدة، فبنيت أتقن بناء وأحسنه، ورتّبَ فيها الطلبة لقراءة القرآن، والفقهاء لتدريس العلم، وأجرى عليهم المرتبات والمؤن في كل شهر، وحبس (أوقف) عليها الرِّباع والضياع؛ ابتغاء ثواب الله ورغبة فيما عنده"[8].
مدرسة العطارينوقد كان السلطان أبو سعيد من أشهر سلاطين المرينيين الذين اهتموا ببناء المدارس، ففي عام 723هـ "في فاتح شعبان منها، أمر السلطان أبو سعيد ببناء المدرسة العظمى بإزاء جامع القرويين بفاس وهي المعروفة اليوم بمدرسة العطارين، فبُنيت على يد الشيخ أبي محمد عبد الله بن قاسم المزوار، وحضر السلطان أبو سعيد بنفسه في جماعة من الفقهاء وأهل الخير حتى أسست، وشرع في بنائها بمحضره، فجاءت هذه المدرسة من أعجب مصانع الدول بحيث لم يبنِ ملكٌ قبله مثلها، وأجرى بها ماء معينًا من بعض العيون هنالك، وشحنها بالطلبة، ورتب فيها إمامًا ومؤذنين وقَوَمة يقومون بأمرها، ورتب فيها الفقهاء لتدريس العلم، وأجرى على الكل المرتبات والمؤن فوق الكفاية، واشترى عِدَّة أملاك ووقفها عليها احتسابًا بالله تعالى"[9].