تعريف علم النبات
تعريف علم النبات وموضوعه وأهميته
جاء تعريف علم النبات في (كشف الظنون) و(مدينة العلوم) بأنه: علم يبحث فيه عن خواص نوع النباتات وعجائبها وأشكالها ومنافعها ومضارها، وموضوعه نوع النبات، وفائدته ومنفعته: التداوي بها. (أبجد العلوم، ج2، ص551).
وكان تعريفه الحديث أنه: علم يتناول النباتات بالدراسة، وهو أحد مجالين رئيسيين لعلم الأحياء، والفرع الآخر الرئيسي لعلم الأحياء هو علم الحيوان، أي دراسة الحيوانات. (موقع "الموسوعة العربية العالمية").
أهمية النبات:
للنباتات فوائد عديدة فهي غذاء للإنسان والحيوان، حيث تحتوي على الكربوهيدرات والفيتامينات، والأملاح والدهون، والألياف والأحماض، ويحتوي بعضها على البروتين، كما تشكل مصدر رزق للمزارعين الذين يمتهنون مهنة الزراعة، وهي كذلك مصدر رئيسي للأدوية والعطور ومجالات صناعية وحرفية عديدة، ومنها يتم الحصول على الأخشاب والورق والأصباغ والزيوت والأنسجة.
كما تمثل النباتات عموما المصدر المتجدد للأكسجين في الأرض، وذلك نعمة من الله سبحانه وتعالى بأن مكنها من تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى غاز الأوكسوجين الذي نتنفسه، والنباتات من جانب آخر بأشجارها وغطائها الأخضر تحمي الأرض من التصحُّر ومن انجراف التربة، ووجودها البيئي ضروري جدا للمحافظة على العديد من الحيوانات من خطر الانقراض.
ومن جانب آخر كانت الأشجار - ولا تزال في العديد من بقاع العالم - أحد أهم مصادر مواد البناء، حيث تبنى من جذوعها وأخشابها البيوت والسفن، وهي أيضا مصدر للطاقة عن طريق حرق الحطب للوقود، وهي في حد ذاتها أحد أهم المكونات الطبيعية التي تكون منها النفط والغاز والفحم منذ ملايين السنين، والتي تستخدم الآن كمصدر رئيسي للطاقة وللمنتجات الصناعية المختلفة.
ولجميع أنواع النباتات والأشجار والأعشاب خصائص خاصة بها، سواء من الناحية الغذائية أو العلاجية أو مجالات الاستفادة الصناعية من ثمارها أو أزهارها أو بذورها أو أجزائها المختلفة.
وبإيجاز نجد أن أهمية النباتات والأشجار والأعشاب تتمثل فيما يلي:
1) الفوائد الغذائية 2) الفوائد العلاجية والطبية 3) الفوائد الصناعية والعطرية 4) الفوائد البيئية والطبيعية. (موقع "ويكيبيديا"بتصرف).
علم النبات قبل الإسلام
الناس دائما مهتمون بالنباتات، وقد استعملوها بأساليب متعددة، فقد جمع شعوب ما قبل التاريخ النباتات الفطرية للأكل، واستعملوا النباتات في بناء المأوى، وبدأ الناس في الحضارات القديمة منذ حوالي 8000 سنة قبل الميلاد في الاعتماد على النباتات المزروعة لتلبية معظم احتياجاتهم من الغذاء، كما استعمل شعوب ما قبل التاريخ النباتات بمثابة دواء.
ولقد قام اليونانيون والرومانيون القدماء بإجراء أول دراسات علمية للنباتات، فقد جمع الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، معلومات عن معظم النباتات المعروفة آنذاك في العالم، وقام تلميذه ثيوفراستس بتصنيف تلك النباتات وتسميته، ويلقب ثيوفراستس بأبي علم النبات.
وسجل بليني الأكبر، وهو عالم تاريخ طبيعي روماني وكاتب عاش في الفترة من سنة 23 إلى 79م العديد من الحقائق عن النباتات في مرجعه المكون من 37 مجلدًا والمسمَّى بالتاريخ الطبيعي، وقد خَدمت المعلومات المكتسبة من هؤلاء العلماء الدارسين كقاعدة أساس لعلم النبات لأكثر من 1000 سنة. (موقع "ويكيبيديا" بتصرف).
وإذا كان الإغريق والرومان قد اتجهوا إلى الوصف الخارجي للنبات، كهذا الوصف الذي نقرؤه لأرسطو (384 - 322ق.م) عن النبات، حيث يقول: "... إنه كائن بسيط يعتمد على نفسه في التغذية، غير متحرك، وليس له مركز إحساس، وإن كان يتأثر بالحرارة والبرودة، وتتغذى النباتات بواسطة جذورها من التربة، ولا تمييز فيها بين الجنسين، فليس فيها ذكر ولا أنثى".
والذي نقرؤه لثيوفراستس (300ق.م) في كتاب (أسباب النبات) من أن هناك أصنافا لها أزهار، وأن بعضها يعمر، وبعضها تصيبه العوامل والآفات فتهلكه، وأنه يتأثر بالماء والجفاف، ويقول في تعريف الشجرة: "الشجرة ما كان لها جذر وساق واحدة فيها عقد، وتحمل فروعا كثيرة، ولا يمكن خلعها بسهولة، كما في التين والزيتون والعنب.."
إذا كان الإغريق والرومان اتجهوا إلى الوصف الخارجي.. فإن المسلمين كانت نظرتهم أعمق، وأكثر دقة، فقد نظروا إلى النبات من جانبين، من الجانب الطبي وهو الأكثر، حتى كان يعتبر الطبيب نباتيا، والنباتي طبيبا، ونظروا إليه من الجانب الزراعي، وهو الأقل. (انظر: محمد الصادق عفيفي، تطور الفكر العلمي عند المسلمين، ص217).
المسلمون وعلم النبات
ا - مظاهر اهتمام الإسلام بعلم النبات:
كان اعتناء العلماء المسلمين بعلم النبات كبيرًا جدًا، ويرجع ذلك إلى اهتمام الإسلام الكبير بهذا العلم، حيث جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[99سورالأنعام].
وقوله: {وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[الحج:]
وجاء في الحديث النبوي الشريف عن خالد بن سعد قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبجر؛ فمرض في الطريق؛ فقدمنا المدينة وهو مريض؛ فعاده ابن أبي عتيق؛ فقال لنا: عليكم بهذه الحبيبة السوداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب، فإن عائشة حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام، قلت: وما السام؟ قال: الموت. (صحيح البخاري، ج5، ص2153).
(الحبيبة السوداء) تصغير الحبة، وهي نبات الكمون الأسود.
وأيضا روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل". (مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص191).
وبالإضافة إلى ذلك فقد رأى المسلمون الأوائل أن هناك علاقة وثيقة بين النبات والطب الذي برعوا فيه، حيث كان ما لا يقل عن تسعة أعشار العقاقير المتداولة في العلاج آنذاك من النباتات أو من خلاصات نباتية، حتى أنه كان يطلق على الصيادلة اسم "العشابين".
اهتزازة براون:
وأحب أن أضيف هنا هذا الخبر والتعليق، ففي المؤتمر العلمي الأول في إسلام آباد تقدم أحد علماء النبات فقال: هناك آية في القرآن تخبرنا عن حقائق عرفناها نحن الآن، ففي عام 1827م اكتشف عالم بريطاني اسمه براون أن ماء المطر إذا نزل إلى التربة أحدث لها اهتزازات تهز حبيبات التربة.. حبيبات صغيرة تبلغ أكبر حبيبة من حبيبات التربة قطرها 3000ملم.. هذه الحبيبات عبارة عن صفائح بعضها فوق بعض من المعادن المختلفة، صفائح متراصة إذا نزل المطر تكونت شحنات كهربائية مختلفة بين الحبيبات بسبب اختلاف هذه المعادن، وحدث تأين (أي تحويل إلي أيونات والأيون هو ذرة من مجموعة ذرات ذات شحنة كهربائية، فإذا نقص عدد الكهيربات في الذرة أصبحت أيوناً موجب، وإذا زاد أصبحت أيوناً سالباً ويسمى شطرا..).
فتهتز هذه الحبيبات بهذا التأين، وبدخول الماء من عدة جهات إلى تلك الحبيبات يحدث لها اهتزاز، هذه الحبيبات المهتزة (الاهتزاز له فائدة عظيمة إذ أن الصفائح متلاصقة بعضها مع بعض) فالاهتزاز يوجد مجالا لدخول الماء بين الصفائح، فإذا دخل الماء بين الصفائح نمت وربت هذه الحبيبات.. ربت والرباء والربو هو الزيادة.. ربت أي زادت بسبب دخول الماء بين هذه الصفائح..
فإذا تشبعت بالماء أصبحت عبارة عن خزان للماء يحفظ الماء بين هذه الصفائح، كأننا الآن مع خزانات معدنية داخل التربة.. النبات يستمد الماء طوال شهرين أو ثلاثة أشهر من أين؟ من هذا الخزان يستمد وإلا لكان الماء يغور في التراب، ويقتل النبات في أسبوع، لكن الخزانات تمده بهذا الماء.
قال: إذا نزل المطر اهتزت التربة.. من اكتشف هذا؟ واحد اسمه براون عام 1827 وسميت هذه الاهتزازة "اهتزازة براون" مع أنها موجودة قبل أن يولد براون، والذين يؤرخون العلم عليهم أن لا يقولوا: إن أول من ذكر هذا براون، وإن أرادوا إنصافا فليقولوا: إن أول من ذكره القرآن، قال الله جل وعلا: (وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) سورة الحج. (العلم طريق الإيمان، للشيخ عبد المجيد الزنداني، موقع: "ضياء الإسلام").
ب - ما استفاده المسلمون ممن سبقوهم:
أخذ المسلمون معلوماتهم الأولى عن النبات من مصادر مختلفة، هندية ويونانية وفارسية ونبطية، فقد ترجموا كتب ديسقوريدس وجالينوس في علم النبات، ولم يكن عملهم في هذه الكتب الترجمة وحسب، بل كانوا يضيفون إلى ذلك الشروح والتعليقات، واقتبسوا منها ومن غيرها ما رأوه مفيدًا لتطوير زراعة أراضيهم داخل الجزيرة وأراضي البلدان التي فتحوها.
وبذالك نوعوا ثمراتها بإدخال أصناف جديدة، وزادوا في غلاتها، واستغلوا معرفتهم الجديدة بإدخال عقاقير ذات أصل نباتي لم تكن معروفة عند من نقلوا منهم من اليونانيين مثل: التمر الهندي والكافور والزعفران، والراوند والسّنامكة والإهليلج وخيار الشنبر، ونقلوا ثمار بعض النباتات الطبية من الهند كالأترج المدور الذي زرعوه في عمان، وجاءوا بالبرتقال من أوروبا من بلاد البرتغال.
فلا شك أن المسلمين قد تأثروا بالبلاد التي فتحوهان كمصر والشام والعراق وفارس وشمال إفريقيا والأندلس، وفي الوقت نفسه نجد أن تلاقيًا وتبادلاً قد حدثا بين ثقافات هذه الشعوب، وصار الاتصال بينها ميسورًا بعد أن أصبحت تحت لواء أمة واحدة يجمعها دين الإسلام؛ لذا فما كان موجودًا في مصر من هذه الأمصار نقل إلى غيره ليسد الحاجة الاقتصادية هناك.
ج - إضافات جديدة:
لما فتح المسلمون هذه البلدان عمدوا إلى إصلاح وسائل الري وتنظيمها ببناء السدود وحفر القنوات وإقامة الجسور والقناطر، واستغلوا الأراضي الزراعية باستنبات النبات المناسب في التربة الصالحة له، بعد أن وقفوا على خصائص أنواع التربة، كما اعتنوا بتسميد التربة، وجلبوا إلى جزيرة العرب وإلى البلدان التي صارت تحت أيديهم أنواعًا كثيرة من الأشجار والنبات والغلال، كالأرز وقصب السكر والزيتون والمشمش التي أدخلوها إلى أوروبا،كما نقلوا إلى أوروبا نباتات وأعشاباً طبية وعطرية كثيرة.
وكان من دأب المسلمين إذا فتحوا أي بلد بدأوا بشيئين لا يحيدون عنهما: بناء المسجد وإقامة المشاريع الزراعية؛ لذا فقد كان همُّ الولاة الأول ـ بعد العبادة ـ الاستقرار الاقتصادي القائم على الزراعة، ومن ثَمَّ سرعان ما قامت الحدائق والجنان التي تبدو فيها مظاهر الترف بعد وقت قصير من الاستقرار، حدث ذلك في المشرق والمغرب على حد سواء، فانتشرت الحدائق التي أخذت بالألباب في كل من بغداد ودمشق ومكة والمدينة المنورة والقاهرة وقرطبة وصقلية وأشبيلية.
وفي أسبانيا اليوم بقايا من هذه الحدائق مثل: حديقة المركيز دوفيانا، وحديقة القصر الملكي في أشبيلية، وجنة العريف في غرناطة، وبستان مسكن الملك الغربي في رندة، وقد أقاموا بعضًا من هذه الحدائق لتكون بمثابة حقول للتجارب الزراعية كما حدث في بغداد والقاهرة وقرطبة وغيرها، وتوصلوا من خلال هذه التجارب إلى إدراك الاختلاف التكاثري بين بعض النباتات.
وتفنَّنَ المسلمون في هذه التجارب إلى أن استولدوا وردًا أسود، وأكسبوا بعض النباتات صفات بعض العقاقير في مفعولها الدوائي، وغرس المسلمون أشجارًا ثنائية المسكن؛ فقد كانت لديهم أفكار واضحة حول إكثار النسل، وعُنُوا بالتسلسل النباتي، ومن المسلمين عرف الغرب الأفاوية كجوز الطيب، والقرنفل. (موقع: "الموسوعة العربية الإسلامية" بتصرف).
image003.jpg
بدايات النهضة الإسلامية في علم النبات:
بدأ اهتمام العرب والمسلمين في علم النبات مرتبطًا بعلم اللغة العربية؛ فقد كانت النباتات بأسمائها ومسمياتها تشغل حيزًا كبيرًا من معجم مفردات العربية المنطوقة، وقد بدأ جمع مُسمَّيات هذه النباتات جنبًا إلى جنب مع جمع شتات اللغة وتدوين ألفاظها، وذلك منذ صدر الإسلام، وقد دونوا في البدء أسماء النباتات وأقسامها وكذلك الحيوانات على أنها أبواب من اللغة لا على أنها علم قائم بنفسه.
وقد اعتبروا أن الزروع والثمار والأشجار والكروم والنخيل ينبغي أن تدخل معجم مفردات اللغة مرتبة وفق ترتيبها المعجمي؛ لذا دونوها مع اللغة وحفظت في دواوينهم على أنها جزء لا يتجزأ من اللغة وليست علمًا مستقلا.
بدأ تدوين ألفاظ اللغة العربية نحو عام 155هـ، 772م، وقيل إن أول المصنفين كان عبد الملك بن جريج البصري، وتزخر المعاجم العربية مثل: كتاب العين للخليل بن أحمد، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروز أبادي، وتاج العروس للزُّبيديِّ بحصيلة وافرة من أسماء النباتات والأشجار والزروع.
ثم بدأت الكتابات عن النبات تأخذ صفة التخصص، وتُفرَد لها فصولٌ في كتب متعددة، فنجد أن النَّضر بن شميل (ت 204هـ،820م) يفرد الجزء الخامس من كتابه (كتاب الصفات في اللغة) للزروع والكروم والأعناب وأسماء البقول والأشجار، ثم ارتقى التصنيف خطوة أكثر تخصصًا بالتأليف الكامل عن الزراعة، وكان ذلك على يد أبي عبيدة البصري (ت 208هـ، 823م) في مؤلفه كتاب الزرع، ثم تلاه الأصمعي (ت 214هـ، 829م) وأبو زيد الأنصاري (ت 215هـ،830م) في كتاب (النبات والشجر) لكل منهما.
وهنا قد يتبادر إلى الذهن أن تدوين أسماء النبات في المعاجم كان عملاً نظرياً في مجمله، لكن هناك من العلماء من كان يدون ذلك ميدانياً، ففي لسان العرب يقول ابن منظور في مادة (عفار): قال أبو حنيفة: أخبرني بعض أعراب السراة أن العفار شبيه بشجرة الغبيراء الصغيرة، إذا رأيتها من بعيد لم تشك أنها شجرة غبيراء، ونورها أيضًا كنورها...، ويذكر أن النّضر بن شميل قضى 40 سنة في البادية ليجمع أشتات النبات، ويشاهد النبات في بيئته، ويضبط مصطلحه.
وكانت مصادر كل هؤلاء اللغويين حتى تلك الحقبة، مصادر عربية بحتة لم تتطرق إليها مفردات دخيلة إلا في وقت لاحق على يد العشابين اللاحقين كابن البيطار والزهراوي وغيرهما ممن اعتمد إلى جانب المصادر العربية مصادر أخرى فارسية ولاتينية ورومانية.
ومن اللغويين الذين تناولوا النبات في أعمالهم الخليل بن أحمد (ت 180هـ، 796م) في كتاب (العين)، وهشام بن إبراهيم الكرماني (ت نحو 216هـ، 831م) في كتابه (كتاب النبات)، وأبو عبيد القاسم بن سلام (ت 223هـ، 837م) في الغريب المصنف.
أما أبو حنيفة الدينوري (ت 282هـ، 895م) فيعدّ أول من ألّف في الفلورا (الحياة النباتية) العربية، ويتضح ذلك في مصنفه كتاب النبات والشجر الذي جمع فيه ما يزيد على 1120 اسمًا من أسماء النباتات الموجودة في الجزيرة العربية.
ومن اللغويين الذين أَوْلَوا النبات عنايتهم ابن السكيت (ت 243هـ، 857م)، والجوهري صاحب الصحاح (ت 393هـ، 1002م)، وابن سيده (ت 458هـ، 1066م)، صاحب المخصص، وابن منظور (ت 711هـ، 1311م) صاحب لسان العرب. (موقع: "الموسوعة العربية الإسلامية" بتصرف).
تطور علم النبات عند المسلمين:
بدأ اهتمام المسلمين بالنبات من الوجهة العلمية في مطلع العصر العباسي مع بداية حركة الترجمة؛ إذ ترجموا كتب الأقرباذينات والنبات، وكان في طليعة هذه الكتب كتاب ديسقوريدس في النبات بعنوان (المادة الطبية) الذي ترجم تحت اسم الحشائش أو هيولي علاج الطب، وقام بترجمته إصطفان بن باسيل بأمر من المتوكل، وترك كثيرًا من المصطلحات اللاتينية التي لم يجد أو يعرف لها مقابلاً بالعربية، ولم يستكمل هذا الكتاب إلا في عام (337هـ، 948م) عندما أهدى قسطنطين السابع إمبراطور الروم في القسطنطينية الخليفة عبدالرحمن الناصر الأندلسي نسخة أخرى من الكتاب باليونانية مزينة بالرسوم، وبعث بالراهب نقولا الذي ترجمه ترجمة دقيقة بمساعدة أطباء محليين يجمعون بين العربية واللاتينية، وبذا استكمل النقص الذي تركه ابن باسيل.
وفي مطلع القرن الحادي عشر الميلادي الخامس الهجري أضاف الطبيب الأندلسي ابن جلجل موضوعات أغفلها ديسقوريدس، وألحق هذه الإضافة بكتاب ابن باسيل؛ ليكونا بمثابة مؤلف كامل واحد.
يحتوي الكتاب في صورته العربية بعد تنقيح ابن جلجل وتعليقه على الكتاب، ثم إضافته هو على خمس مقالات: تتناول المقالة الأولى: الأدوية والأعشاب ذات الرائحة العطرية،والأفاويه والأدهان والصموغ والأشجار الكبار، وتتناول الثانية: الحيوانات والحبوب والبقول والأدوية الحريفة، وتشتمل المقالة الثالثة على ذكر: أصول النبات، والنبات الشوكي، والبذور، والصموغ، والحشائش المزهرة، أما المقالتان الرابعة والخامسة فتتناولان: الأدوية التي تتخذ من الحشائش الباردة، والحشائش الحارة المقيئة، والحشائش النافعة من السموم، والأدوية المعدنية وأنواع الأتربة، والكرم وأنواع الأشربة.
وبعد أن رسخت أقدام العلماء العرب والمسلمين في هذا العلم طوّروه، وانتقلت إلى أوروبا من بلاد المشرق أعشاب ونباتات طبية وعطرية لا حصر لها، كما استعارت اللغات الأوروبية جملة من المفردات العربية في حقل النبات كالزعفران والكافور، وذكر ليكليرك منها نحو 80 كلمة، منها: الصندل والمسك، والمر، والتمر الهندي والرواند واليانسون.
ولما ارتقى علم النبات لدى المسلمين ظهر من بينهم من اشتهر بدقته في البحث والوصف كرشيد الدين الصوري، وأضافوا مواد نباتية كثيرة كان يجهلها الإغريق جهلاً تامًا، وزودوا الصيدلية بأعشاب لم تكن معروفة من قبل، ونجد في نهاية المطاف أن عالمًا كابن البيطار يورد ما لا يقل عن 1400 عقار بين نباتي وحيواني ومعدني، من بينها 300 عقار جديد لم يسبقه إليها أحد، وقد بيَّن فوائدها الطبية وكيفية استخدامها غذاءً ودواءً.
وكان ابن البيطار - على نحو ما سنوضحه فيما بعد - رائد عصره في معرفة النبات وتحقيقه واختباره والمواضع التي ينبت فيها، وكان يجمعها ويبحث فيها ويحقق في خواصها ومفعولها، ونظرًا لتمكنه من علمه في الأدوية التي تتخذ من الأعشاب عيَّنه الملك الكامل رئيسًا للعشابين.
كذلك كان من العلماء الذين تناولوا العقاقير المتخذة من النبات ابن سينا، وقد انتهج في ذكر النباتات نهجًا خاصاً، فكان يذكر الماهية، وفيها يصف النبات وصفًا دقيقًا مقارنًا هذا النبات بنظائره، ويورد صفاته الأساسية من أصل أو جذر أو زهر أو ثمر أو ورق، ويذكر من نقل عنهم ممن تقدمه من العلماء من أمثال ديسقوريدس أو جالينوس، ثم يذكر بعد ذلك الاختبار، فالطبع، فالخواص.
وقد استقصى ابن سينا عددًا كبيرًا من النباتات الطبية المألوفة على عهده، وأورد مجموعات متباينة من هذه النباتات الشجرية والعشبية والزهرية والفطرية والطحلبية،كما ذكر الأجناس المختلفة من النبات والأنواع المختلفة من الجنس الواحد، وأورد المتشابه والمختلف، ومواطن كل منه، ونوع التربة التي ينمو فيها، ووصف ألوان الأزهار والثمار: يابسها وغضها، والأوراق العريضة والضيقة كاملة الحافة أو مشرفتها، وفرق بين الطبي البستاني منها والطبي البري.
كما أشار إلى اختلاف رائحة النباتات الطبية ومذاقها، وبذا يكون قد ألمح إلى التشخيص الكيميائي النباتي عن طريق اختبار العصارة، واعتمد في وصف النبات الذي تستخلص منه العقاقير على مصدرين: الأول الطبيعة؛ حيث كان يصف النبات غضاً طرياً، ويذكر طوله وسمكه وورقه وزهره وثمره، والثاني مبيعات العطارين من أخشاب أو قشور أو ثمار أو أزهار، وكتب عن الثمار والأشواك، والنبات الساحلي، والسبخي، والرملي، والمائي، والجبلي، وعن تطعيم النبات بمختلف وسائله والنباتات الدائمة الخضرة وغيرها. (موقع: "الموسوعة العربية الإسلامية" بتصرف).
إنجازات المسلمين في علم النبات
كان تصنيف المسلمين لنباتات بيئتهم تصانيف شتى من أهم إنجازاتهم في علم النبات؛ إذ به يعرف مقدرتهم وتمكنهم من الإحاطة بكل ما يتعلق به من أوصاف وخصائص فريدة، فقد صنَّفوا النباتات إلى ما يقوم منها على أساس لغوي كما ظهر لدى الخليل والأصمعي وخلافهما، ومنها ما كان تقسيمًا تفصيلياً عامًا مثل تصنيف ابن سينا، ومنها ما يعتمد على النوع كتصنيف إخوان الصفا وخلان الوفا.
كما عرفوا التصنيف وفقًا لعوامل التربة أو ما يعرف حديثًا بالمجتمعات التُّرْبِيَّة، أي تلك التي يتأثر تكوينها الخضري بعوامل التربة، ومن هذه التصنيفات ما يكاد يقرب من تقسيم النباتات إلى نظام الفصائل المتبع حاليا.
وكان من أوائل من تناول ذلك الشيخ ابن سينا، فتكلم عنه كلامًا عامًا، وتوصل إلى أن "من النبات ما هو مطلق (قائم على ساقه)، ومنه ماهو حشيش مطلق (منبسط على الأرض)، ومنه ما هو بقل مطلق (لا ساق له) مثل الخس، ومن النبات ماهو شجر حشيش وهو الذي ليس له ساق منتصبة، وساق منبسطة مستندة إلى الأرض، أو الذي يتكون ويتفرع من أسفل مع انتصاب كالقصب، وأما الحشائش العظيمة وبعض الحشائش العشبية فمنها الذي له توريق من أسفله وله مع ذلك ساق كالملوكية (الملوخية).
أما النبات البقلي فكثير منه ما لا ساق له تنتصب، وليس مستندًا بما هو ورق كالخس والحماض والسلق وذلك بحسب أغراض الطبيعة؛ فإن من النبات ما الغرض الطبيعي في عوده وساقه، ومنه ما هو في أصله، ومنه ما هو في غصنه، ومنه ما هو في قشره، ومنه ما هو في ثمره وورقه".
أما النباتات المتسلقة، فإن ما يحفزها على هذا التسلق تعجيل نضجها، وفي هذا الصدد عقد ابن سينا مقارنة بين العنب والبطيخ، وتحدث عن توالد النبات من الثمرة والبذرة والشوك والصموغ وأشباهها فقال: "إن من ثمر الشجر ما هو مكشوف مثل العنب والتين وغيرهما، ومنه ما هو في غلاف قشري كالباقلا، ومنه ما هو في غلاف غشائي كالحنطة، ومنه ما هو في قشر صلب كالبلوط، ومنه ما هو ذو عدة قشور كالجوز واللوز، ومنه ما هو سريع النضج جدًا، وما هو بطيء، ومنه ما يثمر في السنة مرارًا، ومنه ما لنضجه وقت معلوم، ومنه ما ليس لنضجه وقت".
وتناول أعضاء النبات المتشابهة كاللحاء والخشب واللباب، والأعضاء المركبة مثل الساق والغُصن والأصل (الجذر) وقال: "وللنبات أشياء شبيهة بالأعضاء الأصلية وليست بها كالورد والزهر وكالثمرة؛ فإنها ليست أعضاء أصلية ولكنها كمالية كالشعر للإنسان... والثمرة لا يحتاج إليها في جميع أجزائها لتكون للنبات أعضاء أصلية أو يكون لها توليد، وأما البذر فإنه يحتاج إليه في جميع أجزائه".
أما إخوان الصفا في رسالتهم الثانية فيصنفوا النباتات إلى ثلاث مجموعات: أشجار، وزروع، وأجزاء (كلأ، وعشب، وحشائش)، ولإخوان الصفا آراء جديرة بالاهتمام في أنواع النبات تكاد في مجملها تَقرُب من الآراء الحديثة، ملخصها أن النباتات هي كل جسم يخرج من الأرض، ويتغذى وينمو، "ومنها ما هي أشجار تغرس قضبانها أو عروقها، ومنها ما هي زروع تبذر حبوبها أو بذورها أو قضبانها، ومنها ماهي أجزاء تتكون إذا اختلطت وامتزجت كالكلأ والحشائش.
فالشجر نبت يقوم على ساقه منتصبًا في الهواء، ويحول عليه الحول فلا يجف، بخلاف النجم وهو كل نبت لا يقوم أصله على ساقه مرتفعًا في الهواء، بل يمتد على وجه الأرض، أو يتعلق بالشجر ويرتقي معه في الهواء كالكرم والقرع والقثاء والبطيخ وما شاكلها، ومن الشجر ما هو تام كامل، ومنها ما هو ناقص، ومن التام ما هو أتم وأكمل من بعض، ومن النبات والأشجار ما ورقه وثمره متناسب في الكبر واللون والشكل واللمس كالأترج والليمون والنارنج والكمثرى والتفاح، ومنها ما هو غير متناسب كالرمان والتين والعنب والجوز، وعلى هذا حكم حبوب النباتات وبذورها.
ومن النبات ما ينبت في البراري والقفار، ومنه ما ينبت على رؤوس الجبال وشطوط الأنهار وسواحل البحار والآجام والفيافي، ومنه ما يزرعه الناس ويغرسونه، وأكثر النبات ينبت على وجه الأرض إلا القليل منه فإنه ينبت تحت الماء كقصب السكر والأرز، ومنه ما ينبت على وجه الماء كالطحلب، أو ما ينسج على الشجر كاللبلاب، أو ينبت على وجه الصخور كخضراء الدمن.
ومن النباتات ما لا ينبت إلا في البلدان الدفيئة، ومنه ما لا ينبت إلا في البلدان الباردة، وبعضها لا ينبت إلا في الأرض الطيبة، ومنه ما لا ينبت إلا بين الحصى والحجارة والأرض اليابسة والصخور، ومنها ما لا ينبت إلا في الأراضي السبخة.
وينبت أكثر العشب والكلأ والحشائش في الربيع، أما الذي ينبت منها في الفصول الثلاثة الأخرى فقليل، ومن أوراق الشجر والنبات ما هو مستطيل الشكل، ومنها ما هو مخروط الرأس مدور الأسفل، ومنه مستدير الشكل أو زيتوني الشكل، ومنه طيب الرائحة ونتن الرائحة، ومر الطعم وحلو الطعم، وأكثر ألوان ورق النبات أخضر، لكن منها ما هو مشبع اللون ومنها ما هو أغبر، ومنها الصافي اللون، ومنها أنواع ألوان ظاهرها خلاف باطنها، وهكذا ثمارها وحبوبها وبذورها وأزهارها.
ومن الثمار ما له قشرة رقيقة، أو غليظة ليفيّة، أو غضروفية صلبة، أو خزفية يابسة، ومنها ما في جوف قشرته شحمة ثخينة، أو جامدة رطبة سيالة عذبة، أو حلوة، أو مّرة أو مالحة، أو حامضة، أو دهنية دسمة، ومنها ما في جوف شحمه نواة مستديرة الشكل مستطيلة، أو مخروطة أو مصمتة أو مجوفة، ومنها ما في جوفه حَبٌّ صغار، أو كبار صلب، أو رخو عليها رطوبة لزجة، أو مجوفة داخلها لب، أو تكون فارغة، ومن الثمار ما لا ينضج كالبلوط والعفص وثمر السرو والإهليلج".
هذا ولقد جعل علماء المسلمين للنباتات رُتبًا؛ فمنها ما هو في أدنى الرتبة مما يلي رتبة المعادن، وهي خضراء الدِّمن، ومنها ماهو في أشرف الرتبة مما يلي رتبة الحيوان وهي شجرة النخيل، وعللوا ذلك بأن أول المرتبة النباتية وأقلها شأنًا مما يلي التراب خضراء الدمن، فهي ليست سوى غبار يتجمع ويتلبد على الأرض والصخور والأحجار، ثم تصيبه الأمطار وأنداء الليل فيصبح كأنه نبت زرع وحشائش، فإذا لفحته حرارة شمس منتصف النهار جَفَّ ثم يصبح من الغد مثل ذلك من أول الليل، ولا تنبت الكمأة ولا خضراء الدمن إلا في الربيع في الأماكن المتجاورة لتقارب ما بينهما، لأن هذا معدن نباتي وذلك نبات معدني.
أما النخل فهو آخر المرتبة النباتية مما يلي المرتبة الحيوانية، وسموه نباتًا حيوانيًا لأن بعض أحواله مباين لأحوال النبات وإن كان جسمه نباتًا، غير أنه حيواني بالنفس؛ إذ إن أفعاله أفعال النفس الحيوانية، وشكل جسمه شكل النبات، وفي النبات نوع آخر فعله أيضًا فعل النفس الحيوانية لكن جسمه جسم النبات هو الكثوث، وذلك أن هذا النوع من النبات ليس له أصل في الأرض كسائر النباتات، وليس له أوراق مثلها، بل إنه يلتف على الأشجار والزروع والشوك فيمتص من رطوبتها ويتغذى بها؛ كما يتغذى الدود بورق الأشجار وقضبان النبات وإن كان جسمه يشبه النبات فإن فعل نفسه فعل الحيوان.
وعرف المسلمون أيضًا تصنيفًا بيئيًا للنباتات نجده عند الأصمعي فمنها: 1ـ النباتات الحجازية؛ كالغرقد والسدر والعوسج 2ـ النباتات النجدية، كالثغام، والحماض، والقتاد والبطم (الحبة الخضراء) 3- النباتات الرملية، كالغضى والأرطى والأمطى والعلقى والمصاص 4ـ النباتات السبخية؛ كالقرمل، والعكرش والقلام والخريزي 5ـ نباتات جبال السراة؛ كالشث، والعرعر، والطباق، والياسمين البري.
كما تحدث المسلمون في تصنيفهم للنبات عن التكوينات الطبيعية في البيئة كالدهناء والنفود والبادية والحماد وقسموها إلى مجتمعات، ثم قسموا هذه المجتمعات إلى تقسيمات أصغر زيادة في التخصيص لتعبر عن مزايا التضاريس أو التربة وربط هذه المزايا بالنباتات السائدة.
ومن تصنيفات المسلمين لأنواع النبات تصنيف يقارب تقسيم الفصائل المعروف اليوم، فالفصيلة المركبة أطلقوا عليها مجموعة المرار، والفصيلة الرمرامية مجموعة الحموض، وفصيلة الحمحميات مجموعة الكحليات، والفصيلة الصليبية مجموعة الحرف، وفصيلة الغرنوقيات هي مجموعة الدهامين.
تضم مجموعة المرار أنواعًا صحراوية وجفافية مهمة تنتمي للفصيلة المركبة، وهي ذات مذاق مر يظهر في لبن الحيوانات التي تتغذى بها، ومن هذه المجموعة: الشيح، والقويصيمة، والمرار، واليمرور، والجثجاث، والقيصوم.
وتضم مجموعة النباتات الحمضية أنواعًا شتى من الفصيلة الرمرامية التي تنمو في المناطق الجافة والصحراوية، وطعمها حمضي أو مالح، منها: الإخريط والأشنان (الحرض)، والتليث والحاذ والخذراف والخريزي (خريص)، والدعاع والرغل والرمث والرويثة والروثا والشعران والضمران والطحماء والعثنان والعجرم والعنظوان والغضى والعجواء والغذام والفولان (الفليفلة)، والنيتون.
وتضم مجموعة الكحليات أنواعًا تنتمي للفصيلة الحمحمية، وأطلقوا عليها كحليات لاحتواء جذورها على مواد صبغية حمراء قانية تشبه مرود المكحلة، ومن نباتاتها: الكحل، والزريقاء، والكحالة، والكحلاء، والكحيلاء، والغبشاء.
وتضم مجموعة الحرف النباتات التي يطلق عليها الفصيلة الصليبية، وطعمها حرف(لاذع) كالفجل، ومنها: الشقاري، والصفاري والغريراء، والنجمة، والحسار، واليهق، والحريشة والأسليح الذي يسبب الإسهال للإبل والأغنام، والخفجيات.
وتضم مجموعة الدهامين النباتات المنتمية إلى الفصيلة الغرنوقية، وسميت دهامين لأن أوراقها داكنة دهماء اللون، ومنها: الدهماء، والقرنوة، والدمغة.
كما صنف المسلمون نباتاتهم في ضوء ماءاتها (أماكن المياه) التي تسود حولها، ويعكس هذا التصنيف صفات التربة وطبيعة المياه المتوافرة بالقرب منها، من أمثلة ذلك: الغرقدة؛ وهي الماءة التي ينبت حولها شجر الغرقد، والطريفة؛ التي تنمو حولها شجيرات الطرفاء، والثيلة؛ وهي الماءة التي تنبت الثيل، والصنجرة؛ التي ينمو فيها الصنجر، والخذيقة؛ وهي الماءة الملحة التي تنبت حولها أنواع الحموض، والخريزة؛ وهي ملحة أيضًا وينمو فيها الخريزي، والحضافة؛ وهي الماءة التي ينجح فيها النخل.
كما توصل المسلمون أيضًا إلى نظام للتسمية يشبه ما يعرف الآن بالتسمية الثنائية التي بدأها العالم السويدي كارولوس لينيوس عام (1167هـ/ 1753م)، فقد أطلقوا على كل نبات كلمتين إحداهما تشير إلى صفة من صفات النبات مثل حمض الروثا، والمرار القيصوم، وحمض الخذراف وهكذا، وكان ذلك باعثًا لعلماء النبات في أوروبا على استعارة الاسم العربي بعد تطويعه لقواعد اللغة اللاتينية ليصير مصطلحًا علميًا لهذا النبات أو ذاك مثل نبات الصلة الشوكي واسمه العلمي Zilla spinosa، ونبات الرتم Retama والحاج Alhagi والقات Catha. كما استعاروا الألفاظ العربية لتدل على اسم النوع في بعض أشجار الأكاسيا Acacia مثل العرفط الذي صار A.orafata، ونباتات أخرى مثل الحرمل Peganum harmala والحرجل Solenostelma argel.
ونقل المسلمون مع هذه المصطلحات فنَّهم في الزراعة، وعندما أقام عبدالرحمن الأول حديقته النباتية بالقرب من قرطبة جلب إليها من سوريا ومن بلدان أخرى في آسيا أعز البذور، وغرس أول نخلة في أوروبا، ونقل إليها أول ناعورة (ساقية) لرفع الماء.