خانقاوات القاهرة في دولة المماليك
الخانقاه كلمة فارسية معناها بيت، أطلقت على البيوت التي أقيمت منذ القرن الخامس الهجري لإيواء المتصوفين، وجعلت لتخلوا الصوفية فيها للعبادة. وهي بناء مستقل ملحق به مطبخ وحمام وأماكن للإعاشة تكون إما حول صحن متوسط أو في مبنى منفصل مثل ما هو موجود في خانقاه فرج بن برقوق. ويبدو مما ذكره المؤرخون تداخل مصطلحي المدرسة والخانقاه بحيث يطلقون أحيانًا على المدرسة اسم الخانقاه والعكس.
وأقيم عدد كثير منها في أيام المماليك، ثم أنشئت في عهد الأتراك العثمانيين "التكايا" (جمع تكية) لإيواء الدراويش المنقطعين للعبادة.
أشهر خانقاوات العهد المملوكي
تعتبر أول خانقاه أقيمت في القاهرة هي خانقاه سعيد السعداء الذي أنشأها صلاح الدين الأيوبي سنة 569هـ / 1173م في الركن الشمالي للقصر الفاطمي الكبير في موضع دار سعيد السعداء، ويمكن تحديد موضعها اليوم في شارع الجمالية أمام المدرسة القراسنقرية.
وفي الفترة الممتدة حتى الفتح العثماني لم يوجد في القاهرة من المباني التي أطلق عليها لفظ خانقاه سوى منشآت قليلة هي: الخانقاه البندقدارية (683هـ/ 1284م)، وخانقاه بيبرس الجاشنكير (709هـ / 1309م)، وخانقاه شيخو العمري (756هـ/ 1356م)، وخانقاه ابن غراب (797هـ / 1395م)، وخانقاه سنجر الجاولي على جبل يشكر (723هـ / 1323م).
وثلاث خانقاوات في قرافة المماليك هي: خانقاه فرج بن برقوق (813هـ / 1410م)، وخانقاه الأشرف برسباي (835هـ /1432م)، وخانقاه الأشرف إينال (860هـ / 1456م). وقد ارتبط ازدهار الخوانق بازدهار الطرق الصوفية في مصر، وبدأت في التدهور مع تدهور هذه الطرق في نهاية القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي [1].
وصف خانقاه سعيد السعداء
قال ابن عبد الظاهر عن الخانقاه: وهي دار سعيد السعداء خادم المستنصر من خدام القصر. وصارت في آخر الوقت سكن الوزير طلائع بن رزيك وولده رزيك بن طلائع الذي صار إليه الملك، سكنها وفتح من دار الوزارة إليها سرداب تحت الأرض وصار يخرج من هذه إلى هذه من ذلك السرداب. ثم سكنها شاور ثم ولده الكامل.
ثم رجعت إلى السلطان صلاح الدين فوقفها على الفقراء القاطنين والمترددين من الصوفية، وكذلك وقف عليهم بستان الحبانية الذي بجوار بركة الفيل. وهو من أحسن الأماكن وأبهى مواطن العبادات، وله ضيعة بالبهنساوية أوقفها عليها تسمى دهمرو، ولها قيسارية الشرب وغير ذلك. ولها حطب مقرر في كل سنة وغلّة. ومن شرط صلاح الدين بها أن من مات من الصوفية ومعه فوق العشرين دينارًا كانت للصوفية لا يتعرض إليه ديوان المواريث، ومن سافر أعطي للتسفير، ولهم دخول حمام مباح وأشياء غير ذلك [2].
خانقاه وقبة الأمير شيخو
خانقاه وقبة الأمير شيخو (756هـ / 1355م)، بشارع الصليبة، تقع تجاه مسجد شيخو. نقل إليها رجال الصوفية الذين كانوا يقيمون بمسجده. يقرأ فوق المدخل: "أمر بإنشاء هذا المكان المبارك الأمير شيخو الملك الناصري وكان ابتداء الشروع فيه في شهر ربيع الأول سنة 756هـ، والفراغ مما حواه في شهر شوال من السنة المذكورة". وفوق التربة: "هذا قبر سيدنا ومولانا شيخ أكمل الدين محمد بن محمود بن أحمد شيخ الحديث وشارع الهداية تغمده الله بالرحمة والرضوان في شهر صفر سنة 780هـ".
كان الأمير شيخو من مماليك الناصر محمد بن قلاوون، وعظم شأنه في دولة السلطان الناصر حسن بن قلاوون فعينه نائبًا لطرابلس ثم أحضر إلى الإسكندرية حيث سجن، وما لبث أن أفرج عنه الملك صالح بن الملك الناصر، وفي عام 758هـ / 1357م وثب عليه مملوك وهو جالس في دار العدل وضربه بالسيف، وبعد أشهر توفي متأثرًا بجراحه عام 777هـ / 1375م [3].
وصف خانقاه ابن غراب
أنشأها سعد الدين بن غراب سنة (803 - 808هـ /1400 - 1406م) لتكون مقرًا لإيواء الصوفية في درب الجماميز. ومن الملاحظ من وقائع سيرة ابن غراب الذي شيد الخانقاه، أنه كان حسب وصف أحد معاصريه غدَّارًا، لا يتوانى عن طلب عدوه ولا يرضى من نكبته بدون إتلاف النفس، فكم ناطح كبشًا وئل مكانة وعالج جبالًا شامخة واقتلع دولًا من أصولها الراسخة، وهو أحد من قام بتخريب إقليم مصر برفعه سعر الذهب.
وصف خانقاه وضريح السلطان برقوق
أمر ببنائها الملك الظاهر برقوق ونفذها ابنه الملك الناصر فرج، لذلك عرفت بخانقاه الناصر فرج بن برقوق. أنشئت لتؤدي عدة أغراض: مدفن للظاهر برقوق وأسرته، مسجد لإقامة الشعائر الدينية، خانقاه للصوفية. بدئ بإنشائها سنة 801هـ / 1398م، وانتهى العمل فيها سنة 813هـ / 1411م.
وهي بناء ضخم لا يقتصر على تربة. بل وضع تصميمها ونفذ على أن يخدم أغراضًا هامة متعددة، فهي مدرسة تدرس فيها العلوم الشرعية ومسجد جامع فسيح الأرجاء وتربة لآل برقوق، وخانقاه فخمة، استغرق بناؤها حوالي اثنتي عشرة سنة. وبلغ من اهتمام الناصر فرج بها أنه جعل ما حولها مدينة أخرى عامرة بأسواقها وخاناتها وحماماتها ولكنه مات قبل أن يدرك كل غايته.
ففي طرفي هذه المجموعة البحري والقبلي سبيلان يعلوهما مكتبان أنيقان لتحفيظ الأبناء اليتامى القرآن. ومما يزيد الواجهة الغربية جمالًا مئذنتان تقوم إحداهما على يمين المكتب البحري والأخرى على يسار المكتب القبلي. أما الواجهة الشرقية فتتكون من قبتين شامختين متماثلتين رسمًا وحجمًا تعلو المحراب. وقد حلّيت أسطح القباب بنقوش بارزة متعرجة على شكل دالات نقشت في الحجر.
منبرها من أجمل المنابر المعروفة ولا نظير له في دقة نقوشه، وقد أمر بعمله السلطان قايتباي سنة 888هـ / 1483م. تقع الخانقاة بالقرافة الشرقية، وهي أكبر بناية أثرية في قرافات مصر.
وقد دفن بالقبة البحرية الملك الظاهر برقوق (ت 801هـ) وأولاده، ومنهم المنصور عبد العزيز (ت 809هـ). وفي القبة القبلية ابنة الناصر فرج (ت 887هـ) وخوند حريز (ت 811هـ). وللسلطان فرج بن برقوق زاوية تقع على رأس تقاطع شارع تحت الربع بقصبة رضوان، بناها جمال الدين يوسف الاستادار بأمر السلطان سنة 811هـ / 1408م، وقد لحق بهذه الزاوية سبيل جميل [4].
وصف قبة وخانقاه الغوري
أنشأها السلطان المملوكي قنصوه الغوري (907 – 022هـ / 1501 - 1516م) ملحقة بمجموعة معمارية استمر بناؤها سنتين من (909هـ / 1503م - 910هـ / 1504م)، وتشمل قبة ضريحية ومقعد سكني وخانقاه وسبيل. خضعت هذه المجموعة الأثرية لأعمال الإصلاح والترميم.
أورد علي مبارك نص حُجّة وقف مجموعة الغوري المعمارية، بما فيها جامعه، والمؤرخة في 20 صفر سنة 911هـ / 1505م، وتضمنت الوثيقة صرف جراية من خبز القمح يوميًا تبلغ 788 رغيف يوميًّا، وزن الرغيف رطل مصري إلى موظفي الجامع والضريح والقبة والسبيل والكتاب. تقع القبة الضريحية والخانقاة على ناصية شارعي الأزهر والمعز لدين الله بالدرب الأحمر [5].