خلق سلامة الصدر
ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرَّ لعينه من أن يعيش سليمَ القلب، مبرَّأً من وساوس الضغينة، يفرح بانسياق النِّعَمِ إلى الناس، ويحزن إذا لَحِقَ بأحدٍ أذًى، ويسألُ اللهَ العافيةَ له وللناس، وهو بهذا يحيا ناصع الصفحة، راضيًا عن ربِّه وعن الحياة، مستريحَ النفس والقلب.
والجماعة المسلمة لا تقوم إلاَّ على عواطف الحبِّ والمودَّة والإخاء، وهي أبعد ما تكون عن الخصومة، التي تقتلع الإيمان من القلوب، وتُسْعِد الشيطان؛ فتكون الأجواء مهيَّأة لفساد عريض.
ومن وسائل الإسلام التي اعتمدها؛ ليرُدَّ عوادي الانقسام والفتنة - النهيُ عن الحقد والحسد وهجرة المسلم، قال : «لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ»[1].
كما نهى الإسلام أيضًا عن كلِّ ما يُوغر الصدور، أو ينشِئُ العداوات بين الناس؛ كالغِيبة والنميمة، ومثلها مما يكدر الصفو، ويغير القلوب، قال : «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ»[2].
بل لقد حثَّ الإسلام على الستر، ونهى عن تتبُّع العورات أشدَّ النهي.
فالمسلم الحقُّ يجب أن يكون سليم الصدر، لا يحقد على أحد، ولا يتمنَّى ضررًا لأحد، وأن يبيت وليس في نفسه لأحدٍ من المسلمين غشًّا ولا حسدًا، فهذه طريق الجنة.
ثم إن الحاسد شخص واهنُ العزم، كليل اليد، جاهل بربِّه وبسُنَّتِهِ في كونه، ذلك أنه لمَّا فاته الخير لأمر ما تحوَّلَ يَكِيدُ للناجحين، وكان الأجدر به أن يسأل اللهَ من فضله، ويأخذ بأسباب النجاح مرَّة بعد مرَّة.
ومن وسائل الإسلام أيضًا في التحذير من ضغائن الصدور، وفي الحثِّ على سلامتها أن المتخاصميْن لا تُرفع لهم أعمال إلاَّ أن يتصالحوا؛ لذلك قال : «ثَلاثَةٌ لا تُرْفَعُ صَلاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا: رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ»[3][4].
والشحناء التي كرهها الإسلام، وكره ما يدفع إليها، أو ينشأ عنها هي التي تنشب من أَجْلِ الدنيا وأهوائها، أمَّا البغضُ لله، والغضبُ للحقِّ، والثورة للشرف فشأنٌ آخر؛ بل إنَّ من أماراتِ الإيمان الصحيح والإخلاصِ لله وحده - بُغْضَ مَنْ يفسقون عن أمر الله، أو يعتدون على حدوده، قال : «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَي لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ»[5].