العطاء الحضاري للإسلام في الجانب السياسي 2-2
الديمقراطية الغربية:
الشورى في الإسلام الحضارة الغربية حضارة إغريقية وثنية ذات مسحة أو قشرة مسيحية مزيفة، وهي حضارة تقوم على القهر والعنف والنهب والعنصرية، وبديهي أنها تختلف عن الحضارة الإسلامية التي تقوم على التوحيد والعدالة والحرية وعدم العنصرية[1]. ومن ثَمَّ فإن كل ما تفرزه الحضارة الغربية من إفرازات أو نظم سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية سوف يحمل بالضرورة السمات الثابتة لتلك الحضارة. وإذا نظرنا إلى إفرازات الحضارة الغربية نجد أنها كلها عنصرية بلا استثناء، مثل الفاشية والنازية والشيوعية والاشتراكية والصهيونية والرأسمالية والديمقراطية واللبرالية... إلخ[2]. وكذا فإن كل تلك المنظومات أو الحكومات والدول التي قامت على أساسها، سواء أكانت ملكية أم جمهورية، يسارية أم يمينية، كلها مارست الاستعمار والنهب والمذابح.. بل إن ما كان منها يساريًّا كان أشد قسوة؛ فأكبر المذابح التي مارستها فرنسا في الجزائر تمت على يد حكوماتها الاشتراكية.
ومن المفيد هنا أن نقرر حقيقة أخرى، أنه ربما تكون هناك مناطق تتشابه فيها بعض المنظومات الغربية مع المنظومات الإسلامية، ولكن هذا لا يعني أن هناك تطابقًا أو هناك صلة عضوية بين الطرفين[3]، فهي على غرار تقاطع دائرتين في قوس ولكن لكل دائرة مركز مختلف وقطر مختلف، ومن ثم تنتهيان بمحيط ومساحة مختلفين. وهكذا فإن هؤلاء الذين يتحدثون عما يسمى باشتراكية الإسلام أو الديمقراطية الإسلامية[4] أو غيرهما يقعون في خطأ منهجي كبير، ونحن نرفض هذا بالطبع، من باب أنه خطأ علمي، ومن باب ضرورة تحرير المصطلح وعدم الوقوع في إرهاب هذا المصطلح، ولأننا ندرك أن هناك خلافًا جوهريًّا في المناهج والغايات، وفي الوسائل والأهداف بين المنظومة الإسلامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المنظومات.
من البديهي الآن -وبعد خبرات طويلة تراكمت سياسيًّا وثقافيًّا- أن أحدًا في الشرق أو الغرب لم يعد يتحدث عن إمكان وجود حرية في المنظومة الفاشية أو النازية، أو الشيوعية، رغم وجود تنظير فلسفي حول مزاعم وجود تلك الحرية في تلك المشروعات، ولكن النقد النظري والتجربة الحية أطاحت بذلك الآن... لم يعد هناك إذن ادعاء وجود حرية من أي نوع كان إلا في الديمقراطية والليبرالية. ومن ناحيتنا وناحية كل مفكر منصف، فهي موجودة في النظام الإسلامي أيضًا، على أننا أمام محاولة لحسم المعركة قبل أن تبدأ بنوع من المغالطة؛ فالبعض يحاول أن يتحدث عن الحضارة الغربية وكأنها هي وحدها الحضارة، ومن ثَمَّ فإما أن تقبل قيم الحضارة الغربية وإما فأنت معادٍ للحضارة والتقدم وبربري وأحيانًا إرهابي.
وكذا فإن الحديث نفسه يدور حول أن الديمقراطية تعني الحرية، وهذا غير صحيح بالمرة، نحن نؤمن أن الحضارة الغربية حضارة فاسدة وقيمها فاسدة، ولا يمنع هذا أن يكون فيها بعض الإيجابيات، ولا يمنع أن تتشابه في بعض دعواتها مع النظام الإسلامي، غير أن هذا يشبه اتفاق شجرتين في لون الورق ولكن البذور مختلفة والثمار مختلفة وأشياء أخرى كثيرة مختلفة، ربما كالاختلاف بين شجرتي الزقوم والزيتون. وكذلك لا يمنع وجود أفراد وجماعات داخل المجتمع الغربي -ربما تكون أكثرية أو أقلية- تتصف بالاتصاف والعدل، ولكن هذا شذوذ يؤكد القاعدة، وهم أنفسهم يرفضون بشكل ما المنظومة الغربية، والمهم أنهم ليسوا أصحاب القرار الغربي، أو ما يسمى الظاهرة في مجراها الرئيسي، كلها تقود إلى العنصرية والقهر والعنف؛ فدعم الصهيونية مثلاً مستمر منذ قرن على الأقل بعد وقبل إنشاء إسرائيل برغم ممارساتها العلنية اليومية، وكلها قمع هائل للإنسان الفلسطيني والعربي، وكذا العدوان على العراق وأفغانستان... إلخ.
أمرهم شورى بينهم إن استخدام مصطلح الديمقراطية الإسلامية خطأ علمي وسياسي أيضًا وهو نوع من الاستلاب الحضاري، ونحن نرى أنه لا حرية إلا في الإسلام لأنه فطرة الله الناس عليها، وبديهي أن الله يصنع للإنسان ما يصلحه لأنه الذي خلقة ويعلمه حقيقته وما يصلحه وما يفسده {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وأن الديمقراطية لم ولن تحقق الحرية، ربما تكون أفضل أو أسوأ من الشيوعية أو الفاشية أو النازية، ولكنها في النهاية تظل إفرازًا غريبًا يحمل نفس مساوئ الأرضية الحضارية التي أفرزتها؛ الحضارة الغربية في صورتها الديمقراطية أو تحت حكومات ديمقراطية مارست الاستعمار، وهو نوع من قهر حرية الآخرين.
ومن ثم فهي ديمقراطية مزيفة، وهي نفسها التي مارست نهب المستعمرات، ومن هنا فهي ديمقراطية ناهبة، وهي نفسها التي أنشأت إسرائيل وسلحتها ومولتها، وإسرائيل تمارس الديكتاتورية والقهر على مدار اليوم والساعة منذ أكثر من ستين عامًا، ومن ثم فهي ديمقراطية عنصرية وأصولية؛ لأنها تدعم دولة يقوم قانون الجنسية فيها على أساس الدين اليهودي، فكل يهودي متى وطئت قدمه أرض إسرائيل فهو يحصل على الجنسية فورًا، وهي ديمقراطية مارست إبادة الهنود الحمر في الأمريكتين، والأبورجيين في أستراليا "بعشرات الملايين"، فهي ديمقراطية عنصرية بامتياز، وهي فوق هذا وذاك مستمرة في تلك الأمور منذ أكثر من قرنين على الأقل، ولم ولن تكفّ عن ذلك؛ لأنها سمة أصلية في تلك الحضارة، آخرها "العدوان على العراق وأفغانستان".
الديمقراطية مشتقة من كلمة يونانية[5]، ومن ثم فإن تعريبها صعب شديد الصعوبة؛ لأنها تعبر عن سياق اجتماعي وحضارة معينة مختلفة عن السياق الحضاري العربي. وفي الحقيقة فإن تلك الصعوبة تظهر في شيوع مجموعة من الأخطاء العلمية؛ فالذين يقومون بتطبيق قواعد علم الاجتماع الغربي الذي ظهر في سياق حضاري وثقافي واجتماعي معين على ظواهر عربية وإسلامية نشأت في سياق اجتماعي آخر يقعون في أخطار فادحة؛ فالأصولية مثلاً، والدين والدولة وغيرها من المصطلحات تعني هناك غير ما تعني في المشروع الإسلامي تمامًا، ويجب التعامل مع أي ظاهرة بقواعد علم الاجتماع الذي ينبع من نفس الأرضية الحضارية، ولا يعني هذا أن علم الاجتماع العربي أو الإسلامي أفضل من علم الاجتماع الغربي، ولكن من العلمية والموضوعية استخدام كل علم فيما يصلح له من ظواهر ليقوم بتفسيرها، وهذا معروف في العلوم الطبيعية ذاتها؛ فقانون نيوتن مثلاً يصلح لتفسير الحركة في السرعات العادية، أما السرعات التي تصل إلى سرعة الضوء مثلاً فلا يصلح معها قوانين نيوتن، بل قانون النسبية لأينشتاين مثلاً.
المهم أن الديمقراطية نظام يوناني أخذته أوربا في إطار بعث الثقافة الإغريقية والرومانية في بداية عصر النهضة، نظام الديمقراطية اليوناني نشأ في القرن الثامن قبل الميلاد على يد ليكرغ، وكان يقوم على انتخاب عدد من الزعماء عن طريق وضع الناس في مكان معين، ويوضع عدد من المراقبين في مكان قريب بحيث يسمعون الصوت ولا يرون المنظر، ثم يتقدم المرشحون واحدًا واحدًا، فكلما تقدم واحد منهم سجل المراقبون نصيبه من جلبة الأصوات الخارجية، ولعل هذا نفسه ما تطور في نظام التصويت فيما بعد.
ونلاحظ هنا أن الذين كان يسمح لهم بالتصويت هم الناس الذين يملكون سلاحًا، ثم بعد ذلك من كان له نصاب مالي معين، مع حرمان الآخرين من التصويت، وفي روما القديمة كان يتم التصويت بواسطة الوجهاء فقط الذين يملكون مالاً أو سلاحًا، أما السكان غير الرومان عمومًا فلا حقوق سياسية لهم، أي أنها ديمقراطية عنصرية في أصلها، وحتى بعد أن أخذت أوربا هذا النظام فإن الجوهر لم يتغير كثيرًا؛ فالعمال في إنجلترا لم يأخذوا حق الانتخاب إلا في سنة 1867م، وذلك لأنهم أصبحوا قوة لازمة للدولة في المصانع، ولم يحصل عمال الريف على هذا الحق إلا بعد 18 سنة من هذا التاريخ، والمرأة الإنجليزية لم تحصل على حق التصويت إلا بعد الحرب العالمية الأولى؛ لأنها اشتغلت بأعمال المصانع أثناء غياب الجند في ميادين القتال.
ويلاحظ الأستاذ العقاد أن الحكومة الديمقراطية نشأت بين الإسبرطيين أصحاب النظم والإجراءات الإدارية، ولم تنشأ بين الأثينيين أصحاب الفلسفات والبحوث النظرية، ويعلق الأستاذ عباس محمود العقاد على ذلك بقوله: "فمن الواضح أن الديمقراطية قديمها وحديثها لم تقم على الحق الإنساني المعترف به لكل إنسان، وأنها كانت إلى الضرورة العملية أقرب منها إلى المبادئ الفكرية والأصول الخلقية".
وهكذا فإن هناك فارقًا جوهريًّا بين الحرية في المنظومة الإسلامية، القائمة على الحق الذي أعطاه الله للإنسان، وعلى وجوب ذلك في كل الظروف، وليس استجابة لظروف وتوازنات.
الحرية في الإسلام غير الحرية في الديمقراطية، فالحرية بغير إيمان هي حركة آلية حيوانية أقرب إلى الفوضى والهياج فيها إلى الجهد الصالح، ولأن الحرية في الديمقراطية لا تستند إلى قواعد أخلاقية إنسانية أو ذات طابع إيماني ديني، فإنها لا تحرم مثلاً لعب القمار أو شرب الخمر أو الزنا أو الشذوذ، بل تعتبر هذه حريات شخصية، وبديهي أن فيها من الفساد والإفساد وضياع الوقت والجهد، وغيبوبة العقل ما له أثر سلبي على المجتمع واستقراره ورخائه، ربما تؤدي إلى انهياره في النهاية.
يقوم النظام الديمقراطي، كما يقدم له فلاسفته على الإيمان بالفرد أيمانًا لا حد له، وأنه إذا تركت له الحرية الكاملة، فإنه ينحو بصورة طبيعية إلى مصلحة المجتمع.. وبديهي أن هذا كلام نظري غير صحيح، وهو أقرب إلى الميتافيزيقا التي يدعي فلاسفة النظام ذاته أنهم يرفضونها.. إنه ينطلق من فكرة مسبقة هي فكرة أن الإنسان سيتصرف بصورة صحيحة دائمًا، وأنه مجبول على ذلك. وبديهي أن التجارب البشرية لا تقول بهذا؛ فالإنسان فيه خير وشر، وهو يختار الخير والشر، وبديهي أن البعض يختار الخير والآخر يختار الشر، والفرد نفسه لا يكون خيرًا بالكامل أو شريرًا بالكامل {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 7- 10].
وبديهي أيضًا أن وضع عقوبات على السلوك ليس وحده كافيًا لمنع تجاوز الإنسان، والذي يحدث عادة أن الأفراد لا يتصرفون بطريقة صحيحة، ومن ثم فإن المحصلة حدوث تفاوت طبقي رهيب، بل واستغلال الأغنياء أموالهم للاستبداد بالفقراء، والأقوياء بالضعفاء، ويصبح المجتمع جحيمًا كما حدث في التجربة الليبرالية الغربية. بل هذه المجتمعات ذاتها تذهب لتنهب الآخرين "الاستعمار"، والمحصلة ضياع الحرية الحقيقية على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدول بعضها ببعض، بل القارات بعضها ببعض. وقد لجأت الكثير من تلك الدول إلى وضع ضوابط كثيرة ألغت بها مفهوم الحرية المطلقة للفرد، وأعطت الحكومات كثيرًا من السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم نسفت الأساس النظري للديمقراطية والليبرالية... وبديهي أن نظام الحرية في الإسلام ينطلق من أنها حق أعطاه الله للإنسان، وأن هذه الحرية لا تحقق بإطلاق حرية الفرد وفق ضوابط سياسية وأخلاقية معينة، ومن ثم فإن التجربة الإنسانية أثبتت حتى الآن أن المفهوم النظري والتطبيقي للحرية في الإسلام هي الوحيدة الصالحة حتى الآن.
فالنظام الليبرالي إذن يقوم على الحريات الأربع، وهي الحرية السياسية، والحرية الاقتصادية، والحرية الفكرية، والحرية الشخصية، وهذه الحريات ثبت في الواقع التطبيقي الأوربي ذاته أنها مجرد أوهام؛ فالحرية السياسية يتم مصادرتها عن طريق الإعلام والتوجيه والضغط على الناخبين، وشراء الأصوات والخداع، وفي المحصلة فإن المجتمع الصناعي العسكري في الدول الديمقراطية هو الذي يوجه السياسية ويحقق ما يريد في النهاية من فوز هذا أو ذاك من الأفراد أو الأحزاب في الانتخابات. ويعترف كبار منظري العلمانية والليبرالية والمؤمنين بالحضارة الغربية بذلك؛ فالدكتور فؤاد زكريا يقول في كتابه (الصحوة الإسلامية في ميزان العقل): "إن النظام الديمقراطي مبني أساسًا على قيم فردية على الرغم من المظهر البراق الذي يتخذه هذا النظام حين يؤكد أنه المدافع عن الحرية الفردية، وحقوق التعبير والكلام إلى آخر هذه الحريات الليبرالية المعروفة التي يتخذها الموافقون على هذا النظام محورًا لدعايتهم، وعلى الرغم من هذا كله فإن الحرية التي يدافع عنها هذا النظام هي في واقع الأمر حرية استغلال للضعيف، وكل ما عدا ذلك من حريات تظل ذات طابع شكلي"[6].
والحرية الاقتصادية تؤدي في النهاية إلى وجود تفاوت طبقي رهيب، وتؤدي إلى شقاء الفقراء وزيادة اكتناز الثروة، وأن ذلك يستمر بمتوالية هندسية، والمحصلة النهائية هو أن يصبح نسبة قليلة من سكان العالم في رخاء 20% يحتكرون 80% من الثروة، في حين أن هناك آلاف الملايين من البشر تحت خط الفقر، وهذه النسبة مرشحة للاتساع طبعًا، بل وحتى داخل مجتمعات الـ 20% تلك هناك نسبة 10% تسيطر على 90% من الثروة، وباستمرار المتوالية ستصبح الثروة في الدنيا عمومًا، وفي كل بلد خصوصًا مملوكة لـ 1% والباقي فقراء.
وبديهي أن ذلك أدى إلى الاستعمار أولاً، ثم أدى إلى الشقاء الاجتماعي ثانيًا، ويمكن أن يؤدي إلى انفجارات هائلة اجتماعية بل وبيئية؛ لأن الحرية الاقتصادية والتنافس تؤديان إلى استنزاف البيئة، والإنتاج على حساب التوازن البيولوجي والمناخي، ومن ثم حدوث كوارث من التلوث وغيرها. والحرية الشخصية تؤدي إلى انتشار الدعارة والشذوذ والخمر والميسر، وكلها أمور تقود إلى تفكك المجتمعات، وهكذا فإن الديمقراطية فاسدة في أصلها النظري، وفاسدة في تطبيقاتها الواقعية على حد سواء.
العولمة:
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، ظهرت أفكار من أمثال نهاية التاريخ، والانتصار النهائي للديمقراطية والرأسمالية، وبدأ نشر فكرة تقول أن النظام الصحيح، وأن الحضارة هي الديمقراطية والرأسمالية، وأنه يجب عدم الاعتراف بالحدود القومية والوطنية وإلغاء كل القيود الجمركية، واعتبار العالم قرية صغيرة، وأن يصبح الإنتاج ذا طابع عالمي. وبعيدًا عن الشعارات، فإن المطلوب هو تحويل العالم إلى حلبة مصارعة بين قزم اقتصادي وعسكري وعملاق اقتصادي وعسكري، وأن النتيجة معروفة سلفًا وهي جعل النهب والظلم والاستعمار أمرًا مشروعًا ومعترفًا به عالميًّا.
والغريب هنا أن الدعوة إلى حرية المرور والتجارة وإلغاء الحواجز الجمركية واعتبار العالم قرية صغيرة اقتصرت على حرية رأسمال والبضائع فقط، في حين أن المفروض طالما أن العالم أصبح واحدًا ولا داعي للحديث عن السيادة الوطنية أن يفتح الباب أمام مرور الإنسان من هذا البلد إلى ذاك، ولكن الذي حدث مزيد من القيود على هجرة الإنسان وتنقله، بل ورصد ميزانيات وعمل شرطة وجيوش لمنع ما يسمى بالهجرة غير الشرعية، وكأن الإنسان في هذا النظام العالمي الجديد أقل قيمة من السلع المسموح بمرورها دون قيد أو شرط.
تزامن مع ذلك ظهور ما يسمى في بلادنا بالليبراليين الجدد[7] وهم من بقايا الماركسيين السابقين، أو المطبعين مع الكيان الصهيوني، وهم لا علاقة موضوعية بينهم وبين الليبرالية، فهم يفتقدون لأبسط قواعد الليبرالية وهي الاعتراف بالآخر، فهم يرون حرمان الاتجاه الإسلامي من حق العمل العلني والقانوني، ويدعون إلى إلغاء فكرة السيادة الوطنية -مع أن الليبرالية ارتبطت في أوربا بفكرة السيادة الوطنية وظهور الدول القومية- ويدعون إلى نبذ فكرة الانتماء الديني والقومي والوطني، ومن ثَمَّ التعايش مع الإسرائيليين والتعامل معهم، وهؤلاء مجرد طابور خامس تستخدمه الولايات المتحدة للضغط على الحكومات.
وعلى كل حال، فإن التبشير بالديمقراطية المزعومة الذي قامت به الولايات المتحدة، رغم إدراكنا منذ البداية أنه نوع من الكذب لا أكثر ولا أقل إلا أن الولايات المتحدة ذاتها اتجهت في النهاية إلى تسوية الأمور مع أنظمة الحكم التي كانت تطالبها بالديمقراطية، وباعت من ثم ما يسمى بالليبراليين الجدد في سوق السياسة بثمن بخس.
المصدر: موقع المسلم.
[1] المواجهة بين الإسلام والغرب. د/ محمد مورو - الدار المصرية للنشر والتوزيع - القاهرة - 1993م.
[2] ليس هنا محل تقصي مظاهر العنصرية في تلك الإفرازات في هذا البحث، وذلك موضوع طويل يمكن تتبعه في مصادر أخرى للمؤلف نفسه أو لغيره.
[3] الإسلام بين الشرق والغرب - علي عزت بيجوفيتش - ترجمة محمد يوسف عدس - مؤسسة بافاريا - 1997م.
[4] الأستاذ محمود عباس العقاد - وهو مفكر كبير جدًّا ومدافع عن الإسلام دفاعًا مجيدًا، وقع في هذا الخطأ واستخدم مصطلح ديمقراطية الإسلام في أكثر من كتاب، بل إن له كتابًا بعنوان "الديمقراطية في الإسلام"، صدر في طبعات كثيرة آخرها عن دار نهضة مصر - القاهرة 2005م.
[5] هي كلمة ديموس.
[6] الصحوة الإسلامية في ميزان العقل - د. فؤاد زكريا - دار الثقافة الجديدة - القاهرة 1990م.
[7] مجلة البيان - العدد 219 - ذو القعدة 1426ﻫـ - ديسمبر 2005م.