نجاح الدعوات
إن من أعظم الأسباب التي تساعد على نجاح الدعوة هو وضوح المنهج، ووضوح الغايات والوسائل، فهذا مما يؤلف الناس ويجمعهم ويشجعهم، والغموض والضبابية مما يبعدهم وينفرهم، وهذا الوضوح لا يعني الجمود على وسائل معينة لا نبرحها، فهناك مراحل تنتقل بها الدعوة وتحتاج إلى التجديد.
قد يعنُّ للمسلم أمور واجتهادات يظن أنها تقوِّي الدعوة أو تفتح لها آفاقًا جديدة، ومن هذه الاجتهادات: الشعار المرفوع في هذه الأيام وهو شعار (الاعتدال) و(الانفتاح)، وهذا إن كان حقًّا في حد ذاته ولكنه يؤول إلى نوع من الباطل حين يصير إلى تمييع الثوابت والعقائد.
إن الإسلام دين مبنيٌّ على الفطرة السليمة، والسماحة، ومراعاة الاعتدال لا شك في ذلك إذا كان المقصود عدم التنطع والمشادة، ولكن مصطلح الاعتدال أتى في هذه الأيام كردِّ فعلٍ على واقع معين وعلى تشدُّد في غير محله، وردات الفعل لا تؤدي إلى الطريق الصحيح عادة، وكذلك عندما يكون الإنسان مسكونًا بعقدة معينة؛ لأن هذا ليس منهجًا مؤصلاً وجادَّة مستقيمة..
ولذلك نشاهد أن هذا الانفتاح في بعض المناطق وبعض الأحيان تحول لمصلحة أهل البدع الكبيرة، وفي الوقت نفسه ابتعد هذا الانفتاح عمن هو أقرب للحق والصواب. ولا يعني هذا أن نغلق باب الحوار مع الآخرين للوصول إلى الحق أو قريبًا منه، ولكن أن تذهب الجهود و(الأموال) أيضًا إلى غلاة أهل البدع أو إلى الانتهازيين، فهذا مما يؤسف له ولا ينقضي منه العجب؛ إذ كيف يغفل المسلمون عن منهج قرآنهم وسنة نبيهم في المحاورة والمجادلة والتعامل مع أهل البدع وأهل الأهواء؟!
إنه والله غشٌّ للدعوة وللمنهج أن نسوق أهل الأهواء ونُظهِرهم بصورة حسنة أمام الناس بحجة الانفتاح.
إن الانفتاح الحقيقي يجب أن يكون مع جماهير الأمة الذين هم أقرب للفطرة وأقرب للاستجابة، والذين هم أكثر تضحية عند الملمات، والانفتاح يجب أن يكون مع العلماء الذين يحملون هموم الأمة، وهم موضوع احترام وتقدير الناس. التجديد لا يكون إلا مع وجود ثوابت يدور حولها التجديد، وتدور حولها المتغيرات حسب الزمان والمكان، نحن مع الانفتاح ولكن من منطلق الثوابت؛ حتى لا يتسلل المنحرفون والانتهازيون إلى مؤسساتنا الثقافية والدعوية.
إن أوقاتنا أثمن في أن نضيعها في الأخطاء واكتشاف الأخطاء ثم التلاوم والتدابر، وقد قال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم محذرًا من التنازل والتساهل مع المنافقين: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49]