همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

 حقيقة النصر في الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

حقيقة النصر في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: حقيقة النصر في الإسلام   حقيقة النصر في الإسلام Emptyالسبت فبراير 27, 2016 10:42 am

حقيقة النصر في الإسلام
غزوة الطائف
انتصر المسلمون يوم حُنين، ولم يَدُرْ فيه قتال يذكر، ومع ذلك كان له من الآثار ما لا يحصى، وكان من أهم هذه الآثار أن المسلمين فقهوا جيدًا حقيقة النصر في الإسلام، وعلموا تمام العلم أن المسلم الذي يَعِدُّ العُدَّة دون أن يرتبط بالله ، فإن نصره بعيد، وثباته محال. وكان هذا الدرس من أبلغ الدروس التي تعلمها المسلمون في كل حياتهم السابقة، ورأينا فرار جيش هوازن بكل بطونها من أمام جيش المسلمين عندما عاد المسلمون إلى ربهم I، وعادوا إلى الفقه السليم، فرت جيوش هوازن، حتى وصلوا في فرارهم إلى مدينة الطائف.

وفر معهم زعيمهم القومي مالك بن عوف النصريّ، فقد ظل زعيمهم حتى بعد هزيمته في حُنين. وبعد ذلك أخذ الرسول معظم الجيش، وذهب لحصار مدينة الطائف، وحرب جيش هوازن، واستغلال فرصة انهزام هوازن حتى يقابلهم في معركة فاصلة؛ لذلك لم يقسِّم الرسول غنائم حُنين الهائلة إلا عندما ينتهي من قضية هوازن وثقيف، وتستقر الأوضاع.

الرسول يسير بالجيش إلى الطائف
سار الرسول في جيشه الضخم متجهًا إلى الطائف، والمقارنة عجيبة بين هذا المسير المهيب للطائف، وبين مسيره إليها منذ أحد عشر عامًا، وكان الرسول وقتها متجهًا إلى الطائف، وهو في أشد حالات الحزن والضيق، وكان يسير ماشيًا على قدميه، وليس معه إلا غلامه زيد بن حارثة ، فقد طردته مكة، وأخرجته وتنكرت له، وماتت السيدة خديجة رضي الله عنها، ومات عمه أبو طالب، وليس معه في مكة إلا أقل القليل من المؤمنين الذين لا يتجاوزون المائة. فالوضع كان في قمة المأساة، ولم تخفف الطائف من آلامه ، بل عمقت هذه الآلام، ورفضت الدعوة الإسلامية بتكبر، وحاربت الرسول بشدة، واستقبلته استقبال اللئام، لا استقبال الكرام، وطردوه هو وصاحبه زيد ، وقد أمطروهما بوابل من الحجارة والتراب والسباب، حتى ألجئوهما إلى حائط عتبة وشيبة ابني ربيعة.

ونحن نعلم الدعاء المشهور الذي دعا به الرسول هناك، وهو دعاء يعبر عن درجة الألم والأسى والحزن الشديد التي وصل إليها . وغادر الرسول في ذلك اليوم هذه الحديقة، وعاد متجهًا إلى مكة -كما تقول الرواية- مهمومًا على وجهه، في ظروف لا يتحملها عامة البشر، ومع ذلك ومع كون حالته النفسية قد وصلت إلى أقصى درجات الألم، إلا أنه رفض تدمير قريتي الطائف ومكة المكرمة اللتين كفرتا بالله ، مع أن ملك الجبال عرض عليه هذا الأمر، ولكن الرسول قال في منتهى التجرد: "بَلْ أَرْجُو مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"[1].

ومرت الأيام، وكما يقول الله : {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].



وغيّر الله الأحوال، وجاء الرسول بعد أحد عشر عامًا كاملة بما لا يتخيله أحد، لا من الطائف، ولا من مكة، ولا من أهل الجزيرة بكاملها. جاء الآن عزيزًا منتصرًا مُمَكَّنًا، رافعًا رأسه، ومحاطًا بجيش مؤمن جرّار، يزلزل الأرض من حوله، ويرفع راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله). أحد عشر عامًا فقط فرّقت بين الموقفين، وتحقق ما ذكره لصاحبه زيد بن حارثة يوم قال له في يقين -بعد عودتهم المحزنة من الطائف-: "يَا زَيْدُ، إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ"[2].

وسبحان الله! جاء الفرج والمخرج على صورة أعظم بكثير من تخيل الجميع، ونصر الله الدين، وأظهر النبي الكريم. ولا شك أن الرسول وهو ذاهب إلى الطائف كان في رأسه ذكريات كثيرة تجول في خاطره، إنها ذكريات لا حصر لها؛ الجيش يقطع صمت الصحراء في اتجاه الطائف للمرة الثانية في حياته، ولعله تذكر صاحبه زيد بن حارثة حِبّه ، عندما كان يصحبه في رحلة الطائف، والآن زيد لا يسير معه، فقد سبق زيد إلى الجنة ، إذْ استشهد في موقعة مؤتة.

ولعله تذكّر أهل الطائف، وهم يرفضون دعوته جميعًا -بلا استثناء- في تعنت أشد من تعنت أهل مكة. ولعله تذكر عبد يالِيل بن عمير الثقفي -الذي انتهت إليه زعامة ثقيف- عندما وقف يسخر من النبي ، ويقول: هو يَمْرُطُ[3] ثيابَ الكعبة، إنْ كان الله أرسلك. ويقول الآخر: أمَا وَجَدَ الله أحدًا يرسله غيرك[4]. فقد فرَّ فرارًا مخزيًا من أرض حُنين، وذهب يختبئ في حصون الطائف.

ولعله تذكر عَدَّاس النصراني الغلام الصغير الذي آمن ، واختفى ذكره من السيرة بعد ذلك، ولا نعلم من حاله شيئًا، لكنَّ الله يعلمه. ولعله تذكر عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة صاحبي الحديقة التي لجأ إليها ، الآن عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة يرقدان في قَلِيب بدر يُعذَّبان مع قادة الكفر في مكة المكرمة في قبورهم. ولعله تذكر وهو يمر على وادي نخلة مجموعة الجن التي آمنت به في رحلته إلى الطائف، وهو في طريق عودته إلى مكة المكرمة، ويتذكر جبريل، وملك الجبال. ذكريات كثيرة بعضها سعيد وبعضها أليم، والأيام على أي حال تمرّ، وكل شيء يذهب، ولا يبقى إلا العمل.

الجيش الإسلامي يصل إلى أرض الطائف
خريطة غزوة الطائفوصل الجيش الإسلامي العملاق إلى الطائف، وتوقع الجميع معركة هائلة بين هذا التجمع الضخم من المسلمين، وبين تجمع هوازن وثقيف في حصون الطائف في عقر دارهم. وكان الجيش الإسلامي بكامله موجودًا في الطائف، ويبلغ اثني عشر ألفًا، وتوقع الجميع معركة هائلة، ولكن -سبحان الله- رفض المشركون الخروج للحرب، واختاروا أن يمكثوا في حصونهم دون قتال. وإذا قرر أهل ثقيف وهوازن عدم الخروج فسيكون القتال صعبًا للغاية، ولكنهم -فعلاً- رفضوا مع أن عَددهم وعُدَّتهم أضعاف المسلمين، ومع أنهم يقاتلون في بلادهم التي خبروها وبالقرب من مددهم، وفي ظروف اعتادوا عليها، ولكن الله ألقى الرهبة في قلوبهم، فما استطاعوا أن يأخذوا قرار الحرب مرة ثانية، واكتفوا بفضيحة حُنين.

ولا شك أن في هذا خزيًا كبيرًا؛ لأن نساء وأموال هوازن مع المسلمين الآن، ومع ذلك فضلوا ألاّ يخرجوا من حصونهم، وعدم السعي لاستخلاص هذه الأنعام، وهذه الأموال، وهذه النساء من أيدي المسلمين. فماذا فعل الرسول عندما رأى أن أهل الطائف من هوازن وثقيف يرفضون الخروج للقتال؟!

المسلمون يضربون الحصار على الطائف
لم يَفُتّ تحصن هوازن وثقيف عزيمةَ الرسول وصحابته الكرام، ولكنه أمر بتجمُّع الجيش الإسلامي، وأخذ يحاصر الحصون المنيعة لعلهم يخرجون. وبدأ حصار المسلمين للطائف، فقام أهل الطائف بإطلاق السهام والرماح على المسلمين، وحصونهم عالية وكبيرة، واشتد رميهم مع مرور الوقت، واستشهد من المسلمين اثنا عشر من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ولم تكن سهام المسلمين تصل إلى الحصون، وأصبحت المشكلة كبيرة على المسلمين.

فأشار الحُبَاب بن المنذر أن يبتعد المسلمون عن الحصن حتى لا تصيبهم السهام، وبالفعل عسكر الرسول في مكان بعيد، ولكنه ما زال يحاصر الطائف.

ماذا يفعل الرسول في هذا الموقف؟ وكيف يُخرِجهم من داخل الحصن؟

قام الرسول بعمل أكثر من طريقة لضرب هذا الحصار؛ فقد قام سلمان الفارسيّ بصناعة منجنيق؛ لقذف حصون الطائف بالحجارة، وصنعوا دبابةً خشبية كان يختبئ تحتها الجنود؛ ليصلوا إلى القلاع والحصون دون أن تصيبهم السهام. وبدأ المسلمون في قذف أسوار الطائف بالمنجنيق الذي صنعه سلمان ، وسار المسلمون تحت الدبابة الخشبية، وبالفعل كسروا جزءًا من السور، وكاد المسلمون يدخلون داخل أسوار الطائف، لولا أن أهل الطائف فاجئوا المسلمين بإلقاء الحَسَك الشائك المُحمَّى في النار، وهو عبارة عن أشواك حديدية ضخمة أوقدت عليها النار حتى احمرّت فألقوها على المسلمين. وهذه كانت مأساة كبيرة على المسلمين، فقد أصيبوا إصابات بالغة دفعت المسلمين إلى العورار بحرق حدائق العنب حتى يدفع أهل الطائف إلى الخروج للقتال، وكانت هذه الحدائق كثيرة، وتحيط بالحصن، والرسول لا يحرق هذه الأشجار، وهذه الأعناب بغرض التدمير، ولكن بغرض إجبار أهل الطائف على الخروج للقتال. وبدأ المسلمون في حرق كَمِّيَّةٍ ضخمة من العنب؛ ولكن ثقيفًا نادت على المسلمين من وراء الأسوار: لمَ تقطع أموالنا؟ إما أن تأخذها إنْ ظهرت علينا، وإما أن تدعها لله وللرَّحِم.

فقال رسول الله : "فَإِنِّي أَدَعُهَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ"[5].

لأن العَلاقة بين ثقيف وقريش علاقة بعيدة، فقد كانت إحدى جدات الرسول لأمِّه من ثقيف، وكانت الجدة الخامسة للرسول ، وكان اسمها هند بنت يربوع الثقفية؛ فلذلك ترك الرسول الأعناب. وكان المسلمون يقطعون الأعناب لإجبار ثقيف وهوازن على الخروج من الحصون، فآثر أن يترك الأعناب لله ، وللرحم التي بينه وبينهم .

ولم يفعل الرسول مثل ما كانت -وما زالت- تفعله الجيوش الكافرة العلمانية، مثل جيوش فارس، والرومان، والتتار، واليهود، وجيوش العصور الحديثة التي تفسد في الأرض لمجرد الإفساد، حتى إن الله يصفهم في كتابه العزيز: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205].

أي أن الإفساد هدف في ذاته، ولكن المسلمين لم يفعلوا ذلك إلا لغاية محددة، فلمّا لم تفلح في إخراج أهل الطائف توقف المسلمون عن حرق الحدائق.

فكر الرسول في وسيلة تفتُّ عزيمةَ أهل الطائف، فنادى الرسول على العبيد في داخل الحصون، وقال: "أَيُّمَا عَبْدٍ نَزَلَ مِنَ الْحِصْنِ وَخَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ"[6].

ونحن نعلم أن العبيد كانت أعدادهم كبيرة في المجتمع العربي القديم، وكانت سياسة الإسلام تهدف إلى تحرير العبيد في كل مناسبة ممكنة، وكانت هذه فرصة طيبة لتحرير العبيد، وهؤلاء العبيد في الغالب سيسلمون، وبذلك يستنقذون من ظلمات الكفر، وسيفقد أهل ثقيف طاقة هؤلاء العبيد، وسينقلون الأخبار من داخل ثقيف، فهناك أكثر من فائدة في فكرة الرسول ، فهي هدف دعويّ عسكري بارع من الرسول . وبدأ الصحابة رضوان الله عليهم ينادون على العبيد، وبدأ يخرج بعض العبيد من داخل الحصون، حتى وصل عددهم إلى ثلاثة وعشرين من العبيد، واكتشفت ثقيف الأمر، وشددت الحصار على الأسوار، ومنعت خروج بقية العبيد. ولكن المسلمين استفادوا من خروج مجموعة العبيد السابقين، إنهم إضافة إلى أمة الإسلام، ولأنْ يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها، وخير لك من حُمْر النَّعَم. والشيء الآخر أن هؤلاء العبيد أخبروا المسلمين ببعض المعلومات العسكرية الخطيرة، وأخبر هؤلاء العبيد الرسول أن الطعام والشراب اللذين في داخل الطائف يكفيان أهل الطائف للصبر على الحصار سنة على الأقل أو عدة سنوات.

وهي معلومة على جانب كبير من الأهمية؛ لأن المسلمين لا يستطيعون أن يقضوا حياتهم في هذا المكان؛ لأن القوات الإسلامية ليست مجرد فرقة من الجيش الإسلامي، ولكن هذه القوات هي المجتمع المسلم بكامله. فالرسول لم يترك في المدينة المنورة إلا القليل من الرجال لحراسة النساء والديار، وهناك الكثير من القبائل التي دخلها الإسلام حديثًا هنا وهناك تحتاج إلى متابعة مستمرة؛ خوفًا من انقلابها إلى الكفر، وخوفًا من مهاجمة المدينة المنورة وهي خالية من الرجال، وهناك اليهود في خيبر على مقربة من المدينة، وهم على عهد، وقد يخالفون كعادتهم، وهناك أهل مكة حديثو عهد بجاهلية، وهناك الغنائم الضخمة المتروكة في وادي الجِعْرانة

وهذه مشاكل ضخمة وكثيرة، ولا يستطيع الرسول أن يترك كل هذه الأمور. ماذا يفعل الرسول ؟ فقد طال حصار الطائف حتى وصل في بعض التقديرات -في رواية مسلم عن أنس - إلى أربعين يومًا كاملة في حصار الطائف، ولا فائدة.

الرسول يستشير أحد أصحابه
استشار الرسول أحد أصحابه من أصحاب الخبرة العسكرية والرأي السديد، وحينما تسمع اسم هذا الصحابي الذي استشاره الرسول سينتابك العجب لا محالة، إنه أمر عجيب! استشار الرسول نوفل بن معاوية الديليّ . ونوفل بن معاوية الديلي كان زعيم بني بكر، وهي القبيلة التي كانت متحالفة مع قريش بعد صلح الحديبية، وقاد قومه بني بكر لقتل خزاعة، والذي كان سببًا في نقض صلح الحديبية، والذي ردَّ بالردِّ الكافر على قومه، عندما قالوا له: يا نوفل، إلهك إلهك.

فقال: يا بني بكر، لا إلهَ لكم اليوم.

هذا هو نوفل بن معاوية الذي ارتكب كل هذه الجرائم منذ شهرين أو ثلاثة في شهر شعبان سنة 6هـ، والذي كان سببًا في خروج الرسول إلى فتح مكة المكرمة، ثم حُنين، ثم الطائف. وسبحان مُقلِّب القلوب ومُصَرِّفها! أسلم نوفل بن معاوية بعد هذا التاريخ الأسود مع المسلمين، وحسن إسلامه، وانضم إلى الجيش المسلم، وأصبح مستشارًا أمينًا لرسول الله ، وإن كنا نعجب من تحوُّله من الكفر إلى الإيمان، ومن الغدر إلى الأمانة، ومن حلفه مع قريش إلى دخوله في الإسلام، فالعجب كل العجب، والانبهار كل الانبهار في الدرس الذي يعطيه لنا معلم البشرية، وسيد الخلق محمد ، ونرى التوظيف الرائع من الرسول لكل الطاقات التي حوله.

وقد رأيناه يولِّي عمرو بن العاص قيادة سرية ذات السلاسل، ولم يمر على إسلامه شهورٌ قليلة. ورأيناه يقرِّب خالد بن الوليد في كل أموره، حتى قال خالد: "والله ما كان رسول الله من يوم أسلمت يعدل بي أحدًا من أصحابه فيما حَزَبَهُ"[7].

وهذا إحساس صادق من خالد بن الوليد، ومن المؤكَّد أن الرسول كان يسأل أصحابه مثل أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعلي، وغيرهم أكثر من استشارته لخالد بن الوليد، ولكن الرسول كان يُشعِره دائمًا بقيمته وأهميته. ورأيناه يولي عَتَّاب بن أَسِيد على مكة المكرمة، ولم يكن قد أسلم إلا منذ أيام قليلة. وهكذا يكون التعامل مع الرجال، خاصةً الذين يتمتعون بملكات قيادية، فإن لم يستفد منهم المسلمون، فقد يكونون وبالاً على الأمة. وقد بلغ الرسول -والله- قمة الحكمة في التعامل مع الناس، وقمة الحكمة في إنزال الناس منازلهم، وقمة الحكمة في الاختيار من بين آرائهم .

وكان من نتيجة هذه السياسة الحكيمة أن نوفل بن معاوية القائد العسكري المحنك يُدلِي برأيه في قضية تنفع الإسلام والمسلمين، ولو كان القائد غير رسول الله لتتبع قوّاد الجيش المعادي بالقتل والإبادة والسجن والتعذيب، ولكن الرؤية كانت واضحة جدًّا عند رسول الله "لأَن يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ"[8].

إنها سياسة نبوية ثابتة ومستقرة.

ماذا قال نوفل بن معاوية لرسول الله ؟

قال: "يا رسول الله، هم ثعلب في جُحرٍ، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك".

أي أن أهل ثقيف مثل الثعالب في مكرهم، وهذا حقيقي ومشهور عنهم وسط العرب، حتى قال عنهم عُيَينة بن حصن: "إن ثقيفًا قومٌ مناكير"[9]. أي أصحاب دهاء وفطنة ومكر. ورأينا طرفًا من هذه الفطنة، وهذا الدهاء في هذا الحصار الصعب، وهذه المقاومة الشرسة. ثم إنه يؤكد أنه لا مهرب لهم من هذه الحصون: إن أقمت عليه أخذته.

غير أنه يشير إلى شيء في غاية الأهمية، يقول: إن شوكة ثقيف وهوازن قد كُسرت، ومعنوياتهم هبطت إلى الحضيض، ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم، وطارت فضيحتهم في الآفاق؛ لذلك قال نوفل في نظرة عميقة وتحليل دقيق: وإن تركته لم يضرك.

أي لو صبرت على الحصار، فستصل إلى مرادك، وستفتح الحصن؛ لأن خطرهم أصبح معدومًا، وسوف يضيع الوقت في حصارهم، وقد يكون طول الحصار ضارًّا للجيش الإسلامي أكثر من نفعه. وهنا يعقد الرسول موازنة بين الأمرين، فيجد أن بقاءه في هذه البلاد أكثر من ذلك سيوقع الدولة الإسلامية في أضرار أكثر من الفوائد المحصلة.

الرسول يأمر برفع الحصار عن الطائف
هنا يأخذ الرسول القرار الصعب بالانسحاب إلى وادي الجعرانة حيث غنائم المسلمين، وترك حصار الحصن المنيع الطائف. وكان الرسول في منتهى الحسم في هذا القرار، حتى إنه بسرعة أرسل إلى عمر بن الخطاب أن ينادي في الناس ويقول: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ".

فما ردُّ فعل المسلمين على هذا الكرم؟ نجد أن المتحمسين والعاطفيين من أبناء الجيش الإسلامي لم يستريحوا لهذا الخبر، فأتوا بسرعة الرسولَ ، وقالوا في استنكار: نذهب ولا نفتحه؟

فلما رآهم الرسول كثرةً احترم رأيهم، وأراد أن يتعلموا الدرس بصورة عملية، فقال لهم: "اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ".

فسمح لهم بالقتال. وفي اليوم الثاني خرج المسلمون للقتال، وفي هذا اليوم بالذات أصيب المسلمون إصابات شديدة، إصابات بالغة فعلاً، وقام الرسول ، ولم يعنِّفهم على القرار الذي رغبوا فيه، ولم يقل لهم: ألم أقل لكم؟ وإنما قال في بساطة: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ"[10].

وقَبِل المسلمون هذه المرة في سرور، وامتنعوا عن الجدل، واقتنعوا بعدم جدوى القتال، وبدءوا فعلاً في جمع الرحال، ورسول الله يضحك.

وقفة مع هذا الموقف
ونقف وقفة مع هذا الموقف العظيم، والرسول يعلمنا في هذا الموقف أشياء مهمة. يريد الرسول أن يعلمنا الواقعية في الحياة، فليس عجيبًا أبدًا أو غريبًا أن تفشل في أمر من الأمور، وليس بالضرورة أن تكون كل معاركنا، أو كل مشاريعنا ناجحة، لكن المهم ألاّ نغرق في العمل دون إدراك الواقع أنه غير قابل للتحقيق، وليس معنى هذا سرعة اليأس، ولكن الرسول بذل كل ما في الوسع، واستخدم كل وسيلة لفتح الحصن، ولكن الله لم يشأ، ولم ينجح المسلمون في فتحه، فقَبِل في واقعية جميلة جدًّا أن ينسحب.

وهذا فرقٌ كبير بين المصابرة وبين تضييع الوقت؛ إن المصابرة على أداء عمل أمر مطلوب، ولكن لا بد أن تكون هناك مؤشرات للنجاح، ولا بد أن تكون هناك مقاييس تشير إلى أن هذا العمل قابل للتحقيق، ولا بد أن تكون الخسائر أقل من الفوائد؛ فلذلك لا بد من المتابعة والملاحظة والتقييم المستمر. أما تضييع الوقت والاستمرار في عمل لا يمكن تحقيقه بالإمكانيات المتاحة، أو يتسبَّب في خسائر أكبر من الفوائد، فلا داعي للإصرار على الاستمرار في هذا العمل طالما أن هناك خسائر ضخمة.

ونحن نلاحظ كيف يُعَلِّم الرسول الصحابة ، فقد تركهم النبي يحاولون، وهو يعرف أن فتح الحصن صعب جدًّا، ولكنه تركهم ليعيشوا معه في واقعيته . ولما أيقن الصحابة صعوبة المهمة، ووافقوا على الرحيل، وهم راضون، قام الرسول ليفك الحصار، ويغادر الطائف وهو يضحك. سبحان الله!

هذه القيادة الهادئة تبثُّ الأمن والراحة في قلوب الجنود، ليس هناك انفعال ولا عصبية، ولا تحميل الآخرين أخطاء لم يعملوها، وليس هناك حالة غضب، ولا حالة يأس أو إحباط، ولا حالة من الحزن، ولا كلمة لو؛ لو كنا فعلنا كذا لكان كذا وكذا، فإنها تفتح عمل الشيطان، ولكن هناك هدوء أعصاب وثقة وقدرة على التكيف في كل الظروف.

الحكمة الإلهية من فك الحصار
والحقيقة أننا سعداء بعدم فتح الطائف، وفك الحصار عنها، ومن الممكن أن نستغرب هذا الكلام؛ لأن عدم فتح الطائف له فوائد من عدة أمور:

أولاً: لو فتحت الطائف في هذه الظروف الصعبة، والقتال الشرس، والمطاردة لهوازن وثقيف، ودار القتال في داخل الحصون، لقُتل فيها ما لا نتخيل، ولفقد الإسلام قوة هؤلاء جميعًا؛ لأن كل هؤلاء قد أسلموا بعد ذلك، ولو فتح المسلمون الطائف عَنْوةً لقُتلوا ولفقد الإسلام قوتهم، ولكان عاقبتهم النار، ولكان هذا أسوأ وأشد.

ثانيًا: كان هذا الانسحاب دون إتمام المهمة كما نريد، قد فتح لنا بابًا وسُنَّة نتبعها إن تعرضنا لنفس الموقف. فلو أصرَّ الرسول على عدم الانسحاب حتى يفتح الحصن، لكان في هذا حرجٌ كبير للأمة الإسلامية؛ لأنه سيكون لزامًا علينا ألاّ ننسحب، ولكن بهذا الفعل منه ترك الأمر لقادة المسلمين ولرأي الشورى، فإن رأى المسلمون أن الحصار يُجدي صبروا كما حدث في فتح خيبر، وإن رأوا أن الأمر غير مُجْدٍ، أو أن الخسائر ستكون كبيرة كما حدث في الطائف، فلهم في كلتا الحالتين أسوة في رسول الله .

الرسول يدعو لأهل الطائف بالهداية
ولنا وقفة مهمة مع موقف في منتهى الرقي من مواقفه وهو يغادر الطائف، قال له بعض الصحابة -والصحابة رضوان الله عليهم يملأ قلوبهم الغيظ لعدم التمكُّن من فتح الحصن-: يا رسول الله، ادعُ الله على ثقيف.

فقال في هدوء، وفي حبٍّ، وفي أمل: "اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا وَأْتِ بِهِمْ"[11].

ما غابت عنه رسالته قَطُّ، فهو يريد أن يصل بدعوته إلى الناس لا أن يقتلهم، حتى وإن رفض أهل الطائف الإيمان، واستكبروا عنه، وقاوموا وقاتلوا. فالرسول ما زال يرجو إسلامهم، حتى مع مرور السنين تلو السنين، ما زال يرجو إسلامهم، حتى مع ذكريات الطائف في الزيارة الأولى، ومع واقع الطائف في الزيارة الثانية، ما زال يرجو إسلامهم. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ، وَيَغْلِبْنَهُ وَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجُزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا"[12].

أهل الطائف يدفعون أنفسهم في النار، يقتحمون فيها، والرسول حريص عليهم أكثر من حرصه على نفسه . ولم يكن هذا الموقف موقفًا عارضًا في حياته، إنه أَبَى أن يُهلك الطائف ومكة المكرمة حتى بعد أن عرض عليه ذلك ملك الجبال وجبريل عليهما السلام، وفعل ذلك أيضًا قبل ذلك مع قبيلة دوس عندما رفضوا الإسلام، قال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ"[13].

وفعل ذلك مع قريش بعد أن قتلت سبعين من خيار الصحابة في أُحد، قال: "اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"[14].

صدق الله العظيم الذي يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]. ليس رحمة للمسلمين فقط، ولكن رحمة لكل البشرية، ولكل الإنسانية.



[1] البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (3059)، ترقيم مصطفى البغا. مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي من أذى المشركين والمنافقين (1795)، ترقيم فؤاد عبد الباقي.

[2] ابن قيم الجوزية: زاد المعاد، مؤسسة الرسالة، بيروت - مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة السابعة والعشرون، 1415هـ- 1994م، 3/33.

[3] أي يمزق.

[4] ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، دار المعرفة - بيروت، القسم الأول (الجزء الأول والثاني) ص419.

[5] ابن القيم: زاد المعاد 3/433.

[6] السابق نفسه، الصفحة نفسها.

[7] ابن كثير: السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة - بيروت، 1396هـ- 1971م، 3/453.

[8] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم على يديه رجل (2847). مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب (2406).

[9] ابن كثير: السيرة النبوية 3/662.

[10] ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/497.

[11] ابن هشام: السيرة النبوية، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص488.

[12] البخاري: كتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي (6118). مسلم: كتاب الفضائل، باب شفقته r على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم (2284).

[13] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم (2779). مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيِّئ (2524).

[14] المباركفوري: الرحيق المختوم، دار الوفاء - مصر، الطبعة السابعة عشرة، 1426هـ- 2005م، ص240.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
حقيقة النصر في الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: