مؤامرة قريش في دار الندوة لقتل النبي
علمت قريش أنه كلَّما مرَّ الوقت اقتربت ساعة الصفر التي سيغزو فيها المؤمنون مكة؛ لكن زعماء قريش كانوا يُدركون -أيضًا- أن ساعة الصفر هذه لن تكون إلا بعد أن يُهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ويُوَحِّد صفوفه، ويُجَهِّز جيوشه، ثُمَّ يأتي من جديد إلى مكة. إذن فحجر الزاوية في الموضوع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوسيلة الوحيدة لوقف خطر المؤمنين الداهم هو السيطرة عليه صلى الله عليه وسلم؛ ولكن كيف؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم القبيلة العزيزة الشريفة؟!
تفاصيل الاجتماع في دار الندوة
احتار القرشيون المشركون، فقرَّرُوا عقد اجتماع لكبار الزعماء في مكة لتدارس هذا الأمر؛ وذلك في دار الندوة، المقر الرئيس لاجتماعات قريش، فكان اللقاء الخطير الذي سجَّلته كتب التاريخ!
في صباح يوم الخميس السادس والعشرين من صفر من السنة الرابعة عشر للبعثة تمَّ عقد أخطر اجتماع في تاريخ دار الندوة، وكان اجتماعًا طارئًا حضره ممثِّلُون عن كل القبائل القرشية عدا بني هاشم.
وقد وردت تفاصيل هذا الاجتماع الخطير في رواية ضعيفة عند ابن إسحاق؛ لكن لها شواهد ترفعها إلى درجة الحسنِ، وهذا هو نصُّ الرواية:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ أَبِي الْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا أَجْمَعُوا لِذَلِكَ وَاتَّعَدُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَتَشَاوَرُوا فِيهَا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَدَوْا فِي الْيَوْمِ الَّذِي اتَّعَدُوا لَهُ -وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ يُسَمَّى يَوْمَ الرَّحْمَةِ[1]- فَاعْتَرَضَهُمْ إبْلِيسُ فِي هَيْئَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ[2]، عَلَيْهِ بِتَلَّةِ[3] فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَاقِفًا عَلَى بَابِهَا، قَالُوا: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ[4] سَمِعَ بِالَّذِي اتَّعَدْتُمْ لَهُ فَحَضَرَ مَعَكُمْ لِيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ، وَعَسَى أَنْ لاَ يَعْدَمَكُمْ مِنْهُ رَأْيًا وَنُصْحًا. قَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ. فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَارِمِ بْنِ نَوْفَلٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَزَمَعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ. وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ: نَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لاَ يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: إنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ؛ فَإِنَّا وَاللهِ مَا نَأْمَنُهُ عَلَى الْوُثُوبِ عَلَيْنَا فِيمَنْ قَدِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِنَا، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا. قَالَ: فَتَشَاوَرُوا ثمَّ قَالَ قَائِلٌ [5] مِنْهُمْ: احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا، ثمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ أَشْبَاهَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ زُهَيْرًا وَالنَّابِغَةَ [6] وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ مِنْ هَذَا المَوْتِ حَتَّى يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ. فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لاَ وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيِ. وَاللهِ لَئِنْ حَبَسْتُمُوهُ كَمَا تَقُولُونَ لَيَخْرُجَنَّ أَمْرُهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ الَّذِي أَغْلَقْتُمْ دُونَهُ إلَى أَصْحَابِهِ، فَلأَوْشَكُوا أَنْ يَثِبُوا عَلَيْكُمْ فَيَنْزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثمَّ يُكَاثِرُوكُمْ بِهِ حَتَّى يَغْلِبُوكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيِ فَانْظُرُوا فِي غَيْرِهِ. فَتَشَاوَرُوا، ثمَّ قَالَ قَائِلٌ [7] مِنْهُمْ: نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلاَدِنَا، فَإِذَا أُخْرِجَ عَنَّا فَوَاللهِ مَا نُبَالِي أَيْنَ ذَهَبَ وَلاَ حَيْثُ وَقَعَ إذَا غَابَ عَنَّا وَفَرَغْنَا مِنْهُ فَأَصْلَحْنَا أَمْرَنَا وَأُلْفَتَنَا كَمَا كَانَتْ. فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لاَ وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ، وَحَلاَوَةَ مَنْطِقِهِ، وَغَلَبَتَهُ عَلَى قُلُوبِ الرِّجَالِ بِمَا يَأْتِي بِهِ، وَاللهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَا أَمِنْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَى حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ، فَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتَّى يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، ثمَّ يَسِيرُ بِهِمْ إلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ فِي بِلاَدِكُمْ فَيَأْخُذُ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِكُمْ مَا أَرَادَ، دَبِّرُوا فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاللهِ إنَّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ. قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابَّا جَلِيدًا[8] نَسِيبًا[9] وَسِيطًا[10] فِينَا، ثمَّ نُعْطِي كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثمَّ يَعْمِدُوا[11] إلَيْهِ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَقْتُلُوهُ فَنَسْتَرِيحُ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ جميعًا، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ[12] عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جميعًا، فَرَضُوا مِنَّا بِالْعَقْلِ[13] فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ. قَالَ فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الرَّجُلُ، هَذَا الرَّأْيُ الَّذِي لاَ رَأْيَ غَيْرَهُ. فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ[14].
إذن لقد تمَّ الاجتماع الآثم، وبدأت الأفكار الإجرامية تخرج من زعماء قريش، وتُطْرَح للمداولة؛ فمنهم مَنِ اقترح تقييده في بيته بالحديد، فلا يستطيع هجرة ولا حراكًا، ومنهم مَنِ اقترح نفيه خارج مكة إلى مكان بعيد، وكانت هذه الأفكار الإجرامية تخرج من الطائفة التي يمكن أن تُسَمَّى في عرف السياسيين بالمعتدلين -أو الحمائم- من زعماء قريش؛ لكن كانت هناك طائفة أشد إجرامًا وهي الطائفة المتشدِّدة -أو الصقور- حيث قال ممثلها -وهو أبو جهل بن هشام: لا بُدَّ من قتل هذا الرجل، محمد صلى الله عليه وسلم، ووافقت هذه الفكرة هوى المعظم؛ فقلوبهم السوداء كانت تحترق غيظًا وحسدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكن لم يكن عندهم الشجاعة للنطق بمثل هذا الرأي، وفوق ذلك فهم يخشون من بني هاشم، غير أن أبا جهل خرج عليهم بهذه الفكرة الشيطانية، وهي أن يختاروا من كل قبيلة في مكة شابًّا قويًّا، فيحاصرون بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرَّق دمه بين القبائل، ولا تجد بنو هاشم أمامها حلاًّ إلا قبول الدية في قتيلها؛ لأنه ليست لها طاقة بحرب كل القبائل.
وأنا لا أعتقد أن جميع الحضور كانوا موافقين على هذا الرأي؛ لأن هناك بعض الأسماء التي يصعب تصوُّر موافقتها على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففي الحضور على سبيل المثال: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والأول هو أخو المطعم بن عدي، والثاني هو ابنه، ويصعب تصوُّر أن الرجلين يجتمعان مع القوم لتدبير قتل الرجل الذي يُجيره كبير عائلتهم المطعم بن عدي؛ ففي هذا إهانة كبيرة لبني نوفل.
وكذلك نجد في الأسماء أبا البختري بن هشام، وهو رجل شهم ساهم في نقض الصحيفة التي أجمع فيها القرشيون على مقاطعة بني عبد مناف، فإذا كان لم يقبل بالظلم الذي وقع عن طريق المقاطعة فكيف يقبل بالظلم الواقع عن طريق القتل؟ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأمر الصحابة في بدر أن يتجنَّبوا قتل أبي البختري بن هشام، فلو كان أبو البختري من المتآمرين على قتله صلى الله عليه وسلم ما نهاهم عن الردِّ بالمثل في بدر.
وكذلك نرى بين الأسماء زمعة بن الأسود، وهو ليس فقط من النبلاء الذين ساهموا كأبي البختري بن هشام في نقض الصحيفة؛ ولكنه فوق ذلك والد سودة بنت زمعة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم! وليس من المعقول أنه وافق على قتل زوج ابنته في هذا الاجتماع.
وليس معنى هذا أن الاجتماع لم يتم على هذه الصورة؛ بل تمَّ الاجتماع وكانت "الأغلبية" موافقة على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الملهم للأغلبية في هذا الجرم الكبير شيطانان: شيطان الأنس أبو جهل، وشيطان الجنِّ إبليس! ولم تستطع الأقلية أن تفعل شيئًا، وبالتالي خرج زعماء قريش ينتقون من قبائلهم العناصر التي ستقوم بتنفيذ العملية الإرهابية لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا بالنسبة إلى تخطيط المشركين ومكرهم، فكيف بمكر الله وكيده عزَّ وجل ؟!
[1] يوم الرحمة: عند الطبري وابن سيد الناس وابن كثير والصالحي: "يَوْمَ الزَّحْمَةَ". انظر: الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 2/370، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/205، وابن كثير: البداية والنهاية 3/215، والصالحي: سبل الهدى والرشاد 3/231.
[2] قال السهيلي: قَوْلُهُ: "فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ" يَقُولُ: جَلَّ الرَّجُلُ وَجَلَّتِ الْمَرْأَةُ إذَا أَسَنَّتْ. انظر: السهيلي: الروض الأنف 4/ 123.
[3] بِتَلَّة: في رواية الطبري، والمقريزي، والكلاعي، وأبي نعيم الأصبهاني، والبيهقي: "عَلَيْهِ بَتٌّ لَهُ". الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 2/370، والمقريزي: إمتاع الأسماع 4/121، والكلاعي: الاكتفاء 1/ 278، وأبو نعيم الأصبهاني: دلائل النبوة ص201، والبيهقي: دلائل النبوة 2/467، والبتُّ: الكساء الغليظ المُرَبَّعُ، وقيل: الطَّيْلَسان من خَزٍّ. انظر: ابن منظور: لسان العرب، 2/6، وقال الحلبي: ثم إن إبليس جاء إليهم في صورة شيخ نجدي عليه طيلسان من خزٍّ وقيل: من صوف؛ أي وإنما فعل ذلك ليُقْبَل منه ما يُشير به؛ لأن أهل الطيالسة في العادة من أهل الوقار والمعرفة. الحلبي: السيرة الحلبية (إنسان العيون) 2/ 34، والطيلسان: شالٌ، وشاح، كساء أخضر يضعه بعض العلماء والمشايخ على الكتف. انظر: أحمد مختار عمر: معجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 1432، وقال محمد عميم: الطَّيْلَسان: تعريب تالسان وجمعه طيالسة وهو لباسُ العجم مدوَّر أسود لُحمتها وسدادها صوف. انظر: محمد عميم: التعريفات الفقهية ص138.
[4] قال السهيلي: وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ إنِّي مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيرَةِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَدْخُلَنَّ مَعَكُمْ فِي الْمُشَاوَرَةِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ؛ لِأَنَّ هَوَاهُمْ مَعَ مُحَمَّدٍ. فَلِذَلِكَ تَمَثَّلَ لَهُمْ فِي صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيٍّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ تَمَثَّلَ فِي صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيٍّ أَيْضًا، حِينَ حَكَّمُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِ الرُّكْنِ مَنْ يَرْفَعُهُ، فَصَاحَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؛ أَقَدْ رَضِيتُمْ أَنْ يَلِيَهُ هَذَا الْغُلَامُ دُونَ أَشْرَافِكُمْ وَذَوِي أَسْنَانِكُمْ. فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ فَلِمَعْنًى آخَرَ تَمَثَّلَ نَجْدِيًّا، وَذَلِكَ أَنَّ نَجْدًا مِنْهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قِيلَ لَهُ: وَفِي نَجْدِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "هُنَالِكَ الزّلَازِلُ وَالْفِتَنُ وَمِنْهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشّيْطَان". فَلَمْ يُبَارِكْ عَلَيْهَا، كَمَا بَارَكَ عَلَى الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَغَيْرِهَا. انظر: السهيلي: الروض الأنف 4/123، 124، الحديث عند البخاري: كتاب الاستسقاء، باب ما قيل في الزلازل والآيات، (990) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
[5] قال السهيلي: قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: الَّذِي أَشَارَ بِحَبْسِهِ هُوَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ. انظر: السهيلي: الروض الأنف 4/ 125.
[6] النابغة هو اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺬﺑﻴﺎﻧﻲ، زﻳﺎد بن ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻦ ﺿﺒﺎب ﺑﻦ ﺟﻨﺎب ﺑﻦ ﻳﺮﺑﻮع، وزهير هو زهير بن أبي سلمى، زهير بن ربيعة بن رياح المزني، قال ابن قتيبة: أهل الحجاز يُفَضِّلون النابغة وزهيرًا... وقيل: كان النابغة أحسنهم ديباجةَ شعرٍ، وأكثرهم رونق كلام، وأجزلهم بيتًا، كان شعره كلامًا ليس فيه تكلُّف. انظر: ابن قتيبة: الشعر والشعراء 1/156. وقال أيضًا: ثم إنَّ النعمان بُلِّغ عنه شيئًا، فنذر دمه، فسار النابغة إلى ملوك غسَّان... فصار فيهم، وانقطع إلى عمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر بن أبي شمر الغسَّاني، وإلى أخيه النعمان بن الحارث، فأقام النابغة فيهم فامتدحهم، فغمَّ ذلك النعمان. انظر: ابن قتيبة: الشعر والشعراء 1/163-165. وقال عباس عبد الساتر (محقق ديوان النابغة): عاد النابغة إلى مضارب قبيلته بعد موت المنذر سنة 602م، وأمضى فيها أواخر أيامه، التي لم تكن شيئًا يسرُّه، وإنما كانت عرضة لخيانة الأيام وشماتة الحاسدين، ومن المرجح أن تكون وفاته سنة 604م. انظر: ديوان النابغة الذبياني ص6، وقال جواد علي: والنابغة الذبياني من المتألهين كذلك... كان يرى أن الله هو الذي يُقَدِّر الأمور للناس، وأن الإنسان مُسَيَّر بأمر الله. انظر: جواد علي: المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام 18/ 391، وكان زهير يتألَّه ويتعفَّف في شعره؛ ويدلُّ شعره على إيمانه بالبعث. انظر: ابن قتيبة: الشعر والشعراء 1/139، وقال المرزوقي: ومات زهير بن أبي سلمى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسنة، ومات النَّابغة قبله. انظر: المرزوقي: الأزمنة والأمكنة ص466، وذكر أبو عبيدة عن قتيبة بن شبيب بن العوام بن زهير، عن آبائه الذين أدركوا بجيرًا وكعبًا ابني زهير قال: كان أبي من مترهبة العرب، وكان يقول: ولا أن تفندون لسجدت للذي يُحيي هذه بعد موتها! قال: ثم إن زهيرًا رأى قبل موته بسنةٍ في نومه كأنه رُفع إلى السماء حتى كاد يمسُّ السماء بيده، ثم انقطعت به الحبال، فدعا بنيه فقال: يا بني؛ رأيتُ كذا وكذا، وإنه سيكون بعدي أمرٌ يعلو مَنِ اتَّبعه يُفلح، فخذوا بحظِّكم منه. ثم لم يعشْ إلا يسيرًا حتى هلك، فلم يحل الحول حتى بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي: جمهرة أشعار العرب ص70، وقال حمدُو طماس (محقق ديوان زهير بن أبي سلمى): ويبدو أن زهيرًا عُمِّر طويلًا، تنقل بعض الروايات أنه ناهز المائة، وقد أدرك الإسلام، بيد أنه لم يُسلم، إلا أن إدراكه الإسلام فيه شكٌّ؛ بل إنه في أغلب الظن غير صحيح، حيث قُبض قبيل الإسلام. انظر: ديوان زهير بن أبي سلمى ص6.
[7] قال السهيلي: قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: وَالَّذِي أَشَارَ بِإِخْرَاجِهِ وَنَفْيِهِ هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ رَبِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. انظر: السهيلي: الروض الأنف 4/ 125.
[8] جَلِيدًا: قَوِيًّا. ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/284.
[9] رجل نَسِيبٌ: مَنْسُوب ذو حَسَبٍ ونَسَبٍ. ابن منظور: لسان العرب، 1/755.
[10] رجل وسِيط؛ أَي حَسِيب في قومه. يقال: هو من أَوسَطِ قومِه؛ أي خيارِهم، وأَوْسَطِ قومه؛ أَي من أَشْرَفِهم وأَحْسَبِهم. انظر: ابن منظور: لسان العرب، 7/426.
[11] هكذا عند ابن هشام وابن سيد الناس وابن كثير والصالحي، وعند الطبري وأبي نعيم وابن الجوزي: "يَعْمِدُونَ".
[12] لعلهم قالوا: بنو عبد مناف. على الرغم من وجود بطنين من بني عبد مناف؛ وهما: بنو نوفل، وبنو عبد شمس؛ لأن ذلك يُعدُّ تعدِّيًا على القبيلة كلها، وعصبيتهم القبلية ستدفعهم إلى حربهم، وراجع موقف قريش السابق في شعب أبي طالب عندما عزموا على قتله صلى الله عليه وسلم واستعان عمُّه بشقَّيْ بني عبد مناف بني هاشم وبني المطلب، وراجع كلام زهير بن أبي أمية للمطعم بن عدي وهو من بني نوفل في نقض الصحيفة وتذكيره بقبيلتهم بني عبد مناف.
[13] العقل: الدية؛ وهي حقُّ القتيل، وإِنما قيل للدية عَقْلٌ؛ لأنهم كانوا يأتون بالإبل فيَعْقِلونها بفِناء وَلِيِّ المقتول، ثم كثُر ذلك حتى قيل لكل دية عَقْلٌ. انظر: ابن منظور: لسان العرب، 11/458.
[14] ابن هشام: السيرة النبوية 1/480-482، والطبري: تاريخ الرسل والملوك، 2/370-372، وأبو نعيم الأصبهاني: دلائل النبوة ص200-204، وابن الجوزي: المنتظم 3/45-47، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/205، 206، وابن كثير: البداية والنهاية 3/215، 216، والصالحي: سبل الهدى والرشاد 3/231، وقال محمد بن طاهر البرزنجي: رواية الطبري حسنة بمجموع طرقها. انظر: صحيح تاريخ الطبري، 2/60، وقال الصوياني: حديث حسن بطرقه. انظر: السيرة النبوية 1/254، والصحيح من أحاديث السيرة النبوية ص141.