مروءة النبي صلى الله عليه وسلم
نضرب مثلاً واحدًا، ولكنه عظيم؛ للإشارة إلى مروءة النبي صلى الله عليه وسلم فقد أرسل سرية إلى نجد، فأسَرَتْ رجلاً، وأتت به إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عمَّا عنده لعله يُسلم، فيجيب الرجل بثباتٍ وإصرار بغير ذلك؛ فتتجلَّى مروءةُ النبي صلى الله عليه وسلم بعدما رأى من ثبات الرجل وتمسكه، فأمر بإطلاق سراحه، فما كان من الرجل إلا أن أسلم لمَّا عاين من هذه الشمائل والصفات للنبي صلى الله عليه وسلم.
ويروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه هذا الموقف الجليل، قال: بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حَنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بساريةٍ من سواري المسجد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما عندك يا ثمامة؟" فقال: عندي خيرٌ يا محمد، إن تقتلْني تقتلْ ذا دمٍ، أي: سيثأر له قومه، وإن تُنْعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسَلْ منه ما شئت، فتُرك حتى كان الغد، ثم قال له: "ما عندك يا ثمامة؟" فقال: عندي ما قلتُ لك، إن تُنْعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد، فقال: "ما عندك يا ثمامة؟"، فقال: عندي ما قلت لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطلقوا ثمامة"، فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينُك أحبَّ الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدُك أحبَّ البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوتَ؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبةُ حِنطة (قمح) حتى يأذن فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم[1].
فانظر إلى هذا الرجل الذي دخل الإسلام بفضل الله، ثم بمروءة رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والقمة السامقة في المروءة، ولاحظ أنه لم يُكرَهْ على ذلك، ثم انظر سرعان ما تحول إلى محب ومطيع وجندي من جنود الإسلام بعد أن كان مبغضًا ومعاندًا.