أبو أيوب الأنصاري
أبو أيوب الأنصاري، خالد بن زيد بن كليب الخزرجي النجاري، صحابي من الأنصار، شهد بيعة العقبة وغزوة بدر وغزوة أحد وسائرَ المشاهد مع رسول الإسلام محمد ، وهو الذي خصَّه الرسولُ محمدٌ بالنزول في بيته عندما قدم المدينة المنورة مهاجراً، وأقام عنده حتى بنى حجره ومسجده وانتقل إليها. آخى الرسولُ محمدٌ بينه وبين الصحابي مصعب بن عمير، وكان أبو أيوب الأنصاري مع علي بن أبي طالب ومن خاصته، فقد شهد مع علي موقعة الجمل وصفين، وكان على مقدمته يوم النهروان، وقيل إنه لم يشهد صفين، ولكن شهد النهروان. لزم أبو أيوب الجهاد، وقال: "قال الله تعالى: (انفروا خفافاً وثقالاً)، فلا أجدني إلا خفيفاً أو ثقيلاً"، ولم يتخلف عن الجهاد إلا عاماً واحداً، فإنه استُعمل على الجيش رجلٌ شابٌ، فقعد ذلك العام، فجعل بعد ذلك يتلهف ويقول: "وما علي من استُعمل علي؟".
توفي أبو أيوب الأنصاري مجاهداً سنة خمسين من الهجرة، وقيل سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة اثنتين وخمسين وهو الأكثر، وكان في جيشٍ متوجهٍ لفتح القسطنطينية، يقوده يزيد بن معاوية في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان، فمرض أبو أيوب، فدخل عليه يزيدٌ يعوده فقال: "ما حاجتك؟"، قال: "حاجتي إذا أنا مت فاركب، ثم سغ في أرض العدو ما وجدت مساغاً، فإذا لم تجد مساغاً فادفني ثم ارجع"، فتوفي أبو أيوب، ففعل الجيش ذلك، ودفنوه بالقرب من القسطنطينية، وأمر يزيد بالخيل فجعلت تقبل وتدبر على قبره، حتى عفا أثرَ القبر، وقبره هنالك يستسقي به الروم إذا قحطوا. وقيل إن الروم قالت للمسلمين في صبيحة دفنهم لأبي أيوب: "لقد كان لكم الليلة شأن"، قالوا: "هذا رجل من أكابر أصحاب نبينا وأقدمهم إسلاماً، وقد دفناه حيث رأيتم، ووالله لئن نبش لا ضرب لكم بناقوس في أرض العرب ما كانت لنا مملكة". وقد رَوَى عن أبي أيوب الأنصاري عددٌ من الصحابة منهم: ابن عباس، وابن عمر، والبراء بن عازب، والمقدام بن معد يكرب، وأنس بن مالك، وجابر بن سمرة، وكذلك عددٌ من التابعين منهم: سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وعطاء بن يسار، وغيرهم.
(1) - نسبه
هو: خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار، واسمه تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر، أبو أيوب الأنصاري الخزرجي النجاري.
أمه: هند بنت سعيد بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج
(2) - إسلامه ومبايعته للرسول محمد
أسلم أبو أيوب الأنصاري قبل هجرة الرسول محمد إلى المدينة المنورة، وكان أحد الصحابة الذين شهدوا بيعة العقبة الثانية، فقد قدم مكة من أهل يثرب ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، من الأوس أحد عشر رجلاً، ومن الخزرج اثنان وستون رجلاً، منهم أبو أيوب الأنصاري الخزرجي. وجرت بينهم وبين الرسول محمد اتصالات سريّة أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا ليلاً في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى، فلما التقوا به وكان بصحبة عمّه العباس، قالوا له: "يا رسول الله نبايعك؟"، فقال لهم: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة»، فبايعوه رجلاً رجلاً بدءًا من أسعد بن زرارة وهو أصغرهم سنًا.وعُرف ذلك الاتفاق بـ بيعة العقبة الثانية، وقد كانت في شهر ذي الحجة قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بثلاثة أشهر.
(3) - نزول الرسول محمد في بيته
لما خرج رسولُ الله محمدٌ من مكة مهاجراً، أقام بقباء في بني عمرو بن عوف، يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجده، ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة. فأتاه عتبان بن مالك، وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف، فقالوا: "يا رسول الله، أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة"، قال: «خلوا سبيلها، فإنها مأمورة»، لناقته، فخلوا سبيلها.
فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بياضة، تلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، في رجال من بني بياضة فقالوا: "يا رسول الله، هلم إلينا، إلى العدد والعدة والمنعة"، قال: «خلوا سبيلها فإنها مأمورة»، فخلوا سبيلها. فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني ساعدة، اعترضه سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، في رجال من بني ساعدة، فقالوا: "يا رسول الله، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة"، قال: «خلوا سبيلها، فإنها مأمورة»، فخلوا سبيلها.
فانطلقت، حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج، اعترضه سعد بن الربيع، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن رواحة، في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا: "يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة"، قال: «خلوا سبيلها، فإنها مأمورة»، فخلوا سبيلها. فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار، وهم أخواله دنياً (أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو إحدى نسائهم)، اعترضه سليط بن قيس، وأبو سليط، أسيرة بن أبي خارجة، في رجال من بني عدي بن النجار، فقالوا: "يا رسول الله، هلم إلى أخوالك، إلى العدد والعدة والمنعة"، قال: «خلوا سبيلها فإنها مأمورة»، فخلوا سبيلها.
فانطلقت، حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار، بركت على باب مسجده (المسجد النبوي)، وهو يومئذ مربد (الموضع الذي يجفف فيه التمر) لغلامين يتيمين من بني النجار، ثم من بني مالك بن النجار، وهما في حجر معاذ بن عفراء، سهل وسهيل ابني عمرو. فلما بركت، والرسولُ عليها لم ينزل، وثبت فسارت غير بعيد، والرسولُ واضع لها زمامَها لا يثنيها به، ثم التفتت إلى خلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه، ثم تحلحلت وزمت ووضعت جرانها (وهو ما يصيب الأرض من صدر الناقة وباطن حلقها)، فنزل عنها الرسولُ محمدٌ . فاحتمل أبو أيوب الأنصاري رحله، فوضعه في بيته، ونزل عليه الرسولُ محمدٌ ، وسأل عن المربد لمن هو، فقال له معاذُ بن عفراء: "هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابني عمرو، وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه، فاتخذه مسجداً"، فأمر به الرسولُ أن يبنى مسجداً، ونزل الرسولُ على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه، فعمل فيه الرسولُ ليرغِّب المسلمين في العمل فيه، فعمل فيه المهاجرون والأنصار، ودأبوا فيه. وقد اختُلف في مدة مقام الرسول بدار أبي أيوب الأنصاري، فقال الواقدي: "سبعة أشهر"، وقال غيره: "أقل من شهر والله أعلم"
وفي رواية عن موسى بن عقبة قال: «وكانت الأنصار قد اجتمعوا قبل أن يركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من بني عمرو بن عوف، فمشوا حول ناقته لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شحاً على كرامة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وتعظيماً له، وكلما مر بدار من دور الأنصار دعوه إلى المنزل فيقول صلَّى الله عليه وسلَّم: «دعوها فإنها مأمورة فإنما أنزل حيث أنزلني الله»، فلما انتهت الناقة إلى دار أبي أيوب بركت به على الباب، فنزل فدخل بيت أبي أيوب حتى ابتنى مسجده ومساكنه».
أقام الرسولُ محمدٌ في بيت أبي أيوب حتى بُني له مسجدُه ومساكنُه، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب، وها هو أبو أيوب يروي قصةً وقعت له عندما كان الرسولُ محمدٌ في بيته فيقول:
أبو أيوب الأنصاري لما نزل علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في بيتي، نزل في السفل، وأنا وأم أيوب في العلو، فقلت له: "يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السفل"، فقال: "يا أبا أيوب، إن أرفق بنا وبمن يغشانا، أن نكون في سفل البيت". قال: فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفله، وكنا فوقه في المسكن، فلقد انكسر حب (أي جرة) لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحاف غيرها، ننشف بها الماء، تخوفاً أن يقطر على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منه شيء فيؤذيه. قال: وكنا نصنع له العشاء، ثم نبعث به إليه، فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده، فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له بصلاً أو ثوماً، فرده رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم أر ليده فيه أثراً، قال: فجئته فزعاً، فقلت: "يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، رددت عشاءك، ولم أر فيه موضع يدك، وكنت إذا رددته علينا، تيممت أنا وأم أيوب موضع يدك، نبتغي بذلك البركة"، قال: "إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة، وأنا رجل أناجي، فأما أنتم فكلوه". قال: فأكلناه، ولم نصنع له تلك الشجرة بعد. أبو أيوب الأنصاري
كما روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال: «صنعت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولأبي بكر طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار»، قال: فشق ذلك علي، ما عندي شئ أزيده. قال: فكأني تثاقلت، فقال: «اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار»، فدعوتهم فجاؤوا فقال: «اطعموا»، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله ثم بايعوه قبل أن يخرجوا، ثم قال: «اذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار»، قال أبو أيوب: فو الله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تربعوا»، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا، قال: «فاذهب فادع لي تسعين من الأنصار»، قال: فلأنا أجود بالتسعين والستين مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا، قال: فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار»
(4) - حراسته للرسول محمد
بعد فتح خيبر، أعرس الرسولُ محمدٌ بصفية بنت حيي بن أخطب، وذلك بخيبر أو ببعض الطريق، وهي ابنة زعيم بني النضير حيي بن أخطب الذي قتله الرسول بعد غزوة بني قريظة، وكانت التي جمَّلتها للرسولِ محمدٍ ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان، أم أنس بن مالك، فبات بها الرسولُ محمدٌ في قبة له، وبات أبو أيوب الأنصاري متوشحاً سيفه، يحرس الرسولَ محمداً ويطيف بالقبة، حتى أصبح الرسولُ محمدٌ ، فلما رأى مكانه قال: «مالك يا أبا أيوب؟»، قال: "يا رسول الله، خفت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك"، فقيل أن الرسول محمداً قال: «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني»
وقد كان بعض المنافقين يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين، ويسخرون ويستهزءون بدينهم، فاجتمع يوماً في المسجد منهم ناس، فرآهم الرسولُ يتحدثون بينهم، خافضي أصواتهم، قد لصق بعضهم ببعض، فأمر بهم الرسولُ فأُخرجوا من المسجد إخراجاً عنيفاً، فقام أبو أيوب الأنصاري إلى عمر بن قيس، أحد بني غنم بن مالك بن النجار، وكان صاحب آلهتهم في الجاهلية، فأخذ برجله فسحبه، حتى أخرجه من المسجد، وهو يقول: "أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة"، ثم أقبل أبو أيوب أيضاً إلى رافع بن وديعة، أحد بني النجار، فلببه بردائه ثم نتره نتراً شديداً، ولطم وجهه، ثم أخرجه من المسجد، وأبو أيوب يقول له: "أف لك منافقاً خبيثاً، أدراجك يا منافق من مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم"، أي ارجع من الطريق التي جئت منها، قال الشاعر:
فولى وأدبر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم
(5) - قتاله في غزوة بدر
كان أبو أيوب الأنصاري من الصحابة الذين شهدوا غزوة بدر، فقد روي عنه أنه قال: «قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن بالمدينة: «إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل الله يغنمناها؟»، فقلنا: "نعم"، فخرج وخرجنا فلما سرنا يوماً أو يومين قال لنا: «ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم؟»، فقلنا: "لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم ولكنا أردنا العير"، ثم قال: «ترون في قتال القوم؟»، فقلنا مثل ذلك. فقام المقداد بن عمرو فقال: "إذا لا نقول لك يا رسول كما قال قوم موسى لموسى «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون»"، قال: فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا مثل ما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم، فأنزل الله عز وجل على رسوله: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ».
وروي عنه أيضاً أنه قال: «صفنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف، فنظر إليهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «معي معي»». وأَسَرَ أبو أيوب الأنصاري أبا العاص بن الربيع، وهو رجل من بني أمية ممن منَّ الرسولُ محمدٌ عليهم من الأسارى بغير فداء
(6) - موقفه من حادثة الإفك
رُوي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قد قالت له امرأته أم أيوب: "يا أبا أيوب، ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟"، قال: "بلى، وذلك الكذب، أكنت يا أم أيوب فاعلة؟"، قالت: "لا والله ما كنت لأفعله"، قال: "فعائشة والله خير منك". قالت: فلما نزل القرآن بذكر من قال من أهل الفاحشة ما قال من أهل الإفك، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ قال ابن هشام: "والذي تولى كبره عبد الله بن أبي، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في هذا الحديث قبل هذا"، ثم قال تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ أي فقالوا كما قال أبو أيوب وصاحبته
(7) - في عهد علي بن أبي طالب
ان أبو أيوب الأنصاري مع علي بن أبي طالب ومن خاصته، فقد شهد مع علي موقعة الجمل وصفين، وكان على مقدمته في معركة النهروان، وقيل إنه لم يشهد صفين، ولكن شهد النهروان. فقد قيل إنه ما شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت، وقد قيل إنه شهدها من أهل بدر سهل بن حنيف، وكذا أبو أيوب الأنصاري.
(
- قتاله في معركة النهروان
كان أبو أيوب الأنصاري مع علي بن أبي طالب عندما قاتل الخوارج في معركة النهروان، وقد تقدم أبو أيوب الأنصاري إليهم فأنَّبهم ووبَّخهم فلم ينجع، وتقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إليهم فوعظهم وخوفهم وحذرهم وأنذرهم وتوعدهم، فلم يكن لهم جواب إلا أن تنادوا فيما بينهم أن لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيئوا للقاء الرب عز وجل، الرواح الرواح إلى الجنة. وتقدموا فاصطفوا للقتال وتأهبوا للنزال، ووقفوا مقاتلين لعلي وأصحابه. وجعل علي على ميمنته حجر بن عدي، وعلى الميسرة شبيث بن ربعي ومعقل بن قيس الرياحي، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى أهل المدينة -وكانوا في سبعمائة- قيس بن سعد بن عبادة، وأمر عليٌّ أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول لهم: "من جاء إلى هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن، إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا"، فانصرف منهم طوائف كثيرون، وكانوا في أربعة آلاف فلم يبق منهم إلا ألف أو أقل، مع عبد الله بن وهب الراسبي، فزحفوا إلى علي فقدَّم عليٌّ بين يديه الخيل وقدَّم منهم الرماة وصفَّ الرجالة وراء الخيالة، وقال لأصحابه: "كفوا عنهم حتى يبدأوكم"، وأقبلت الخوارج يقولون: "لا حكم إلا لله، الرواح الرواح إلى الجنة"، فحملوا على الخيالة الذين قدمهم علي، ففرقوهم حتى أخذت طائفة من الخيالة إلى الميمنة، وأخرى إلى الميسرة، فاستقبلهم الرماة بالنبل، فرموا وجوههم، وعطفت عليهم الخيالة من الميمنة والميسرة، ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف فأناموا الخوارج، فصاروا صرعى تحت سنابك الخيول، وقتل أمراؤهم عبد الله بن وهب الراسبي، وحرقوص بن زهير، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سخبرة السلمي. قال أبو أيوب: «وطعنت رجلاً من الخوارج بالرمح فأنفذته من ظهره وقلت له: "أبشر يا عدو الله بالنار"، فقال: "ستعلم أينا أولى بها صلياً"».
وجاء أبو أيوب الأنصاري إلى علي فقال: «يا أمير المؤمنين قتلت زيد بن حصين الطائي، طعنته في صدره حتى خرج السنان من ظهره، وقلت له: أبشر يا عدو الله بالنار، فقال: ستعلم غداً أينا أولى بها صلياً»، فقال له علي: «هو أولى بها صليا»
وقد قيل لأبي أيوب الأنصاري: «قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم جئت تقاتل المسلمين؟» فقال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين»
وروى الأعمش عن علقمة والأسود أنهما قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له: «يا أبا أيوب، إن الله أكرمك بنزول محمد وبمجئ ناقته تفضلاً من الله وإكراماً لك حين أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله؟» فقال: «يا هذا إن الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي، بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فأما الناكثون فقد قاتلناهم وهم أهل الجمل، طلحة والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم -يعني معاوية وعَمْرا- وأما المارقون فهم أهل الطرفات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروان، والله ما أدري أين هم ولكن لابد من قتالهم إن شاء الله. قال: وسمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعمار: «يا عمار تقتلك الفئة الباغية وأنت مذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمار بن ياسر إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس غيره فاسلك مع علي فإنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى، يا عمار من تقلد سيفاً أعان به علياً على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در، ومن تقلد سيفاً أعان به عدو علي عليه قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار»، فقلنا: «يا هذا، حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله»»
وفي سنة أربعين من الهجرة، وجه معاويةُ بنُ أبي سفيان بسرَ بنَ أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز، فساروا من الشام حتى قدموا المدينة، وكان أبو أيوب الأنصاري عاملَ علي بن أبي طالب على المدينة المنورة، ففر منهم أبو أيوب فأتى عليّاً بالكوفة، ودخل بسر المدينة ولم يقاتله أحد.
(9) - قتاله في جيش يزيد ووفاته
في سنة تسع وأربعين من الهجرة غزا يزيد بن معاوية بلاد الروم حتى بلغ القسطنطينية، ومعه جماعات من سادات الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري. وقد ثبت في صحيح البخاري أن الرسولَ محمداً قال: «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم» فكان هذا الجيش أول من غزاها، وما وصلوا إليها حتى بلغوا الجهد. وفيها توفي أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري، وقيل لم يمت في هذه الغزوة بل بعدها سنة إحدى أو ثنتين أو ثلاث وخمسين. فعندما كان أبو أيوب الأنصاري في الجيش مَرِض، فدخل عليه يزيدٌ يعوده فقال: "ما حاجتك؟"، قال: "حاجتي إذا أنا مت فاركب، ثم سغ في أرض العدو ما وجدت مساغاً، فإذا لم تجد مساغاً فادفني ثم ارجع"، فتوفي أبو أيوب، ففعل الجيش ذلك، ودفنوه بالقرب من القسطنطينية، وأمر يزيد بالخيل فجعلت تقبل وتدبر على قبره، حتى عفا أثرَ القبر، وقبره هنالك كان الروم يستسقون به إذا قحطوا. وقيل إن الروم قالت للمسلمين في صبيحة دفنهم لأبي أيوب: "لقد كان لكم الليلة شأن"، قالوا: "هذا رجل من أكابر أصحاب نبينا وأقدمهم إسلاماً، وقد دفناه حيث رأيتم، ووالله لئن نبش لا ضرب لكم بناقوس في أرض العرب ما كانت لنا مملكة".
وبعد أن فتح المسلمون القسطنطينية عام 1453، على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، بنوا على قبر أبي أيوب الأنصاري مسجداً، وذلك في عام 1458، وسمَّوا ذلك المسجد مسجد أيوب سلطان نسبة لأبي أيوب الأنصاري